قاريء الكف: الدكتور ماكس
حسين علوان حسين
الحوار المتمدن
-
العدد: 8318 - 2025 / 4 / 20 - 20:20
المحور:
الادب والفن
بعد أن جلس الزبون على الكرسي الثابت الوثير الكائن قبالة الكرسي المتحرك القابع عليه قاريء الكف: الدكتور ماكس في عيادته بلندن، بدأ الزبون كلامه بالقول:
- دكتورنا العزيز: جنابنا موعود بمنصب مهم جداً، وأريد معرفة قوة حظي بالاستحواذ عليه، من لطفك، دكتور.
- طيّب. لقد جئت لعيادة العالِم الذي يصارحك بالحقائق بلا لف ولا دوران.
- دكتور، أنتم أشهر من نار على علم في اختصاصكم الجليل هذا!
- شكراً لكم! الإسم الكريم، لطفا؟
- عبّود .
- قل لي ، سيد هبّود، أي كفٍّ تستخم في الكتابة: الأيمن أم الأيسر؟
- الأيمن؛ دكتور.
- إذاً، دعني أتفحص كفّك الأيسر، لطفاَ.
يمدُّ الزبون كفَّه الأيسر الذي يمسك به الطبيب ويقلبه ثم يفحصه من جانبيه بدقة، مستعيناً بعدسة مكبِّرة ضخمة.
- همم. يجدر بي أولاً أن أعطيك الجرعة المصممة لزرع الثقة المطلوبة بدقة استنتاجاتي لدى زبائني كافة. ما رأيك، سيد هبّود؟
- وليكن، دكتور.
- هل ترى هذه الخطوط الأفقية الصغيرة الأربعة تحت إصبعك الصغير، والكائنة على الجانب الخارجي من كفَّك؟
- نعم، دكتور، أراها!
- انها تعني أنك الآن متزوج بأربع نساء. هل هذا صحيح، سيد هبّود؟
- الله أكبر! صحيح ، دكتور. ما شاء الله!
- طيب، هل ترى هذه الخطوط العمودية الصغيرة الكائنة أسفل إصبعك الصغير. إنها خمسة، أليست كذلك؟ تفحَّصها بنفسك جيداً تحت العدسة المكبرة، هل تراها، سيد هبّود؟
- نعم، نعمّ، رأيتها، دكتور.
- انظر، الثلاثة منها على اليمين أعمق نسبياً من الخطين على اليسار؛ صحيح، سيد هبّود؟
- همم ، دعني ابحلق بها ... صحيح، دكتور، صحيح!
- هذا يعني أن لديك خمسة أبناء: ثلاثة من الذكور، وأثنان من الإناث؛ صحيح، سيد هبّود؟
- الله أكبر! صح، دكتور! بارك الله لكم في عميق علومكم الربّانية! أنت عالم مكشوف عنه الحجاب، بكل حق وحقيق!
- هل ترى معي كيف أن أول خط للذكور منقطع في الوسط، سيد هبّود.
- همم . دعني أدقق، فنظري ضعيف جداً رغم النظارات السميكة التي أرتدي والتي وصفها لي الطبيب البارحة فقط!
- ها هو الخط المنقطع تحت العدسة المكبّرة، هل ميّزته، سيد هبّود.
- همم. لحظة؛ همم ، نعم ، نعم ، إنه منقطع في وسطه.
- عال، وهذا يعني أن ابنك البكر يشكو من مرض عضال، سيد هبّود، أليس كذلك؟
- يا الله! نعم ، نعم، دكتور! إنه طفل منغولي لأني تزوجت أمه وعمرها 13 سنة فقط!
- 13 سنة؟ انتظر لحظة: كيف سمحت لنفسك بالزواج من طفلة، سيد هبّود؟
- دكتور، أرجوك افهمني: الزواج بالقاصرات هو عادة جارية في بلدنا بحكم العرف الاجتماعي السائد والشريعة السمحاء والقانون النافذ المفعول!
- أي قانون هذا الذي يحلل ما تحرمة القوانين الدولية، مستر هبّود؟ ها؟ كيف سمحت لنفسك باغتصاب طفلة، ها؟
- يا دكتوري العزيز، أرجوك افهمني: في بلدي العراق، الشريعة السمحاء تجيز الزواج بالقاصرات بموافقة ولي الأمر، كما أن البرلمان العراقي قد شرّع مؤخراً قانون تحليل اغتصاب القاصرات – استغفر الله: اقصد الزواج بالقاصرات.
- أنت عراقي، مستر هبّود ؟
- نعم، نعم، دكتور؛ أنا من العراق.
- ولماذا لم يقم برلمانكم الجايف بتشريع القوانين التي تحدُّ من التلوث الرهيب للهواء لديكم والذي يقتل الآلاف سنوياً من مواطنيكم الأبرياء، بدلا من اصدار قانون اجرامي يحلل اغتصاب القاصرات بإسم الزواج، ها؟ ما هذا الاستهتار بالمسؤولية الاجتماعية من طرف مشرّعيكم؟
- دكتور، جنابكم مواطن بريطاني، وأنت أعرف منّي بأن القانون في بريطانيا شيء، وفي العراق شيء آخر. لكل بلد قوانينه الخاصة به! أرجوك دكتور، أنا على عجلة جداً من أمري، فطائرتي ستقلع لبغداد بعد ثلاث ساعات فقط، أرجوك!
يتفحَّص الدكتور مجدداً الكف اليسرى الزبون، ثم يقول:
- أنت ترى أن طول راحة يدك هو أقل من طول أصابعك، أليس كذلك، سيد هبّود؟
- نعم، دكتور.
- هذه هي الميزة النموذجية للكفَ الهوائية. وأصحابها يتصفون عموماً بكونهم ثرثارين وحنقبازية، ولكنهم يحتفظون بعلاقات اجتماعية عريضة ومؤثرة. هذا الوصف هو على وجه العموم، وقد تتغاير شدته من شخص لآخر. كما أن غالبية أصحاب الكفِّ الهوائية يتميزون بالسطحية وبالحقد الأعمى وببرودة العواطف وبضعف الاحساس بالواقع؛ وكذلك بالإيمان بقانون: خالِف تُعرف!
- بلا زحمة عليك دكتور، أنا لم آراجعك كي تفضحني! أرجوك دكتوري الفاضل: أنا أريد منك فقط معرفة حظوظي المستقبلية! إفهمني، الله يخليك!
- دعني أتفحص أولاُ خط الحياة على كفّك. هممم ! إنه قصير وسطحي!
- وما معنى هذا ، لطفا، دكتور؟
- هذه علامة نموذجية على أن صاحب مثل هذه اليد يسهل التلاعب به من طرف الآخرين! واضح، مستر هبّود؟
- واضح؛ دكتور.
- ههل ترى هذه الدائرة الصغيرة وسط خط الحياة هذا، والدائرة الثانية الكائنة في نهايته؟
- همم . ننن-عم ، نعم دكتور، أراهما.
- إنهما تعنيان إصابتك بمرض ما، ودخولك للمستشفى في أواسط عمرك الحالي، وأنك ما زلت تعاني حتى اليوم من هذا المرض؛ صحيح، مستر هبّود؟
- صصح صحيح صحيح دكتور، ولكنني أريد معرفة المستقبل فقط، بلا زحمة عليك، دكتوري الفاضل.
- الآن أقول لك. هل ترى هذا الانقطاع المفاجيء في خط الحياة هنا؟ تـَفحَّص هذه البقعة جيداً تحت العدسة المكبِّرة، لطفاً.
يتقحص الزيون البقعة التي يؤشر له الدكتورعلى مكانها؛ ثم يقول:
- نعم، نعم، ولكن هل هل هذا القطع يعني أنني سأموت قريباً، لا سمح الله، دكتور؟
- كلا، كلا! أنها تؤشر فقط إلى الإستراحة ؛ أي إلى حصول التغيّر المفاجئ في نمط الحياة.
- العفو دكتور، ولكن، هل هذا التغيّر المفاجيء الحاصل هو نحو الأحسن، أم لا ؟ هل سأحصل على المنصب الموعود، أم لا؟ الله يخليك، طمئنّي!
- سؤال مهم، مستر هبّود. دعني أرى خط القدر أولاً. همم. عال، عال، مستر هبّود! هذه الانقطاعات والتغييرات في اتجاه خط القدر تعني أنك عرضة للعديد من التغييرات في الحياة بتأثير مباشر من طرف القوى الخارجية.
- هذا صحيح! ولكن ما هو حظي في الفوز بالمنصب الموعود حسب ما يبيُّنه خط القدرهذا؟
- سؤال جيد؛ والإجابة العلمية عليه تستدعي أن نُكامل بين كل المواصفات التي تبيّنها القراءة العلمية لمواصفات كفِّك. دعني أرى؛ لدينا أولاً الانقطاع المفاجيء في خط الحياة الذي يؤشر إلى الإستراحة والتغير المفاجئ في نمط الحياة؛ ثم لدينا ثانياً تلك الانقطاعات والتغييرات في اتجاه خط القدر والتي تبيِّن كونك عرضة للعديد من التغيرات في الحياة بتأثير من طرف القوى الخارجية. فإذا ما جمعنا هذين المؤشرين المهمَّين جداً بمؤشر اليد المائية التي يتم التلاعب بصاحبها بيسر من طرف الآخرين، وبتميّز أصحابها بالثرثرة والحنقبازية ولكنهم يحتفظون بالعلاقات الاجتماعية العريضة والمؤثرة؛ فإن كل هذه المواصفات تسمح لي بالإستنتاج على نحو معقول بأنك ستحصل حتماً على المنصب الموعود! مبروك مقدماً، مستر هبّود!
- بشّرك الله بالخير، دكتور، ورايتك بيضاء! تالله لئن نلت المنصب الموعود، لأركبنَّ الطائرة من بغداد إلى عيادتك المباركة هذه وأؤدي لك حق هذه البشارة الربّانية!
- وعد الحر، دين! ولكنك لم تخبرني بعد، مستر هبّود، ما هو المنصب الموعود به، لطفاً ؟
- رئيس وزراء العراق، دكتور!