الحراك التعليمي في المغرب: مقاربة سوسيولوجية
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8311 - 2025 / 4 / 13 - 17:57
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
هذا نص مداخلتي في الجلسة 13 أبريل 2025 من فعاليات المجلس الوطني لقطاع التعليم التابع للحزب الاشتراكي الموحد والذي انعقد بالمحمدية خلال نهاية هذا الأسبوع.
غالبا ما يسقط كاتب طلبت منه المشاركة بمداخلة في ندوة من الندوات في نوع من الحيرة بشأن الخطاطة المنهجية التي سوف يتبعها لبناء محاضرته. كما يجد نفسه في هذا المقام مترددا بين وضع عنوان الموضوع في حالته الخام أولا والانطلاق منه بالتالي كمقدمة أولى تتفرع عنها قضايا أساسية وأخرى ثانوية، وبين الذهاب قدما إلى تدوين الأفكار وتدوير المعلومات حتى إذا اكتمل التص صيغ له عنوان مناسب.
من الناحية المنهجية، سوف أكون معكم، رفاقي الأعزاء، شفافا وواضحا، حيث أتعهد أمامكم من الآن بأن أكشف لكم النقاب عن الميثاق المنهجي الذي يؤطر هذه الورقة، ولن يبقى بعد ذلك ضمنيا. أما في ما يخص: أيهما يحظى بالأولوية، العنوان أم النص؟ فلن يقع اختياري سوى على الأول ضمانا لإمكان مشاركتم ومساهمتكم في إعداد ارضية للتفكير والنقاش.
أعتقد غير جازم أن مقاربة الحراك التعليمي مقاربة سوسيولوجية تقتضي منهجيا البدء بالحديث عن السياق التاريخي والسوسيوسياسي، تليه محاولة للإجابة على هذا السؤال: هل نحتاج إلى منظور جديد لمقاربة الحراك الشعبي في المغرب؟
قبل الشروع في تنفيذ هذا التصميم من خلال ذكر التفاصيل التي يسكن فيها الملاك والشيطان معا، لا بد من الحسم في قضية استحضار الشعار الذي اخترناه لهذا العرس النضالي من خلال الإعلان أن أحسن طريقة للدفاع عن المدرسة هي السعي الدؤوب من أجل اكتساب المعرفة التي يقال عن حق إنها ثورية، أي أداة للتغيير والتحرر.
1) السياق التاريخي والسوسيوسياسي
في علاقة بالسياق السوسيوسياسي، يظهر لكل ذي فطنة أن الحديث عن الحراك لا بد وأن يتم التمهيد له، ولو في عجالة، بنظرة موجزة عن تطور الاحتجاجات أو الحركات الشعبية في بلادنا من الماضي القريب إلى الحاضر العجيب. هذه المهمة يساعدنا على إنجازها المؤرخ المصطفى بوعزيز الذي شارك في فعاليات الأسبوع الرقمي المنظم في منتصف ماي 2020 من قبل حزبنا الاشتراكي الموحد تضامنا مع الحراك الشعبي للريف.
قال المؤرخ المغربي مصطفى بوعزيز، الأستاذ الباحث في كلية الآداب بالدار البيضاء، والمستشار العلمي لمجلة “زمان”، وأحد أعمدة مركز محمد بن سعيد آيت إيدير للدراسات والأبحاث إنه سيركز على الحركات الاجتماعية وضمنها حراك الريف الذي يود أن يقارنه بأصوله التاريخية لأنه في الحقيقة تطور نوعي في إطار حركة الاحتجاج المغربية. ووفاء منه لهذا المطلب المنهجي، لاحظ مصطفى بوعزيز أن المغرب التاريخي بشكل عام أنتقل من نمط معين للاحتجاج معروف بثنائية المخزن والسيبة، أي ثنائية المناطق التي تسيطر عليها السلطة المخزنية والمناطق المنتفضة لتي كانت مناطق قبلية وسميت بهذا التعبير: السيبة، وهي غير المحكومة بنظام راشد حسب التعبير المخزني. سيقع انتقال في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر إلى الاحتجاج المدني في المناطق التي كان المخزن مسيطرا عليها بالكامل. ومن هنا تأدى الأستاذ الباحث في تاريخ المغرب إلى أن هذه الاحتجاجات الحضرية التي ابتدأت مع تولية السلطان الحسن الأول هي النموذج الجنيني الذي سيحكم كل الاحتجاجات الحضرية التي ستحدث في المغرب والتي يعتبر حراك الريف امتدادا نوعيا لها.
بعد ذلك، انتقل المؤرخ المغربي إلى الحديث عن النقاش الذي أثاره بعض المثقفين المغاربة حول طبيعة الاحتجاجات المغربية، وما إذا كانت مجرد احتجاجات ذات بعد سياسي محدود أم هي حركات اجتماعية ذات طموح يمكن وصفه بالاستراتيجي. في الحقيقة، لا زال بوعزيز يميل إلى أنها حركات اجتماعية وليست حركات احتجاجية ظرفية سياسية عابرة. ثم بعد ذلك يحيل إلى النقاش عن ماهية الحركات الاجتماعية، ليهتدي إلى تقديم تعريف للحركة الاجتماعية باعتبارها تحررا جماعيا وسط المجتمع يتأسس على قاعدة حيف وشعور بالدونية وينطلق بهدف رفع الغبن وجبر الضرر. ولتدقيق هذا التعريف الذي بدا له عاما، يقول المتحدث إن الحركات الاجتماعية تنشأ كجواب على اختلالات اجتماعية تشكلت على المدى الطويل ورسخت الحيف واللامساواة؛ لذلك تعبر الحركات الاحتجاجية عن انتظارات طالبي حق. إذن، هناك غبن وحيف تشكل عبر الزمن الطويل نتج عنه رد فعل مجتمعي قامت به فئات اجتماعية تشعر بهذا الحيف بصفة جماعية وتتمثله شيئا غير مقبول، فتتحرك لتطالب بحق هو رفع هذا الضرر وجبر الكسر الناتج عن هذا الضرر، يوضح الإطار الباحث في مركز محمد بن سعيد آيت إيدير.
وللتدليل على بداية احتضان الوسط الحضري المغربي للحركة الاحتجاجية منذ القرن التاسع عشر، قدم بوعزيز بعض الأمثلة مصحوبة بدلالاتها التاريخية. وكانت البداية حسب وجهة نظره في فاس سنة 1873 حينما توفي السلطان محمد الرابع، إذ كانت هناك عملية انتقال الملك من خلال مبايعة وتولية السلطان الحسن الأول. كانت هذه المرحلة استثنائية لأن الانتقال من “مات الملك” إلى “عاش الملك” كان قبل الحماية يستغرق وقتا يقاس بالشهور؛ لأن الملك الجديد كان عليه أن ينتقل من منطقة مراكش إلى فاس ليحظى فيها ببيعة أهل العقد والعزم وبتزكية علماء القرويين لهذه البيعة.
ففي هذا الظرف الاستثنائي، كل الفئات تتحرك لتطالب بمطالب محددة مقرونة بالبيعة. هكذا انتبه الدباغون في فاس إلى أنهم يئنون تحت ضغط حيف طال أمده لمدة عقدين، ويتمثل في كونهم يؤدون ضريبة دخول السوق وضريبة الأرباح؛ أي ما عرف بالمكوس، بينما جزء آخر من المغاربة كان يتمتع بامتياز عدم أداء تلك المكوس ولا يتورع عن منافسة الجزء الملزم بأداء الضريبة. والسر في إعفاء تجار الجزء الأول من دفعها يكمن في حملهم لبطاقة محمي التي كانت تمنحها لهم بعض الدول الأوربية، وفضلا عن ذلك كان يسمح لهم بعرض سلعهم في السوق وبإنتاجها في المصانع المغربية. ومن أجل رفع هذا الحيف، شارك الدباغون في انتفاضة للمطالبة برابطة القانون وبأن يكون الناس سواسية أمام القانون، وحال لسانهم يقول: إما نؤدي المكوس جميعا وإما لا نؤديها. إذن، الجديد في هذه الانتفاضة كان هو تأسيس رابطة القانون، ولو أنها كانت متقطعة ودامت حوالي أربعة أشهر ثم انتهت بعدم تلبية تلك المطالب نظرا للظرفية الموجودة آنذاك، ولكنها مع ذلك كانت مؤسسة لهذا النوع من الاحتجاج حيث نجد أن مجموعة من الانتفاضات سارت في هذا الاتجاه عبر مختلف مناطق المغرب.
ومن الأمثلة التاريخية التي لها دلالتها في هذا السياق، ذكر مصطفى بوعزيز الاحتجاجات والمظاهرات التي شهدتها سنة 1930 والمعروفة بالظهير البربري، ما يوحي بأنها كانت ضده، مع أن ذلك ليس هو اسمه التاريخي حيث عرف في الحقيقة بظهير العدلية في المناطق العرفية، نظرا لتفريقه بين أهل العرف وأهل الشرع؛ الشيء الذي حمل المغاربة على مناهضته لأن لا الإسلام ولا السلطان الذي هو أمير المؤمنين يدعوان إلى التفرقة. وما يدل على ذلك هو أن حركة اللطيف التي كانت تخرج من المسجد كانت تردد: يا لطيف، يا لطيف، ألطف بنا بما جرت به المقادير، ولا تفرق بيننا وإخواننا البرابر. وهكذا يتبين لنا أن الحركة الاحتجاجية كانت من أجل الوحدة وقد حالفها النجاح حيث تم إلغاء الظهير تحت ضغط المحتجين.
في نفس السياق، وقف بوعزيز عند سنة 1944 المعروفة بوثيقة المطالبة بالاستقلال، مشيرا إلى أن مغرب الحماية لم يشهد وثيقة واحدة من هذا القبيل بل سلسلة من الوثائق. ويبقى المهم، في نظر محدثنا، أن المغرب انخرط خلال هذه السنة في الحرب العالمية الثانية التي كانت في أوجها وعاش في نفس الوقت في ظل انتفاضة رفعت مطلب الاستقلال. على أن اليومين الجوهريين في هذه الانتفاضة كانا هما يومي 29 و30 يناير اللذين خرجا فيهما المغاربة يطالبون بالاستقلال والحرية، وأمسى الكثير منهم ضحايا للمجازر التي ارتكبت في حقهم بمدن مغربية على رأسها سلا والرباط وفاس. وهنا لاحظ المؤرخ أننا نحتفل بذكرى 11 يناير كحدث تاريخي مع أنه ينبغي الاحتفال بيومي 29 و30 يناير لأنهما يومان حاسمان سقط فيهما شهداء بالعشرات.
من هنا نشأت الحركة الوطنية التي تميزت بتداخل بين الحركات الاجتماعية الناشئة والحركات الشبابية والحركات التي قادتها الجمعيات النسائية والحركة الكشفية والحركة الرياضية التي انصهرت كلها في بوثقة واحدة تقول لا لدونية المغاربة أمام الأجانب ولا نريد الحماية، بل نريد الاستقلال.
أما بعد الاستقلال، يعترف بوعزيز بأن هذه الفترة شهدت حركات كبيرة ذكر منها واحدة لأنها معروفة في وجدان الجيل الذي ينتمي إليه كجيل من الشباب اليساريين. استمرت هذه الحركة على مدى ثلاثة أيام (22- 23-24 مارس 1965) وكانت مدن مغربية كالدار البيضاء والرباط وغيرهما مسرحا لها. في بادئ الأمر، انطلقت هذه الحركة على يد الطلبة الذين طالبو بالحق في التعليم ثم ما لبث أن انضم إليهم العمال ليطالبوا بحقهم في الشغل. لكن المخزن لم يعرف سوى القمع كلغة وحيدة للتعامل مع المحتجين فكانت حالة الاستثناء في المغرب وبداية سنوات الجمر والرصاص التي أصبحت موضوع أحاديثنا في الألفية الثالثة.
بعد ذلك، يضيف بوعزيز، وقعت احتجاجات معروفة في سنة 1979 قام بها رجال التعليم والصحة، تلتها انتفاضة 1981 التي لقب ضحاياها بشهداء الكوميرة على حد تعبير إدريس البصري. وفي 1984 وقعت أحداث لها صبغة خاصة تتلخص في جواب المجتمع العميق على الاختلالات الكبيرة الموجودة في المجتمع حيث برزت احتجاجات على التمثيلية السياسية التي لم تكن في المستوى. ولم تكن مدن الريف بمنأى عن هذا الغليان الاجتماعي الذي أطلق نقاشا حول ما إذا كان للجماهير المحتجة رأس مدبر. ثم جاءت أحداث 1990 التي أعادت نسبيا إلى الواجهة القوى المؤسسة للمجتمع والتي هي النقابات، خصوصا الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين اللتين قادتا هذه المعركة التي لعلع فيها الرصاص.
وفي الأخير، استنتج المؤرخ المغربي من هذا الجرد التاريخي أن هذه الحركات تشترك في نفس الميزات، أهمها قصر مدة الاحتجاج ووجود كثيف للشباب وضعف التنظيم، ما سهل على النظام القائم إحداث استفزازات كانت تؤدي إلى تجاوزات في الشارع العام، لهذا لم تؤد إلى انتقال لا في النظام الاجتماعي ولا في النظام السياسي ولكنها مكنت من توجيه إنذار كبير للسلطة القائمة بحيث أعادت ترتيب أوضاعها. لكن الأمر مختلف تماما في الحركات الاجتماعية التي اندلعت في 2011 ومابعدها، إذ نجد أن المساحة المغطاة اتسعت ووقت الاحتجاج تمدد ولو أن ضعف التنظيم ظل ثابتا. كذلك لوحظ أن البرنامج المحمول خلال احتجاجات الربيع العربي وما بعده تضمن دوافع وطنية غير فئوية كما كان الشأن في الحركات الاحتجاجية التي حدثت قبل 2010 والتي كانت تسير نحو توافق مع المؤسسة الملكية بخلاف منطق تحسين الأوضاع الذي مشت نحوه الحركات الاحتجاجية لما بعد الربيع العربي(1).
2) هل نحتاج إلى منظور جديد لمقاربة الحراك في المغرب؟
هذا السؤال حاول الإجابة عنه خالد مونا، الخبير في مجال الهجرة، ونظرا لجدة طرحه وجدية تمشيه أعرض عليكم ما قاله بهذا الشأن في مقاله المكتوب بالفرنسية والمتاح رقميا لكل قارئ عليم.
إنما انطلاقا من تحليل الحراك السياسي في المغرب، تحاول هذه الورقة تقديم منظور جديد للبحث في العلوم الاجتماعية. الحراك مفهوم اجتماعي يشير إلى حالة فيها "طفح الكيل" الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. وتأخذ كلمة حراك هنا بعد الحركة التي تهدف إلى تغيير الخطوط السياسية. وهذا يعني أيضا تظاهرة نشطة ضد السبات والجمود السياسي والاقتصادي. وتتجلى أهمية هذا المصطلح في اعتماده من قبل حركات أخرى في الجزائر وتونس، إذ أصبح رمزاً للتعبير السياسي عن الهامش.
منذ عام 2011، مع ظهور حركة 20 فبراير، اكتسبت التعبئة الاجتماعية في المغرب بعدا جديدا. هي ما زالت صغيرة في السن؛ اندرجت في إطار استمرارية حركة 20 فبراير وحركت الشبكات الاجتماعية. كانت روح حركة 20 فبراير حاضرة أيضا خلال حراك الريف، الذي بدأ في أعقاب وفاة بائع السمك محسن فكري في 28 أكتوبر 2016، بعدما سحقته ماكنة شاحنة لجمع القمامة. وتبع هذا الحراك الأول في عام 2017 حراك آخر، هذه المرة في جرادة (شرق المغرب)، في أعقاب وفاة الحسين (23 عاما) وجدوان (30 عاما)، اللذين لقيا حتفهما في منجم فحم مهجور.
سواء في الريف أو في جرادة، يبقى الإقصاء والتهميش الاجتماعي والاقتصادي هما ما يميزان هذين الحراكين.
في خضم محاكمة نشطاء حراكي الريف وجرادة، انطلق حراك آخر، منذ أبريل 2018، هذه المرة يسمى حراك المقاطعين.
استهدف حراك المقاطعة ثلاث شركات تملك احتكارات في قطاعاتها: سنطرال دانون (منتجات الألبان)، أفريقيا (المحروقات)، وسيدي علي (المياه المعدنية). وعلى عكس شركة سنطرال دانون، تنتمي شركتا أفريقيا وسيدي علي إلى عائلتين قريبتين من القصر. انطلق هذا الحراك الجديد، مثل الحراكات السابقة، على مواقع التواصل الاجتماعي. واستهدف هذا القرار الأنشطة الاقتصادية من خلال الدعوة إلى عدم استهلاك منتجات هذه الشركات، مما تسبب لها في خسائر مالية واقتصادية كبيرة. وإذا شكل حراك الريف وجرادة جزء من التعبئة التقليدية، التي يسهل قمعها، فإن المقاطعة اتخذت بعدا آخر، لأنها هاجمت الاحتكار والقوة الاقتصادية وتحالفها مع العالم السياسي. إنه حراك لا يمكن السيطرة عليه، لأن المشاركين فيه يطلقون على أنفسهم اسم "شعب الفيسبوك". كان فعالا بحيث عطل لعبة هيمنة الفاعلين الاقتصاديين، الذين أخذوها على محمل الجد. وهكذا، خلال شهر رمضان، لم يكد يمر يومان على مقاطعة الأسماك تحت شعار "دعوها تسبح" حتى انخفضت أسعارها.
إذا كان حراك الريف قد أعطى حياة جديدة للعمل الجماعي في المغرب، فإن حراك جرادة عمم التعبير عن المعاناة على الهامش. أما المقاطعة، فرغم أنها جزء من الديناميات الاجتماعية التي انطلقت في عام 2011 مع حركة 20 فبراير، إلا أنها تتخذ اليوم نطاقا أوسع، إذ أنها تطرح حاليا تساؤلات حول الفاعلين السياسيين والاقتصاديين. إن رفض الاستهلاك هو أسلوب عمل المقاطعين؛ إنها طريقة لطرح التساؤل حول التحالف القائم بين العالم السياسي والعالم الاقتصادي، والذي ينظر إلى المغربي كمستهلك أكثر منه كمواطن. إن حركات الحراك التي يقودها الشباب تعيد السلطة إلى المهمشين والمستبعدين، الذين ليسوا من بين المتميزين.
في هذا السياق، برهن الحراك على قدرة الفاعلين على تحدي ظروف إقصائهم. وهكذا فإن التعبئة، التي تنطلق من الشوارع أو من شبكات التواصل الاجتماعي، تتيح لنا إمكانية مراجعة القراءات الاختزالية للعلاقة بالسلطة السياسية والاقتصادية. قلب الحراك موازين القوى. هنا، العلاقة بين المهيمن والمهيمن عليه لا تسير في اتجاه واحد، لأن الأماكن يمكن أن تتغير. إذا كانت الحكومة قد بررت حراك الريف باعتبارها انفصاليا، حراك جرادة، بوجود يد خارجية خفية، فإنها اتبعت استراتيجية أخرى في حالة المقاطعة. إن المقاطعة، باعتبارها عملاً احتجاجياً غير متوقع ويصعب تعريفه، دفعت الحكومة في البداية إلى التقليل من شأنها، من خلال وصف المقاطعين بـ"المداويخ"، ثم تهديدهم بالملاحقة القضائية، وأخيراً أخذهم على محمل الجد نظراً للخسائر الاقتصادية التي منيت بها الشركات المستهدفة، وبالتالي التوسل إليهم لوقف المقاطعة.
ومن خلال الحراك تسعى الملكية إلى لعب دور المؤسسة التنظيمية. وهكذا، أصدر الملك، خلال العيد الوطني 20 غشت 2018، عفواً عن 188 شاباً من المشاركين في حراك الريف، دون أن يشمل هذا العفو زعيم الحراك. إن العفو الملكي، باعتباره ممارسة تقليدية خلال الأعياد الوطنية، يمنح النظام الملكي الفرصة لإصلاح الظلم في النظام القضائي، من أجل تعزيز سلطته (مونا 2018).
إن هذا الحراك يسمح لنا برؤية أن الدولة تشكل مجالاً مفتوحاً، بهندسة متغيرة، ومساحة تقاطع بين المؤسسات والحياة الاجتماعية، وهي مساحة لا تتوازى مع المجتمع، مما يمنح الجهات الفاعلة الهامشية "ألف طريقة للعب والتغلب على لعبة الآخر" (دي سيرتو 1990). وتتحدث التحليلات التي سيطرت على وسائل الإعلام عن "تطبيع الاحتجاج" (برابونو 2017)؛ إنهم يستمرون في فهم القوة باعتبارها مقولة موضوعية، وبالتالي ينسون أن الأخيرة ليست أمراً مسلماً به، بل هي فرضية يجب علينا اختبارها. ويرى هؤلاء أن الاحتجاج لم يكن بمثابة مساس بالسلطة السياسية للملكية. الحراك مجموعة من أحداث يقوم فيها الشباب بإنتاج تاريخهم الخاص، في عملية طقوسية. إن الأمر يتعلق إذن بخلق "مجتمع وجودي" حسب معنى ترنر (ترنر 1990)، يسمح لهم بصياغة طريقة للعيش والشعور في المجتمع، والتي من خلالها يتخذ الحراك أشكالاً مسرحية. يتصرف الممثلون كأفراد ينسقون في ما بينهم وفقًا لمصلحة مشتركة؛ وهم يتحدون المؤسسات الوسيطة/الأحزاب السياسية وتحالفها مع العالم الاقتصادي. يظهر الشباب قدرتهم على الابتكار في العمل الجماعي. إن المقاطعة، نتيجة هذا الابتكار، تؤثر على القوة السياسية من خلال مهاجمة القوة والاحتكار الاقتصادي. أليس الوقت مناسبا لإعادة النظر في الأطر الاجتماعية التي تفرضها العلوم الاجتماعية، والتي غالبا ما تستخدم نماذج موجودة مسبقا فقط؟
من خلال الحراك يتم التشكيك في كامل معرفتنا بالمجتمع. إن المعرفة في العلوم الاجتماعية تواجه تحديا تجريبيا ومفاهيميا أيضًا، بهدف تجاوز الثنائيات بين التحليلات الاجتماعية والأنثروبولوجية. لقد ربط الحراك بين الخارج والداخل في مسألة هامش العالم الاجتماعي والاقتصادي. من المؤكد أن هذه الأشكال من الحراك تتفاعل ضد "ارتفاع تكلفة المعيشة"، والفساد، والاحتكار، وما إلى ذلك، لكنها تسعى في المقام الأول إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي يتطلب منا أن نأخذ في الاعتبار تنوع أشكال التبرير التي يحشدها الفاعلون للطعن في ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية (ناشي 2009). إن النظر في العدالة والظلم يسمح لنا بمراقبة حكم الفاعلين وديناميات الهامش من خلال المفاصل بين الماضي والحاضر، وبين الذاكرة والتاريخ؛ إن الأمر يتعلق بمعرفة كيف تتحدى مجتمعاتنا حدود السلطة وقواها المهيمنة (2).
(3) مقاربة سوسيولوجية للحراك التعليمي الذي عكس أزمة عميقة
في المغرب
يظل دور المدرسة في المجتمع موضع تساؤل دائم؛ حتى أنه تم تحديدها باعتبارها سبب الأزمة المجتمعية. لقد شهد قطاع التعليم إصلاحات عديدة منذ الاستقلال عام 1956، ولكنه ظل بعيداً كل البعد عن الرهانات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة. ولذلك، لا يتردد أعضاء هيئة التدريس في التحرك فور عزم السلطات على تطبيق إجراءات دون نتائج حقيقية، كما حدث في بداية العام الدراسي 2023-2024، حين ظهرت أشكال احتجاجية غير مسبوقة.
شهدت المدرسة المغربية إصلاحات عديدة، بدأت مع تبني أربعة مبادئ رئيسية في ستينيات القرن الماضي: التوحيد، التعريب، المغربة والتعميم. تم الانتهاء من هذه العملية بعد عقدين من الزمن على يد عز الدين العراقي (1929-2010)، رئيس الوزراء من عام 1986 إلى عام 1992: ظلت اللغة الفرنسية، التي كانت تُدرس آنذاك كلغة أجنبية فقط، لغة التدريس في كليات العلوم والطب والهندسة؛ الشيء الذي ما زال قائماً حتى اليوم. وفي تسعينيات القرن العشرين، تم الشروع في إصلاح جديد أوصى بإنشاء لجنة استشارية ملكية للتعليم والتكوين. وقد أعدت هذه الأخيرة ميثاقا وطنيا صدر عام 1999، لكنه شهد عدة اختلالات أدت إلى اعتماد برنامج استعجالي بين عامي 2009 و2012، لم يلب بدوره توقعات المجتمع. وفي عام 2014 أعيد تنظيم المجلس الأعلى للتعليم، وأُطلق عليه اسم المجلس الأعلى للتعليم والإصلاح والبحث العلمي. في 20 ماي 2015، ترأس الملك محمد السادس حفل تقديم الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم (2015-2030) بقصر الدار البيضاء: من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والترقية.
والملاحظ أن هذه الاستراتيجية فضحت منذ البداية ما تضمنته في أحشائها من تراجعات مست مكتسبات الشعب المغربي وقد تمثلت في فصل التكوين عن التوظيف ما أدى إلى بروز احتجاجات الأساتذة المتدربين خلال سنة 2016، وتحديد سن الانخراط في التعليم العمومي في 30 عاما؛ الشيء الذي عمق أزمة حملة الشهادات المعطلين، والشروع في توظيف الأساتذة بنظام العقدة منذ نفس السنة ليستمر العمل به إلى يومنا هذا حتى تراكمت وتراكبت أفواجهم، وصاروا مصدر قوة للحراك التعليمي لا يستهان به نظرا لتجذر شعورهم بالهشاشة وغموض مستقبلهم المهني وما بعد المهني.
- إثنوغرافيا نظام مدرسي منعزل وفاشل
أدى تتابع هذه التغييرات إلى إحداث تأثير منحرف، دون أن يؤدي إلى التوصل إلى نموذج فعال. ومنذ نهاية تسعينيات القرن العشرين، استثمر القطاع الخاص في سوق التعليم، حتى أصبح يمثل أكثر من 35% من المؤسسات التعليمية. أظهرت كل هذه الإصلاحات مدى الأزمة التي تعيشها المنظومة، وأنها تواجه عدة صعوبات من أجل إعطاء تعريف للمدرسة ومعنى لدورها داخل المجتمع. اتخذت الإصلاحات منحى سياسيا أكثر منه تعليميا. علاوة على ذلك، أتت "رؤية 2015-2030" في سياق تتفاعل فيه ثلاثة عناصر: الضغط الاجتماعي على المدارس، تغيير الدستور في عام 2011، وتقييم تطبيق الميثاق الوطني الذي تم تم الشروع في أجرأته منذ عام 2000 وصولا إلى عام 2013. ولم تتطرق هذه الإصلاحات إلى مسألة أشكال وطرق التعلم كنقطة مركزية ولا إلى السياق الذي يتم فيه النقل البيداغوجي للمعرفة؛ فقد ظل مجردا، وما ربط الفرد بالمجتمع.
في عام 2019، كلفت الدولة بإجراء دراسة إثنوغرافية حول التعلم في الفصول الدراسية. هدفت هذه الدراسة إلى تحديد حدود بناء المعرفة (والمعرفة العملية) بين مختلف الفاعلين المعنيين - المعلمين والمتعلمين ومجموعات الأقران والبيئة المدرسية، إلخ.. - في ثلاث جهات (طنجة-تطوان-الحسيمة، فاس-مكناس، درعة-تافيلالت). بعد عدة زيارات لحوالي ثلاثين مدرسة، كانت النتائج الرئيسية هي: ضعف كبير في التحصيل الدراسي، تناقض لغوي، صعوبات تربوية، عجز صارخ في تكوين الأساتذة، وظروف عمل غير مواتية، وصورة متضررة للمدرسة وبالتالي للمعلم بين المتعلمين وآبائهم. في سياق التحولات التي شهدتها المنظومة التعليمية في المغرب، يمكن القول إن المناهج التربوية للمدرسة المغربية تهدف بالأساس إلى نقل المحتوى من خلال الحفظ الميكانيكي للقواعد؛ التمارين هي مجرد وسيلة لاستعادة المعلومات المحفوظة. المعلم هو المالك الشرعي والوحيد للمعرفة. يُنظر إلى التلميذ على أنه فرد سلبي، من المفترض أن يكون مجرد متلق للمعلومات؛ لا يتم الاعتراف بأنه يتمتع بأي كفاءة. وفي هذا السياق، يصبح العنف الجسدي مشروعا، بل وعمليا ونافعا، لأنه "يسهل" الهيمنة الطبقية.
يجب على المعلم تدبير الوقت، وتخطيط الدروس، وتقديمها، وإعداد الأدوات اللازمة لتنفيذها، وإقامة النظام، وتسجيل الغيابات، وتنظيف الغرفة والمراحيض (إن وجدت)، وقيادة الأنشطة، وما إلى ذلك. لا يتم تنظيم الوقت كوسيلة لدعم تعلمات التلاميذ. بنية الدروس والوقت المخصص لكل مادة لا يسمحان للمعلمين باحترام وتيرة تعلم الأطفال. والنتيجة هي الافتقار إلى الثراء والتنوع والتفاعل.
يأتي الطفل إلى المدرسة ليتعلم. لكن المدرسة لا تمنحه الوقت الذي يحتاجه. التقدم التعليمي خطي، صوري، ولا يسمح بالمراجعة. يلتزم المعلمون بمنهج دراسي صارم خوفا من الحكم عليهم بشكل سيئ من قبل المفتشين أو مديري المدارس، مما قد يكون له عواقب سلبية على ترقيتهم أو يشكل عقبة أمام انتقال محتمل. تعتمد المدارس المغربية على عملية نقل ونسخ المعرفة، دون تشجيع الأطفال على الاستقلالية أو الإبداع. وهكذا يتم ربط التلميذ الكسول بتفسيرات بيولوجية ونفسية واجتماعية لإخفاء العيوب في المنظومة. إن السرعة التي ينتقل بها المنعلمون من موضوع إلى آخر لا تترك مجالاً للتعلم الشامل والتطوري. والأخير مجزأ، ولا يوجد أي اتصال بين فقراته؛ المتعلم لا ينخرط في دينامية التعلم التي تشارك في حل المشكلات. لا توجد لديه الفرصة لتحفيز قدراته المعرفية. لا يتم وضعه في وضع يسمح له بحشد موارده للاندماج في عملية التعلم. لا يُنظر إليه كممثل؛ فهو يخضع لكمية معينة من البيانات دون أخذ قدرته على الاستيعاب في الاعتبار. مع مرور ما بين 20 إلى 45 دقيقة لكل درس، يصبح التلاميذ مجرد متفرجين على مواقف يتم نقلهم فيها من تمرين إلى آخر، وينتهي بهم الأمر إلى أن يتحولوا إلى فربسة للملل. وإذا كان البعض ينجح في المقاومة من خلال الانخراط في الات التلقائية باتباع المعلم، فإن آخرين يشعرون بالملل. الفصل هو وقت التكرار المتواصل؛ يمر الوقت ببطء، مع لحظات فارغة، دون فعل أي شيء. يقوم كل طفل بتحديد منطقته من خلال نقش اسمه أو رسم عدة رسومات على الطاولة، كما لو كان يريد "الدخول في المقاومة". التأثير المعاكس: يؤدي هذا إلى نقص الإبداع والمشاركة بين المعلمين، ومن ثم تتوافر شروط النزاع.
- حراك الاساتذة
انطلاقا من مطلع السنة الدراسية 2023-2024، صادق وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، الذي تولى منصبه منذ أكتوبر 2021، على الإصلاح التعليمي الجديد. الفكرة الرئيسية هي تحقيق ثلاثة أهداف: جعل التعليم إلزاميا، ضمان التعلم، وتعزيز انفتاح المدارس. لكن أعضاء هيئة التدريس لم يرحبوا بهذا القرار، واعتبروه هجوما على بعض المكتسبات، وخاصة إعادة النظر في الوضع الاعتباري للأستاذ كموظف عمومي. أكثر من ذلك، زاد هذا الإصلاح من ساعات العمل وأضاف مهام اخرى إلى المعلمين، كما فرض عقوبات متعددة في حالة رفض القيام بها... ذلك ما أدخل البلاد في تعبئة اجتماعية جديدة، متراصة الصفوف بالتأكيد، لكنها أكدت دينامية العمل الجماعي في المغرب، من خلال العزوف عن المؤسسات التقليدية مثل النقابات.
"فرّق تسد" هي السياسة التي طبقتها الحكومة المركزية داخل المجال النقابي في المغرب. لقد كان من الممكن تحقيق هذه الاستراتيجية بفضل انتهازية الأحزاب؛ وكانت الأخيرة تمتلك أدرعا نقابية للضغط على الحكومة، وخاصة في القطاعات الحساسة. لقد خدمت النقابات، بما فيها النقابات التعليمية، المشروع السياسي للأحزاب. بالنسبة إليها، المدرسة ليست سوى أداة للتفاوض بشكل أفضل على مكانتها في المجال السياسي. وكان جزء من هذه النخبة، وخاصة من حزب الاستقلال، متمسكاً باللغة العربية الفصحى كلغة أمة داخل المدارس العمومية، يرسل أبناءه إلى الهياكل الفرنسية، ويدير ظهره للمنظومة المحلية. وانتهت أزمة المدارس، في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بالتسبب في ابتعاد جزء من المجتمع، بما فيه الأساذة أنفسهم، عن المدرسة العمومية. والواقع أن هؤلاء الأخيرين لم سكونوا مهتمين كثيراً بالإصلاحات المتعاقبة المختلفة؛ مطالبهم الوحيدة مالية أو خبزية، ليس إلا.
ما الذي حدث في عام 2023 ليسبب كل هذا الغضب؟ منذ الخامس من أكتوبر، تاريخ بدء الإصلاح، كان الأساتذة مضربين عن العمل لمدة ثلاثة أشهر. رفضوا الاتفاق الذي تم توقيعه في يناير الماضي بين النقابات الأكثر تمثيلية - الاتحاد المغربي للشغل، الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، الفيدرالية الديمقراطية للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل - والحكومة. وتضمن النص حل العديد من القضايا التي تخص على وجه الخصوص أساتذة المدارس الابتدائية والثانوية وتحسين وضع الإداريين التربويين.
واصل المعلمون احتجاجهم شاهرين التشكيك في نزاهة النقابيين، وفضلو إجراء إضرابهم بالانضمام إلى التنسيقيات القائمة أو إنشاء تنسيقيات أخرى ظهرت في وقت قصير. لكل منها هيئاتها المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية الخاصة. عملت بشكل مستقل وفق ما تسمح به مواردها. تم عقد الاجتماعات بشكل أسبوعي، ولكل تنسيقية مجموعة واتساب. تم تنظيم عدة إضرابات واحتجاجات: محلية أمام المندوبيات الإقليمية، جهوية أمام الأكاديميات، ووطنية أمام الوزارة. هكذا، وجدت الرباط نفسها محاصرة عدة مرات بحشود من المحتجين فاقت من حيث العدد 80 ألف متظاهرا حسب المنظمين (30 ألفاً حسب السلطات). وأصبحت معركة الأرقام ضرورية لكلا الجانبين؛ علما أن وزارة الداخلية هي التي تتولى التعامل مع قضية المتظاهرين بشكل رسمي. تكون دفتر مطالب المعلمين من ثلاثة أقسام: تحسين الدخل والترقيات؛ الحقوق؛ التربية. تبدأ الديباجة برفض الإصلاح واتفاق يناير 2023 مع النقابات، والمطالبة بدمج التنسيقيات في بلورة إصلاح "عادل ومحفز".
وجدت الحكومة والنقابات نفسيهما في مأزق، وباتت شرعية نصوصهما موضع تساؤل. واضطرت النقابات إلى رفض النظام الأساسي الجديد، الذي كانت أشادت به في وقت سابق، على أساس أن الوزارة قامت بتغيير محتواه. أدى الخلاف بين النقابات والسلطة التنفيذية إلى ترك النقابات تواجه أزمة تمثيلية: حيث رفض الناشطون في هذه الهياكل التقليدية العودة إلى الفصول الدراسية رغم الطلبات المتكررة من قادتهم. أصبحت التنسيقيات نقطة القوة لدى الحراك التعليمي، وفرضت إدماجها في الحوار من أجل التوصل إلى اتفاق جديد. رفضت الدولة والنقابات أي تدخل باسم شرعية هيكليتها وحرمت التنسيقيات من أي تمثيلية.
- قصور الفهم السوسيولوجي
مع ذلك، أظهر الإصلاح حدود الفهم السوسيولوجي للوضع من جانب قادة الدولة والنقابات والأحزاب الذين تعاملوا مع الأساتذة بمنطق قديم يعتمد على الترهيب والعقاب من خلال الخصم المباشر من الرواتب في حال الإضراب، وهي الممارسة التي سمحت للدولة بتدبير هذا القطاع لعقود عديدة. وضع الأساتذة النقابات المهنية في مأزق: فهذه الهيئات لم تعد قادرة على مواكبة التحولات التي يشهدها القطاع ولا تزال تعمل بعقلية "قديمة" قائمة على منطق الشيخ والمريد.
عاين لحسن اللحية، الأستاذ في مركز التخطيط والتوجيه التربوي، تلك الحدود للفهم السوسيولوجي لدى الأحزاب على شكل صمت مطبق في عز حراك التعليم، فقرر إخراجها من صمتها من خلال تخصيص جانبهم بحلقة من برنامجه المبثوث على قناة المسماة "المطرقة" التي يستعملها في إسداء الخدمات، وليس الضربات، للمدرسة العمومية.
تساءل الأستاذ اللحية (4): أين الأحزاب مما يحدث في التعليم الآن؟
ونظرا لما يكتسيه مضمون الفيديو من أهمية سياسية في هذا الظرف الدقيق الذي مر منه قطاع التعليم العمومي ببلادنا، بادرت لتفريغه فكانت هذه السطور:
عندي سؤال بسيط وليحمله من يحمله على محمل الجد.: أين الأحزاب مما يحدث في التعليم الآن؟ الأحزاب التي دائمآ تتغنى بالتعليم العمومي والمدرسة الوطنية العمومية، أين هي الآن؟ غبر أثرها. يحضرني الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التقدم والاشتراكية، فدرالية اليسار الديمقراطي، الاشتراكي الموحد، النهج العمالي الديمقراطي وجماعة العدل والإحسان.. اين غابت هذه الآن؟
في هذه اللحظة الحرجة، غابت هذه الهيئات السياسية.
أين اختفت الفرق البرلمانية في الغرفة الثانية؟ أين ذهبت؟ يا أحزابنا، إن المدرسة الوطنية العمومية الآن تغرق، تغرق، تغرق..كما قال عبد الحليم حافظ في إحدى أغانيه.. أين توجدون الآن؟ في أي جهة تتواجدون؟ لا بلاغ، لا بيان، لا شيء.. هل تنتظرون تحريك آلة ما؟ هل أنتم متحكم فيكم؟ إذا كان كذلك، قولوها!
عندما نتحدث عن صمت هذه التشكيلة المكونة من الأحزاب المذكورة، يحق لنا أن نطرح عليها هذا السؤال: هل تنتظرون من شخص محدد أن يعطيكم الضوء الأخضر لتتكلموا؟ لم يصدر عنكم أي بيان.. لم تخرجوا بأي بلاغ.
إذن، أنتم كلكم متواطئون، بدون استثناء. وأنتم، عندما تسوقون لنا المدرسة الوطنية العمومية، هل تريدون أن نكتفي ب"أكل الهدرة" هل نحن أسماك يقدم لنا الطعم؟ ومن أنتم الآن؟
وماذا عن الفدرالية التي أشجعها؟ هل اجتمعتم لتنشئوا لنا مؤتمرا من المتقاعدين في السياسة؟ وعلى قيادات الفدرالية أن تنزل للشارع لتساند الأساتذة بصريح العبارة. أما عن حزب الاستقلال، فحدث ولا حرج..
اليوم، يا أحزابنا التي تظن أنها تمثلنا وهي لا تمثل شيئا، التعليم في خطر، الوضع في خطر، المدرسة العمومية في خطر. إذا أردتم أن تبقوا أحزابا كرطونية فلكم ذلك. إذا أردتم أن تكونوا أحزابا فاعلة، اخرجوا إلى الميدان واشتغلوا قليلا، وتضامنوا مع الناس، واشتغلوا معهم، لأجل إنقاذ مدرستنا الوطنية العمومية. وعوض تلك الخرجات المناسبتية التي تقومون بها من حين لآخر مع فلسطين وضد الغلاء، أسسوا الآن وقبل الغد جبهة من أجل إنقاذ المدرسة العمومية. لماذا لا تقدرون على تأشيس مثل هذه الجبهة؟
يبدو اليوم أنكم أصبحتم معزولين وبعيدين عن هموم الشعب، ولا تهمكم لا مدرسة عمومية ولا أي شيء آخر. يدرس أبناء قادة هذه الأحزاب في مدارس خصوصية في الداخل ومعاهد وجامعات في الخارج، ولم تعد تهمهم المدرسة الوطنية العمومية ولا غير المدرسة الوطنية والعمومية.. فعندما يشارك البعض منكم في الانتخابات أو عندما لا يشارك البعض الآخر فيها مكتفيا بمساندة بعض الجهات (لا داعي للتفصيل في الأمر)، ماذا تنتظرون؟
هل تريدون إقامة مجتمع اشتراكي وديمقراطي انطلاقا من مكاتبكم؟ هل أنتم فعلا أحزاب؟ هل لكم مقرات في جميع أنحاء المغرب؟ هل تقومون بأعمال في سائر ارجاء البلد؟ "بينوها لينا"..
شوفوا، هذه المعركة المدرسة العمومية هي الفيصل بيني كباحث وبينكم. هذه هي المعركة التي يلزمكم خوضها، إذا رغبتم عن الخوض فيها أغلقوا دكاكينكم، ولن نصدق من الآن ادعاءكم الدفاع عن المدرسة الوطنية العمومية. عماذا تدافعون إن لم تدافعوا عنها؟
حدود الفهم السوسيولوجي للحراك التعليمي جعلت زعيم حزب اشتراكي ينسب نفسه إلى "القوات الشعبية" ينطق كفرا بعد أن صمت دهرا. قال لشكر في مقطع فيديو تدوول آنذاك على مواقع التواصل الاجتماعي: "أن نترك هذا المجتمع للعدمية كارثة. حتى هذه الأغلبية يجب أن تفكر في الأمر. ليس من الصعب، بل من السهل جدا أن نتحمل مسؤوليتنا ونعلن عن مبادرة من هذا الحجم. إذا قمنا بهذه المبادرة فليس من أجلنا نحن، بل من أجل بلدنا. من ضعف النقابات معروفة هويته. كذلك لا يخفى علينا من قوى الإطارات غير القانونية وغير المؤسساتية في مراحل معينة اعتقادا منه أنه سيقضي على الأحزاب أو النقابات. على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها. أما وإن أردتم تشكيل تنسيقيات حراس العمارات وتنسيقيات "الفراشة" فيمكن ملء المجتمع بمثل هذه التنسيقيات ومطالبها. لكننا لا نشرع للمصالح الفئوية، والدول التي تبغي المستقبل لا يمكن لها أن تخطط لمصالح هذه الفئة أو تلك. نحن أحزاب مسؤولة، وما يهمنا إلا مصلحة الوطن".
على هذا الكلام، رد عزيز عقاوي (5)، أحد الأساتذة من قادة الحراك التعليمي البارزين قائلا: "كما لاحظ الجميع، السيد إدريس لشكر ، زعيم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، طرح مجموعة من الأسئلة سأحاول الإجابة عنها:
- السؤال الأول: من أوصل الأحزاب والنقابات إلى هذا الوضع الذي هي سجينة فيه؟
الجواب، يا لشكر، يسير وفي المتناول. من أوصل الأحزاب والنقابات إلى هذا الضعف والهوان هم زعماؤها ورؤساؤها وكتابها العامون. هذه الزعامات الحزبية والنقابية بدأت، للأسف، رويدا رويدا تنسلخ عن جلدها متنكرة للجماهير الشعبية، وتتقرب شيئا فشيئا من الباطرونا والمخزن، وضحت بالتالي بمبادئها وتصوراتها وعلاقاتها بالجماهير الشعبية. لهذا، بدأ الشعب يشكل لجانا وتنسيقيات وتكتلات وتنظيمات للدفاع عن نفسه. وهكذا ظهرت التنسيقيات للدفاع عن نساء ورجال قطاع التعليم وقطاعات أخرى بعدما تبين أن قيادات وزعامات هذه النقابات تبقرطت واستسلمت واستفادت من الريع، وانسلخت بالتالي عن أهدافها ومبادئها ومراميها، فلم يكن أمام الجماهير إلا أن تتكتل في إطار هذه التنسيقيات للدفاع عن نفسها.
نفس الشيء ينطبق على الأحزاب التي لم يبق من اشتراكيتها وشعبيتها وديمقراطيتها إلا الاسم.
إذن، المسؤولون عن صعف الأحزاب والنقابات هم زعماؤها البروقراطيون المتواطئون المستسلمون المنبطحون الذين عوض ممارسة الصراع الطبقي يجنحون إلى العمالة الطبقية.
- السؤال الثاني: هل تريدون منا أن نشكل تنسيقيات حراس العمارات وتنسيقيات "الفراشة"؟
فيم يبدو لك المشكل إذا أسس "الفراشة" وحراس العمارات تنسيقيات للدفاع عن أنفسهم؟ ما العيب في ذلك ما دمت لم تعد تدافع عنهم، وما دام أن النقابات تخلت عنهم؟ هل تريد أن يبقوا فريسة للباطرونا والرأسمال والمنتفعين من الاستغلال والريع وناهبي المال العام ومصاصي الدماء؟ ألا تريد أن يتنظموا، يا أيها المناضل الاشتراكي التقدمي الذي يدعي كونه زعيما لحزب مضافة إليه القوات الشعبية؟
من الناحية النفسية، كلامك هذا يفصح عن مدى احتقارك ل"الفراشة" وحراس العمارات. أليس من حقهم تأسيس تنسيقية للدفاع عن أنفسهم؟ هل تظن أنهم لا يعانون من المشاكل؟ أم يلزمهم أن يستسلموا؟ أم انهم مطالبون بأن يأتوا عندك ويقبلوا اقدامك حتى تقبل بالدفاع عنهم؟
- السؤال الثالث: هل تريدون أن نترك البلاد للعدمية؟ ما هي العدمية يا سي إدريس؟ هل يعد من قام للدفاع عن حقوقه وكرامته عدميا؟ أنت تعلم أنه تم تشريد الفلاحين وطرد العمال ونهب المال العام وتخريب التعليم والصحة، كما أنك الأدرى بالوضع الكارثي الذي آلت إليه مستشفياتنا. وعندما يقرر المغاربة أن يتكتلوا ويناضلوا ويجتمعوا ويتنظموا للدفاع عن حقوقهم الأساسية التي تضمن لهم العيش الكريم يصبحون عدميين؟! من هو غير العدمي؟ هل هو أنت الذي استفدت من ريع المخزن؟
يبقى في الأخير أن نقف عند الوطن والوطنية. مللنا من هذه الأسطوانة المشروخة. كلما انتفضت الجماهير محتجة ومناضلة ومدافعة عن حقوقها تحتمون بذريعة الوطن والوطنية، بينما أنتم في الحقيقة تدافعون عن مصالحكم الطبقية واستفادتكم من الريع. لأجل ذلك تتهمون المغاربة بالخيانة؛ أي انكم عندما يأتي على لسانكم الوطن فهذا يعني آليا أن الآخرين أعداء الوطن، وأنهم خونة الوطن وعملاء في خدمة أجندات جهات معينة، مع العلم أن هؤلاء الناس، بكل بساطة، هم من يدافعون عن سيادة الوطن ضد إملاءات البنك الدولي والدوائر الإمبريالية والرأسمالية. إذا كان هناك من يكن الحب للوطن ويعبر عن استعداده للدفاع عنه فهم هؤلاء الذين تتهمهم أنت بالعدمية وخيانة الوطن.
الكل على وعي الآن بأنك تبحث عن مكان ضمن تشكيلة الحكومة تحسبا للتعديل الوزاري المرتقب. ولهذا الغرض، لا تستحيي من إظهار استعدادك للتكتل مع الأغلبية الحكومية الحالية من أجل طحن المواطنين الأحرار والبسطاء والأساتذة الذين يدافعون عن مطالبهم المشروعة. ربما تضع نصب عينيك تعيينك سفيرا في بلد ما، أو مديرا على رأس معهد ما.. ما هكذا تورد الإبل يا إدريس".
بخلاف المزايدة على الحراك التي سقط فيها زعيم حزب المهدي بن بركة يا حسرة، شاهدنا جميعا كيف اختار الحزب الاشتراكي الموحد الاصطفاف إلى جانب الحراك التعليمي ورواده. وهذا الموقف النبيل نابع من استمرار قادة الحزب ومناضليه في الاهتداء بتعليمات وتوصيات حكمائه وعلى رأسهم الفقيدان محمد بنسعيد آيت إيدير وإبراهيم ياسين اللذين كانا يحسنان الإنصات إلى نبض الشعب. وإذا كان الأسبوع الرقمي المومئ إليه أعلاه عربون دعم ومساندة لحراك الريق فإن الندوة الدراسية التي نظمتها أوائل 2024 نبيلة منيب في البرلمان حول "إمكانية تجاوز أزمة التعليم ببلادنا" كان بمثابة شهادة حية على أن حزبها لا يعاني من قصور في فهم حراك الأساتذة فهما سوسيولوجيا.
من خلال التصريحات التي أدلى بها الرفيق جمال العسري، بصفته الأمين العام للحزب، ونبيلة منيب بوصفها برلمانيته الوحيدة، يتبين لنا أنهما ثمناه وأقرا بمشروعيته. لهذا وصف جمال العسري الحراك التعليمي بالتاريخي، الذي من شأنه إعادة الكرامة إلى نساء ورجال التعليم.. وقال :"نحن في الحزب فخورون بنضالاتهم، ولا يمكن إلا أن نكون إلى جانبهم”.
وذهب الكاتب العام للحزب الاشتراكي الموحد إلى وصف القرارات التي اتخذتها الوزارة الوصية على قطاع التربية الوطنية في حق الأساتذة، لدفعهم إلى العودة إلى الأقسام، خاصة الاقتطاع من الأجور، بـ”القرارات التعسفية”، معتبرا أن توقيف الأساتذة “غير قانوني وغير دستوري وغير شرعي”، كما أدان ما سمّاه “ابتزاز الأساتذة الموقوفين بالتنازل عن حقهم في الإضراب”.
أما نبيلة منيب، فقد عرّجت على الأنظمة الأساسية التي تصدرها الوزارة، منذ نظام 1985، مؤكدة أنها “لم تنصف نساء ورجال التعليم بمختلف فئاتهم ومجالات اشتغالهم؛ فبعد كل تغيير يظهر ضحايا جدد”، معتبرة أن “مفجّر الأزمة الحالية هو النظام الأساسي”.
كما نددت منيب، بدورها، بالتضييقات التي يتعرض لها الأساتذة؛ وعلى رأسها التوقيفات، منتقدة ما وصفته بـ”مسلسل الاقتطاعات التعسفية بدون سند قانوني من أجور الأساتذة المضربين عن العمل”، و”عدم احترام الحق في الإضراب الذي يضمنه الدستور”، ذاهبة إلى اتهام الوزارة الوصية على قطاع التربية الوطنية بـ”نشر ثقافة التخويف”.
وشددت النائبة البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد على “أن المطلوب هو استمرار الحوار الديمقراطي الموسع، لإيجاد الحلول والاستعداد لإنقاذ المدرسة العمومية ووضعها على سكة النهضة”.
- خاتمة
في المغرب، يتحدر الشباب الذين يلتحقون بالتعليم العمومي من أسر متواضعة ومناطق مهمشة. هم متمسكون بفكرة أن يصبحوا موظفين عموميين لضمان وظيفة ودخل مستقر. بهذا المعنى، تبدو فضاءات الهامش بمثابة مناطق مقاومة للمجموعات الاجتماعية التي تطالب بحقوقها في مملكة ما بعد "الربيع العربي" لعام 2011. مع حراك الأساتذة، أصبح الأمر بمثابة تجربة احتجاجية انتقلت إلى هؤلاء الشباب الذين يشكلون من الآن غالبية أعضاء هيئة التدريس، والذين أصبحوا يطلقون على أنفسهم وصف "الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد". تعتبر هذه الاحتجاجات وسيلة لتكثيف التوقعات الاجتماعية والمطالب الجماعية، كما أن هذه الأشكال هي تعبيرات عن تحول في صوت الشارع.
فتح الحراك آفاقا جديدة لتحليل المسألة الاجتماعية في المغرب. فضلا عن ذلك، يشتق مصطلح "الحراك" من الجذر العربي "حركة"، الذي يعني "التحرك".
أصبح الحراك ذاكرة زمكانية، ولحظة تاريخية تمثل سياقا خاصا، من خلال أحداث أنتج فيها الأساتذة تاريخيتهم الخاصة. ويتعلق الأمر بإنشاء "تجمع وجودي"، يسمح لهم بصياغة طريقة للعيش والشعور كجماعة من الأساتذة الذين يهاجمهم النظام، ومن خلاله يعطي الحراك شكلاً لهذا المجتمع المتخيل. يتصرف الفاعلون كأفراد ينسقون في ما بينهم وفقا لمصلحة مشتركة؛ متحدين مؤسسات الوساطة (النقابات).
يستمد الفاعلون إحساسهم بالالتزام من مكان مشترك، ومن ذخيرة عاطفية، وبهذا المعنى تعمل الخصوصية كقوة تعبئة. قال بعض هؤلاء الفاعلين: "نحن لسنا مثل كبار السن الذين كانوا يقبلون كل شيء". إن الإشارة إلى الماضي لم تهدف إلى التأمل في كل ما له علاقة باللحظات التاريخية؛ على العكس من ذلك، فإنهم يستثمرون الماضي كمصدر مرجعي يغذي عملهم الجماعي الحالي، من ناحية، ولكنه يعطي معنى للشعور بالانتماء، من ناحية أخرى. إن الذخيرة الجماعية تجعل الفاعلين يختارون عناصر الذاكرة التي يحكمون عليها بأنها إيجابية لإعطاء معنى لأفعالهم، في حين يقدم الماضي فرصا سياسية للعمل.
أظهرت تعبئة أساتذة المدارس العمومية علاقات قوة مزدوجة: واحدة مركزية وأخرى هامشية. ومن خلال لعبة المواجهات المتواصلة، يجد الطرفان "بعضهما في بعض، بطريقة شكلا سلسلة أو نظاما، أو على العكس من ذلك، فجوات وتناقضات تعزلهما عن بعضهما البعض؛ وأخيرا استراتيجيات ينفذونها، ويتشكل تصميمها العام أو تبلورها المؤسسي في أجهزة الدولة، وفي صياغة القانون، وفي الهيمنات الاجتماعية...". مع ذلك، للدولة منطقها، ومنذ نهاية الحراك، تعمل السلطات، بالتنسيق مع وزارة الداخلية، على تحديد الجهات الفاعلة المشاركة في الاحتجاج. تم إيقاف حوالي مائة شخص عن العمل، مع تجميد رواتبهم. تراقب السلطة وتعزل وتعاقب.
والتزمت التنسيقيات بتعزيز موقفها في الصراع والتعهد بالدفاع عن المصالح، وخاصة المالية والقانونية. يسلط هذا الصراع الضوء على مفهوم الالتزام، الذي أصبح بمثابة الشعار للتمييز بين الأساتذة الحقيقيين وبين الأساتذة المتطفلين. ويثير التحرك الجماعي للتنسيقيات تساؤلات حول حالة الجمود في المغرب، التي تتسم بصمت عام من قبل الفاعلين السياسيين تجاه تراجع حقوق الإنسان والحقوق الاقتصادية. وقد حاول حراك الأساتذة كسر هذا الصمت وفتح الطريق أمام وجهات نظر متعددة في مجال العمل الجماعي.
-----------------------------------------------------------
الهوامش
(1) https://www.maghress.com/laracheinfo/1270322
(2) https://www.espacestemps.net/articles/les-hirak-au-maroc-faut-il-un-nouveau-regard/
(3) https://www.areion24.news/2025/01/15/maroc-la-mobilisation-des-enseignants-reflet-dune-crise-profonde/2/
(4) https://www.ahewar.net/debat/show.art.asp?aid=810288&nm=1
(5) https://m.ahewar.org/s.asp?aid=815357&r=0
(6) https://www.hespress.com/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%83%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%AD%D8%AF-%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86-1296180.html