الشـــــــــعبويّة (معرّب)
إبراهيم العثماني
الحوار المتمدن
-
العدد: 7497 - 2023 / 1 / 20 - 23:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
[اكتسب تعريف الشعبويّة أكثر من دلالة، واتّخذ تكريسها فوق أرض الواقع أكثر من صيغة وتراوح استعمالها من اليمين إلى اليسار، واختلف توظيفها باختلاف الأحزاب والمنظّمات السّياسيّة المتباينة إيديولوجيا. فالشّعبويّة تعني عند اليمين تبني الفكر القومي المتطرّف والعنصريّة ومعاداة المهاجرين. ..
وقد اكتسبت الشعبويّة أهميّة فائقة منذ مطلع القرن الواحد والعشرين بوصول أحزاب شعبويّة إلى الحكم في المجر والولايات المتحدة الأمريكيّة والبرازيل.
وأمام هذا التّطوّر الّذي عرفته الشّعبويّة فكرا وممارسة ارتأينا أن نعود إلى تعريفها في مهدها الأصلي ونعرّب هذا النّصّ لإطلاع القارئ العربي على دلالتها الأولى. إ.ع]
هي إيديولوجيّة البورجوازيّة الصّغيرة، وهي إيديولوجيّة مثاليّة ظهرت في سنوات 60 و70 من القرن الماضي (أي القرن التّاسع عشر-المترجم). وقد عرّفها لينين كما يلي:"تمثّل الشّعبويّة مصالح المنتجين من وجهة نظر المنتج الصّغير أي البورجوازي الصّغير" (لينين- المؤلّفات- المجلّد1- الطّبعة الرّوسيّة ص375). تستمدّ الإيديولوجية الشّعبويّة جذورها من ظروف حياة المجتمع المادية، ومن التّفوّق العددي لطبقة المنتجين الصّغار في روسيا الرأسماليّة قبل الإصلاح. ويجب أن نميّز بين الشّعبويّين القدامى والشّعبويّين الجدد أي الشّعبويّين اللّيبيراليّين. فقد عاش الشّعبويّون الأُوَّل ونشطوا في سنوات 60 و70 لمّا كان التّباين بين المزارعين غير جليّ نسبيّا. وكان الشّعبويّون، وهم مزارعون ثوريّون في مجملهم ومناهضون بشكل قطعي للتيّار اللّيبيرالي، يتوجّهون "إلى الشّعب" (ومن ثمّ سمّوا ب"الشّعبويّين") لتدريبه على مقاومة الحكومة القيصريّة. وأثناء وصف إيجابيّات الشّعبويّين الأوّل أبرز لينين أخطاءهم النّظريّة والسيّاسيّة الفادحة.
وقد عدّد كتاب "تاريخ الحزب الشّيوعي (البلشفي) ل ا.ج.ا.س أهمّ أخطاء الشّعبويين:
"أوّلا- كان الشّعبويّون يؤكّدون أنّ الرّأسماليّة في روسيا كانت ظاهرة"عرضيّة" لن تتطوّر، وانطلاقا من هذا التّأكيد فإنّ البروليتاريا لن ينمو عددها ولن تتطوّر في هذا البلد.
ثانيا- كان الشّعبويّون لا يعتبرون الطّبقة العاملة طبقة الطّليعة في الثّورة، وكانوا يحلمون بتحقيق الاشتراكيّة دون مشاركة البروليتاريا ويرون أنّ القوّة الثّوريّة الرّئيسيّة هي طبقة الفلاّحين بقيادة المثقّفين ويعتبرون تجمّع الفلاّحين نواة الاشتراكيةّ وقاعدتها.
ثالثا- كانت للشّعبويّين وجهة نظر خاطئة ومضرّة بمسار التّاريخ البشري، ولم يكونوا يعرفون قوانين تطوّر المجتمع الاقتصادي والسّياسي ولا يفهمونها. ومن هذه الزّاوية كانوا فعلا أناسا متخلّفين. وحسب رأيهم ليست الطّبقات ولا الصّراع الطّبقي هما اللّذان يحرّكان أحداث التّاريخ بل إنّ الجماهير و"الحشود" والشّعب والطّبقات تنساق انسياقا أعمى وراء فردانيّة النّخبة و"الأبطال".
صحّحت الاتّصالات ب"الشّعب" أفكار الشّعبويّين بشأن "الغرائز الشّيوعيّة" للفلاّحين المنتظمين في تجمّعات قرويّة، ولم يسلك الفلاّحون نهج الشّعبويّين الّذين شقّت صفوفَهم اختلافات تتّصل بمسائل تكتيكيّة حول الحكومة القيصريّة، وتجلّت هذه الاختلافات بكلّ وضوح في مؤتمر منظّمة "الأرض والحريّة" المنعقد في نهاية شهرجوان1879 بفوروناج. وبعد عدّة أشهر انقسمت هذه المنظّمة إلى تنظيمين هما "إرادة الشّعب" و"القسمة السّوداء" الّتي وجدت نفسها تحت إمرة بليخانوف، وأكسلرود، ودوتش...إلخ. ودافع أنصار"إرادة الشّعب" جيلبوف، وفيقنر، وميكيلوف وغيرهم عن تكتيك الإرهاب الفردي وطبّقوه. ومهما كانت بطولة نضالهم الثّوري ضد الحكومة القيصريّة فقد ظلّ خطأ هذا التّكتيك خطأ فادحا بلا منازع. وكانت الشّعبويّة اللّيبراليّة الّتي ظهرت في سنوات 80 و90 والّتي يمثّلها دانيلسن، وفورونتسوف، وكريفنكو، وإيوجوكوف تعبّر عن مصالح الكولاك.
تعادي الشّعبويّة الماركسيّة معاداة قطعيّة. وقد كان الشّعبويّون، وهم مثاليّون في رؤيتهم الفلسفيّة، يضمّون في صفوفهم عناصر الأنظمة الفلسفيّة الأكثر تداخلا مثل الوضعيّة والفوضويّة والكانطيّة الجديدة...إلخ وكانوا متشيّعين لما كان يُسمّى المنهجيّة الذّاتيّة في علم الاجتماع، ويجهلون ظروف حياة المجتمع المادية، ويُنكرون القوانين الموضوعيّة للتّطوّر الاجتماعي، ويضعون أمام الشّعب "الفرد في مواجهة الرّوح النّقديّة"، ويقدّمون الجماهير الشّعبيّة على أنّها قوّة تاريخيّة "جامدة" عاجزة عن الفعل بمفردها، ولم يكونوا يدركون دور البروليتاريا التّاريخي ويرون فيها "شقاء تاريخيّا". إلاّ أنّ البروليتاريا هي فعلا الطّبقة الوحيدة القادرة على تقويض أسس الرّأسماليّة
.و0بناء المجتمع الاشتراكي. إنّ التّجمّع الفلاحي الّذي يجمّله الشّعبويّون، وهم يرون فيه"نواة الاشتراكيّة"، لم يكن في الواقع إلاّ شكلا ملائما لحجب هيمنة الكولاك ووسيلة يستعملها النّظام القيصري لإجبار الفلاّحين على دفع الضّرائب حسب مبدإ الكفيل المتضامن.
وقد بيّن لينين، وهو يندّد باشتراكيّة الشّعبويّين المزيّفة، أنّ نقد الرّأسماليّة الرّوسيّة الّذي أجراه الشّعبويّون كان مخادعا ورجعيّا لأنّهم يتبنّون مواقف الرّأسماليّة، ولكنّها رأسماليّة غير متطوّرة تحاصرها من كلّ النّواحي بقايا الإقطاع. كانت نظريّة الشّعبويّين وممارستهم عائقا جدّيا أمام تطوّر الاشتراكيّة العلميّة وانتشارها، ونموّ الحركة العمّاليّة. فالماركسيّة لا تستطيع أن تتطوّر في روسيا دون أن تخوض صراعا شرسا ضدّ الشّعبويّة ودون أن تهزمها إيديولوجيّا.
إنّه بليخانوف الّذي سدّد أوّل ضربة للإيديولوجية الشّعبويّة، وحلّل لينين تحليلا وافيا الشّعبويّة على المستوى الإيديولوجي ومهّد الطّريق لانتصار الماركسيّة في روسيا، وظلّ يقاوم المجموعات الشّعبويّة الّتي ما فتئت تغيّرجلدها من نحو الاشتراكيّين الثّوريين والاشتراكيّين الشّعبيّين..إلخ. لكنّ هذه المعركة دارت لمّا أسّس لينين حزبا ماركسيّا. إنّ مقاومة الحزب للشّعبويين في بداية القرن العشرين كانت في آن واحد مقاومة إيديولوجيّة للبورجوازيّة الصّغيرة الرّجعيّة بصفة عامّة. وتهدف هذه المقاومة إلى الإجهاز التّامّ على المجموعات الشّعبويّة ألدّ أعداء الشّعب.
المصدر: م. روزنتال وب. إيودين (إشراف) "الشّعبويّة"، المعجم الفلسفي الوجيز، منشورات إيجان فرلين/ باريس، 1977، ص ص 486-487.
M.Rosentahl et P. Ioudine (----dir----.), « Populisme » :in Petit Dictionnaire Philosophique, Editions Eugène Varlin, Paris, 1977, pp. 486-487.