سقوط نظام الأسد في سوريا: في ميزان الربح والخسارة
جيلاني الهمامي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8186 - 2024 / 12 / 9 - 04:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما من شك أن نظام الأسد (الأب والابن) كان نظاما طائفيا استبداديا ككل الأنظمة العربية الحاكمة بمماليكها وأمرائها وجمهورياتها. وقد استعمل في الأيام الأولى من انتفاضة الشعب السوري ضمن سلسلة الانتفاضات التي عقبت ثورة الشعب التونسي كل أشكل القمع والعنف لإخماد احتجاجاته. ويذكر الجميع أعمال "الشبيحة" و"البراميل المتفجرة" كمثال على الوحشية التي واجه بها الاحتجاجات الجماهيرية. كان ذلك قبل أن تدخل عديد القوى الامبريالية على الخط، أمريكا والناتو وروسيا، والأنظمة المجاورة العربية وغير العربية، مشايخ الخليج وتركيا وإيران، للانحراف بانتفاضة الشعب السوري إلى حرب أهلية مدمرة حولت سوريا إلى مسرح ترتع فيه جبهة النصرة سليلة تنظيم القاعدة وداعش وغيرها من تنظيمات الإرهاب التي زرعتها ومولتها الامبرياليات والاحتكارات العالمية والرجعيات العربية ضمن البرنامج الذي وضعته إدارة أوباما آنذاك ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون.
فأن يرحل بشار الأسد اليوم عن الحكم ليس فيه ما يدعو للأسف من زاوية مصلحة الشعب السوري كمصلحة مجردة لشعب عانى القمع والتعسف والفقر والتخلف والتهجير وكل المآسي الأخرى. بهذا المعنى فإن سقوط نظام الأسد يعد في حد ذاته مكسب للشعب السوري الشقيق.
ولكن ما حف بهذا التطور من ملابسات يستدعي التدقيق في الامر وعدم الاكتفاء بظاهر الأشياء. لأن ما يمكن اعتباره، حقا، مكسبا للشعب السوري هو أن يرحل نظام الاستبداد ويحل محله نظام ينال فيه الشعب حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويسترجع فيه سيادته على وطنه وخيراته وعلى استقلالية قراره الوطني. فأن يحل محل نظام بشار الأسد نظام جديد تسيطر فيه الميليشيات الإرهابية سليلة تنظبم القاعدة (جبهة تحرير الشام) وغيرها من المجموعات العميلة صنيعة المخابرات الغربية والتابعة لأردوغان تركيا فليس في ذلك للشعب السوري من مصلحة بالمرة. فالنظام الذي ستقيمه هذه القوى الرجعية واليمينية واليمينية المتطرفة سيكون أشد بأسا على السوريات والسوريين على جميع المستويات والاصعدة.
ومن ناحية أخرى فإن سقوط نظام بشار الأسد بغاية عزل قوى المقاومة وخنقها (حزب الله والفصائل الفلسطينية) وذلك عبر قطع طرق الامدادات ومجيء قوى أخرى خططت وتعاونت مع تركيا والامبريالية الامريكية والكيان الصهيوني لتنظيم هجوم يوم 27 نوفمبر الماضي والذي انتهى اليوم 8 ديسمبر بفرار بشار الأسد وسقوط نظامه لا يخدم إلا مصلحة الكيان الصهيوني بشكل مباشر وعلى المدى البعيد ويكرس الخطة الامريكية الاستعمارية الجديدة في إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط على قاعدة استدامة وجود كيان "إسرائيل" وتمتين تفوقها العسكري والاقتصادي والسياسي وبطبيعة الحال القضاء نهائيا على قضية الشعب الفلسطيني الشقيق. ومن المؤشرات المباشرة على ذلك إقدام الكيان الصهيوني على مراجعة اتفاقية المنطقة العازلة والدوس على بنود الاتفاق بخصوص خارطة الاشتباك والتوغل في الأراضي السورية بنحو 16 كيلومتر في بعض النقاط.
إن نظام الأسد لم يسقط نتيجة انتفاضة شعبية أو تمرد جماهيري وعصيان مدني وإضرابات عمالية وسياسية وشعبية وإنما جاء نتيجة انتصار مجموعات يمينية متطرفة مسلحة مدعومة بالسلاح والمال وبالخبرات الاستراتيجية وبشكل مباشر من تركيا ومن ورائها أمريكا والكيان الصهيوني. ولسنا في حاجة للقول بأن نجاح هذه القوى في الإطاحة بالنظام بسرعة غير متوقعة يعطينا فكرة عن طبيعة الجيش النظامي السوري وما يميزه ككل الجيوش النظامية العربية من بيروقراطية وفساد وتعفن. وفي مطلق الأحوال فإن انتصار هذه المجموعات لا يقدم للشعب السوري التواق إلى الحرية والاستقلال والازدهار والتقدم هدية إنما هو مقدمة لمؤامرة كبرى تستهدف الشعب السوري ومستقبله بل ومستقبل كامل المنطقة.
لكن هل يعني ذلك إذن، والحال هذه، أن يبقى نظام الأسد جاثما على صدور الشعب السوري؟
مرة أخرى يجد الشعب السوري نفسه أمام وضعية صعبة ومعقدة تتشابك فيها عناصر كثيرة ومتنوعة لا تسمح له بالتعاطي مع الوضع وتطوراته كما لو كان في مختبر كيمياء لتخليط العقاقير. مرة أخرى وللأسف وفي ظل الانخرام الكبير الذي باتت عليه موازين القوى في العالم وفي المنطقة بالذات تحكم على الشعب السوري بأن يكون بين المطرقة والسندان وأن يخضع لخيارات خارجة عن ارادته وأحلاها مر علقم.
فالامر الأكيد أن الشعب السوري لم يكسب شيئا مما وقع برحيل نظلم بشار الأسد غير مأسوف عليه ولكن الامر الأكيد أيضا أن الشعوب العربية وحركة المقاومة في لبنان وفلسطين وفي غيرهما من الأقطار الأخرى قد خسرت أو هي وضعت في مربع الخسارة وقد يلزم ردها طويلا من الزمن للخروج منه.
8 ديسمبر 2024