خالد مونا*: هل نحتاج إلى منظور جديد لمقاربة الحراك في المغرب؟
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8306 - 2025 / 4 / 8 - 16:04
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ترجمة: أحمد رباص
إنما انطلاقا من تحليل الحراك السياسي في المغرب، تحاول هذه الورقة تقديم منظور جديد للبحث في العلوم الاجتماعية. الحراك مفهوم اجتماعي يشير إلى حالة فيها "طفح الكيل" الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. وتأخذ كلمة حراك هنا بعد الحركة التي تهدف إلى تغيير الخطوط السياسية. وهذا يعني أيضا تظاهرة نشطة ضد السبات والجمود السياسي والاقتصادي. وتتجلى أهمية هذا المصطلح في اعتماده من قبل حركات أخرى في الجزائر وتونس، إذ أصبح رمزاً للتعبير السياسي عن الهامش.
منذ عام 2011، مع ظهور حركة 20 فبراير، اكتسبت التعبئة الاجتماعية في المغرب بعدا جديدا. هي ما زالت صغيرة في السن؛ اندرجت في إطار استمرارية حركة 20 فبراير وحركت الشبكات الاجتماعية. كانت روح حركة 20 فبراير حاضرة أيضا خلال حراك الريف، الذي بدأ في أعقاب وفاة بائع السمك محسن فكري في 28 أكتوبر 2016، بعدما سحقته آلية شاحنة لجمع القمامة. وتبع هذا الحراك الأول في عام 2017 حراك آخر، هذه المرة في جرادة (شرق المغرب)، في أعقاب وفاة الحسين (23 عاما) وجدوان (30 عاما)، اللذين لقيا حتفهما في منجم فحم مهجور.
سواء في الريف أو في جرادة، يبقى الإقصاء والتهميش الاجتماعي والاقتصادي هما ما يميزان هذين الحراكين.
في خضم محاكمة نشطاء حراكي الريف وجرادة، انطلق حراك آخر، منذ أبريل 2018، هذه المرة يسمى حراك المقاطعين.
استهدف حراك المقاطعة ثلاث شركات تملك احتكارات في قطاعاتها: سنطرال دانون (منتجات الألبان)، أفريقيا (المحروقات)، وسيدي علي (المياه المعدنية). وعلى عكس شركة سنطرال دانون، تنتمي شركتا أفريقيا وسيدي علي إلى عائلتين قريبتين من القصر. انطلق هذا الحراك الجديد، مثل الحراكات السابقة، على مواقع التواصل الاجتماعي. واستهدف هذا القرار الأنشطة الاقتصادية من خلال الدعوة إلى عدم استهلاك منتجات هذه الشركات، مما تسبب لها في خسائر مالية واقتصادية كبيرة. وإذا شكل حراك الريف وجرادة جزء من التعبئة التقليدية، التي يسهل قمعها، فإن المقاطعة اتخذت بعدا آخر، لأنها هاجمت الاحتكار والقوة الاقتصادية وتحالفها مع العالم السياسي. إنه حراك لا يمكن السيطرة عليه، لأن المشاركين فيه يطلقون على أنفسهم اسم "شعب الفيسبوك". كان فعالا بحيث عطل لعبة هيمنة الفاعلين الاقتصاديين، الذين أخذوها على محمل الجد. وهكذا، خلال شهر رمضان، لم يكد يمر يومان على مقاطعة الأسماك تحت شعار "دعوها تسبح" حتى انخفضت أسعارها.
إذا كان حراك الريف قد أعطى حياة جديدة للعمل الجماعي في المغرب، فإن حراك جرادة عمم التعبير عن المعاناة على الهامش. أما المقاطعة، فرغم أنها جزء من الديناميات الاجتماعية التي انطلقت في عام 2011 مع حركة 20 فبراير، إلا أنها تتخذ اليوم نطاقا أوسع، إذ أنها تطرح حاليا تساؤلات حول الفاعلين السياسيين والاقتصاديين. إن رفض الاستهلاك هو أسلوب عمل المقاطعين؛ إنها طريقة لطرح التساؤل حول التحالف القائم بين العالم السياسي والعالم الاقتصادي، والذي ينظر إلى المغربي كمستهلك أكثر منه كمواطن. إن حركات الحراك التي يقودها الشباب تعيد السلطة إلى المهمشين والمستبعدين، الذين ليسوا من بين المتميزين.
في هذا السياق، برهن الحراك على قدرة الفاعلين على تحدي ظروف إقصائهم. وهكذا فإن التعبئة، التي تنطلق من الشوارع أو من شبكات التواصل الاجتماعي، تتيح لنا إمكانية مراجعة القراءات الاختزالية للعلاقة بالسلطة السياسية والاقتصادية. قلب الحراك موازين القوى. هنا، العلاقة بين المهيمن والمهيمن عليه لا تسير في اتجاه واحد، لأن الأماكن يمكن أن تتغير. إذا كانت الحكومة قد بررت حراك الريف باعتبارها انفصاليا، حراك جرادة، بوجود يد خارجية خفية، فإنها اتبعت استراتيجية أخرى في حالة المقاطعة. إن المقاطعة، باعتبارها عملاً احتجاجياً غير متوقع ويصعب تعريفه، دفعت الحكومة في البداية إلى التقليل من شأنها، من خلال وصف المقاطعين بـ"المداويخ"، ثم تهديدهم بالملاحقة القضائية، وأخيراً أخذهم على محمل الجد نظراً للخسائر الاقتصادية التي منيت بها الشركات المستهدفة، وبالتالي التوسل إليهم لوقف المقاطعة.
ومن خلال الحراك تسعى الملكية إلى لعب دور المؤسسة التنظيمية. وهكذا، أصدر الملك، خلال العيد الوطني 20 غشت 2018، عفواً عن 188 شاباً من المشاركين في حراك الريف، دون أن يشمل هذا العفو زعيم الحراك. إن العفو الملكي، باعتباره ممارسة تقليدية خلال الأعياد الوطنية، يمنح النظام الملكي الفرصة لإصلاح الظلم في النظام القضائي، من أجل تعزيز سلطته (مونا 2018).
إن هذا الحراك يسمح لنا برؤية أن الدولة تشكل مجالاً مفتوحاً، بهندسة متغيرة، ومساحة تقاطع بين المؤسسات والحياة الاجتماعية، وهي مساحة لا تتوازى مع المجتمع، مما يمنح الجهات الفاعلة الهامشية "ألف طريقة للعب والتغلب على لعبة الآخر" (دي سيرتو 1990). وتتحدث التحليلات التي سيطرت على وسائل الإعلام عن "تطبيع الاحتجاج" (برابونو 2017)؛ إنهم يستمرون في فهم القوة باعتبارها فئة موضوعية، وبالتالي ينسون أن الأخيرة ليست أمراً مسلماً به، بل هي فرضية يجب علينا اختبارها. ويرى هؤلاء أن الاحتجاج لم يكن بمثابة مساس بالسلطة السياسية للملكية. الحراك مجموعة من أحداث يقوم فيها الشباب بإنتاج تاريخهم الخاص، في عملية طقوسية. إن الأمر يتعلق إذن بخلق "مجتمع وجودي" حسب معنى ترنر (ترنر 1990)، يسمح لهم بصياغة طريقة للعيش والشعور في المجتمع، والتي من خلالها يتخذ الحراك أشكالاً مسرحية. يتصرف الممثلون كأفراد ينسقون وفقًا لمصلحة مشتركة؛ وهم يتحدون المؤسسات الوسيطة/الأحزاب السياسية وتحالفها مع العالم الاقتصادي. يظهر الشباب قدرتهم على الابتكار في العمل الجماعي. إن المقاطعة، نتيجة هذا الابتكار، تؤثر على القوة السياسية من خلال مهاجمة القوة والاحتكار الاقتصادي. أليس الوقت مناسبا لإعادة النظر في الأطر الاجتماعية التي تفرضها العلوم الاجتماعية، والتي غالبا ما تستخدم نماذج موجودة مسبقا فقط؟
من خلال الحراك يتم التشكيك في كامل معرفتنا بالمجتمع. إن المعرفة في العلوم الاجتماعية تواجه تحديا تجريبيا ومفاهيميا أيضًا، بهدف تجاوز الثنائيات بين التحليلات الاجتماعية والأنثروبولوجية. لقد ربط الحراك بين الخارج والداخل في مسألة هامش العالم الاجتماعي والاقتصادي. من المؤكد أن هذه الأشكال من الحراك تتفاعل ضد "ارتفاع تكلفة المعيشة"، والفساد، والاستقطاب، وما إلى ذلك، لكنها يسعون في المقام الأول إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي يتطلب منا أن نأخذ في الاعتبار تنوع أشكال التبرير التي يحشدها الفاعلون للطعن في ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية (ناشي 2009). إن النظر في العدالة والظلم يسمح لنا بمراقبة حكم الفاعلين وديناميات الهامش من خلال المفاصل بين الماضي والحاضر، وبين الذاكرة والتاريخ؛ إن المسألة تتعلق بمعرفة كيف تتحدى مجتمعاتنا حدود السلطة وقواها المهيمنة.
(*) خبير في مجال الهجرة
المرجع: https://www.espacestemps.net/articles/les-hirak-au-maroc-faut-il-un-nouveau-regard/