الرد على مقالة الباحث: السيد عبد الحسين سلمان/ 10-20
حسين علوان حسين
الحوار المتمدن
-
العدد: 8258 - 2025 / 2 / 19 - 22:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يواصل من بعدها الباحث السيد عبد الحسين سلمان المحترم "تحقيقة" لنسب الإمام محمد بن إدريس الشافعي، ليقول عنه بسطرين فقط:
"الإمام محمد بن إدريس الشافعي، (150هـ/766م - 204هـ/820م)، ومذهبه الشافعي
أختلف في موطنه , قسم يقول من غزة في فلسطين وقسم يقول انه كان من الموالي."
انتهى تحقيقه "الجامع المانع" – ما شاء الله – لنسب الإمام الشافعي: "أبو عبد الله، محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر (وهو الذي لقب بـ "قريش") بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ؛ وأمه فاطمة بنت عبد الله الأزدية.
في تعريف المنقود المسخ أعلاه، لدينا فيه أولاً جملة "أُختلف في موطنه".
وهو يعني - لا ريب في إطار سعيه القصدي الفاشل لاستعجام العرب الخلّص - أن العربي الذي يُختَلف في تحديد موطنه، كائناً ما كان هذا الموطن، فهو غير عربي. إذن المعيار الذي يستخدمه المنقود هنا إنما هو "الموطن". ولكن ما المقصود بمفردة: "الموطن" هنا؟ هل هو مسقط الرأس، أم الأماكن والبلدان التي يسكن فيها الشخص خلال حياته؟ الشافعي ولد في غزة بفلسطين وتوفي والده الشاب فيها هو طفل، فانتقلت أمه به إلى أهلها في اليمن. ولكونه قرشياً من بني عبد المطلب، فقد انتقلت به أمه من بعدها إلى أهل بيت أبيه في مكة. بعد بلوغه سن العشرين، إنتقل الشافعي من مكة إلى المدينة المنورة في الحجاز، ومن بعدها إلى بغداد في العراق، ثم إلى مكة، ثم إلى بغداد ثانية، ومن بعدها إلى مصر، حيث توفي ودفن هناك. ما هو "موطنه" في ضوء كل هذا: فلسطين، أم اليمن، أم الحجاز، أم العراق، أم مصر؟ وما علاقة كل هذه المواطن – وكلها عربي – التي أقام فيها خلال حياته بنسبه؟
طيب، ما دام "الموطن" هو المعيار الذي يعتمده المنقود في تحقيقه لنسب للشافعي، فلماذا رفض المنقود نفس هذا المعيار في تحقيقه لنسب مالك بن أنس المولود في المدينة المنورة وأعتبره غير عربي، مثلما رأينا في الحلقة السابقة؟ لماذا هذا الكيل بمكيالين؟
ثم ما علاقة "الموطن" بنسب الشخص؟ الخليفة العباسي الخامس هرون الرشيد ولد بالري – وهي الآن ضاحية من ضواحي مدينة طهران – وعليه فلا بد أن يكون هذا الخليفة العباسي الذي جده هو العباس عم النبي – وفق هذا المعيار الأعوج – إيرانياً، لكون مولده هو في ايران التي هي "موطنه"!
ولكن ما هو الاختلاف الحاصل في موطن الشافعي الذي يذكره المترجمون لحياته؟ إنه بين "عسقلان" و غزة"، فحسب. وعسقلان هو اسم المقاطعة التاريخي اتي تقع فيها مدينة غزة. فإذا ما كنت أنا - مثلاُ - قد ولدت في الكاظمية وقال المؤرخ عني انني مولود في بغداد، وقال الآخر في الكاظمية ، فعندئذ سيقول عني المنقود: "اختلف في موطنه، فهو ليس عربياً عراقياً، ولعله من الموالي"!
ووفقاً للمعايير العوجاء للمنقود فأن عسقلان وغزة في زمن الدولة العباسية لم تكن منطقة عربية واحدة؛ وأن غزة العزة - التي مرَغ بالأوحال سبعون بطلاً عربياً منها فقط جيوش دولة عصابات الإبادات الجماعية الصهيونية الممنهجة في 7 أكتوبر 2023 - لا يعرفها العرب والمسلمون بإسم "غزة هاشم" التي يوجد بها قبر هاشم بن عبد مناف الجد الثاني للنبي محمد بن عبد الله.
ثم يقول لنا: "وقسم يقول انه من الموالي"!
ولقد كان الأجدر به أن لا يتفوه بهذه الفرية لأنها ستبقى سبّة عليه أبد الدهر.
المنقود من الجهل بتاريخ وتراتبية المجتمع المكي قبل الاسلام وبعده حدَّ عدم ادراكه الحقيقة الساطعة التي تقطع بأن بني هاشم كانوا هم الأسياد الذين لا يسود عليهم سيّد غيرهم في مكة، منذ قصي جد محمد وبعد محمد (حتى تنصيب الانجليز لخدمهم عصابة المريخانيين عليها عام 1925 بعد رفض الشريف حسين القاطع والحازم لوعد بلفور) بفضل سيطرتهم على التجارة والاقتصاد وإشرافهم على مناسك الحج وخدمة الحرم المكي الذي تقدسه القبائل العربية والمسلمون كافة. لذا، تجد أن أول نقابة أنساب رسمية تأسست في الإسلام كانت هي نقابة الطالبيين لمنع غيرهم من انتحال نسبهم، لكونهم لا تحل عليهم الصدقة قانوناً في الاسلام، ولهم خُمس جدهم محمد ضريبة بعنق كل المسلمين، وهم يتولون العرب ولا يوالون. والهاشميون هم من أسسوا الدولة الاموية في الشام والأندلس والدولة العباسية والفاطمية والأدارسة؛ وحكموا - ومازالوا - في العصر الحديث في الحجاز (الشريف حسين) وسوريا (الملك فيصل الأول) والعراق (الملك فيصل الأول وأنجاله) والاردن (الملك عبد الله وأنجاله) وليبيا (الملوك السنوسيون) والمغرب (أسرة الأمثل الفاليين) ..
وقد قيل: الجاهل عدو نفسه قبل أن يكون عدواً لغيره.