الرد على مقالة الباحث: السيد عبد الحسين سلمان/ 17-20


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 8275 - 2025 / 3 / 8 - 09:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أعود لهذا الجزء من نص أبن خلدون السابق بصدد توقف أشتغال الخلفاء العباسيين بالعِلم:
"وأمّا العرب الّذين أدركوا هذه الحضارة وسوقها وخرجوا إليها عن البداوة فشغلتهم الرّئاسة في الدّولة العبّاسيّة وما دفعوا إليه من القيام بالملك عن القيام بالعلم، والنظر فيه، فإنّهم كانوا أهل الدّولة وحاميتها وأولي سياستها مع ما يلحقهم من الأنفة عن انتحال العلم حينئذ بما صار من جملة الصّنائع. والرّؤساء أبدا يستنكفون عن الصّنائع والمهن وما يجرّ إليها ودفعوا ذلك إلى من قام به من العجم والمولّدين. ص 747-9
المصدر:
https://shamela.ws/book/12320/747#p1

عرضت في الحلقة السابقة كيف أن النص أعلاه إنما ينصرف لتوضيح حقيقة أن "الرؤساء العرب في الدولة العباسية تحديداً قد "شغلتهم الرّئاسة في الدّولة العبّاسيّة وما دفعوا إليه من القيام بالملك عن القيام بالعلم، والنظر فيه، فإنّهم كانوا أهل الدّولة وحاميتها وأولي سياستها" . وأوضحت أن المقصود بهذا الكلام إنما هو تثبيت حقيقة التطور الحاصل في تحول مركز السلطة الدينية الاسلامية من شخص النبي إلى شخص الخلفاء الراشدين ومن بعدهم الخلفاء الأمويين إلى القضاة الشرعيين من أتباع المذاهب الأسلامية المختلفة التي قامت في عهد الدولة العباسية؛ وذلك في إطار تقسيم العمل بين الخلفاء والفقهاء في العهد الأخير، حصراً.
نأتي الآن إلى نص إبن خلدون:
"والرّؤساء أبدا يستنكفون عن الصّنائع والمهن وما يجرّ إليها ودفعوا ذلك إلى من قام به من العجم والمولّدين."

ما هو المقصود بـمصطلح "المولّدين" الخلدوني هذا ؟

يعرّف "لسان العرب" لإبن منظور الرجل المولّد بأنه "إذا كان عربيّا غير محض"؛ أي – تحديداً – الرجل المولود من أمِّ غير عربيّة، لأن الذي أبوه غير عربي فهو أعجمي، وفق مبدأ ذكورية النسب العربي العمودي، وهو بالتالي من ضمن "العجم" في تصنيف إبن خلدون المنصوص عليه أعلاه، وليس "المولدين".
إذاً، فإبن خلدون يقسم المشتغلين بالعلوم في الدولة العباسية إلى فئتين: العجم والعرب المؤلّدين. طيب، ماذا عن المشتغلين بالعلوم من العرب الأمحاض في الدولة العباسية؟ لماذا لا يذكرهم ابن خلدون؟ الجواب: لعلمه علم اليقين باختلاط أنساب العرب بالعجم على نحو مطنب طوال ستة قرون منذ بدء الفتوحات الاسلامية عام 632م إلى سقوط الدولة العباسية عام 1258م - وبما يمنع من تمحيض النسب على نحو بات مطلقاً. فحتى العالِم العربي المحض من أمٍ وأبٍ عربيين في العهد العباسي فإنه يتعذر التأكد بسبب سواد وتقادم اختلاط الأنساب بين المسلمين من مختلف الشعوب أن أحداً من أمهات أجداده أو أمهات جداته لم تكن غير عربية. ولهذا كان ابن خلدون يعتبر - عن حق - الأنساب وهمية، و يعتبر الإنسان هو ابن لغته ومرباه وشيوخه، وليس نسبه.
نقطة، رأس السطر. هذا هو كل الموضوع في مقولة ابن خلدون التي لم يفهمها حق فهمها المنقود وغيره من عشرات المؤرخين العرب غير المدققين في هذا الموضوع.

يتبع، لطفاً.