لتّعدّديّة النّقابيّة في قطاع التّعليم العالي إلى أين؟


إبراهيم العثماني
الحوار المتمدن - العدد: 7379 - 2022 / 9 / 22 - 13:42
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

مقــــــــــدّمة:

لعلّ التّصريح الّذي أدلى به الأستاذ زياد بن عمر منسّق عام اتحاد الأساتذة الجامعيّين والباحثين التّونسيين لجريدة "الصّباح" بتاريخ 1/2/2012 (ص2) والمتعلّق بعلاقة هذا الاتّحاد بنقابة التّعليم العالي، والبيان الصّادر عن هذا الاتّحاد بجريدة "المغرب" بتاريخ 8/2/2012(ص 8) والمتّصل بمساندة زميلة مدرّسة بكلية العلوم ببنزرت تعرّضت للتّهديد بالقتل يهدفان إلى إثارة انتباه الرّأي العام لوجود هيكل نقابيّ ثان يضع حدّا لوحدانيّة التّنظيم النّقابي، وللإقرار بأنّ التعدّديّة النّقابية أصبحت واقعا ملموسا من جديد بعد أن ودّعها القطاع مع البشير التكاري آخر وزراء التّعليم العالي في العهد البائد، وبأنّ صفحة جديدة قد فُتحت بعد 14 جانفي 2011 لا نعرف مضاعفاتها وخطورتها. وهكذا ما إن تخلّصنا من تعدّديّة حتّى أطلّت علينا برأسها تعددية جديدة. فما علاقة قطاع التّعليم العالي بالتّعدّديّة النّقابيّة؟
ليست التعدّديّة النّقابيّة غريبة عن قطاع التّعليم العالي. فقد عرف التّمثيل النّقابي هيكلين اثنين في مرحلة أولى (1974- 2003) ثم أربعة هياكل في مرحلة ثانية (2003 -2010) قبل أن تعود التعدّديّة من جديد. وفي الحقيقة لا نريد الرّجوع إلى الماضي لنبش التّاريخ والتوقف عند هذه الهياكل وأدوار بعضها المشبوهة . نريد فقط أن نركّز على الهيكل المسمّى اتحاد الأساتذة الجامعيّين الباحثين التونسيّين "إجابة" حديث العهد.

1 - في التّســــــــمية:

اعتاد النّقابيون أن يؤسّسوا نقابة عامّة أو جامعة عامّة لتجمع شمل قطاع من القطاعات (النّقابة العامة للتّعليم الثّانوي،الجامعة العامّة للبريد،الجامعة العامّة للصّحّة...)، وتكون المتكلّم باسمه والمدافع عن مصالحه المادية والمعنويّة ومفاوض وزارة الإشراف في كلّ ما يعنيه، وتضمّ في صفوفها النيابات النقابيّة والنقابات الأساسيّة والنقابات الجهويّة. ومن ثمّ يكون الهيكل الوطني تتويجا لمسار قاعديّ قد يطول وقد يقصر ومدعّما لوحدة منظوريه ومعبّرا عن لحمتهم. وفي الحقيقة لا نعرف ما هي الهياكل التي تنضوي تحت لواء هذا الاتّحاد ومتى تأسّست؟ ولماذا اختارت الجماعة المؤسّسة تسميته بالاتّحاد والحال أنّ الاتحاد يوحّد بين عدّة نقابات تنتمي إلى قطاعات مختلفة؟وإضافة إلى كلّ ذلك فنحن لم نقرأ لهذه النّقابات- إن وجدت- بيانات ومواقف تتّصل بالأوضاع الجامعيّة المتأزّمة منذ مفتتح السّنة الجامعيّة حتّى نتبيّن أنّ هناك نقابات تنشط هنا وهناك وتدافع عن مصالح الأساتذة .

2 – قراءة في برنـــــــــامج "اجــــــــــابة":
يعكس برنامج أي تنظيم أكان نقابيّا أم سياسيّا الأهداف الّتي يروم تحقيقها والخلفيّة الّتي يصدر عنها والإيديولوجيّة الّتي تحرّكه، ويشي بشكل أو بآخر بوعي المؤسّسين وآفاقهم الذّهنيّة ويحدّد طبيعة التّنظيم (هل هو ديمقراطي أم بيروقراطي).
وقد بلور مؤسّسو"إجابة" أهدافهم في عشر نقاط تحتاج إلى مزيد التّحليل والتّوضيح.
فالهدف الأوّل هو"توحيد صفوف الأساتذة الجامعيين الباحثين من أجل الدّفاع عن جميع مصالحهم المادية والمعنويّة". هكذا يقسّم المؤسّسون القطاع ثمّ يدعون إلى توحيده ويشقّون صفوف الأساتذة ثمّ ينادون بلمّ شملهم، ويضيفون هيكلا نقابيّا ثانيا ثمّ يزعمون وحدة التّنظيم.
ومهمّة هذا الاتّحاد هي الدّفاع عن مصالح الأساتذة المادية والمعنويّة. وهي المهمّة الأولى والأساسيّة لأيّ هيكل نقابي بل إنّ النقابات المسمّاة"تريدنيونيّة" لا تتجاوز هذا الدّور. والغريب في الأمر أن زياد بن عمر المنسّق العام لهذا الاتّحاد يصرّح لجريدة "الصّباح" بالتّاريخ المذكور سابقا ب"أنّهم لا يمثّلون هيكلا موازيا لنقابة التّعليم العالي وإنّما يندرج نشاطهم في إطار التّعدّدية النّقابيّة والقطع مع فكرة المؤسّسة الواحدة" (ص2). وهذا الكلام ليس من اليسير فكّ طلاسمه وفهم ألغازه للوقوف على دلالاته. فهم يؤسّسون هيكلا نقابيا ثم يتحرّجون من تسميته باسمه. فهل أصبحت التعدّديّة النّقابيّة غاية في حدّ ذاتها؟ وإن لم يكن هذا الاتّحاد هيكلا موازيا فماذا نسمّيه؟ فهل يريد التّخصّص في بعض الملفّات والقضايا وبذلك يكون دوره مكمّلا لدور الجامعة العامّة؟ ربّما !!
أمّا الحديث عن بقيّة الأهداف فهو عام وغامض من قبيل" إرساء قانون أساسي يرقى إلى مستوى طموحات الجامعيّين" (الهدف2). فما هي بنود هذا القانون الأساسي الّذي طالما انتظره الأساتذة بشوق كبير؟ وهل لطموحات الأساتذة الجامعيين حدّ؟، و"المساهمة في الارتقاء بمنظومة التّعليم العالي إلى المواصفات العالميّة (الهدف3). فهل من الممكن تدارك ما فاتنا واللّحاق بالمواصفات العالمية بمنظومة تعليم لا تمتلك أدنى مقوّمات التّعليم العالي؟
ويستوقفنا الحديث عن قضايا تعدّ من صميم مشاغل الجامعيين والنّقابيين منذ عقود مثل استقلاليّة الجامعة (الهدف4)، والممارسة الديمقراطية داخل الجامعة (الهدف 5)، وترسيخ الحريات الأكاديمية والعلميّة (الهدف6 )، والدّفاع عن الجامعة العمومية مرفقا عامّا(الهدف7)، وتشريك الجامعيين في بلورة استراتيجيّات الدّولة داخل اللّجان الوطنيّة المختصّــــــــة (الهدف 8).
تلك هي أهمّ أهداف هذا الاتّحاد الجديد، وهي أهداف تتّسم بعموميّات لا تغني ولاتسمن من جوع بل إنّها لا تضيف أيّ شيء بالنّسبة إلى أيّ نقابي مطّلع على لوائح مؤتمرات النقابة العامة ثم الجامعة للتعليم العالي والبحث العلمي وبياناتهما ومقرّرات الأيّام الدّراسية المتعلّقة بالمطالب المادية والمعنويّة، ودمقرطة الحياة الجامعية ومنظومة"إمد" والحرّيات الأكاديميّة...ومن ثمّ لا يبدو هذا البرنامج مغريا ولا يرغّب الأساتذة في الالتحاق بهذا الاتحاد. فهو لا يطرح بديلا مقنعا ولعلّ الالتجاء إلى التّعميم دليل على التّملك المحدود لحلول يقدّمها مؤسسو الاتحاد للقضايا الشّائكة الّتي تعوق السّير العادي للحياة الجامعيّة. لذا لا نعتقد أنّ أسلم دواء لمعالجة الدّاء الّذي ينخر الجامعة هو تكريس التعدّدية النّقابيّة ولا نعتقد أنّ أيّ هيكل لا يقدّم إضافة نوعيّة سيقبل عليه الأساتذة.

3 – الوحـــــــــدة النّقابيّـــــــــة:

ليست التعدّدية النّقابية شرّا لابدّ منه بل هي اختيار تبرّره الاعتبارات الحزبيّة والإيديولوجيّة مثلما هو الشّأن في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ...حيث ترتبط النّقابات بالأحزاب فتعبّر أحيانا عن مصالحها أكثر ممّا تعبّر عن مصالح الطّبقة العاملة. وهي أيضا خطّة يلجأ إليها المناوؤون للعمل النّقابي لشقّ صفوف النّقابيين وإلهائهم عن مشاغلهم الأساسيّة وتحويل وجهة الصّراع الحقيقيّة. وهي كذلك وسيلة لتحقيق مآرب فئويّة ضيّقة. ونحن لا نعتقد انّ تأسيس هذا الاتّحاد سيقدّم إضافة نوعيّة في هذا الظّرف العويص الّذي تمرّ به الجامعة. فهناك تعدّدية فكريّة ارتقت إلى مصاف التعدّدية النقابية ونعني بذلك ما أقدم عليه الكاتب العام للفرع الجامعي لأساتذة التّعليم العالي بصفاقس، باعتباره منتميا إلى حركة النّهضة، لما رفض المشاركة في الإضراب العام للجامعيين احتجاجا على أحداث منوبة وأصدر بيانا استغرب فيه تضخيم الحدث وتحدّث فيه عن أطراف مشبوهة تغذّي أحداثا بسيطة. وهناك سعي حثيث إلى تحريف وظيفة الجامعة لخدمة فكر ماضوي متخلّف عن الواقع والعصر، ونسف مكاسب الحداثة التي انطلقت من الجامعة، وهناك هجمة شرسة تقودها تيارات سلفية مدعومة بقوى في السّلطة تستهدف رموز الفكر العقلاني المتحرّر والثقافة التّقدميّة وتحاول فرض سلطتها وتكريس نواميس غريبة عن المجتمع. وهناك أيضا وزارة لا تولي مشاغل الجامعيّين أيّ اهتمام.
إنّ جامعة تعيش محنة متعدّدة الأوجه لا تحتاج إلى تعدّدية نقابية وتشتيت صفوف الأساتذة بل هي في حاجة أكيدة إلى وحدة صمّاء لتجاوز وهنها ومواجهة وزارة تغضّ الطّرف عن مشاكل الأساتذة المزمنة. ولكنّ الوحدة الحقيقية تدعو وبإلحاح الجامعة العامّة للتّعليم العالي والبحث العلمي إلى تحمّل مسؤوليّاتها، وتجاوز الهَنات التي ميّزت عملها وتفعيل المطالب الملحّة الّتي رفضت الوزارة التّفاوض بشأنها مثل تنقيح القوانين والنّظم الأساسية والتّعويضات المهنيّة المترتّبة على منظومة"إمد" ومنحة العودة الجامعية (انظر"الصّباح الأسبوعي:الوزير يتخلّف..والنّقابة تستنجد بالعبّاسي/6/2/2012 ص12 )، وتقويم منظومة"إمد"ومنظومة البحث العلمي وتفعيل هياكل المؤسّسات الجامعيّة...

خاتمــــــــــــة:

لقد عاش الأساتذة الجامعيّون محنة التعددية النقابية طيلة عشرية كاملة (2001-2010) لم يجنوا منها شيئا بل استغلّت وزارة الإشراف هذه الوضعيّة للقيام ب"إصلاحات" أوصلت التّعليم العالي إلى الحضيض، ونرجو ألاّ تنسج الوزارة الحالية على منوالها فتغذّي التناقضات بين النّقابيين وتعمد إلى تفاوض صوري ومن ثمّ تجهز نهائيّا على حُشاشة الجامعة. إلاّ أنّ المسؤوليّة لا تُلقى على عاتق الوزارة فحسب فعلى الجامعيّين أن يدركوا خطورة هذه اللّحظة العصيبة وأن ينقذوا الجامعة من المناورات الّتي تُحاك ضدّها.