الأسبوع الدموي 21 – 28 ماي 1871 درس من دروس الكومونة


جيلاني الهمامي
الحوار المتمدن - العدد: 7985 - 2024 / 5 / 22 - 16:50
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

الأسبوع الدموي 21 – 28 ماي 1871
درس من دروس الكومونة

في مثل هذا اليوم 21 ماي انطلقت مواجهات ما يسمى بالأسبوع الدموي بين قوات كومونة باريس وجيوش الثورة المضادة الرجعية بقيادة Adolphe Thiers وPatrice Mac Mahon.

كانت قوات الثورة المضادة تحاصر المدينة الكومونة باريس ونتيجة خيانة أحد العسس jules Ducatel الذي سرب خبر غياب قوات المقاومة المسلحة في منطقة la Porte de St Cloud هاجمت القوات العسكرية المعادية وبدأت في حملتها المضادة التي دامت من يوم الاحد 21 ماي حتى يوم الاحد 28 ماي 1871.

اسبوع مارست فيه قوى الردة أشنع أعمال الانتقام. ولكنها كانت أياما جرت فيها ملحمة بطولية غير مسبوقة قاومت فيها قوات الطبقة العاملة الباريسية ببسالة منقطعة النظير الجيش الامبراطوري الفرنسي.

لقد هبت باريس نساء ورجالا وحتى اطفالا لنجدة الكومونة وللدفاع عنها٫ الكومونة التي جلبت لهم الحرية والعدالة والكرامة بطعم لم يسبق ان تذوقته باريس من قبل رغم كل الثورات السابقة والانجازات العظيمة التي سجلتها فرنسا في هذا المضمار.

بالمقابل كانت جحافل العدو المتعطشة للدم مدفوعة بأبشع رغبات الانتقام غير عابئة بقواعد الحرب فأعدمت وقتلت ما يقارب العشرين ألف في بحر اسبوع.

يوم 28 ماي سقط آخر معقل للكومونة Belleville ومتاريس faubourg du Temple.
وكان آخر قائد في جيش الكومونة تم اعدامه من ضمن تسعة اخرين ترك للتاريخ تلك القولة المشهورة عندما تحدى العسكري المعادي الذي سيتولى إطلاق النار عليه لإعدامه "جس نبضي لتعرف هل أنا خائف"
Tatez mon pouls, voyez si j ai peur.

يذكر التاريخ ان 43500 قد تم ايقافهم؛ منهم إلى أكثر من 800 امرأة وأكثر من 500 طفل وأن 700 منهم قد تم رميهم بالرصاص لما حاولوا الفرار.

وكان عشرات الالاف قد قتلوا أثناء المواجهات في الاسبوع الدموي يقدره بعض المؤرخين بثلاثين ألف (الصحفي الفرنسي Prosper Olivier Lissagaray مثلا).

يقول انجلز في مقدمة كتاب صديقه ورفيقه كارل ماركس "الحرب الاهلية في فرنسا" ما يلي:
"ولم يسقط آخر المدافعين عن الكومونة على مرتفعات بيلفيل ومنيامونتان الا بعد قتال استمر ثمانية ايام وعندئذ بلغت اوجها مذبحة العزل من الرجال والنساء والاطفال التي ظلت مستعرة الأوار على نطاق متزايد طوال اسبوع كامل. لم تعد البنادق المحسنة تستطيع إن تقتل بالسرعة الكافية فكانوا يقتلون المهزومين بالمئات من المدافع الرشاشة. ومازال "حائط الكومونيين" في مقبرة بيير لاشيز حيث حدثت المذبحة الجماعية الأخيرة ماثلا حتى اليوم شاهدا صامتا بليغا على الجنون الذي يمكن إن يتملك الطبقة الحاكمة حالما تجرؤ البروليتاريا على الدفاع عن حقوقها".

انهزمت الكومونة نعم ولكنها تركت ارثا ذهبيا لا يمكن إن يفنى قال عنه كارل ماركس "إن باريس العمال وكومونتها ستظلان الى الابد موضع التبجيل٫ بوصفهما المبشر المجيد بمجتمع جديد. وشهداؤها مثواهم الابدي قلب الطبقة العاملة الكبير. وجلادوها سمرهم التاريخ الان على خشبة العار التي لن تجدي في تخليصهم منها جميع الصلوات التي يرددها كهنتهم." لندن في 30 ماي 1971.

هكذا لخص ماركس درس الكومونة العظيم ولكننا علينا إن نعرض للضوء درسا آخر ما أحوجنا لإدراكه اليوم في بلادنا وهو مدى قساوة انتقام الثورة المضادة من الشعب. فاذا كانت الثورة المضادة في باريس قد ألقت بحوالي 30 ألف باريسي في سجون فرنسا ومستعمراتها ونفت مثلهم الى بريطانيا واصقاع الدنيا البعيدة فان الثورة المضادة عندنا ولئن بدت عاجزة عن ذلك وأصغر مما اتاه الجنرال تيار والجمعية الوطنية (البرلمان) البرجوازية الفرنسية التي كانت كما يقول ماركس تمثل كل ما هو ميت آنذاك فإنها لا محالة تثأر بالقدر الذي خوله لها جهدها بافتعال القضايا وبالملاحقات والايقافات وبالتعدي على حرية المواطنين وحقوقهم.

الثورة المضادة في تونس نجحت في غلق قوس الثورة وطوت صفحة مجيدة من صفحات تاريخ تونس وتسعى الى إن تحولها الى نسي منسي ولكنها لن تفلح في إن تمسح من ذاكرة الشعب تلك البطولات التي أقدم عليها بشجاعة لا متناهية عندما كان "اسياد" اليوم مختبئين في جحور الخوف ليكنس واحدة من أعتى ديكتاتوريات المنطقة.

وإذا كان التاريخ شاء إن نمر بفترة الفراغ هذه فإننا مهما قضينا من وقت سنجمع قوانا من جديد لنعيد عقارب الساعة الى شتاء 2010 - 2011 لا بل الى ربيع باريس الى مارس - ماي 1871 في نسخة ناجحة مظفرة.

تونس 21 ماي 2024