الطاهر الهماّمي والنّضال النقابي


إبراهيم العثماني
الحوار المتمدن - العدد: 7299 - 2022 / 7 / 4 - 01:17
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

[هذا المقال هو في الأصل كلمة ارتجلناها بمناسبة حفل التأبين الذي نظّمته الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي والنقابة الأساسية بكلية الآداب والإنسانيات بمنوبة يوم 15/5 2009. ثمّ أدخلنا عليه تعديلات بمناسبة أربعينية الفقيد ونقدّمه إلى القرّاء مزيدا ومنقّحا.]
إنّ المعاشر للطاهر الهمّامي يدرك أنّه من طينة واحدة على اختلاف اهتماماته وتعدّد مشاغله. فبقدر ما كان مدافعا عن كتابة شعرية تُقدّ مادّتها من روح الشعب التونسي وتُعبّر عن واقعه وآماله وأحلامه بلغة مستوحاة من حياته اليومية كان مدافعا أيضا عن اتحاد نقابي ديمقراطي في ممارساته، مستقل في قراراته، وطني في توجهاته. وقد كلّفته هذه القناعة متاعب جمّة شأنه شأن الكثير من النقابيين أثناء الأزمات التي عاشها الاتحاد. وسنحاول أن نتبيّن ذلك من خلال نشاطه الميداني في قطاع التعليم الثّانوي كما سنعرّج على مساهماته النظرية في المجال النّقابي.


I– النشاط النّقابي:

1– أزمة 1975 ونصيب الطاهر منها:

أوّل مواجهة لقيادة الاتحاد عنيفة وقاسية مع قطاع التعليم الثانوي كانت سنة 1975. فقد رفض المكتب التنفيذي قرار الإضراب الذي اتخذته الهيئة الإدارية القطاعية في اجتماعها المنعقد يومي 7 و8 ديسمبر 1974. وعلّل هذا الرّفض بأنّ أحد بنود اللائحة المهنية هو المطالبة بإرجاع الأساتذة الّذين حوكموا من أجل أفكارهم وطردوا من عملهم. وقد رأت قيادة الاتحاد في ذلك المطلب ممارسة سياسية وابتعادا بالاتحاد عن خطّه المطلبي المعهود. ولمّا أصرّت النقابة العامة على تنفيذ الإضراب جمّد المكتب التنفيذي أعضاءها يوم 20 جانفي 1975 أي ثمانية أيّام قبل تنفيذه( 28 جانفي 1975)،كما حلّ النقابات الجهوية بتونس وسوسة والقيروان والكاف. لكنّ نقابيي الجهات سعوا إلى تجاوز هذه الوضعية الحرجة. فانعقد مؤتمر النّقابة الجهوية بتونس يوم 14 مارس 1975 وأفرز مكتبا يتكوّن من سبعة أعضاء كان الطاهر الهمامي عضوا فيه مسؤولا عن الشؤون التربوية ( انظر جريدة " الشعب" بتاريخ1 /4 /75 ص3 ). لكنّ هذا المكتب لم يُعمّر طويلا ( أقلّ من شهرين). فقد صدر بلاغ بالصفحة الثانية من جريدة " الشّعب" بتاريخ 16 ماي 1975 يعلن إيقاف أعضاء النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بتونس عن النشاط النقابي منذ التّاسع من شهر ماي.
وعلّل المكتب التنفيذي هذا الإجراء باتخاذ نقابة التعليم الثانوي مواقف لا تتماشى وسمعة رجال التعليم ومصالحهم وعدم انضباطها لمبادئ المنظّمة وتنسيقها مع أقلية من أعضاء المكتب الذين أوقفوا عن النشاط في السابق. أمّا السبب الحقيقي فهو رفض النقابة الجهوية أسلوب قيادة الاتحاد، ودفاعها عن الزملاء المطرودين والمطالبة بإرجاعهم إلى سالف عملهم. وكانت النتيجة النهائية تجميد المكتب الجهوي وتعرّض أعضائه لنقلة تعسفيّة كان نصيب الطاهر منها نقلته إلى سليانة وتشتيت شمل عائلته وإرهاقه بمتاعب إضافية.
أمّا المحطّة الثانية فتتمثّل في أزمة 26 جانفي 1978 .


2- مواجهة أزمة 26 جانفي وموقع الطاهر منها:

لئن كانت أزمة 75 داخلية وتتعلّق بالممارسة الديمقراطية ودوس قيادة الاتحاد أبسط أشكالها فإن أزمة 26 جانفي محورها استقلالية القرار ورفض النقابيين هيمنة السلطة الحاكمة على اتحادهم. وأثناء مواجهة مضاعفات هذه الأزمة كان للطاهر الهمامي إسهام فعّال مع جمع من النقابيين. فقد كان بيته قِبلة النقابيين يؤمّونه من كلّ الجهات للاجتماع فيه سرّا بغية بلورة خطّة نضالية لمقاومة المنصّبين والدّفاع عن الهياكل الشّرعية والمطالبة بإطلاق سراح النقابيين المسجونين. وقد كانت ظروف النضال قاسية وعسيرة ورغم ذلك استمات هو وزملاؤه في الدفاع عن اتحاد حرّ ومستقل إلى أن انفرجت الأزمة بداية من سنة 1980 .
ولكن الاتحاد سيشهد مرّة أخرى أزمة جديدة سيكون للطاهر نصيبه منها.


3- أزمة 1984 وطرد الطاهر من الاتحاد:

هي أزمة فرضتها قيادة الاتحاد على قطاع التعليم الثانوي أوّلا ثمّ على اليسار النّقابي ثانيا سنة1984. وقد اندلعت هذه الأزمة بعد أن رفضت الهيئة الإدارية لقطاع التعليم الثانوي الاتفاقية التي أمضاها المكتب التنفيذي مع الحكومة دون الرّجوع إلى هياكل القرار، وألغى بموجبها الإضراب الذي كان مقرّرا شنّه في الوظيفة العمومية. وقد أوقفت قيادة الاتحاد في البداية كلّ أعضاء الهيئة الإدارية عن النشاط النقابي ثمّ جرّدتهم لاحقا كما جرّدت عددا كبيرا من المسؤولين النقابيين في قطاع التعليم الثانوي وقطاعات أخرى. وقد كان الطاهر من بين المجرّدين من الصفة النقابية، وقد تحدّث عن هذا التجريد بأسلوب ساخر، وتهكم على الأسلوب اللاديمقراطي الذي اتبعته قيادة الاتحاد في مقال موسوم ب"رسالة من طريد الضيعة"( انظر كتابه" دفاعا عن الديمقراطية النقابية – ماي 1984- 1985 " ص 37 ).

وهذا الكتيّب يتضمّن نصوصا متميّزة جديرة بالقراءة والتّمعّن في كلّ منعرج يعيشه الاتّحاد، وتؤكّد هذه النّصوص راهنيّتها وتثبت أنّ دار لقمان على حالها وأنّ بيروقراطيّة2022 أشدّ شراسة وعدائيّة للدّيمقراطيّة النقّابيّة ولليسار النّقابي من بيروقراطيّة1984 رغم تخرّجهما في مدرسة واحدة سيّئة الذّكر. ومن الضّروري الاطّلاع واستيعاب ما جاء في نصوص من قبيل:خطّان متقابلان في الحركة النقابيّة- الدّيمقراطيّة النقابيّة محور الأزمة الدّاخليّة للاتّحاد العام – اليسار النّقابي: أمس متعثّر وغد مزهر...
تلك هي مواقف الطاهر الهمامي خلال الأزمات التي عاشها الاتحاد وتلك هي ضريبة تحمل المسؤولية. ولمّا التحق بالتعليم العالي لم يتحمّل أي مسؤولية نقابية لكنّه كان مشاركا في كلّ نضالات الأساتذة الجامعيين و كانت فاتورة مشاركته في الإضراب الإداري(2005) باهظة الثمن إذ أقصي على الهوية لمّا بلغ سنّ الستين.
وفي الحقيقة لم يقتصر نشاط الطاهر على العمل الميداني بل كان له إسهامه النظري المتصل بجملة من القضايا النقابية.


II - الإسهام النّظري:

خصّ الطاهر الهمامي رموز الحركة النقابية في تونس بمقالين في جريدة" الرأي" سنة 1980 بمناسبة مرور الذّكرى الثامنة والعشرين على اغتيال فرحات حشّاد (" خط حشّاد" -5 ديسمبر 1980 –ص 2 ) والذكرى الخامسة والأربعين على وفاة الطاهر الحدّاد (" الحدّاد كفاح اجتماعي من غير بوصلة سياسية" – 12 ديسمبر 1980 –ص 6/7 )، ووعد بكتابة مقال ثالث عن ابن الحامة وباعث النقابات الوطنية ولكنه لم يفعل ذلك. ثم عاد إلى هذه الرّموز وإلى مسائل نقابية أخرى للحديث عنها في سلسلة من المقالات ظهرت في مجلة "حقائق"سنتي 85 /86 ثمّ جمّعت في كتاب موسوم ب"ذاكرة شعب". وفيه نقرأ "نقابة القناوي" (ص47)، و"فرحات حشّاد "الحقّ يعلو" (ص100)، وخصّ الطّاهر الحدّاد بأربعة مقالات:"خمسينيّة الرّجل الّذي صمد"(ص 106-108)، "كلمات لم تمت"(80-82)، مع الحدّاد ثانية: العقل والعلم مفتاح النّهضة"(83-85)، "الرّوح النقابيّة عندنا لن تموت"(ص98). كما نجد في طيّات هذا الكتاب بيانين صادرين عن جامعة عموم العملة التّونسيّين قام الطّاهر بترجمتهما: بيان غرّة ماي 1925(ص 53-55)،"إلى البروليتاريّين"(ص 102/103). بالإضافة إلى نصوص أخرى من قبيل "حق الاجتماع...افتكّه التّونسيّون بالتّضحيات"(ص 34-36)، "طول نفس النّقابيّين"(ص 73-74)، "الطّبقة العاملة التّونسيّة زرعت ولم تحصد"(ص40-42). أمّا كتابه " دفاعا عن الديمقراطية النقابية- ماي 1984- ماي 1985 " فقد شخّص فيه أزمة الممارسة الديمقراطية في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل في الثمانينات كما سبق أنّ بينّا ذلك. وأبى إلاّ أن يساهم في النقاش الذي صاحب ما يُسمّى بالتصحيح النقابي في الألفية الجديدة بمقال سمّاه "أحلام الخدّام في " جزيرة الأحلام" بمناسبة انعقاد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد العام التونسي للشغل بمدينة جربة في شهر فيفري 2002 ( اُنظر مجلّة" حقائق " عدد 839 – من 24 إلى 30/ 1/ 2002 – ص19).
وفي الختام نستطيع أن نقول إن الطاهر الهمامي لم يكن حاضرا في الساحة الأدبية فقط بل كان حاضرا أيضا في الساحة النقابية وإن بدرجة أقل.