الثّورة الاجتماعيّة


إبراهيم العثماني
الحوار المتمدن - العدد: 7397 - 2022 / 10 / 10 - 19:09
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

الثّورة الاجتماعيّة مرحلة ذات أهميّة قصوى في مسار التّطوّر الاجتماعي، وهي تحوّل جذريّ لحياة المجتمع ، والإطاحة عَنوة بنظام اجتماعيّ استنفد قواه، وتركيز نظام اجتماعي جديد وتقدّمي. وخلافا لمنظّري البورجوازيّة اللّيبيراليّة والانتهازيّين الّذين يعتبرون الثّورات الاجتماعيّة حدثا طارئا أو"خروجا عن المألوف"، بيّنت الماركسيّة اللّينينيّة أنّ الثّورات هي بالضّرورة إفراز لتطوّر المجتمعات المنقسمة إلى طبقات متناحرة، وهي تُكمل مسار التّطوّر، والنّضج التّدريجي – الحاصل في صلب النّظام الاجتماعي القديم – لشروط نظام اجتماعي جديد، وتنهي مسار تراكم التّناقضات التّدريجي بين الجديد والقديم حيث "تدخل قوى الإنتاج الماديّة للمجتمع، لمّا تبلغ مرحلة معيّنة من مراحل تطوّرها، في تناقض مع علاقات الإنتاج القائمة أو ما يعبّر عنه بالعبارة القانونيّة، مع علاقات الملكيّة الّتي تتحوّل في صلبها هذه العلاقات إلى حدّ تلك اللّحظة. لقد أصبحت هذه العلاقات الّتي كانت شكلا من أشكال تّطوّر قوى الإنتاج قيودا لها. حينئذ تُفتح مرحلة الثّورات الاجتماعيّة"(ماركس- أنقلز- دراسات فلسفيّة –م 1935 ص83).
تُلغي الثّورات التّناقض بين قوى الإنتاج الجديدة وعلاقات الإنتاج القديمة، وتحطّم عَنوة علاقات الإنتاج البالية وتطلق العنان لتطوّر قوى الإنتاج. ففي المجتمعات المنقسمة إلى طبقات تُتيح الثّورات إمكانيّة تحقيق شروط قانون التّوافق الضّروري بين علاقات الإنتاج وطبيعة قوى الإنتاج. ويجب تجاوز المقاومة الضّارية الّتي تبديها القوى الاجتماعيّة البالية كي يستطيع هذا القانون شقّ طريقه. ففي المجتمع الطّبقي تتمسّك الطّبقات الحاكمة المحافظة والّتي ترفض أن تنسحب من المشهد السّياسي بعلاقات الإنتاج القديمة، وتستعمل السّلطةَ السيّاسيةَ للدّفاع عن النّظام القائم وهكذا تعرقل تطوّر قوى الإنتاج في المجتمع. ولهذا السّبب فعلى الطّبقات المتقدّمة أن تطيح بالنّظام السّياسي القائم لتفسح المجال للتّقدّم الاجتماعي.
إنّ المسألة الأساسيّة لكلّ ثورة هي مسألة السّلطة السّياسيّة. فانتقال السّلطة من الطّبقة الرّجعيّة المهيمنة الّتي تعرقل تطوّر المجتمع إلى الطّبقة الثّوريّة يتمّ من خلال صراع طبقيّ ضارٍ. فالثّورة هي الشّكل الأسمى للصّراع الطّبقي. وأثناء المراحل الثّوريّة يُخلي المسارُ العفويُّ لتطوّر المجتمع مكانه لنشاط النّاس الواعي، وتعوّض الثّورةُ العنيفةُ التّطوّرَ السّلميَّ، حينئذ تنخرط ، بالملايين، الجماهير الّتي كانت فيما مضى مقصيّة من الحياة السّياسيّة في الصّراع الواعي. ولهذا السّبب فإنّ مراحل الثّورة تعجّل، على الدّوام وبشكل مدهش، التّطوّر الاجتماعي. وكان ماركس يقول إنّ الثّورات هي قاطرات التّاريخ. ويجب ألاّ نخلط بين الثّورات الاجتماعيّة و"ثورات القصور"، الانقلابات إلخ. فهذه الانقلابات ليست إلاّ تغييرا عنيفا للفريق الحكومي، وليست إلاّ تعويضا في الحكم لأشخاص أو مجموعات تنتمي إلى الطّبقة نفسها في حين إنّ السّمة الأساسيّة للثّورة الاجتماعيّة هي تغيير للنّظام كلّيّ، وهي انتقال السّلطة من طبقة إلى أخرى. إلاّ أنّنا لا نستطيع أن نسمّي ثورة كلّ انقلاب عنيف لطبقة على يدي طبقة أخرى. فإن قادت الطّبقة الرّجعيّة تمرّدا على الطّبقة التّقدّميّة، وإن استولت الطّبقة الرّجعيّة، من جديد، على مقاليد الحكم فإنّ ذلك لا يسمّى مطلقا ثورة- بل هو ثورة مضادّة. فالثّورة هي وصول الطّبقة المتطوّرة والتّقدّميّة إلى سدّة الحكم فتفتح الآفاق أمام تطوّر للمجتمع جديد.
إنّ طبيعة الثّورة تحدّدها المهامّ الاجتماعيّة الّتي تحقّقها. وهكذا فإنّ مهمّة الثّورة الفرنسيّة لسنة 1789 كانت القضاء على النّظام الإقطاعي الّذي كان يعرقل تطوّر قوى الإنتاج ويحرم البلاد من التّطوّر على قاعدة قوى الإنتاج هذه وعلاقات الإنتاج الرّأسماليّة. لقد كانت ثورةً بورجوازيّة كما كانت ثورات 1848- 1849 في عدد من بلدان أروبا. فثورة 1905- 1907 وثورة فيفري 1917 في روسيا طرحتا على نفسيهما نفس المهام وكان هدفهما الإطاحة بالسّلطة المطلقة الّتي انتهى دورها، وتصفية بقايا الإقطاع في ميدان الاقتصاد وفسح المجال لتّطوّر البلاد الاقتصادي والسّياسي. لكنّ هذه الثّورات الّتي اندلعت في المرحلة الإمبرياليّة للرّأسماليّة تتميّز بالأساس عن الثّورات البورجوازيّة القديمة. وقد أعطى لينين، وهو يحلّل الأوضاع الجديدة الّتي اندلعت فيها الثّورة الرّوسيّة الدّيمقراطيّة البورجوازيّة، توجّها جديدا للحزب الماركسي بشأن الخطّة الواجب اتّباعها في هذه الثّورة، وبيّن أنّ البروليتاريا هي الّتي تُهيمن في الثّورة الدّيمقراطيّة البورجوازيّة خلافا للثّورات البورجوازيّة القديمة الّتي كانت البورجوازيّة تقودها. وأنجزت البروليتاريا الثّورة بعقدها تحالفا مع طبقة الفلاّحين وعزل البورجوازيّة اللّيبيراليّة. وأعطى لينين، بفضل نظريّة تحويل الثّورة الدّيمقراطيّة البورجوازيّة إلى ثورة اشتراكيّة ، حلاّ جديدا لمسألة العلاقات بين هاتين الثّورتين في المرحلة التّاريخيّة المعاصرة.
تختلف الثّورة البروليتاريّة الاشتراكيّة بالأساس عن جميع الثّورات السّابقة. إنّها أكبر ثورة عرفها التّاريخ لأنّها حملت معها أعمق التّحوّلات في حياة الشّعوب. فكلّ الثّورات السّابقة كانت، حسب عبارة ستالين، ثورات أحاديّة، عوّضت شكل الاستغلال بشكل آخر. فالثّورة البروليتاريّة هي الثّورة الوحيدة الّتي أرست دعائم دكتاتوريّة البروليتاريا، الطّبقة الأكثر ثوريّة في تاريخ الإنسانيّة، وهي قادرة على القضاء على أيّ استغلال يمارسه الإنسان على الإنسان . ثورة أكتوبر العظمى الاشتراكيّة هي نموذج الثّورة البروليتارية.
إنّ الثّورة الاجتماعيّة الّتي هي انقلاب عميق في مسار التّطوّر لا تحدث في أيّ لحظة وحسب رغبة هذه المجموعة أو تلك من الثّوريّين، يجب أن تتوفّر، لتحقّقها، شروط موضوعيّة محدّدة يُمثّل مجملها ما يُسمّيه لينين وضعا ثوريّا. "إنّ قانون ا لثّورة الأساسي الّذي أثبتته جميع الثّورات وبالأساس الثّورات الرّوسيّة الثّلاث في القرن العشرين هو كالآتي: لا يكفي أن تعي الجماهير المستغَلّة والمضطَهَدة استحالة العيش كما كانت في الماضي وأن تنادي بالتّغيير. لكي تندلع الثّورة على المستغِلّين أن يعجزوا عن العيش والحكم كما كانوا في الماضي. تندلع لمّا يصبح من هم في الأسفل غير راغبين في استمرار العيش ومن هم في القمّة لا يستطيعون الاستمرار في العيش على النّمط القديم، حينئذ فقط تستطيع الثّورة أن تنتصر. وتُترجم هذه الحقيقة ، بصورة أخرى، بهذه العبارات: الثّورة مستحيلة دون أزمة وطنيّة شاملة (تطال المستغَلّين والمستغِلّين) " (لينين: اليسرويّة – مرض الشّيوعيّة الطّفولي- م.1954- ص ص77-78). ولكن لكي تنتصر الثّورة البروليتاريّة لا يكفي أن يكون هناك وضع ثوريّ. يجب أن تنضاف إلى الشّروط الموضوعيّة للثّورة الشّروط الذّاتيّة: تكون الطّبقة الثّوريّة قادرة على خوض نضال جريء، ومفعمة بالتّفاني، يجب أن يكون هناك حزب ثوريّ متمرّس بالمعارك، يحتكم إلى قيادة سياسيّة، استراتيجيّة وتكتيكيّة حكيمة (انظر كذلك الثّورة الاشتراكيّة البروليتاريّة).

المصدر: م. روزنتال وب. إيودين (إشراف)، الثّورة الاجتماعيّة: المعجم الفلسفي الوجيز، إيجان فرلين، باريس، 1977- ص ص 531-533.
M. Rosentahl et P.Ioudine (-dir-.), « Révolution sociale”, in: Petit Dictionnaire Philosophique, Editions Eugène Varlin, Paris, 1977, pp. 531-533.