أنا متأكسدة
حسين علوان حسين
الحوار المتمدن
-
العدد: 8281 - 2025 / 3 / 14 - 20:47
المحور:
الادب والفن
في صبيحة ذلك اليوم، داخل معرض "أحذية اليَمِّ" الكائن في ساحة "الزعيم" بشارع الرشيد، عَرِفَ "حامد" – صاحب المحل – شاباً وسيماً، لمّاع البشرة والملابس والساعة، وهو يمضّي وقتاً طويلاً محدقاً بأصناف الأحذية الرجالية الفاخرة المعروضة دون أن يستطيع حزم أمره بانتقاء أي نوع منها. قام حامد من كرسيه وتوجه نحو الشاب، وسأله:
- تفضل، أستاذ ! جنابكم إبن المرحوم الحاج أمين البزاز، أليس كذلك؟
- نعم، وكيف عرفت؟
- لقد كنّا نسكن هنا قبل انتقالنا للكرادة. تفضل، أستاذـ أعتبر هذا المحل محلك! قل لي نوع الحذاء الذي تُفضِّل، وسأخرج لك أفخر حذاء في العراق كله. أحذيتنا كلها مصنوعة من الجلد الطبيعي الفاخر وفق آخر الموديلات العالمية!
- تالله أنا محتار، عمّو. موعد عرسي بعد أسبوعين، ولست متأكداً من أن الحذاء الذي أختار سينال اعجاب خطيبتي!
- ألف مبروك! ما لون قاط الزفّة الذي اخترت؟
- لم أختره بعد!
- السموكن الكحلي مناسب جداً لبشرتك البيضاء وعينيك السوداوين الكبيرتين!
- صحيح؟ جزيل الشكر!
- ما رأيك، أستاذ، بهذا الموديل الخرافي؟ حذاء كحلي، رسمي وأنيق جداً!
- هذا القَبَغْلي؟
- نعم، إنه آحدث موديل: "لوفر اليكانتي". مريح وخفيف! كم تلبس؟
- 42.
- 42... هذا من حجم 42... تفضل، قَدِّر، أستاذ! استخدم هذه الكَرَته.
- مشكور! يبدو مناسباً! كم هو سعره؟
- لك، بمائة ألف !
- طيب! ولكن لي طلب عندك، عمّو!
- تفضل، أستاذ، أطلب!
- سأشتريه، ولكنه إن لم يعجب خطيبتي، فسأستبدله بغيره!
- متى؟
- خلال أقل من ساعة. أنت تعلم بأن بيتنا قريب! سأعطيه لشقيقتي كي تريه لجارتنا خطيبتي وتأخذ رأيها فيه!
- بشرط: لا يجوز المشي به، والاستبدال يكون اليوم!
- يجرالك، عمَو!
بعد مضي ساعة، عاد الشاب وهو يحمل كرتونة الحذاء الذي اشتراه إلى محل حامد وقال:
- أنا آسف جداً، عمَو! الحذاء لم يعجب خطيبتي مع الأسف! إنها تفضل أن أرتدي حذاء بقيطان يوم الزفّة!
- وهو كذلك! أمم ... هذا حذاء "مدريد" كحلي فاخر، ولكنه أغلى!
- بكم، عمّو؟
- مائة وعشرون ألفاً !
- سآخذه، ولك بنفس الشرط: موافقة الخطيبة!
- صار!
بعد مضي أقل من ساعة، عاد الشاب وهو يحمل كرتونة الحذاء الذي اشتراه إلى محل حامد، وقال:
- أنا آسف جداً مرة اخرى، عمّو! خطيبتي تفضل حذاء بقيطان عريض!
- صار! هذا حذاء "سنكرز" كحلي بنعل عال فاخر، حجم 42، وهو أرخص!
- بكم ؟
- تسعون ألفاً.
- ولكن بنفس الشرط: موافقة خطيبتي!
- صار!
بعد مضي نصف ساعة، عاد الشاب وهو يحمل كرتون الحذاء الذي اشتراه إلى محل حامد، وقال:
- أنا جداً آسف جداً مرة أخرى، عمّو! خطيبتي تفضل حذاء بنفس القيطان ولكن بنعل أقل سمكاً كي لا تبدو قصيرة ونحن نتمشى معاً !
- أعتذر، أستاذ! أفضل حل هو أن تأتي مع خطيبتك كي تختاران معا الحذاء المناسب!
- ولكن مجيئها معي سيستغرق بعض الوقت حيث ينبغي لي ارسال الوالدة لاستحصال موافقة أمها وأبيها وأخيها وعمها وخالها!
- متى تستطيعان تشريف المحل بمقدمكما الميمون؟
- صباح يوم بكرة، إن سار كل شيء على مايرام!
- صار!
في صبيحة اليوم التالي، جاء الشاب وخطيبته لمحل أحذية "اليَم" وذلك بمعية وفد من النسوان والشبَان، فاختارت الخطيبة لخطيبها حذاء أسود من نوع "أوكسفورد". سألها حامد:
- عيني عروستنا الوردة: هل أنت متأكّدة كل التأكد من اختيارك هذا؟
- أممم ... تستطيع أن تعتبرني متأكّدة!
- متأكّدة ، متأكدة؟
- نعم! ليس فقط متأكدة، بل ... أممم ... ومتأكسدة!
- الله يتمم عليكم بالخير، وبالرفاء والبنين!
في ظهيرة يوم الجمعة التالي، ألتقى حامد بالعريس في المسجد، وراعه سربال الكأبة الذي يلف محيَاه.
- السلام عليكم، أستاذ!
- وعليكم السلام، عمّو!
- متى، بالخير، تكمل نصف دينك كي نقوم بأداء الواجب؟
- مع الأسف، عمّو، لقد فسخت خطيبتي الخطبة!
- ما معقولة! ولماذا، لا سمح الله؟ من أين لها بشاب كيّس وإبن حمولة مثلك؟
- لقد فضَّلت عَليَّ: ﭼوقي بن نزيمة!
- قُلْ غيرَ هذا! غير معقول! هذا فرد واحد مسقّط ودايح!
- كان! أما اليوم فهو مسؤول الاستثمارات في المليشيا الفلانية! ولقد وعد شقيقها بهدية سيارة جكسارة فول أوبشن صبيحة يوم الدخلة!
- تْخَسا وتْهَبا! عيني أستاذ، هذا الكلام غير معقول! كيف ترمي نفسها مثل هذه الرمية المصخّمة؟ هل بعثت بأمك للتداول معها بهذا الخصوص للتأكد فعلاً من اختيارها لهذا السرسري: ﭼوقي بن نزيمة؟
- نعم !
- وماذا كان ردها؟
- قالت للوالدة: تستطيعين مممم أن تعتبريني متأكسدة!