وكلاء الاستعمار الطّاهر بن جلّون نموذجا


إبراهيم العثماني
الحوار المتمدن - العدد: 7773 - 2023 / 10 / 23 - 00:19
المحور: القضية الفلسطينية     

(تعريب وتعليق)
تقـــــديم:

أثناء المنعرجات الخطيرة والمحطّات الحاسمة والأحداث المفصليّة في تاريخ الشّعوب يتمّ الفرز، وتسقط الأقنعة، ويحدّد المثقّف الوطنيّ موقعه بدون لبس، وتنكشف سوآت المثقّفين المتدثّرين بجلباب الحداثة، العاجزين عن فهم التّناقضات والإمساك بالتّناقض الرّئيسي الّذي يشق المجتمع لتجاوز التّناقضات الثّانوية وتوحيد الصّفوف بغية مواجهة العدوّ وتحديد الموقع المناسب. وقد كشفت أحداث غزّة، مرّة أخرى، أنّ المثقّفين، أينما كانوا وبالخصوص المثقّفين العرب، ينقسمون إلى معسكرين متقابلين لا رابط بينهما لا من قريب ولا من بعيد : معسكر المناهضين لكلّ أشكال الاستعمار والهيمنة والتّواقين إلى حرية الشّعوب وتقرير مصائرها، ومعسكر الدّاعمين لأعداء الشّعوب الباحثين عن طوق نجاة لقوى الاستعمار. وسنقتصر على مثالين لتدعيم كلامنا وإبراز الفرق الجوهري بينهما

1) المثال الأوّل يعكس وضوح الرّؤية وصواب التّحليل وفهم طبيعة التّناقضات ويجسّده نشاط اتّحاد الكتّاب اللّبنانيّين الّذي نظّم يوم 11/10/2023 وقفة أقلام تضامنا مع فلسطين بمشاركة كتّاب وأدباء وشعراء من لبنان وفلسطين، وممّا جاء في كلمة الأمين العام لاتّحاد الكتّاب قوله:"إنّ اتحاد الكتّاب اللّبنانيّين أراد في وقفته هذه أن يواكب طوفان الأقصى طوفان الحبر الّذي من واجبه نشر ثقافة الوعي في مواجهة مشاريع التّطبيع والصّفقات المشبوهة، وفي مواجهة إعلام غربي يعتبر صاحب الحقّ إرهابيّا والإرهابيّ صاحب حقّ، فلا خيار لنا سوى المقاومة لدحر المحتلّ عن كلّ شبر من أرضنا ومياهنا وعودة أبناء الأرض إليها".

2) أمّا المثال الثّاني فيجسّده الطّاهر بن جلّون (1944- ) الرّوائي والكاتب المغربي صاحب الإصدارات العديدة، المقيم بفرنسا والحامل لجنسيّتها. فقد أعمت أنوار باريس بصره وبصيرته وأفقدته صوابه فضلّ طريقه إذ استعار من الصّهيونيّة نظّارتين فرأى الواقع كما رأته هي وكتب مقالا موسوما ب"يوم 7 أكتوبرالقضيّة الفلسطينيّة ماتت، واغتيلت" يطفح سبّا وشتما وتزييفا للحقائق وتشنيعا على المقاومة وإدانة لأفعالها وتباكيا على الإنسانيّة الّتي لم يتفطّن لجراحها إلاّ يوم 7أكتوبر 2023 متناسيا ما ارتكبته الآلة العسكريّة الإسرائيليّة من جرائم واغتيالات وتقتيل وتهجير طَوال عقود وعقود.
والمقال نشرته مجلّة "لوبوان" الفرنسيّة اليمينيّة- والطّيور على أشكالها تقع- يوم 13 أكتوبر 2023. وقد ارتأينا نقله إلى العربيّة كاملا لتعميم الفائدة وإطلاع القارئ العربي مشرقا ومغربا على نماذج من كتابات "رهوط" لا هَمّ لهم إلاّ إرضاء الدّوائر الاستعماريّة الّتي أرضعتهم حليبها فظلّوا أوفياء لأولياء نعمتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النّــــــــــصّ
"يوم 7 أكتوبر القضيّة الفلسطينيّة ماتت، واغتيلت"
أنا عربيّ ومسلم، متشبّع بالثّقافة[العربيّة الإسلاميّة]، والتّربية التّقليديّة والمغربيّة، لا أجد الكلمات كي أقول كم يروّعني ما أتاه مناضلو حماس تجاه اليهود. وعندما تهاجم الشّراسة النّساء والأطفال تستحيل توحّشا وتفقد أيّ تفسير وأيّ تبرير.
أنا ملتاع لأنّ الصّور الّتي رأيتها نفدت إلى أعماق إنسانيّتي.
إنّي أرى أنّه بوسعنا أن نقاوم الاحتلال، ونواجه الاستعمار ولكن ليس بهذه الأعمال المفرطة في الهمجيّة.
ماتت القضيّة الفلسطينيّة يوم 7أكتوبر2023 واغتالتها عناصر متعصّبة أغوتها إيديولوجية إسلامويّة من أسوإ الإيديولوجيّات.
إنّ حماس ليست عدوّ الشّعب الإسرائيلي فحسب بل هي عدوّ الشّعب الفلسطيني. هي عدوّ فظّ فاقد أيّ معنى سياسي يتلاعب به بلد يُعدم فيه شباب معارض بسبب حكاية حجاب يغطّي الرّأس.
إنّ احتجاز رهائن والمساومة بإعدامهم ما فتئا يفاقمان سخط الجميع.
وهذه الوحشيّة تعود إلى زمن بعيد والأكيد أنّها ترتّبت على الاحتلال والإهانات الّتي يتعرّض لها شباب بلا مستقبل سرعان ما احتضنته حركة إسلامويّة مرتبطة بالسّلطة الإيرانيّة.
وبعد المجزرة، وأيّا كان عدد الموتى من هذا الجانب أو ذاك فإنّ التّوحش أثّر في مخيّلتنا، ويشقّ علينا اليوم أن نصدّق أنّ هؤلاء الرّجال فعلوا ما فعلوا "لتحرير" أرض. لا، الحرب يتواجه فيها الجنود ولا يقتل فيها المدنيّون الأبرياء.
لا، لا يوجد أيّ مبرّر للأعمال الّتي اُرتُكبت في المنازل وفي المعسكرات وحيثما استطاعوا احتجاز شبّان كانوا يحتفلون.
إنّ الرّعب إنسانيّ أعني بذلك أنّ الحيوانات لم تكن لتفعل ما فعلته حماس أبدا. وقد اعتبر نواف قاليت وزيرالدّفاع الإسرائيلي في حكومة نتنياهو سكّان غزّة "حيوانات". لا، هناك أناس بلا ضمير ولا أخلاق ولا إنسانيّة ارتكبوا هذه المجازر، ثمّ هناك شعب يتألّم ليس مسلّحا ولا متوحّشا.
لا يجب الخلط بين حماس والشّعب (مليونان ونصف من الأشخاص) الّذي يخضع للاحتلال ويعيش تحت الحصار.
أقول ذلك لكنّ صوتي وحيد.
وأنا وحيد في عزلتي، غارق في حزني و عَارِي وباعتباري كائنا بشريّا فإنّي مشمئزّ من الإنسانيّة الّتي أرفض الانتماء إليها. أقول لا، هذه معركة لا تشرّف قضيّتهم. لا للتّصفيق في بعض العواصم العربيّة. لا، لهذا النّصر المضرّج بدم الأبرياء، لا لعمى من يحرّكون خيوط المأساة الّتي سيدفع الشّعب الفلسطيني ضريبتها الباهظة إن عاجلا وإن آجلا.
وهذه المأساة سنحتفظ بها في ذاكرتنا من حيث هي جرح أصاب الإنسانيّة جمعاء. جرح لن يندمل أبدا، جرح لن يُنسى أبدا.

المصدر:
Tahar Ben Jelloun, « Le 7 octobre La cause palestinienne est morte assassinée », Le Point du 13 octobre 2023, Paris