جان بيير-فرنان: لسنا في حاجة إلى الرجوع للقديس أوغسطين لإثبات أن الثقافة اليونانية مشتركة بين أوربا الشمالية والمغرب العربي
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8323 - 2025 / 4 / 25 - 08:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
منذ 1948، اوقف جان بيير-فرنان حياته على دراسة اليونان القديمة حيث حقق ثورة في هذا المجال. انطلاقا من كتابه الأول “أصول الفكر اليوناني” اقترح جان بيير-فرنان تحليلا جديدا للأساطير اليونانية، متبعا منهج دوميزيل وليفي-ستروس.
بمناسبة صدور كتابه “الكون، الآلهة، الناس” الذي ترجم إلى 32 لغة، التقى الصحافي فرانسوا بوسنل بهذا الباحث وأجرى معه حوارا لفائدة أسبوعية “لكسبريس” الفرنسية، اخترنا منه قسمه الأول.
استوحى الصحافي من ضيفه الفكرة المنتشرة جدا التي مفادها أن لا فائدة من الميثولوجيا اليونانية ولا فائدة بالتالي من تعليم اللغتين اليونانية واللاتينية.
في جوابه عبر فرنان عن خسرته نافيا أن تكون تلك فكرة جديدة. وأردف أن ليونيل جوسبان، عندما كان وزيرا للتربية الوطنية، طلب منه، بواسطة كلود أليني، تقريرا حول تعليم اللاتينية واليونانية في السلك الثانوي في ذلك الوقت. كان الكل، من الوزارة إلى مديري المؤسسات يعتقدون انه كان ينبغي حذف إلغاء تعليم اليونانية لأن “ذلك لن يصلح لشيء ذي بال”.
عندئذ طلب فرنان من أساتذة اللغة اليونانية بأن يبعثوا إليه بجدادة مسجل عليها تطور أعدادهم خلال السنوات الخمس الأخيرة، وكذلك مهنة آباء التلاميذ الذين اختاروا اليونانية. كانت المفاجأة مزدوجة؛ ليس فقط لأن أعداد الأساتذة ظلت ثابتة من سنة لأخرى، لكنه لاحظ ان أجود تلاميذ اللغة اليونانية كانوا من ذوي الأصول المغاربية، ومن الجنس الناعم بالأخص.
في تقريره فند إذن فكرة عدم صلاحية اللغة اليونانية، مستندا على البرهان التالي: المغاربيات استوعبن بشكل جيد أن أحسن مدخل موات لهن هو الاندماج وأن هذا الأخير يقتضي انتقاء ما هو أكثر نخبوية في الثقافة المراد الاندماج فيها، أي ما يبدو أكثر بعدا عما يتمثله الناس على أنه الثقافة المغربية. استنادا إلى قوله، تكون الثقافة اليونانية قاسما مشتركا بين أوربا الشمالية والمغرب العربي..
ايد الصحافي ضيفه الذي أعلن للتو أننا لسنا بحاجة إلى الرجوع للقديس أوغسطين لإثبات ذلك. وأضاف فرنان أن المغرب العربي “تهلين” (اتخذ صفة هلينية) بقوة وشكل جزءا من مجموعة ثقافية متوسطية مطبوعة بالثقافة اليونانية-اللاتينية.
لمزيد من التوضيح، قال فرنان: "بدراستهن للغة اليونانية، تجدد المغاربيات إذن، على نحو من الأنحاء، ارتباطهن بماضيهن الخاص. هذا مثال يبين أنه لا يمكن تسوية مشكل اليونانية واللاتينية بالادعاء أن الأمر يتعلق بثقافة نخبوية ومنفصلة عن انشغالاتنا الراهنة. لكن ينبغي أن نكون واضحين. فعندما أسأل عن الشيء الذي تصلح له اليونانية، أجيب (لا تصلح لشيء)، شأنها في ذلك شأن الرياضيات المعاصرة والفيزياء الكوانطية. لا يصلح ذلك سوى لشحن الدماغ، لتأليف ما يسمى بالثقافة.
ورأى مؤلف "أصول الفكر اليوناني" ان الاتصال بالأدب اليوناني، خاصة “الإليادة” و”الأوديسا”، وأيضا شعراء المأساة أمثال أوشيل، أوربيد وصوفوكليس، ليس من قبيل الفائدة، وإنما هو من قبيل العاطفة والجمال.
إجابة على هذا السؤال: من أين جاءت الأساطير اليونانية؟ قال فرنان إن ما نسميه “ميثولوجيا يونانية”هو، بدون شك، ما تم حكيه في العصور القديمة للأطفال الصغار. تعرفنا عليها بفضل نصوص الشعراء الكلاسيين الكبار: هزيود، هوميروس، باندار وغيرهم. الخاصية الوحيدة التي تميز تلك النصوص هي أنها حكايات “عجيبة” تحدث فيها دائما أشياء خارقة للعادة. غير أنها لا تأخذ شكل عرض نظري.
تتميز الميثولوجيا، يتابع، عن الرسائل الفلسفية أو عن كتب التاريخ مثل تلك التي وضعها هيرودوت وتوسيديد لاحقا. إنها عبارة عن محكيات. عبر هذه القصص الممتع دائما سماعها، التي لها دائما بداية ونهاية، ينكشف المشكل المطروح كلما انبسط النص. هكذا نجد أنه كلما تحدث هزيود عن تكون العالم أو عن ميلاد المرأة الأولى، لم يطرح السؤال عن ماهية الإنسان (الشيء الذي سيقوم به الفلاسفة)، لكنه عرض قصة ينبغي الانغماس فيها لأجل فهم تعاقب الأحداث الدرامية. خلف القصة، تبرز دائما طريقة معينة لفهم العالم، في إدراك ماهية الوجود الإنساني، مكانة الإنسان في العالم، علاقة الإنسان بالطبيعة أو بالآلهة.