الفنّ
إبراهيم العثماني
الحوار المتمدن
-
العدد: 7419 - 2022 / 11 / 1 - 14:33
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
إبراهيم العثماني (تعريب)
[يحتلّ الفنّ مكانة متميّزة في كلّ مجتمع. لذا تولي السّلطة الحاكمة أهميّة قصوى لدوره الإيديولوجي الخطير وقدرته على التّأثير في وعي النّاس. لكن عندما يخضع الفنّ للتّوجيه الحزبي يفقد المبدع جانبا كبيرا من حرّيته. إ.ع.]
الفنّ (الأدب، والهندسة المعماريّة، والنّحت، والرّسم، والموسيقى، والمسرح، والسّينما...إلخ) هو شكل من أشكال الوعي الاجتماعي. وهو، شأنه شأن العلم، عنصر معرفة فعّال وقوّة اجتماعيّة هائلة. والسّمة المميّزة للفنّ هي أنّه يعكس الواقع ويعيد إنتاجه بأشكال فنيّة تدركها الحواسّ. وهو، ككلّ إيديولوجية، تحدّد مضامينه بنية المجتمع الاقتصاديّة. وفي المجتمع الطّبقي يترجم الفنّ مصالح مختلف الطّبقات، ويمثّل سلاحا إيديولوجيّا بين أيدي الطّبقات المتصارعة. وفي مجتمع كهذا يسلك تطوّر الفنون مسارا قائما على التّناقضات. وهكذا لمّا كانت الرّأسماليّة في بدايتها ظاهرة تقدّميّة اتّخذت إبداعات الفنّ البورجوازي في الأدب والرّسم إلخ طابعا تقدّميّا في ذلك الزّمن. لكن ما إن استلمت البورجوازيّة مقاليد الحكم حتّى شرعت في عرقلة تطوّر الفنّ الرّأسمالي. "وقد كتب ماركس قائلا إنّ الإنتاج الرّأسمالي مناهض لبعض الابتكارات الفنيّة مثل الفنّ والشّعر...إلخ –ب1923- ص382). وهكذا، وفي ظلّ الرّأسماليّة لا يستطيع الفنّ الواقعيّ أن يتطوّر إلاّ إذا عارض باستمرار، بشكل أو بآخر، مصالح الطّبقات المسيطرة. وأشهر الفنّانين المتحدّرين من الطّبقات المستغِلّة والّذين يُجهدون أنفسهم لرسم لوحة للحياة واقعيّة، يعارضون أفكار طبقاتهم ومصالحها وينحاز البعض منهم إلى الطّبقات التّقدّميّة والمضطَهدة.
إنّ الشّعب الرّوسي الّذي اضطلع بدور تاريخيّ عظيم في تطوّر كلّ فروع العلم والتّقنية والثّقافة قد ساهم مساهمة جبّارة في تقدّم الفنون.
ونحن مدينون، بأعمال استثنائيّة، لممثّلي الفنّ الرّوسي من أمثال بوشكين وتولستوي، ونيكراسوف، وتشيكوف، وغوركي، وريبين، وسوريكوف، وتشيكوفسكي، وقلينكا، وموسورقسكى وكتّاب آخرين. والخصيصة الأساسيّة لفنّهم هي عمق محتواه الإيديولوجي وبذله جهدا لحلّ أكثرالمسائل الاجتماعيّة تعقيدا، وارتباطه بالفنّ الشّعبي والرّغبة في خدمة الشّعب.
ومع ظهورالبروليتاريا الثّوريّة على مسرح الأحداث واحتداد الصّراع الطّبقي ازداد الفنّ البورجوازي زيفا ونفاقا. وفي عصر الإمبرياليّة دخل فنّ الطّبقات المسيطرة مرحلة الانحطاط، وتميّز بالأساس بغياب الأفكار، ظاهرة وجدت ترجمتها في النّزعة الشّكلانيّة (التّكعيبيّة، والمستقبليّة إلخ) أو التّمثيل الطّبيعي للواقع. ورسالة الفنّ الخاضع لمصالح البورجوازيّة الإمبرياليّة هي صرف أنظار الجماهير عن الصّراع الطّبقي وترسيخ إيديولوجيّة الطّبقات المسيطرة في أذهانها. [لكن] وُجدَ كتّاب ورسّامون وفنّانون آخرون تقدّميّون قاوموا هذا الفنّ الرّجعيّ. واليوم، وفي البلدان الرّأسماليّة يتطوّر ويتدعّم فنّ ديمقراطيّ وريث أفضل التّقاليد الوطنيّة يغنيها مسنودا بتجربة نضال الجماهير الشّعبيّة في سبيل السّلم، وحياة جديرة بالإنسان، والاستقلال الوطني وحريّة الشّعوب.
وأثناء مواجهة الإيديولوجية البورجوازيّة الرّجعيّة تشكّل فنّ بروليتاريّ في إطار النّظام القديم، وقدّم لينين، في مقاله "التّنظيم الحزبي والأدب الحزبي" (1905)، لمحة عن الخصائص الجديدة الّتي ستميّز الفنّ البروليتاري: سيعتمد هذا الفنّ على الإيديولوجية الشّيوعيّة، وسيُكرّس لخدمة الجماهير الكادحة، وسيربّي الشّعب على روح التّصدّي لكلّ شكل من أشكال القمع، وعلى روح النّضال في سبيل حياة جديدة واشتراكيّة، وفي سبيل الشّيوعيّة.
وحتّى قبل انتصار الثّورة أنجبت البروليتاريا الرّوسيّة الكاتب الكبير مكسيم غوركي الّذي افتتحت أعماله مرحلة جديدة في تاريخ الفنّ. وكان غوركي مؤسّس الفنّ الاشتراكي السّوفياتي الّذي وُلد وتطوّر في أتون النّضال في سبيل مجتمع اشتراكي. وهذا الفنّ شعبيّ أصيل بما أنّه يكرّس نفسه لقضيّة الطّبقة العاملة وكلّ العمّال ، ويترجم مصالح الشّعب السّوفياتي. وقد استوعب الفنّ الاشتراكي، وهو يرسم مرحلة جديدة في نموّ الفنّ العالمي، كلّ روائع الثّقافة الإنسانيّة المبتكرة في العصور الغابرة برؤية نقديّة. وفي بيان الحزب الشّيوعي الموجّه إلى الكتّاب والفنّانين توضيح للمنهج الأساسي للفنّ الاشتراكي أي الواقعيّة الاشتراكيّة. وهذا المنهج يسمح للفنّ بالتّغلغل في أعماق المجتمع وتمثيله تمثيلا صادقا، ومقاربته من زاوية مهامّ البروليتاريا الاشتراكيّة، والتّحوّل إلى وسيلة فعّالة في تربية العمّال تربية شيوعيّة. والحزب الشّيوعي هو حامي الفنّ السّوفياتي من تأثيرات الفنّ البورجوازي المنحطّ، وهو الّذي يقاوم، بلا هوادة، كلّ شكل من أشكال بقايا الآثار الغريبة عن الثّقافة الاشتراكيّة. وتبيّن قرارات اللّجنة المركزيّة للحزب الشّيوعي المتّصلة بالأدب والفنّ والّتي تمّ اتّخاذها بعد الحرب سبيل التّقدّم نحو الفنّ الاشتراكي أعتى وسيلة في بناء صرح الشّيوعيّة.
لقد أولى المؤتمر التّاسع عشر أهميّة فائقة لقضايا الأدب والفنون، وأكّد التّقرير المقدّم إليه والمتّصل بنشاط اللّجنة المركزيّة أنّ النّجاحات الكبرى الّتي تحقّقت يجب ألاّ تحجب عنّا النّقائص الخطيرة الّتي لازمت تطوّر الأدب والفنون السّوفياتيّة من قبيل المعرفة المحدودة للحياة، وتزييف الحقيقة، والمستوى الإيديولوجي والفنّي الهزيل لعديد الأعمال. وقد راجت لدى بعض الكتّاب نظريّة خطؤها فادح وضررها كبير تُسمّى "غياب النّزاعات" وتنفي وجود التّناقضات في المجتمع السّوفياتي وضرورة تصدّي الجديد للقديم. وهذه النّظريّة تؤخّر تقدّم الفنّ السّوفياتي وتدفعه إلى طمس بقايا الرّأسماليّة في وعي النّاس وتقلّل دور الفنّ السّوفياتي في تربية العمّال تربية شيوعيّة. وقد طلب الحزب الشّيوعي للاتّحاد السّوفياتي من الكتّاب السّوفيات تمثّل تراث الكتّاب الرّوس الكبار السّاخرين من نحو غوركي وشتيشدرين وفضحَ كلّ مايعرقل التّطوّر نحو تركيزدعائم الشّيوعيّة بلا شفقة ولا رحمة. ويكتسي الخطاب الّذي أرسلته اللّجنة المركزيّة للحزب الشّيوعي للاتّحاد السّوفياتي إلى المؤتمر الثّاني للكتّاب السّوفيات أهميّة بالغة في سبيل تطوّر الأدب السّوفياتي والفنّ الاشتراكي في مجمله، ويحدّد المسار الواجب اتّباعه في النّضال في سبيل فنّ جدير بمرحلة بناء الشّيوعيّة.
المصدر:
م. روزنتال وب. إيودين (إشراف) المعجم الفلسفي الوجيز- “الفنّ”، منشورات إيجان فرلان، باريس 1977، ص ص 26-28.
M. Rosentahl et P .Ioudine (--dir--.), Petit Dictionnaire Philosophique- « Art », Editions Eugène Varlin, Paris, 1977, pp. 26-28.