وقائع الندوة الفكرية الأولى ضمن فعاليات المجلس الوطني لقطاع التعليم في الحزب الاشتراكي الموحد المنعقد يومي 12 و13 أبريل الجاري
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8315 - 2025 / 4 / 17 - 23:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
باسم المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، تناول الرفيق جمال العسري، الأمين العام، الكلمة ليقول إن المجلس الوطني لقطاع التعليم الذي ينعقد بالمحمدية يومي 12 و13 أبريل الجاري يندرج في سلسلة من المعارك التي يخوضها الحزب ومناضلاته ومناضلوه، وعلى رأسهم نساء ورجال التعليم، من أجل الدفاع عن المدرسة العمومية.
داخل الحزب، يتابع الأمين العام، كنا وما زلنا نعتبر أن التعليم هو القاطرة الأساسية لأي تنمية حقيقية. بل الاكثر من ذلك، نعتبر أن قطاع التعليم هو القاطرة الحقيقية لأي انتقال ديمقراطي حقيقي، على اعتبار أن الوطن ما زال يبارح مكانه وما زال لم يعرف انتقالا ديمقراطيا حقيقيا.
لا يعتبر الحزب المدرسة قاطرة فقط، بل مركبا يسمح لنا بالعبور من ضفة الاستبداد إلى ضفة الديمقراطية، فيتحقق ما نطالب به جميعا؛ ألا وهو الانتقال الديمقراطي.
هذا الفهم للنضال الديمقراطي وللدور الاساسي للتعليم هو حاصل لدى النظام الذي يريد استمرار الوضع على ما هو عليه. والدليل على ذلك أنه منذ عقود والحاكمون، عبر مجموعة من الآليات، يحاولون ما أمكن إذلال وإهانة رجل وامرأة التعليم. ولعل حجم النكت التي تحكى عنهما هدفها إبقاء الوضع على ما هو عليه من أجل أن يبقى الحاكمون مستفيدين. وانطلاقا من هذه الفكرة وهذا المنطق حصل لدى الجسم التعليمي اقتناع بأن هناك ضربات وهجومات شنت وتشن عليهم لما يشكلونه من خطر على الوضع الراهن. لهذا رفع المعلمون في ملحمتهم التي انجزوها السنة ما قبل الماضية شعار "الكرامة" ولم يرفعوا شعارا آخر؛ لأنه لا يمكن للبلاد أن تتقدم بدون كرامة، لا يمكن لها ذلك وكرامة رجال ونساء التعليم تداس.
تعي الدولة أن من يسيطر على المدرسة يسيطر على الوضع السياسي داخل الوطن.
فنحن في الحزب الاشتراكي الموحد، يواصل الرفيق جمال، عندما ندافع عن المدرسة العمومية إنما ندرك أنها في قلب المعركة الطبقية وهي معركة من أجل الديمقراطية الحقيقية.
يقول: "منذ البداية، واكبنا كل المعارك التي خاضها رجال ونساء التعليم ودعونا كل المنخرطات والمنخرطين والمتعاطفات والمتعاطفين إلى الانضمام إليها والانخراط فيها؛ إدراكا منا لما للمدرسة من دور حاسم في الصراعات السياسية والاقتصادية والثقافية والإيديولوجية".
وأشار الأمين العام إلى أن هناك من أساتذة وأستاذات الحزب من أدى ضريبة النضال على هذا المستوى تمثلت في اقتطاعات وتوقيفات عن العمل. وأضاف أننا في الحزب نؤمن بأن مخططات الإصلاح التي توضع للتعليم والتي فشلت جميعها. ليسوا نحن كمعارضة من يقولها، بل تقولها الدولة وهي تعترف بفشل مخططاتها. هناك رؤيتان للإصلاح: رؤية الحزب الاشتراكي الموحد ومعه القوى المعارضة التي ترى أن إصلاح المدرسة العمومية مدخل إلى الانتقال الديمقراطي، ورؤية تستوجب إصلاح المدرسة من أجل إنتاج مواطن صالح لكل شيء، للخنوع وطاطأة الرأس، وليس صالحا للرفض، للنقاش، للمعارضة وللتعبير عن رأيه.
ورأى المتدخل أن الدولة المخزنية تعتبر المدرسة حديقتها التي يمنع على الآخرين التجول فيها، جهازها الإيديولوجي الذي تتحكم عبره في المجتمع؛ لأنها عندما تتحكم في الأطفال الذين يبدأ سنهم من أربع سنوات فما فوق ويقضون في المدرسة عقدين أو أكثر يكونون قد تلقوا التأثير الإيديولوجي المرغوب فيه وجرى تدجينهم. الدولة المغربية ترفض رفضا باتا التنازل عن الهيمنة على المدرسة. ترفض الدخول معها في نقاش حول المناهج الدراسية. وعندما ندافع عن المدرسة العمومية فإننا ندرك أنها في قلب المعركة الطبقية، المعركة من أجل الديمقراطية الحقيقية.
وبالمقابل، تعتبر الدولة أن من يسيطر على المدرسة ويمارس عليها المراقبة المباشرة يضمن السيطرة على المجتمع برمته. لهذا من الأشياء التي جاء بها النظام الأساسي الجديد الذي بسببه اندلعت انتفاضة التعليم أن هناك رغبة في أن يسلبوا من رجل التعليم كل المهام الأخرى والإبقاء على مهمة واحدة وهي التدريس مع أن الوزارة هي وزارة التربية الوطنية والتعليم. لكل واحد أن يتساءل: لماذا هذا الكم الهائل من إصلاحات التعليم منذ الاستقلال إلى اليوم؟ لأن هناك في كل حين حاجة إلى تدوير هذه الماكينة نزولا عند رغبة الدولة والإمبريالية التي تهدف إلى تسييد نمط الإنتاج الرأسمالي وفرضه على شعوب العالم.
إذن ، يستنتح المتحدث، هناك رؤيتان متحالفتان: الرؤية المخزنية ورؤية الصناديق المالية الدولية التي تبغي إبقاء الوضع على ما هو عليه. لا يمكن أن يتحقق الانتقال من دولة الاستبداد إلى دولة الديمقراطية، ولا يمكن الانتقال إلى الملكية البرلمانية وربط المسؤولية بالمحاسبة، ولا يمكن الحصول على سيادة شعبية وسيادة وطنية حقيقية بدون إصلاح حقيقي للتعليم. إصلاح التعليم شرط أساسي لكل تغيير. لهذا، نؤمن بأن لا تغيير سياسيا في البلاد، أو لا ثورة سياسية في البلاد بدون ثورة اجتماعية، ولا ثورة اجتماعية بدون ثورة ثقافية، ولا ثورة ثقافية دون التركيز على أدوار المدرسة.
- مداخلة عبد الرزاق بنشريج
اختار الأستاذ عبد الرزاق بنشريج لمداخلته هذا العنوان: "برامج إصلاح المنظومة التربوية بين التنظير والأجرأة". استهلها بالإشارة إلى أن الحديث عن التربية والتكوين يحتاج إلى الكثير من التركيز والتفكير. السبب الاول في ذلك سياسي لأننا عندما نتحدث عن التربية فإنما نتحدث عن السياسة التي هي، بمفهومها العلمي، المرتكز الأساسي لتكوين المجتمعات. فقد كانت وظيفة المدرسة هي إعادة الهياكل الاجتماعية. وأعلن المتدخل بأنه سوف يركز على البعض من المحطات التي عرفها إصلاح التعليم. المحطة الأولى خصصت لبناء الأسس الأولية تحت إشراف اللجنة العليا لإصلاح التعليم. وصفها ب"العليا" يعني أنه ما زال هناك نقاش بين القصر والمكونات الأخرى من المجتمع. وضعت هذه اللجنة المبادئ الأساسية التي سيشتغل عليها النظام التربوي إلى يومنا هذا وهي التوحيد والتعليم والمغربة والتعريب. ثم هناك اللجنة الملكية لإصلاح التعليم التي انبثقت عنها المذهب التعليمي لسنة 1957، وبرنامج التصميم الخماسي بين 1960 و1964، والمذهب التعليمي لسنة 1966 (سمي بمذهب بنهيمة وزير التعليم آنذاك)، ومشروع مناظرة إفران لسنة 1979، ومخطط المسار بين 1988 و1992، تم فيه التخلي عن فكرة المخطط، ومشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين لسنة 1999، شرع في تنفيذه في أكتوبر 2000. وبعد ذلك، البرنامج الاستعجالي 2009-2012 بغرض تفعيل بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين على أرض الواقع، ثم أخيرا الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم (2015-2030).
هدفت الرؤية إلى تحقيق الغايات الآتية: تكوين مواطن نافع لنفسه ولمجتمعه؛ الاستجابة لمتطلبات المشروع المجتمعي المواطن الديمقراطي والتنموي؛ الإسهام في انخراط البلد في اقتصاد ومجتمع المعرفة عبر تطوير البحث العلمي والابتكار، والتمكن من التكنولوجيات الرقمية وتشجيع النبوغ والتفوق.
اتخذ المتدخل من تقرير المجلس الأعلى للتعليم مرجعا أساسيا لتقييم مخرجات الميثاق الوطني للتربية والتكوين وتحديد الأسباب التي حالت دون الأجرأة المثلى للإصلاحات التي جاء بها، منها عدم وضع نصوص قانونية تلزم الأطراف المتدخلة بتنفيذ ما عليها، ثم هناك غياب التمويل الكافي لتنزيل ما جاء فيه من بنود.
ومن المبررات التي سوغت مجيء البرنامج الاستعجالي، ذكر بنشريج إشكالية الحكامة على جميع المستويات، مزاولة المدرسين لمهامهم في ظروف صعبة، نموذج بيداغوجي أمام صعوبات الملاءمة والتطبيق، إشكالية تعبئة الموارد البشرية وتوزيعها، ضعف التعبئة حول إعادة الاعتبار للمدرسة.
بعد ءلك، ذكر بنشريج بمبلغ 45 مليار درهم المخصص لتمويل البرنامج الاستعجالي، لافتا النظر إلى تبخر جزء هذه الأموال تحت حرارة الفساد وما نتج عنه من متابعات قضائية طالت مديرا جهويا وبعض الموظفين البسطاء، مع ملاحظة أن الحيتان الكبيرة لم تمس. وأسر المتدخل لمستمعيه بأن الوزارة لم تتسلم من المبلغ سالف الذكر إلا 25 مليار درهم، في حين تم اختلاس الباقي من قبل جهات غير معلومة.
هذا البرنامج لم يحقق النتائج المرجوة والسبب في ذلك عدم فهم المعنى الحقيقي، الرمزي والأساسي للمدرسة من طرف الجميع، بما فيهم المسؤولون عن السياسة التعليمية بالمغرب. وبدأ الحديث لأول مرة عن فشل الحكومة، وهكذا أصبح الحاكمون والباحثون يتحدثون جميعا عن نفس الشيء وهو فشل إصلاح التعليم.
من بين الأسباب التي ركز عليها تقرير المجلس الأعلى للتعليم غياب الحكامة عن الطريقة التي صرف بها مبلغ 45 مليار درهم، وعدم إشراك المجتمع المدني وعدم تأطير المجتمع ليكون فاعلا في تقبل الانخراط والمشاركة في المدرسة.
من هنا خلص الأستاذ الباحث إلى الرؤية الاستراتيجية التي جاءت بمفهوم "المدرسة الجديدة" والتي سطرت نفس الأهداف والمرتكزات: التركيز على الموارد البشرية، العرض المدرسي، مؤهلات وتكوينات الأساتذة، إلخ..
بعد ذلك، نوه بنشريج بالعمل الاستقصائي الذي قام به عزيمان عندما كان على رأس المجلس الأعلى للتعليم لأنه بحث في كل التفاصيل وأشرك تنظيمات سياسية وجمعوية ونقابية في محاولة لمعرفة طبيعة معوقات الإصلاح.
مداخلة احمد الفرحان
في تأييد واضح لما جاء في كلمة الأمين العام للحزب، انطلق أحمد الفرحان، الأستاذ الجامعي، في مداخلته المعنونة بـ"التوافق بين التعليم المدرسي والتعليم الجامعي" من كون قضية التعليم قبل أن تكون سياسية فهي طبقية. وصرح بأنه شارك في كل لجان الإصلاح بداية من الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلى الإصلاح الجامعي الحالي، مرورا بالإصلاحات الجامعية الأخيرة المتتالية. وقال المتدخل إنه سيركز على المرحلة التي يتم فيها انتقال التلميذ إلى الجامعة.
التعليم مؤسسة اجتماعية، لهذا لا ينبغي أن نخوض في شأنها ذاك النقاش التكنوقراطي الذي يشعرنا بالكثير من الغربة السياسية، وهو الذي يعتبره الأستاذ المتدخل المصيدة الكبرى لكل الفاعلين السياسيين الذين يكتبون بمناقشة مدى نجاح برامج تعليمية من فشلها انطلاقا من إحصائيات ومردوديات وروائز تطرح أحيانا.
بخلاف ذلك، النقاش الذي يجب أن ينخرط فيه فاعل سياسي ينتمي إلى حزب مرجعيته هي الاشتراكية يعتمد على أدبيات واضحة أساسها التحليل المادي لواقع ملموس. إذا فرطنا في هذه الأدبيات أو هذه المرجعيات للتفكير سنكون ضحية نقاش بدون بوصلة. وهذا ما يحدث اليوم حيث سقطت كل الأحزاب الإشتراكية في هذه المصيدة. واعتقد المتدخل أننا متجاوزون على مستوى المنهج الديليكتيكي المادي التاريخي، أو ذلك الذي يربط المؤسسة بالصراع الاجتماعي أو الطبقى بالأحرى. لا يمكن الفصل بين المؤسسات الاجتماعية وطبيعة الصراع الذي تخوضه القوى السياسية في مجتمع يتطلع إلى الديمقراطية. إما أن يكون النقاش ليبراليا أو نيوليبراليا أو محافظا إسلاميا أو أن يكون اشتراكيا. بعيدا عن هذه المواصفات يكون النقاش تكنوقراطيا.
نريد أن نفهم: لماذا المدارس العليا يلتحقون بها تلاميذ من القطاع الخاص بناء على إحصائيات الوزارة. أغلبية التلاميذ الذين يلتحقون بالمدارس العليا من كليات الطب والهندسة والعلوم التطبيقية من القطاع الخاص؟ هؤلاء محظوظون بالطبيعة وليس بالعدالة الاجتماعية. أما التلاميذ المنخدرون من الطبقات الدنيا الذين يتوجهون إلى المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح ويتخرجون منها فلا يحصلون إلا على أجور زهيدة إذا ما كتب لهم أن وجدوا عملا، وغالبا ما يكون مؤقتا، مما يكرس عجزهم عن تحسين وضعهم الاجتماعي. الأنكى من ذلك أن هؤلاء الطلبة لا يتوفرون على الدعم العائلي أو المالي اللازم لمواصلة دراساتهم في تخصصاتهم المتقدمة ما يجبرهم على الخضوع للواقع واختيار تخصصات أقل تطلبا رغم ميولهم الشخصية.
وأوصى الأستاذ الجامعي بدعم الطلبة ذوي الخلفيات الاجتماعية الضعيفة وتوجيههم نحو التخصصات المناسبة بناء على قدراتهم واهتماماتهم الشخصية.
في هذا السياق، أدرج المتدخل تجربة غرامشي التي دونها في "دفاتر من السجن" والتي عاشها كطالب متحدر من البادية كان يرى كيف أن أبناء النخب والطبقات العليا داخل المدن يعرفون كيف يستثمرون الجامعة بينما هو لا يعرف كيف يتعلم مع الجامعة. وهكذا ذهب الأستاذ إلى ما قاله بورديوه، عالم الاجتماع الفرنسي، عن التفاوت بين الطبقات الاجتماعية وانعكاسه على مستوى التعليم وكيف أن المدرسة في المجتمع الرأسمالي تعيد إنتاج المجتمع. وتساءل المتدخل: كيف يمكن لطالب فقير يشتغل في "الكابلاج" مثلا أن يواكب دروسه الجامعية؟