أزمة الاتحاد: المخاطر واضحة والطريق إلى الحلّ أوضح


جيلاني الهمامي
الحوار المتمدن - العدد: 8200 - 2024 / 12 / 23 - 20:13
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

مازال الصّراع الجاري داخل الهياكل القيادية للاتحاد العام التّونسي للشّغل (المكتب التنفيذي الوطني والمكاتب التنفيذية للاتحادات الجهوية والجامعات) لم يلق طريقه إلى الحسم. بل يمكن القول إنه قد يزداد حدة في الأيام القليلة القادمة في حالة ما إذا أصرّ أعضاء المكتب التنفيذي الخمسة على قرارهم الذي أعلنوه يوم 14 ديسمبر الماضي وأقدموا فعلا على الاعتصام في مكتب الأمين العام يوم 25 من الشهر الجاري. سيكون ذلك بلا شك إيذانا بانتقال الصراع إلى مرحلة كسر العظام. والحقيقة أنه بصرف النظر عن حصول ذلك من عدمه، من غير المتوقع أن يعود الوئام للمكتب التنفيذي الذي بلغت حالة التصدّع داخله نقطة اللّاعودة. وبالتالي من غير المتوقع أن تنفرج الأزمة في المدى المنظور إلا إذا حصلت معجزة وتفوّقت الحكمة وروح المسؤولية على تضخم الأنا والحسابات الضيقة. وهو ما لا نلمس مؤشرات جدية تحملنا على الاعتقاد بأنه أمر ممكن، ذلك أن آخر محاولات "الصّلح" بين الطرفين هذا الأسبوع على يد كاتب عام اتحاد جهوي باءت مرة أخرى بالفشل.
في ضوء كل هذا يبقى الاتّحاد تحت وطأة أزمة خانقة سبق أن كتبنا عنها وشخّصنا مظاهرها ( 1 ). وهو لذلك عرضة لكل المخاطر ولعلّ أكثرها ضررا به حصول انشقاق في صفوف قياداته وهياكله وبالتالي الانقسام والتعددية التي قد تفضي به إلى التفكك ولما لا الاندثار. وما في ذلك أدنى مبالغة.

إن ما يبعث على الاستغراب حيال هذه الوضعية هو تمترس "طرفي النزاع" كل في موقفه رغم إقرارهما بحالة الأزمة التي تردّى فيها الاتحاد وقناعتهما بأن المستفيد الأكبر من استمرار الصراع بينهما هو السلطة الحاكمة التي تسعى – وباعترافهما – إلى القضاء على المنظمة في إطار مسعاها إلى القضاء على "الأجسام الوسيطة" بشكل عام. أكثر من ذلك لا يخفي كلا الطرفين قناعتهما بأن تصدع الجبهة الداخلية من شأنه أن ييسر مهمة السلطة لا فقط في ضرب المنظمة وإنما أيضا في عزل القيادة وشن حملة انتقامية ضد أعضائها (افتعال قضايا وتحريك ملفات فساد الخ...) دون التفريق بين هذا الشق أو ذاك.

ومع ذلك تستمر القيادة في الاستهتار بالرأي العام النّقابي الذي تشكّل داخل الاتّحاد ومن حوله والذي ما ينفكّ يتّسع ويدعو إلى ضرورة الإسراع بمعالجة الأزمة قبل فوات الأوان غير، عابئة بالعواقب الوخيمة لما يلحق الجبهة الداخلية من اهتراء ووهن. وهي تعلم جيّدا أنّها في ظلّ هذا الاهتراء والتعفّن لن تجد من يتضامن معها ساعة تعلن السلطة هجومها وتفتح ملفّاتها (الصحيحة منها والمفتعلة). وهي، أي القيادة، تعلم أيضا أن العامل الحاسم في حماية الاتحاد والنقابيين بما في ذلك أعضاء القيادة من تعسف السلطة هو وحدة الصف النقابي وتماسكه وتضامنه. من هذه الزاوية ينبغي أن تحتل مسألة معالجة الأزمة الداخلية، بغاية بلوغ تلك الدرجة من الوحدة والتماسك والتضامن المطلوبة، موقع الصدارة بلا منازع في جدول أعمال النقابيين.

ما الدّاعي إلى عقد المجلس الوطني فالمؤتمر الاستثنائي؟
تكتسي عملية إصلاح أوضاع الجبهة الداخلية أهمية بالغة وتحتاج إلى انخراط المكتب التنفيذي والهيئة الإدارية الوطنية والمجلس الوطني وعموم الهياكل الجهوية والقطاعية، كحد أدنى في إشراك القواعد، حتى تكون عملية ديمقراطية لا مصالحة فوقية أو ومن قبيل "بوس خوك". لذلك يجب أن تجرى هذه العمليّة ضمن خطة ومسار داخل هياكل الاتحاد لا خارجها ولا بشكل مواز لها. وينطلق هذا المسار بعقد المجلس الوطني الذي يضع خارطة طريق تنتهي بعقد المؤتمر الوطني الاستثنائي.

إن التعبير عن "حسن النية" من كِلَي الطرفين المتنازعين في الانطلاق في مسار معالجة الأزمة لا يمكن أن يكون إلا عبر الاتفاق أولا وقبل كل شيء على موعد لعقد المجلس الوطني. إنّ عقدة الخلاف (كما تقول الأسطورة الإغريقية la pomme de la discorde) تكمن ههنا بالضبط، فالانقسام الجاري الآن بين شقّي المكتب التّنفيذي ظهر منذ مدّة ولكنّه استفحل مباشرة بعد المجلس الوطني الأخير، وموضوعه أن البعض (10 أعضاء) يعتبر أنّ المجلس الوطني أنهى أشغاله وصوّت على اللّائحة الدّاخلية وانتهى الأمر والبعض الآخر (5 أعضاء) يعتبر أنّ المجلس الوطني لم ينه أشغاله وأنّ التّصويت الذي تمّ على اللائحة الداخليّة جرى بين أقلية من أعضاء المجلس وأسقط أهمّ نقطة فيها (النقطة عدد 12). لذلك يكون من الحكمة، إذا توفّرت الإرادة لمعالجة الأزمة أن يبدأ الحل من حيث نشبت الأزمة الأخيرة. وبطبيعة الحال فالمسؤولية هنا تقع على الشقّ الأوّل الذي أنهى المجلس بالطريقة التي ذكرناها وتسبّب بالتال في تأجيج الخلافات. أمّا أن يتمترس هذا الشقّ في موقفه ويتجاهل تبعات ما قام به فلن يؤدّي ذلك إلّا إلى المزيد من الاحتقان والانقسام وما تجمع يوم 14 ديسمبر الماضي والاعتصام المزمع القيام به قريبا سوى مقدّمات لأعمال أخطر قد تصدر من هذا الجانب أو ذاك.

ولا أعتقد أن للمكتب التنفيذي مصلحة في ذلك، بل مصلحته، كل المصلحة، تكمن في أن يعجّل بدعوة المجلس الوطني للانعقاد. فما لم يقم بذلك سيظل الخلاف الحالي متواصلا بل وسيتعمق بدرجة سيكون من المستحيل في وقت لاحق إيجاد أرضية تفاهم لتجاوزه. إنّ مصلحة الأمين العام بل كلّ مصلحته اليوم تكمن في أن يجرؤ على اتخاذ هذا القرار وألّا يظلّ سجين التجاذبات التي تحركها حسابات ذاتية وليعلم الأخ نورالدين الطبّوبي أنّ مساوئ هذه المرحلة التي قد تتفاقم سيدوّنها التاريخ، وينسبها إليه باعتباره المسؤول الأول في الاتحاد.

إن انعقاد المجلس الوطني سيضمن بقاء الخلاف داخل هياكل الاتحاد ومؤسّساته ويمنع خروجه إلى خارجه أو إلى أطر موازية وسيمنع كل أشكال الانقلاب عليه. ومن المهم أن تستمر هياكل المنظمة تشتغل رغم ما يشقّها من خلافات وتباينات في مواقف قياداته ومقاربات إطاراته ومناضليه. إن انعقاد المجلس الوطني يشكل ضمانة أساسية كي يبقى الخلاف داخل أطر المنظمة وكي لا تصاب هياكلها بالتعطّل. أما إذا تعطلت الهياكل، وفي وضعية الحال، إذا استمرّ تعطيل المجلس الوطني بقرار من شق من المكتب التنفيذي، فإنّ الشقّ المقابل سيلتمس في ذلك التعطيل حجة لتبرير كل ما يمكن أن يقوم به خارج هياكل الاتحاد. وسيكون الأمين العام هو المسؤول الأول عن ظهور ثنائية في الهياكل والتسيير ثم ربما فيما بعد تعددية تنظيمية تفتح على انقسام وتشتت وهو ما يهد كيان المنظمة ويحكم عليها بالاندثار.

إنّ انعقاد المجلس الوطني مهمّة ملحّة وضرورية للولوج بأسرع وقت إلى مسار تصحيحي قد ينقذ المنظمة ممّا يتهددها. فدعوة المجلس الوطني للانعقاد تمثل الخطو الأولى في تصحيح أوضاع الاتحاد. ومن الممكن أنه تتقلص حدّة الخلافات بمجرد انعقاده بما في ذلك الخلاف حول موعد المؤتمر القادم. وعلى كل حال ستكون الطريقة الديمقراطية هي الفيصل في ترجيح هذا الرأي على ذاك، والتصويت إما لمؤتمر استثنائي في غضون سنة 2025 أو لصالح موقف تقديم المؤتمر العادي إلى سنة 2026 أو مع موقف الإبقاء على المؤتمر في موعده القانوني بداية سنة 2027.

والحقيقة أن أوضاع الاتحاد الحاليّة تتطلّب فعلا عقد مؤتمر وطنيّ في أقرب وقت ولا يوجد مبرر لتأخيره. وهذا المؤتمر سيكون بالضرورة مؤتمرا استثنائيا باعتبار عنصر الزمن ولكن أيضا بحكم الدور الذي سيقوم به في حلّ الأزمة. فمن خلال هذا المؤتمر سيتولى النقابيون تعديل ساعة الاتحاد على الاستحقاقات المطروحة عليه ويصوبون خياراته وسياساته ويضبطون خطط نضاله ويرسمون معالم استقلاليته عن السلطة الحاكمة وكل الأطراف الرجعية المناوئة لمصالح العمّال والأجراء ويضبطون سبل العودة إلى حاضنته الاجتماعية والشعبية الديمقراطية والمناضلة التي سيتموقع ضمنها للخروج من حالة العزلة التي بات عليها في السنوات الأخيرة. ومن خلال هذا المؤتمر سيقوم النقابيون (النواب) بمراجعة أسلوب التسيير البيروقراطي الذي دفع الاتحاد دفعا إلى ارتكاب خطيئة تنقيح النظام الداخلي لتقنين تأبيد أعضاء المكتب التنفيذي في مواقعهم التي تحولت إلى مناصب تدر عليهم المنافع والمصالح والوجاهة والامتيازات. وسيوفر هذا المؤتمر فرصة ذهبية كي يسطر النقابيون خطة النضال الجديدة التي ستضبط سبل استنهاض المعنويات النقابية وتحريك واعز المسؤولية في الدفاع عن مطالب العمّال وعلى رأسها الزيادة في الأجور وتحسين المقدرة الشرائية وتفعيل القوانين والاتفاقيات المتصلة بالحق النقابي وبالحريات النقابية وذلك بفرض احترام قواعد الحوار الاجتماعي والمفاوضات الجماعية. بهذا المعنى يقتضي الامر أن يكون المؤتمر استثنائيا لأنه سيعيد الأمور إلى نصابها بعد أن اختلّت أسس العمل النّقابي في السنوات الأخيرة. وإلى جانب ذلك سينتخب المؤتمر فريقا قياديا جديدا يبعث برسالة لكل الأطراف بأن رياح التغيير والتجديد قد هبّت على الاتّحاد وأنّ وجوه الأزمة قد ارتحلت – كلّها وبلا استثناء – وحلّت محلّها وجوه جديدة لم تكن سببا في الأزمة ولا في تعميقها.

خارطة الطريق واضحة
المجلس الوطني هو السلطة الثانية في الاتحاد بعد المؤتمر، وهو المخول أكثر من غيره، بصفته هذه، باتخاذ القرارات والتوصيات لكيفية معالجة الأزمة. ويمكن له إذن أن يصدر توصية للهيئة الإدارية الوطنية بالدعوة إلى مؤتمر استثنائي. كما يمكنه أن يوصي ببعض التراتيب والإجراءات التي يرى فيها مساعدة على الحل.

إن المسألة لا تتعلق ببعض التفاصيل ذات الطابع القانوني أو الإجرائي بقدر ما تتعلق بالإرادة السياسية لدى القيادة. فإذا كان المكتب التنفيذي حريصا على تجاوز الأزمة عن طريق هياكل الاتحاد وأكثرها قدرة في ذلك (المجلس الوطني فالمؤتمر فالهيئة الإدارية)، أي إذا توفرت الإرادة أصبحت بعض الجوانب القانونية والإجرائية التي تثار الآن خاصة من جانب "شق العشرة" لتعطيل انعقاد المجلس الوطني وللحيلولة دون اتخاذ قرار الدعوة إلى المؤتمر الاستثنائي، تفاصيل ثانوية أمام المهمة التاريخية ألا وهي إنقاذ الاتحاد من هذا المسار الخطير الذي تردّى فيه. إنّ الإخوة في المكتب التنفيذي يدركون جيّد الادراك هذه الحقيقة. ولهم في تجربتهم في الماضي القريب المثال الملموس لذلك وأعني الدّعوة إلى بدعة المؤتمر غير الانتخابي، بدعة لم يعرفها الاتحاد في تاريخه (عدا محاولة السيّد علي رمضان قبيل الثورة عقد مؤتمر غير انتخابي لتنقيح الفصل 10 آنذاك وباندلاع الثورة تم التخلي عن الفكرة تماما). ولسائل أن يسأل هل كان يوجد من الناحية القانونية، لو الرّغبة الموحّدة لدى أعضاء المكتب التنفيذي، ما يبرّر الدعوة إلى مؤتمر استثنائي غير انتخابي مهمته الوحيدة التخلي عن الفصل العشرين؟ قطعا لا.

لا يوجد في القانون ما يمنع الدعوة إلى مؤتمر استثنائي. وليس ثمة أدنى صعوبة في توفير الطريقة الإجرائية لتنظيم العملية، إذ يمكن للمجلس الوطني إصدار التوصيات اللازمة على أن تتولّى الهياكل الأخرى، كلّ فيما يعود إليه بالنظر، تنفيذ ما أوصى به المجلس وفي مقدمة ذلك تحديد تاريخ المؤتمر الاستثنائي وبقية التفاصيل المتعلقة به والتي سنأتي عليها فيما يلي. ولكن وقبل ذلك نود التذكير بما قام به المجلس الوطني من أدوار في أوقات وفي حالات سابقة. ومن هذه الحالات ما اتخذه المجلس الوطني في سنة 1982 من قرار بتعيين الزعيم النقابي الراحل الحبيب عاشور رئيسا للاتحاد عند رفع الاستثناء عنه والحال أنّه لم يُنتخب ضمن أعضاء المكتب التنفيذي في مؤتمر قفصة الاستثنائي (1981) لأنّه كان محلّ إقامة جبرية في قرقنة مع اعلم أنّه لا وجود وقتها لخطة "رئيس" في قوانين الاتحاد. لقد استحدثت هذه الخطة بقرار من المجلس الوطني ومُنحت للسيد الحبيب عاشور. وكان هذا القرار الاستثنائي – بصرف النظر عمّا إذا كان ديمقراطيا أم لا – جوابا على إشكالية كبيرة كانت طرحتها الحركة النقابية في مؤتمر قفصة الاستثنائي وهي كيفية التعاطي مع تدخل السلطة واستثناء الحبيب عاشور وصالح برور من حقّهما في النشاط بعد قرار إجراء المصالحة الذي وضعته لائحة 21 سبتمبر 1980 لتجاوز أزمة الانقلاب على الاتحاد الذي مثّل التيجاني عبيد أداته إثر هجوم السلطة الدّامي على الحركة النقابيّة بمناسبة الإضراب العام (26 جانفي 1978). لذلك نجدد القول إن المسألة تتعلق بالإرادة السياسية لدى القيادة إن كانت فعلا حريصة على التعجيل بمعالجة الأزمة أم لا؟ والمشكل كلّ المشكل أن تتذرّع بالقانون والإجراءات لتغطية رفضها نزع فتيل الأزمة وإنقاذ الاتحاد وهو ما لا يتمنّاه أيّ نقابي حريص على استمرار منظّمة حشاد في القيام بدورها النقابي على أسس صلبة حتى تتمكّن من الدفاع عن مصالح الشغّالين في هذه الظروف الصّعبة التي تتعرّض فيها لانتهاك ممنهج.

خلاصة القول إنّ المسألة واضحة فالمجلس الوطني بمقدوره أن يصدر التّوصيات بدعوة المؤتمر الوطني للانعقاد بصورة استثنائية وفي أجل لا يتجاوز مدّة معيّنة على أن تتولّى الهيئة الإدارية تحديد التاريخ النّهائي للمؤتمر وضبط بقية التفاصيل المتصلة به من ذلك عدد النيابات (ونسبة الكسر) وشروط الترشح وأهمها مسألة الترشح وفق ما كان ينص عليه الفصل 20 قبل أن يقع الانقلاب عليه. نعم تستطيع الهيئة الإدارية تقديم هذه التوصية التي يمكن للمؤتمر، وهو سيد نفسه، أن يبت فيها في بداية أشغاله ويتخذ قرارا سياديا يقضي بالعودة إلى أحكام الفصل 20. كل هذه الإجراءات يمكن اتخاذها بالتنسيق بين هياكل الاتحاد القيادية (المجلس الوطني والهيئة الإدارية الوطنية والمؤتمر الوطني الاستثنائي) لتكون العملية في إطار الشرعية وباحترام مقتضيات القانون ومنقادة بروح المسؤولية والحرص على إنقاذ الاتحاد. بقي أن نضيف إلى ذلك نقطة أخيرة مهمة يمكن أن تدفع معالجة الأزمة خطوات إلى الامام وهي أن يمتنع كل أعضاء المكتب التنفيذي الحالي دون استثناء عن الترشح للمكتب التنفيذي القادم. لقد أشار "شقّ الخمسة" يوم 14 ديسمبر الماضي إلى استعداد أعضائه إلى عدم الترشح ونأمل أن يؤكدوا هذا الموقف بأكثر وضوحًا حتّى يسدّوا الباب أمام الكثير من الأقاويل الرائجة حولهم على أنّهم "أعوان السلطة" وحتى يبينوا ألّا أطماع شخصيّة لديهم من وراء الدّعوة إلى المؤتمر الاستثنائي وهي خطوة من شأنها، إذا أقدموا عليها، أن تضع بقية أعضاء المكتب التنفيذي أمام الأمر الواقع. فإمّا أن ينسجوا على منوالهم وإمّا أن تنكشف كثيرا من الأشياء التي ماتزال حتى الآن تحت ستار التّمويه والمراوغات.

وبصرف النّظر عن ذلك فإنّ من واجب النقابيين أن ينطلقوا من الآن في ممارسة الضغط لا فقط من أجل انعقاد المجلس الوطني والمؤتمر الاستثنائي وإنما أيضا من أجل إلى العودة إلى الفصل 20 ابتداء من مستهل أشغال المؤتمر ومنع كافة أعضاء المكتب التنفيذي الحالي من الترشح مجدّدا.

إنّ معالم الطريق باتجاه الحلّ وانتشال الاتحاد من الأزمة والنأي به عن احتمالات الانشقاق والتّقسيم واضحة وجليّة وتتمثّل في التّعجيل بالدّعوة إلى المجلس الوطني للانعقاد واتّخاذ قرار من داخله بعقد مؤتمر استثنائيّ في أجل قريب خلال السنة المقبلة وما زاد على ذلك فهو من باب التفاصيل. وأيّ تعلّل بمثل هذه التفاصيل لا يعني غير الممانعة في الذهاب إلى الحلّ والإصرار على تعفين الأجواء وتفتيت الجبهة الداخلية وتوفير الظروف لكي يكون الاتحاد لقمة سائغة للسلطة التي لا تنتظر غير ذلك كي تمعن في فرض سياساتها المدمّرة للعمّال والأجراء ماّديا ومعنويّا.

الاتحاد ليس ملكا للبيروقراطية، الاتحاد ملك الجميع
الاتحاد العام التونسي للشغل جزء من تاريخ تونس ومن تاريخ نضال الطبقة العاملة والحركة النقابية التونسية بكل إيجابياتها وسلبياتها. ورغم ما أصابه من تراجع وضعف في هذه المرحلة من تاريخه فإنه مازال يمثل مركز ثقل النضال الاجتماعي في بلادنا ضد الليبرالية والليبرالية المتوحشة والاستغلال الرأسمالي والظّلم والقهر. غير أن السياسات الخرقاء للبيروقراطية التي أحكمت سيطرتها على قيادته منذ عقود أدّت به اليوم إلى أزمة حادة من شأن عدم التسريع بمعالجتها أن تلحق به ضررا فادحا وأن تهدّده حتّى في وجوده ككيان مستقلّ وموحّد.

إن الدفاع عن الاتحاد، ومن أي موقع كان، واجب وطني محمول على كل تونسية وتونسي لأن ّفي انهيار الاتحاد خسارة عظمى للنقابيين والعمال وعموم جماهير الشعب التونسي من كل الفئات والطبقات ولكن أيضا خسارة عظمى للحركة الديمقراطية والنخبة المثقفة وعموم الحركة النقابية في الوطن العربي والعالم.

نقول هذا وكلّ أملنا في أن تطغى الحكمة ومراعاة مصلحة الحركة والشغّالين على العناد البائس والحسابات الضيّقة.

( 1 ) – أنظر :
رسالة مفتوحة إلى الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل على الرابط التالي :
جيلاني الهمامي - رسالة مفتوحة إلى الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل
منعرج جديد وخطير في حياة الاتحاد على الرابط التالي :
جيلاني الهمامي - منعرج جديد وخطير في حياة الاتحاد

الكاتب العام الأسبق لجامعة البريد
تونس في 23 ديسمبر 2024