وحدة اليسار في فرنسا ووحدة اليسار في تونس مقارنة ما لا يقارن


جيلاني الهمامي
الحوار المتمدن - العدد: 8051 - 2024 / 7 / 27 - 22:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

وحدة اليسار في فرنسا
ووحدة اليسار في تونس
ومقارنة ما لا يقارن

على إثر فوز "الجبهة الشعبية الجديدة" في الانتخابات التشريعية في فرنسا، أو بعبارة أصحّ إزاء تصدرها الترتيب في النتائج أمام "معسكر الرئيس ماكرون" وحزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، سرت موجة من التعاليق في صفحات التواصل الاجتماعي في تونس تلتقي في أغلبها في الاستبشار بهذه النتيجة والتنويه باليسار الفرنسي والتعاطف معه، فيما ذهب البعض إلى مقارنة يسار فرنسا بيسار تونس واستغلّ المناسبة لينهال، من "فرط ارتياحه" لفوز "الجبهة" في فرنسا، على اليسار في تونس، بالنقد والانتقاد وحتى التجريح والتشكيك فيه وفي رموزه وتاريخه. وفي هذا السياق العام تعالت أصوات كثيرة تدعو إلى الوحدة وحتى إلى إحياء "الجبهة الشعبية" في تونس للنهوض بأوضاع اليسار والحركة الشعبيّة في مواجهة هجوم قوى اليمين بمختلف فصائله وفي مقدمتها اليوم اليمين الشعبوي المتطرّف.

"وحدة العمل" والجبهات ظاهرة سياسية موضوعية
كان اليسار في فرنسا ولا زال منقسما ومتشرذما بين "شيوعيين" من تنظيمات شتى ومتعددة (شيوعيون تحريفيون قدامى وترتسكيون وماركسيون لينينيون وماويون الخ...) وأحزاب اشتراكية ديمقراطيّة وإيكولوجية الخ... وليست هذه الحالة حكرا على اليسار فاليمين الفرنسي يعيش هو الآخر نفس الأوضاع منذ عقود طويلة من الزمن. وكذلك هي حال الساحات السياسية في أوروبا بل وفي العالم قاطبة.
إن كثرة الأحزاب وتعددها في أي بلد من البلدان هي تجسيد لتنوع المقاربات وكثرتها وتعكس في عمقها حيوية المجتمع المعاصر وخاصة المجتمعات التي عرفت ثورات ديمقراطية ودخلت على إثرها إلى عصر الحداثة في معناها المطلق. وقد عملت البرجوازية على استغلال هذه الميزة لتزيين واجهة نظامها و"ديمقراطيتها التمثيلية" التي اهترأت وفقدت كثيرا من بريقها ومصداقيتها فبرزت اتجاهات تفكير جديدة قديمة. من ذلك التيار الشعبوي، وهو منتوج أزمة الديمقراطية البرجوازية والنظام الرأسمالي ككل، الذي تركزت أطروحاته على مهاجمة الأحزاب والأجسام الوسيطة بشكل عام بدعوى مقاومة "الزعامتية" والوقوف ضد اللهث وراء الكراسي و"الانتهازية" والصراعات الفوقية على حساب "الشعب" وما إلى ذلك من "التنظيرات" السطحية والسخيفة والتي ليست غير محاولة لمسخ الواقع السياسي وتخريب الوعي العام.
وتنم هذه التنظيرات عن جهل أصحابها بحقيقة علاقة الفعل السياسي بحركية المجتمع والصراع الطبقي الذي يعتمل صلبه والتنافس بين التعبيرات السياسية التي يفرزها هذا الصراع. فتعدد الأحزاب ليست كما قلنا خاصية فرنسية إنما هي خاصية المجتمع المعاصر والبلدان التي عرفت في سيرورتها السياسية "حالة ديمقراطية" بهذه الدرجة أو تلك من التطور. حتى البلدان ذات التجربة "الديمقراطية" الحديثة، بما في ذلك ديمقراطيات الواجهة، تعرف نفس الحالة من تعدد الأحزاب وتنوعها.
ومن نافل القول إن الأحزاب تظهر للوجود كتعبيرات طبقية/اجتماعية وكل منها يأمل في أن يصبح هو الحزب الأكثر تأثيرا والأقوى ويعتبر نفسه الأجدر بالحكم. لذلك يتمسك كل حزب بعمله الخاص وتلك هي القاعدة الطبيعية للحياة الحزبية. أما اللجوء إلى الأحلاف والأعمال المشتركة فهي في الأصل استثناء تقتضيه أوضاع استثنائية. والمتمعن في كل تجارب "الجبهات" يلاحظ دون أدنى عناء أنها لم تأت هكذا اعتباطيا أو "رغبة في الوحدة" وإنما بسبب دواع قوية فرضت قيام هذا الشكل أو ذاك من العمل المشترك. ويمكن القول إن قيام "الجبهة" هنا أو هناك كان على الأغلب "حكم ضرورة" أكثر منه اختيارا عفويا أو طوعيا. وينبغي أن نتساءل، ثم أن نجيب عن هذا التساؤل، ما الذي يدفع حزبا سياسيا، أو أحزابا سياسية، إلى اللجوء إلى العمل مع أحزاب أخرى حول حد أدني مشترك بدل أن يكتفي بالعمل ببرنامجه الخاص في كل أبعاده الاستراتيجية والتكتيكية؟
إن الوعي بالحاجة إلى "طرف آخر"، أي إلى حليف أو حلفاء من أجل تحقيق أهداف لا يتسنى له أبدا تحقيقها بمفرده هو الذي "يجبره" على التنازل مؤقتا عن برنامجه الخاص والقبول بدلا عنه بالعمل على أساس حد أدنى مشترك مع حليف أو حلفاء تربطه بهم في الأصل علاقة تنافس وصراع. ما يعني أن ثمة دواع لإعادة ترتيب الأولويات بين البرنامج الخطي الخاص والحد الأدنى المشترك مع "الآخر"، مع خصوم ومنافسي الأمس. وبعبارة أخرى ما لم يكن هناك داع موضوعي للعمل المشترك لا يطرح على جدول أعمال أي حزب إقامة "جبهة" أو أي شكل آخر من أشكال العمل المشترك لأن الإنسانية، كما قال ماركس، "لا تطرح من المشاكل إلّا تلك التي تقدر على حلّها" (1)
صحيح أن ظروف النضال في عصرنا هذا، عصر الامبريالية والعولمة، توفر على الدوام وفي كل مكان تقريبا شروطا موضوعية ناضجة للنضال الثوري بل أكثر من ذلك للتكتيكات الثورية ومنها على وجه الخصوص للأعمال المشتركة بين الأطراف الثورية أو على الأقل الأطراف التي تتقارب أطروحاتها لمواجهة استحقاقات المرحلة وأهدافها. نعم تلك هي خاصية العصر بما أن الرأسمالية في أرقى درجات تطورها مسّت عميقا مصالح كل الطبقات والفئات الاجتماعية الشعبية وحتى شرائح من البرجوازية المتوسطة والصغيرة وبالتالي خلقت شروط تقارب كل هذه الطبقات والشرائح، وخاصة في بلدان مثل بلادنا، والعمل سويا ضد العدو المشترك وفي مواجهة الضرر المشترك.
وإذا كانت الشروط الموضوعية لخوض النضال، في كل أبعاده الطبقية والسياسية والاجتماعية، متوفرة وناضجة بدرجة كبيرة فإن شرط الوعي بذلك في مستوى تنظيم أدواته وعلى الأخص منها الأحزاب السياسية (والنقابات ومكونات المجتمع المدني الأخرى) مازال عامة ضعيفا ومن مظاهر ضعفه التخلف عن إقامة جبهات العمل المشترك رغم إلحاح الواقع. وبطبيعة الحال كلما كان الوعي بهذه الحاجة متطورا وقويا، كلّما اهتدت مكونات الحركة السياسية في هذا البلد أو ذاك إلى استنباط تكتيكات العمل المشترك وأشكاله المناسبة ونجحت في تحقيق مكتسبات ذات بال.
نجاح اليسار الفرنسي
لم تكن نقطة التقاطع هذه، بين نضج الظروف الموضوعية والوعي اللازم بوجوب الاستجابة لحاجة الحركة في توحيد الحركة، دائما متاحة في تاريخ الحركة السياسية في فرنسا. فإذا كان الظرف العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مجمل أبعاده جاهزا وسانحا دائما بذلك فإن مكونات الحركة السياسية اليسارية لم تكن دوما مستعدة للتعاون والعمل المشترك. وفي حالات كثيرة كان لا من بد من توفر الإكراهات اللازمة التي تجبر الجميع على تجاوز الحزازات والضغائن والقبول بالتنازلات والاقتناع بأولوية الأدنى المشترك على الطرح الخطي. ولليسار الفرنسي في هذا المضمار تجربة طويلة وثرية تجلت في عدة محطات تاريخية معروفة سنأتي عليها فيما يأتي.
لم يكن من الممكن تاريخيا أن تجتمع فصائل اليسار منذ سنة 1924 (تجمع اليسار cartel des gauches) إلا بعد عشر سنوات تحت ضغط التطورات الجديدة التي شهدتها فرنسا. فقد تزامنت الأزمة الاقتصادية الحادة مع صعود النازية والفاشية على حدود فرنسا في إيطاليا وألمانيا واسبانيا الخ... وأمام تهديدات المجموعات اليمينية الفاشية (رابطات أقصى اليمين) أصبح توحيد صفوف اليساريين الفرنسيين (شيوعيون، اشتراكيون، تروتسكيون، فوضويون، نقابيون الخ...) تحت راية الجبهة الشعبية ضرورة ملحة وهو ما حصل في شهر جويلية 1934 تحت عنوان "معاهدة الوحدة للعمل المناهض للفاشية" (Pacte d’unité d’action antifaciste). وقد تمكنت الجبهة من الفوز بالانتخابات التشريعية بعد سنة من ذلك (ماي 1936) ومن ثمة ترأست الحكومات المتعاقبة على امتداد أربع سنوات واتخذت جملة من الإجراءات منها النزول بساعات العمل من 48 إلى 40 ساعة في الأسبوع وسن عطلة بأسبوعين خالصة الأجر والزيادة في الأجور الخ...
لكن عندما اجتمعت شروط انفراط عقدها انحلت الجبهة الشعبية في فرنسا ودخلت تلك التجربة طي التاريخ مثلها مثل تجارب سابقة، "كتلة اليسار" (bloc des gauches) لسنة 1902 وتجارب لاحقة سنة 1965 وتجربة "البرنامج المشترك" (programme commun) سنة 1972 وتجربة تحالف "اليسار المتعدد" la gauche plurielle سنة 1997. وأخيرا وليس آخر "الاتحاد الشعبي الايكولوجي والاجتماعي الجديد" (Nouvelle -union- Populaire Ecologique et Sociale) NUPES الذي جمع تحت رايته الشيوعيين والاشتراكيين والخضر.
وقد تخللت هذه الفترة على أكثر من ثمانية عقود من الزمن فترات صراع حاد و"اقتتال سياسي" وتشتت. لذلك لا ينبغي الوقوف عند ظاهر الأشياء والنظر إلى المسألة من زاوية توصل أطراف اليسار الفرنسي إلى الاتحاد في أعمال مشتركة فقط بل ينبغي النظر إلى ذلك أيضا من زاوية أن هذه التجارب كانت على الدوام مؤقتة وليست مستمرة في التاريخ وما بين تجربة وأخرى كانت هناك فترات صراع وفرقة بما مكن تشكيلات اليمين من إحراز النصر في كم من ملف وقضية وفي كم من مناسبة انتخابية (رئاسية أو برلمانية).
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن التحالفات المذكورة نجحت بنسبة كبيرة لأنها كانت في الأساس جبهات انتخابية وارتبطت كل تجربة منها إما بانتخابات برلمانية (على الأغلب) أو رئاسية (في مرات قليلة). ودون التقليل من أهمية مضمون الأرضيات التي تأسست عليها فإنها تضمنت الحد الأدنى المشترك السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يمثّل، في وضعية فرنسا، حاصل مسار من التراكم ليس فقط لدى النخب، والنخب اليسارية على وجه أخص، وإنما أيضا لدى عموم الجماهير الشعبية. بمعنى آخر لم يكن من الصعب في الكثير من الحالات الاتفاق على جملة الأهداف والمهمات والإجراءات التي التقت حولها مكونات اليسار في فرنسا. وعلاوة على ذلك ما عاد من الصعب نسج مثل هذه التحالفات وفي وقت قياسي مثلما رأينا في التجربة الحالية (الجبهة الشعبية الجديدة) لأن تشكيل جبهة انتخابية لدرء خطر كبير داهم بات من العناصر المكونة للثقافة السياسية ليس فقط لدى اليسار الفرنسي وإنما في الحقيقة لدى العائلات السياسية يمينا ويسارا. لذلك يمكن القول إننا إزاء تقليد مكتسب وراسخ في الثقافة السياسية لمكونات الساحة الفرنسية على اختلاف مشاربها. ولا ننسى هنا ثراء التاريخ السياسي الفرنسي منذ الثورة الكبرى (الثورة البرجوازية 1789) وعلى امتداد أكثر من قرنين عرفت فيهما فرنسا سلسلة من الثورات (1830، 1848، 1871) وهزات سياسية كبرى في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي وأحداث 1968 واحتجاجات الشباب الطالبي والتلمذي في الثمانينات وأخيرا تحركات السترات الصفراء (Les gilets jaunes الخ...). في مثل هذه البيئة التاريخية، وما شهدت من صراعات طبقية وسياسية، راكم اليسار الفرنسي تجربة كبيرة من أهم سماتها الاقتدار على صنع التكتيكات السياسية والجبهات الانتخابية. الأمر الذي يختلف كثيرا عن واقع الحركة السياسية التونسية وثقافة الفصيل اليساري بمعناه الواسع في بلادنا وما تميزت به هذه الحركة تاريخيا من صراعات وتشتت وقلّة نضج.
تشتت اليسار في تونس
منشأ مصطلح "اليسار" هو فرنسا وقد حفت بظهوره ظروف سياسية خاصة في مرحلة من مراحل الصراع الطبقي الجارف الذي عرفته البلاد آنذاك خلال حراك ثوري امتد على أكثر من عشر سنوات (1789 وما تلاها). وتطوّر هذا المصطلح في ضوء التحولات الاجتماعية ولكن أيضا بعلاقة بالصراعات الفكرية والأيديولوجية التي شهدتها فرنسا وأوروبا عموما. ولعل ذلك ما سهّل تحديد القوى التي يصحّ أن نلقّبها بهذه التسمية. ومع ذلك فقد ظل هذا المصطلح ضبابيا وغائما وذهبت النظريات والمدارس المختلفة في علوم السياسة والاجتماع مذاهب شتى في تعريفه. ويزداد هذا الغموض في تعريفه في تونس أكثر فأكثر لأسباب تتعلق بالسياقات الاجتماعية والسياسية التي حفت بميلاد تيارات أو تنظيمات يمكن نسبتها إلى اليسار.
لقد جرت العادة أن تطلق صفة "اليسار" على التيارات الماركسية بتنوعها وباختلاف شعاراتها وأطروحاتها. وليس في الامر من غرابة ذلك أن هذه التيارات هي التي تميزت أكثر من غيرها بخاصيتين أساسيتين هما مناهضة الرأسمالية والاستغلال الطبقي والقمع السياسي والاستعمار والتخلف الفكري من جهة واعتماد استراتيجية التغيير الجذري للمجتمع التونسي في كل أبعاده (علاقات الإنتاج ونمط التنمية وتوزيع الثورة والبنى الفوقية السياسية منها والثقافية الخ...) من جهة ثانية. لذلك صار من المسلّم به أن "اليسارية" تعني بالضرورة معارضة الواقع القائم ورفضه والالتزام بتغييره والعمل من أجل ذلك. وبما أن التيارات الماركسية، من اليسار الجديد التي ظهرت منذ منتصف الستينات من القرن الماضي والتي جاءت كردة فعل على فشل اليسار القديم وتخليه عن شعار التغيير، كانت هي الطرف الطاغي على مشهد المعارضة النشيطة لنظام الحكم فقد ترسخت الفكرة أن "اليسارية" تعني الانتماء إلى الماركسية.
لكن ومع انطلاق تجربة "الجبهة الشعبية" منذ محاولاتها الأولى (جانفي 2011 تحت مسمى جبهة 14 جانفي) جرت إعادة النظر في هذه المفاهيم لتصبح "اليسارية" فضاء أوسع يشمل "اليسار الماركسي" و"اليسار القومي" جنبا إلى جنب.
لقد جاء تحالف قوى اليسار بمعناه الواسع (الماركسي والقومي) نتيجة تظافر عاملين لم يتوفرا من قبل هما "الضرورة والإرادة". فظروف ما بعد فرار بن علي وما صاحبها من زخم نضالي ومد شعبي ثوري وضعت السلطة على قارعة الطريق بشكل أغرى كل القوى السياسية و"أجّج" شهيتها ودفع قوى اليسار ولأول مرة للتفكير جديا وعمليا في مسألة الحكم. وكان من تبعات ذلك أن اهتدت قوى اليسار إلى حقيقة لا مرد لها وهي أن الطريق إلى السلطة لن تتيسّر وهي (أي قوى اليسار) مشتتة وضعيفة وأن لا مجال لأن تكون لها حظوظ في النجاح إلا بتنظيم جبهوي موحد.
إن ما فرضته استحقاقات الوضع الجديد بعد يوم 14 جانفي 2011 كان أقوى من كل المعيقات القديمة التي حالت دون "الوحدة الجبهوية" وأمكن بالتالي تجاوز حالة "الاقتتال" الأيديولوجي والسياسي والفئوية التنظيمية التي ميّزت تجربة اليسار بشكل عام. وهو ما أثمر توافقا تاريخيا تجسّم في أرضية عمل جماعي هي الأولى من نوعها في تاريخ اليسار التونسي. وقد انطبعت هذه الأرضية بطابع المناخ الثوري الذي حفّ بها فجاءت مفعمة بروح المدّ الثوري السّائد وقتها ووضعت لنفسها أهدافا متجذرة وكبيرة. في كلمة لم تكن حصريا أرضية جبهة انتخابية أو أرضية حد أدنى وإنما أرضية سياسية بأهداف استراتيجية مركزية لخّصها شعار "استكمال مهام الثورة" وإجراء تغيير عميق في البلاد.
لقد اجتمعت قوى اليسار في تونس بعد الثورة "من أجل استكمال مهام الثورة" ولم يكن في الحسبان عند وضع أرضيتها أن تخوض غمار انتخابات، أي انتخابات، فالطريق إلى السلطة كانت الثورة ولا شيء غير الثورة. غير أن هذا التحالف سرعان ما ارتبك في أول اختبار إذ تباينت التقديرات للخطوة التي تدبّرتها البرجوازية في تونس للالتفاف على الثورة واستدراج البلاد إلى مخرج ناعم جاء بحكومة الباجي قائد السبسي وهيئة عياض بن عاشور. اختلفت الآراء بين معارض لتلك المبادرة السياسية ومؤيد لها. ففي حين انخرطت بعض الأطراف من اليسار الماركسي واليسار القومي في مسار "الانتقال الديمقراطي" عبر خارطة الطريق التي وضعتها هيئة بن عاشور قاطع البعض الآخر من اليساريين الماركسيين (ومنه حزب العمال) والقوميين هذا المسار وأعلن العزم على إفشاله باعتباره التفافا على الثورة ونادى بمواصلة النضال "من أجل تحقيق أهداف الثورة".
وعلى خلفية هذا الانقسام دخلت قوى اليسار منقسمة في أكتوبر 2011 إلى الانتخابات التشريعية في قائمات مختلفة ومتنافسة ومنيت كل فصائله بهزيمة نكراء.
كانت تلك الهزيمة سببا من الأسباب التي حملت كل مجموعات اليسار على العودة إلى الجلوس على طاولة الحوار والانكباب على تقييم التجربة وبلورة الحلول فكانت "الجبهة الشعبية من أجل تحقيق أهداف الثورة" في نسخة أولى (مارس 2012) ثم في نسخة ثانية ونهائية 7 أكتوبر 2012. ومرة أخرى كان سقف الأهداف عاليا بما يعني أن الجبهة ليست مجرد ائتلاف انتخابي (وهو ما تم التأكيد عليه في أكثر من مناسبة وأكثر من منبر) وإنما هي جبهة ثورية هدفها الاستراتيجي، والمباشر في نفس الوقت، هو استكمال المسار الثوري والذهاب به إلى مداه أي إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية. وظلت الجبهة على هذا الموقف طوال تجربتها لأنها كانت تؤمن على الدوام "أن المسار الثوري لم ينته حتى وإن كانت القوى المضادة للثورة قد ذهبت أشواطا في الالتفاف عليه"(2).
لقد وضعت الجبهة سقفا عاليا ما كانت تمتلك المقدرات اللازمة لبلوغه. ولم يكن أمامها غير السير في ذلك التمشي بالنظر إلى السياق التاريخي الذي أملاه والمتسم بتصاعد الوهج الثوري العام ولكن مسار تطور الأوضاع وخاصة إثر اغتيال الشهيد شكري بلعيد والتعبئة الضخمة التي حصلت يوم 8 فيفري 2013 كشف بوضوح أن الهدف المرسوم "تحقيق أهداف الثورة" كان "حلما ثوريا" أكثر منه هدفا واقعيا للإنجاز وحتى إن كان المدّ الثوري الذي عرفته البلاد إبّان 14 جانفي 2011 يقتضي فعلا طرح ذلك الهدف فإن الجبهة الشعبية في كل أطوارها لم تكن تمتلك أدوات تحقيقه.

إن المآل الذي آلت إليه الجبهة الشعبية لم يكن "صراع الزعامات" (بين حمة الهمامي ومنجي الرحوي كما ذهب في ظنّ البعض) أو استهتار مكونات الجبهة بأهمية العمل المشترك وما إلى ذلك من التفاسير المتهافتة وإنما يعود، في الأساس، إلى أسباب سياسية أعمق بكثير ومنها في المقام الأول غموض الأهداف والخلط بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي مباشر ومحاولة التوفيق بين نزعات متباينة، الإصلاحية الدخولية "entrisme"من جهة والتوجه الثوري في الجهة المقابلة.

مقارنة ما لا يقارن
إن الذين سارعوا بالتنويه باليسار الفرنسي وامتدحوا نضجه والسرعة القياسية التي وحّد فيها صفوفه وفي المقابل من ذلك انتقدوا اليسار في تونس أو بعبارة أدق الأطراف اليسارية التي توحدت صلب الجبهة الشعبية المنحلة وكال البعض منهم ألوانا من الشتائم فيما نادى بعضهم أطراف اليسار إلى العودة إلى لم الشمل وإحياء تجربة الجبهة الشعبية لم ينظروا إلى مسألة من الزاوية الصحيحة.
قد يكون من المشروع للذين نقدوا أو انتقدوا أو حتى شتموا وتهجموا على كل أطراف اليسار في تونس أو على أطراف دون أخرى أو على بعض رموز الجبهة الشعبية وينبغي تفهم ردود الأفعال هذه أو على الأقل بعضها. لكن ما ينبغي توضيحه لأصحاب هذه المواقف بصرف النظر عن دوافعهم أو غاياتهم هو الخلط والسطحية في التعاطي مع وضعيات مختلفة وتناسي قانون التطور اللامتكافئ بين تونس وفرنسا.
فلكل وضعية خصوصياتها وسياقها. فعندما اتحد اليسار في تونس وأقام تجربة الجبهة الشعبية التي نظر إليها الجميع، لا فقط في تونس أو في الوطن العربي بل في العالم قاطبة، "كإبداع سياسي" تونسي لا يضاهيه أهمية إلا "إبداع الثورة، ثورة 17 ديسمبر - 14 جانفي"، كان اليسار في فرنسا منقسما على نفسه ومتشتتا ويعيش على وقع صراعات أيديولوجية وسياسية وتنظيمية لذلك كان ينظر بإعجاب لما حققه اليسار التونسي وهو ما حدا بميلونشون وغيره من فصائل اليسار الفرنسي إلى زيارة تونس والاطلاع على تجربة الجبهة الشعبية. لقد كان اليسار الفرنسي يمني النفس بأن يحقق ما أنجزه اليسار التونسي.
من جانب آخر لا يمكن مقارنة اليسار الفرنسي بتجربته الطويلة التي أنجز خلالها أكثر من تحالف وجبهة في فترات تاريخية مختلفة وباستحقاقات متنوعة باليسار التونسي الذي في سجله محاولة وحيدة ويتيمة هي "الجبهة الشعبية من اجل تحقيق اهداف الثورة" والتي رغم نقائصها كانت تجربة ناجحة جدا.
لقد استغرقت تجربة الجبهة سبع سنوات، وهو ما لم يحصل في كل تجارب الجبهات اليسارية في فرنسا. ولم تكن جبهة انتخابية بل جبهة سياسية هدفها المركزي قيادة المسار الثوري والذهاب به إلى مداه وحتى تتحقق أهدافه. ذلك على خلاف الغالبية العظمى من تجارب التحالف اليساري في فرنسا على مرّ التاريخ والتي كانت على العموم مرتبطة بمحطات انتخابية. صحيح أن تلك التحالفات انبنت على اتفاق حول برنامج حد أدنى ثم في عديد المرات، وكلما كسب التحالف الانتخابات وصعد إلى الحكم، تحول برنامج الحد الأدنى إلى برنامج حكم (الجبهة الشعبية في الثلاثينات وتحالف الثمانينات الخ...).
والأهم من كل هذا ظهرت "الجبهة الشعبية الجديدة" في فرنسا في سياق مختلف تماما عما يجري في بلادنا الآن. تعيش فرنسا مخاضا سياسيا لم يتوقف تجري من خلاله عملية فرز متواصلة وهو مخاض مرشح للتطور بالمعنى الإيجابي. إن الفترة التي قضتها فرنسا تحت حكم "الوسط" الماكروني، هذه النسخة البائسة من اليمين البرجوازي الرجعي، عمقت مآسي الشعب الفرنسي ودفعته إلى البحث عن مشروع "راديكالي" يقطع مع المقاربة البرجوازية التقليدية. وهو ما يفسر في العمق لجوء جزء هام من جمهور الناخبين إلى اليمين المتطرف الذي يقدّم "مشروعا" وإن في وصفة مخادعة ومضللة وجزء آخر إلى "جبهة" اليسار التي تتقدم هب الأخرى بمشروع مضاد فيه معالجات جدية وجذرية لعديد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. في هذا المناخ الذي تتصارع فيه المشاريع الكبرى أصبح السعي إلى تأليف قطب قوي في وجه أقطاب كبرى من الأمور التي تحتمها الصراعات وتيسّر بالتالي التوصل إلى بعث تحالف يساري واسع تجسم في "الجبهة الشعبية الجديدة".
إن ميلاد الجبهة الشعبية في فرنسا جاء ليملأ فراغا ميز الساحة الفرنسية على امتداد السنوات الطويلة الماضية. وهي اليوم تحمل على عاتقها وزر أحلام الجماهير الشعبية في فرنسا سواء تمكنت من تشكيل الحكومة أو استمرت في موقع المعارضة (ومن الأرجح أن يكون الامر كذلك في ضوء المعطيات الحالية). ومازال من غير المتاح التكهن كم يمكن أن تدوم هذه الجبهة ومتى يمكن أن تنحلّ.
وفي الوقت الذي جاء فيه ميلاد الجبهة استجابة لحاجة موضوعية في فرنسا لخلق موازين قوى انتظرتها الساحة السياسية لمدة سنوات فإن الساحة السياسية التونسية كانت تسير في الاتجاه المعاكس تماما. لقد تكبدت تونس في السنوات الأخيرة بانحلال الجبهة الشعبية خسارة فادحة وفقدت عنصرا أساسيا في الموازنات السياسية العامة التي أنتجتها الثورة ومرحلة بما بعد الثورة خاصة.
لقد صمدت الجبهة طويلا في وجه مسار الثورة المضادة وكان الحراك الاجتماعي القوي الذي تعيشه البلاد في كل فصل شتاء تقريبا حتى سنة 2016 هو السند الكبير الذي يفتح لها في كل مرة أمل العودة بقوة لخلق موازين قوى تساعد على "تحقيق أهداف الثورة". غير أنها بعيد الانتخابات البلدية التي جسمت بالملموس محدودية إمكانيات الجبهة في وجه حركة النهضة ونداء تونس دخلت الجبهة في مسار انحدار. ولم يسعفها الوقت إذ وضعها أمام استحقاق الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 فيما كانت هي تصارع علامات الترهل التي بدت عليها.
كانت كل المؤشرات تشير إلى أن الجبهة دخلت في مسار تراجع وأنها تسير في خط هبوط مقابل خط صعود وتطور للثورة المضادة. وكان من المنتظر بين الحين والآخر أن تنحلّ الجبهة.
إن انحلال الجبهة الشعبية في تونس كان جوابا على فشلها في إنجاز ما رسمته لنفسها "تحقيق أهداف الثورة" وما الصراعات حول قائمات التشريعية ومرشح الجبهة للرئاسية إلا السبب المباشر لتفجيرها وليس هو السبب الحقيقي. فالسبب العميق هو الاختلافات السياسية التي تجلت في أكثر من مناسبة (سواء كانت انتخابية مثل الانتخابات البلدية أو غير انتخابية في الندوات الوطنية وبعلاقة بعديد المواقف السياسية لعلّ أبرزها اندفاع البعض إلى المشاركة في حكومة يوسف الشاهد قبل أن يتراجع تحت الضغط) ولم تقع معالجتها في وقتها وبالجرأة اللازمة وبشكل مفتوح تحاشيا لتصدّع صفوف الجبهة واعتمادا على شعار عام لم يكن محل خلاف ولكنه لم يكن يجدي أي نفع في أوضاع متحركة كانت الجبهة تواجه فيها استحقاقات وتحديات مستجدة ومتنوعة.
وحدة اليسار في تونس مهمة للإنجاز
يحتل موضوع العمل المشترك موقعا مهما في برنامج حزب العمال وفي اهتماماته العملية في ساحة النضال. فمنذ انبعاثه وإلى اليوم لم يكفّ يوما عن السعي من أجل إيجاد الصيغ الممكنة لتكتيل جهود القوى الثورية والتقدمية في تونس لمواجهة الدكتاتورية في عهد بورقيبة ثم في عهد بن علي وحتى بعد الثورة. وله في هذا المجال تجربة غنية في العمل مع القوى السياسية والمدنية من أبرزها الجبهة الشعبية التي كان أول من بادر بالدعوة إلى تكوينها مباشرة بعيد فرار بن علي واحتضنها (في مقرات مناضليه الخاصة) قبل أن يحصل على التأشيرة القانونية. وحتى عندما حصل انقسام داخل الجبهة في نسختها الأولى بسبب الموقف من هيئة بن عاشور فقد لعب دورا أساسيا في إعادة بعث الجبهة (الجبهة الشعبية 14 جانفي) وكذلك الأمر في النقاشات والاتصالات التي أفضت إلى الندوة الوطنية لتأسيس "الجبهة الشعبية من أجل تحقيق أهداف الثورة" يوم 7 أكتوبر 2012.
وكما سبق تبيانه فقد انتهت تجربة الجبهة الشعبية بعد أكثر من سبع سنوات إلى الانحلال ولكن ذلك لم يمنع الحزب من أن يحاول مع مكوّنات أخرى، تجميع ما أمكن من بقايا الجبهة وقوى أخرى في إطار "المبادرة الوطنية لمواجهة جائحة الكورونا" ثم بعد ذلك في "تنسيقية القوى الديمقراطيّة التقدمية" التي تحاول الآن ضم كل القوى التقدمية والديمقراطية المعارضة للشعبوية المستقلة عن المنظومات القديمة (التجمعية والنهضة على حد السواء) حول حد أدنى ديمقراطي.
ينطلق حزب العمال في قناعته بضرورة العمل المشترك من تحليله للأوضاع الدولية والمحلية الراهنة وما تمليه من استحقاقات في مسار الثورة في بلادنا. تتمثل السمة العامة للأوضاع الدولية، مع مراعاة الحالة الخصوصية في كل بلد على حدة، في تعمّق التناقضات الكبرى للنظام الرأسمالي الذي دخل في أزمة على غاية من التعفن والخطورة، مما أنتج اتجاها كبيرا نحو تصاعد النزعات الفاشستية واليمينية المتطرفة والتي تهدد كل الطبقات الشعبية ومكتسبات المجتمع وتدفع بالإنسانية نحو كوارث تهدد البشر وكوكب الأرض معا.
وفي ظل تراجع حركة النضال العامة وتقهقر التيارات الثورية (الماركسية) فإن تكتيك "الجبهات الشعبية" وكل أشكال التحالف والالتقاءات الأخرى تكتسي أهمية قصوى في استنهاض حركة النضال والدفاع عن المكتسبات وصد تيار الفشستة الجارف.
من هذا المنطلق يعتبر حزب العمال أن الواجب الثوري يقتضي السعي على الدوام إلى توحيد ما أمكن من القوى بحسب الظروف على أرضية عمل الغاية منها استنهاض الحركة في بلادنا ودفع عجلة النضال إلى الأمام للذود عن المكتسبات وتحسين شروط النضال من أجل مكتسبات أخرى أرقى. ولم يفوت فرصة إلا وتوجه بالنداء إلى القوى الثورية والتقدمية إلى تنظيم الصفوف وتوحيدها بالأشكال الممكنة لمواجهة الكوارث التي حلت بالبلاد والتي تهددها بالانهيار.
غير أنه يدرك أن هذه التحالفات لن يكتب لها النجاح ما لم تنبن على أساس موقف مبدئي وثوري من الشعبوية اليمينية الحاكمة إذ لا يمكن "الاتكاء" على صفة "اليسارية" للعمل سويا مع أطراف تعمل في ركاب السلطة وتضطلع بدور بوق دعايتها. فـ"اليسارية" هي في الأساس معارضة الحكم الرجعي لا التذيل له والاصطفاف وراءه وتبرير ممارساته الفاشية. ومن نافل القول إن النسخة المحلية من تيار الشعبوية الحاكم الآن في بلادنا هي من أكثر النسخ رداءة وأكثرها فشلا فلو لا تخلف الوعي وضعف الحركة النضالية لما أمكن لهذه النسخة الاستمرار في الحكم كل هذا الوقت رغم ما ارتكبته من فظاعات. ومهمة "اليسار" اليوم في تونس هي بذل قصارى الجهد للتعجيل بفضح هذه النسخة الفاشلة والعاجزة عن معالجة أي معضلة من معضلات البلاد وعزلها والتمهيد لإسقاطها لا مساعدتها على التمديد في أنفاسها.
إن نجاح الثورة المضادة في تونس وفشل تجربة الجبهة الشعبية خلّفا خيبة أمل واسعة وحالة من الإحباط والضبابية في أوساط الحركة السياسية المعارضة بشكل عام والحركة اليسارية بشكل خاص. إن انتقال عدد من فصائلها "الماركسية" و"القومية" للاصطفاف ذليلة وراء قيس سعيد دون أن يعيرها أي اهتمام يكشف ولو بتأخير وجهها الإصلاحي الذي تمكنت من إخفائه طيلة تواجدها ضمن الجبهة الشعبية باسم اليسارية تحت عنوان "من أجل تحقيق أهداف الثورة". إن هزات التاريخ كفيلة بفرز الغث من السمين. ومن الوجاهة بمكان ألا يصمد في مثل هذه المنعرجات الحادة غير القليل من القوى اليسارية الثابتة على العهد نصيرة للنضال الثوري ولمطامح الشعب التونسي في الحرية والاستقلال والتقدم. هذه الأقلية التي تمسكت باستقلاليتها عن الرجعية بكل تلويناتها بما في ذلك الشعبوية اليمينية المحافظة والعميلة تبدو اليوم ضعيفة ومشتتة نعم ولكنها تمتلك رأسمالا عظيما يمثل ضمانة للمستقبل وهو الثبات على المبدأ والتباين مع الرجعية.
لقد علمنا التاريخ، وما بالعهد من قدم، أن التباين مع بن علي وعدم الانجرار إلى خندق "الميثاق الوطني" وعدم الانحناء خوفا من بطشه يتكرر اليوم في لائحة مهمات الحاضر والمستقبل وإن بأشكال أخرى وفي سياق مختلف. وفي هذا سيفعل غربال اليوم ما لم يفعله غربال الأمس. ومن لم يقرأ حسابا "ليوم غد" كما يقال سيجد نفسه بلا شك بعد سقوط الشعبوية، وذلك هو مصيرها المحتوم، تلاحقه اللعنة، لعنة التذيل إما طمعا أو خوفا أو بسبب الاثنين معا.

جيلاني الهمامي
تونس – جويلية 2024
الهوامش
( 1 ) - كارل ماركس – نقد الاقتصاد السياسي – 1859
( 2 ) – أرضية "الجبهة الشعبية 14 جانفي" – مارس 2012