العمل النقابي في الجامعة التّونسيّة والعراقيل الإدارية
إبراهيم العثماني
الحوار المتمدن
-
العدد: 7334 - 2022 / 8 / 8 - 02:42
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
مقــــــــــــــــدّمة:
قد يتصور البعض أن المؤسسات الجامعية جنّات عدن تُعقد فيها الاجتماعات النقابية بيسر كبير، وينشط فيها الأساتذة بدون عراقيل، وينعم فيها النقابيون بالحرية التي بها منارات العلم حَريّة، وقد لا يخطر ببال البعض أن عديد المسؤولين الإداريين لا يستنكفون من تعنيف زملائهم وخدش كرامتهم وإهانة ذواتهم البشرية، ولا يتصورون أنهم يتجرؤون على تمزيق المعلقات النقابية التي تحتوي على مضامين- إن تحققت –ستعود بالفائدة على المؤسسة الجامعية والأساتذة ومسؤولي اليوم زملاء الأمس والغد.
إلاّ أن هذه التصورات ليست إلاّ أضغاث أحلام. فعندما يتلفّع البعض بجبّة المسؤولية ويتسربل بلباس الإدارة تتملّكه الأوامر والنّواهي، ويتلبّسه الزّجر والنّهر، وتُعمي الولاءات بصيرته وتُفقده صوابه فيتحوّل إلى عون تنفيذ يتحلّل من كل القيم والمبادئ التي تشبّع بها فيما مضى، و يتناسى أن نعيم المسؤولية لو دام للسابقين لما وصل إلى اللاحقين من أضرابه.
وقد اتخذت هذه العراقيل، في الوسط الجامعي ، أشكالا شتّى وامتدّت من الشّمال إلى الجنوب، وتفنّنت في ابتكارها وزارة الإشراف ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات ومديرو المعاهد العليا والكتاب العامون أحيانا.
1 –تجاوزات وزارة الإشراف :
لن نطيل الكلام على الأساليب التي التجأت إليها وزارة الإشراف لتعسير النّشاط النّقابي في قطاع التعليم العالي بل سنكتفي بالإشارة السريعة إلى الطرق الملتوية التي تعمد إليها ذلك أن هدفنا من كتابة هذا المقال هو إبراز العراقيل النّاجمة عن سلوك المسؤولين في المؤسسات الجامعية.
تتمثّل أساليب وزارة الإشراف في :1) إقحام هياكل صورية في المفاوضات 2)إسقاط المناشير الزّجرية 3) إصلاح التعليم دون إشراك الهياكل النقابية 4) خصم مرتبات الأساتذة شهرا كاملا أثناء الإضراب الإداري 5) حرمان الأساتذة المضربين من منح البحث والدراسة.
إلا أن الأدوار التي اضطلع بها المسؤولون الموزّعون بين مختلف المؤسسات الجامعية كثيرة ويحددها أحيانا ما يجود به خيالهم الخصب وما تتفتّق عليه قرائحهم الخلاّقة عملا بقول المتنبي:"على قدر أهل العزم تأتي العزائم".
2 –التجاوزات والعراقيل في المؤسسات الجامعية:
إن البيانات واللوائح والمقالات التي تضمنتها صحف من قبيل "الشعب" و"الموقف" و"الطريق الجديد"، و"مواطنون" ، أو نشرية "الجامعي" التي تصدرها الجامعة العامة للتعليم العالي تحفل بتجاوزات المسؤولين الإداريين ودوس القوانين وعرقلة النشاط النقابي والتفرد بالقرار، وتؤكد أن عنف البعض لا يختلف عن غطرسة الأعراف وعنجهية المالكين. فهم يتصرفون في مؤسسات الدّولة تصرّف المالكين في مؤسساتهم الخاصة خارج القانون، ويعادون النقابيين معاداتهم البلاد والعباد، ويُرضون سادتهم قبل إرضاء ضمائرهم وزملائهم .ففي مؤسسات مثل المعهد الوطني للتراث بتونس وكلية العلوم بقفصة والمعهد الأعلى للمحاسبة بمنوبة ومعهد الدراسات التكنولوجية برادس وكلية الاقتصاد بالمهدية يمنع النشاط النقابي و يرفض المديرون والعمداء فتح باب التفاوض مع الهياكل النقابية للنظر في المطالب المطروحة وفضّ الإشكاليات القائمة ووضع حد للتّوتُّرات .
إلا أن الأمر لا يقف عند ذلك الحدّ. ففي نابل يعتدي عميد كلية العلوم الاقتصادية والتصرف على الكاتب العام للنقابة بالعنف الجسدي مستعينا بالكاتب العام للكلية ويصادر صلاحيات المجلس العلمي ويستجوب الأساتذة والمسؤول النقابي. وهكذا يخلق هذا العميد تقليدا جديدا تتعطل بموجبه لغة الكلام وتعوّضها لغة "البونية"، ويتحول فضاء الكلية إلى حلْبة صراع وتنتهك حينئذ حرمة المؤسسة دون معاقبة المسؤول الفعلي.
أما عميد كلية العلوم بالمنستير فقد ابتدع بدعة غير محمودة إذ منع الأساتذة من عقد اجتماع في قاعة الأساتذة فاضطروا إلى عقده وقوفا في ساحة الكلية يوم 6 أكتوبر 2003 " تمسكا بحقهم النقابي وتحديا لسلوك العميد باعتباره منافيا لأبسط قواعد التعامل الحضاري بين الجامعيين وغريبا عن التقاليد الجامعية"( اُنظر "الشعب" – 18 أكتوبر 2003 ص5 ) .ومن ثم يصبح هذا العميد حاكما مطلقا، لا صوت يعلو فوق صوته، ولا راد ّ لكلمته ولا معترض على رأيه. فهو الواحد القهار والآمر الجبار.
ويخص أعضاء المجلس القطاعي للنقابة العامة المنعقد يوم 10 فيفري 2006 أساتذة كلية العلوم بصفاقس بلائحة ضمّنوها مساندتهم لهم احتجاجا على التعسف الذي يتعرّضون له وعلى رفض العميد التفاوض مع مكتب النقابة الأساسية حول مطالبهم المهنية المشروعة، ودعما للإضراب المزمع تنفيذه يوم الأربعاء 15 فيفري 2006 احتجاجا على هذا التّصرّف.
وليست هذه المساندة إلا رفضا لهذه الغطرسة وإدانة لهذا التعنت وتحذيرا من عواقب هذا السلوك المَشين والفعل المُهين.
وفي جامعة الوسط يُضطرّ أساتذة كلية العلوم بقفصة إلى الاعتصام أمام مقر الجامعة يوم الثلاثاء 5 ديسمبر 2006 بعد الرفض المتكرر للسيد رئيس الجامعة الجلوس إلى طاولة الحوار مع الأساتذة وحل المشاكل العالقة والمتراكمة ( انظر "الشعب" بتاريخ 16 ديسمبر 2006 ).
وليست كلية العلوم الاقتصادية والتصرف بجندوبة استثناء حيث تُمزّق المعلّقات النقابية ويُستفزّ أعضاء مكتب النقابة ويتم الاعتداء عليهم بالعنف اللفظي وبالحركات الحقيرة وغير الملائمة حسب ما ورد في جريدة "الشعب "بتاريخ 8 جانفي 2005 .
وفي المهدية تتحول كلية العلوم الاقتصادية إلى مزرعة خاصة يتحكم فيها عميد عنيد يتصرف فيها حسب رغباته وأهوائه. إن عنّ له أن يجلس مع النقابة ويتفق معها دون أن
+يمضي أي اتفاق فإنه يفعل ذلك. وإذا ما أراد أن يتصامم ويترك الأساتذة متجمّعين أمام مكتبه عشر ساعات فإنه لا يتردد. وكلما أراد أن يحسم الموقف معوّلا على عضلاته المفتولة ومستعينا بالكاتب العام للكلية فإنه لا يستنكف.
تلك هي عينات تكشف عداء فطريا يكنه بعض المسؤولين للعمل النقابي في الظروف العادية وتهجينا بدائيا لنضالات الأساتذة وحقدا دفينا على النقابيين بل على مبدإ الاعتراض أصلا. والثابت أن سلوكهم أثناء الإضراب سيكون أسوأ وأشدّ.
3-خوف المسؤولين من الإضرابات:
يبدو الإضراب، بالنسبة إلى بعض المسؤولين، غولا يخيفهم ليلا نهارا، وكابوسا يؤرقهم صباح مساء، ولحظة يجتمع فيها الشؤم واللؤم والهمّ والغمّ ويتبخّر فيها حلم طالما راودهم . لذا يتجندون لهرسلة النقابيين وإرباك الأساتذة وشق صفوف المضربين وإفشال الإضرابات .ولئن كان من العسير استعراض كل التجاوزات التي رافقت الإضرابات فإننا سنقتصر على عينات قد تمثل أهم العراقيل التي يتعرّض لها العمل النقابي. فخلال إضراب 9 ديسمبر 2003 " مكنت بعض المصالح المختصة والمؤتمنة على سرية العناوين الألكترونية بعض المعادين للعمل النقابي من تلك العناوين كي يستعملوها ليلة الإضراب للاتصال بالزملاء وبث ّجملة من الادعاءات ( انظر "الطريق الجديد" – ديسمبر 2003 ص11).
وقد تخللت هذا الإضراب ممارسات غريبة توقف عندها أساتذة جهة صفاقس ونبهوا لخطورتها معبرين عن رفضهم كل أشكال التدخل التي مارستها أطراف غريبة عن العمل النقابي من أجل المس من استقلاليته ونضاليته .
وأثناء إضراب 25 أفريل 2004 قرّر الأساتذة التجمع أمام مقرات الجامعات فأغلق رئيس جامعة تونس الباب أمام الجامعيين ورفض استقبال من يمثلهم وامتثل للتعليمات والأوامر وتصرف كموظف ينفذ ما يُطلب منه دون أدنى اجتهاد يخدم مصلحة المؤسسة الجامعية وإطاراتها.
أمّا الإضراب الإداري الذي شنه الأساتذة في شهر ماي من سنة 2005 فقد رافقته خروقات شتى وخلف استياء كبيرا لدى القاعدة الأستاذية وانعكاسات سلبية على سير العمل بالمؤسسات الجامعية. فقد اُستبدل المدرسون الذين أجّلوا إصلاح أوراق الامتحانات وأسندت مهامهم في الإصلاح إلى أشخاص آخرين فانعدمت الشفافية وغابت المصداقية وتم التلاعب بالنتائج النهائية .
ومن نتائج هذا الإضراب أن رئيس إحدى الجامعات بتونس منع مدير قسم الأنقليزية بإحدى المؤسسات التابعة له من مرافقة الطلبة في تربصهم اللغوي ببريطانيا العظمى.
وتميز إضراب 5 أفريل 2007 بظواهر جديدة. فقد عمد الجهاز الإداري إلى تمزيق المعلقات النقابية وحجز الإعلام النقابي وترهيب الأساتدة المقدمين على مناظرات ترقية . وتم توجيه استجوابات إلى المضربين كما حصل بمعهد الدراسات التكنولوجية بالقيروان .
أصبحت المسؤولية إذن تشريفا يناله أكثرهم تزلّفا وأقدرهم تملّقا وأشدّهم تحزّبا وأوفرهم استعدادا لتطبيق الإملاءات وتجاوز الأعراف والأخلاقيات بل أصبحت خاصة في نظرمن شارف منهم سن التقاعد فرصة العمر الأخيرة للظفر بعظم يلوكه قبل أن تباغته المنيّة .
4- الوجه الآخر للعملة:
إلا أن استعراض كل هذه الأمثلة لا يحجب عنّا الوجه الآخر للعملة. فمن باب التّجنّي القول إن كل المسؤولين يناهضون العمل النقابي ويعسّرون دور النقابيين . فكم من مؤسسة جامعية يسير فيها النشاط النقابي بشكل عادي ويُحترم فيها النقابيون أيّما احترام. ويغدو موقف الأستاذ احميّد بن عزيزة-عميد كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس،9 أفريل –منارة تشع بين هذه المؤسسات التي لفتها ظلمة العنجهية والولاء، إذ لا يكفي أنه يحترم العمل النقابي احترامه المسؤولية التي يضطلع بها، ويقدّر النقابيين تقديره التضحيات الجسيمة التي يقدمونها بل إنه لم يتردد في التصدي لإملاءات وزير التعليم العالي والوقوف في وجهه بكل ندّيّة دفاعا عن كرامة المسؤول المنتخب. لذا ثمّن الأساتذة والنقابيون هذا الموقف الجريء وحرروا العرائض دعما لموقفه وكتبوا اللوائح مساندة له واستهجانا لسلوك الطرف المقابل.
تلك هي حقيقة الأوضاع في المؤسسات الجامعية.فما الحلّ إذن؟
خاتـــــــــــمة:
إن تحقيق علاقات سليمة بين الطرف النقابي والطرف الإداري يحتاج إلى توفّر عنصرين اثنين،أوّلهما تطبيق الاتفاقية الدولية للشغل عدد135 الحامية للمسؤول النقابي من كل التجاوزات ،وثانيهما تعميم الانتخابات على كل المؤسسات الجامعية وتجنّد الجامعيين لوضع المسؤول المناسب في المكان المناسب.