أليست أموال الارتشاء من أموال المواطنين؟ أليس مكانها الحقيقي هو خزينة الشعب؟.....1
محمد الحنفي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8141 - 2024 / 10 / 25 - 12:25
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
كثير من الناس يعتبرون الارتشاء مقبولا، كما يعتبرون الأموال المكتسبة من امتيازات الريع المخزني مقبولة، وينسون أن الراشي يتسلم الرشوة مقابل خدمة مشروعة، أو غير مشروعة، بسبب تعطيل تقديم خدمات للآخرين، الذين يستحقون تقديم الخدمات لهم؛ لأن تلقي الخدمة، يكتسب حق الأسبقية، ودون رشوة؛ ولكن عندنا هنا، في ظل سيادة الممارسة المخزنية، وسيادة الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. الأمر الذي يترتب عنه: أن من يرشي، لا علاقة له لا بالإرشاء، ولا بالارتشاء، وإنما وجد الناس يرشون كل من هو مسؤول عن جماعة معينة، أو عن إدارة معينة، وكل من يعمل في جماعة معينة، فأخذ هو بدوره يرشي، إلى درجة أن الناس، غالبا ما يرددون القولة المشهورة، بالدارجة المغربية:
(دهن السير اسير).
حتى صارت الرشوة من مميزات الجماعات الترابية، ومن مميزات الإدارة الجماعية، بالإضافة إلى أن الرشوة، أصبحت لها الكلمة الأولى، والأخيرة، في جميع الجماعات الترابية، وفي جميع الإدارات الجماعية، وفي جميع الإدارات المخزنية، سواء كانت سلطوية، أو غير سلطوية؛ لأن كل من يجلس على كرسي إدارة ما، تدب المخزنة في دمه، فيصاب بعدم الارتشاء، التي لا تزول منه، إلا بموته، خاصة، وأن الارتشاء، يمكن من اقتناء عقارات، يختلف عددها، بطبيعة المنصب، الذي يشغله، فترتفع قيمة الرشوة، التي يتسلمها المرتشي، أو لا ترتفع، فتتراكم أموال الارشاء، والارتشاء، بسرعة، أو ببطء، إلى درجة أن المرتشي، يشعر، وكأنه أحسن من المواطنين، يفضلهم، لا بأخلاقه، ولا بسلوكه الطيب، ولا بحسن تعامله؛ بل بشرعنة امتلاكه للمزيد من العقارات، التي يبيض فيها أموال الارتشاء، سواء كانت هذه العقارات في المجال الحضري، أو في المجال القروي، نظرا لكثرة ما يتلقاه من إرشاء، وارتشاء، دون التفاته إلى أن ممارسته تجاه المواطنين، الذين يقصدونه، من أجل تلقي خدمات معينة، فإنه يسرع في إنجاز الخدمة، إذا أرشوه، ويتباطأ في إنجاز الخدمة، إذا لم يرشوه، وما يجعلهم يفكرون، بدورهم، في تدبر أمر إرشائه، ليصير إرشاء المسؤول الجماعي، أو مسؤول أي إدارة مخزنية، من أولى أولويات المواطن، الذي يذهب إلى إدارة معينة، من أجل تلقي خدمة معينة.
وموضوع:
(أليست أموال الإرشاء، والارتشاء، من أموال المواطنين؟ أليس مكانها الحقيقي هو خزينة الشعب المغربي؟)
لا يمكن تناوله بالعمق المطلوب، إذا لم نطرح أسئلة موجهة لعملنا، وممنهجة لذلك العمل، حتى نتمكن من المعالجة العميقة، والسليمة، للموضوع المذكور، وصولا إلى جعله واضحا، في ذهن أي متلق، على المستوى المحلي، أو الإقليمي، أو الجهوي، أو الوطني، أو العالمي، ليصير بذلك المتلقون على دراية كاملة، بأهمية الإرشاء، والارتشاء، في تكون ثروات الأفراد المرتشين: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.
والأسئلة التي يمكن تدوينها في هذا الإطار، نجد:
ما هي الرشوة؟
ما هو الارتشاء؟
وما هو الفرق بين الرشوة، والنهب؟
وما هو الفرق بين الرشوة، والريع المخزني؟
وما هو الفرق بين الرشوة، والاتجار في الممنوعات؟
وما هو الفرق بين الرشوة، والتهريب؟
ومن هو الراشي؟
ولماذا يلجأ الراشي إلى إرشاء المسؤول، أو الموظف؟
وما هي الغاية، التي يسعى الراشي إلى الوصول إليها؟
وما هي الغاية، التي يسعى المرتشي إلى الوصول إليها؟
ولماذا يسعى المرتشي إلى تربية الوافدين عليه، على أداء الرشوة؟
وهل تعتبر الرشوة فسادا؟
ولماذا لا تقف الدولة ضدها؟
ولماذا لا تقوم الدولة بتوعية الناس، بضرورة التعود على الامتناع عن أداء الرشوة، باعتبارها فسادا؟
أليست محاربة الفساد، واجبا على الدولة؟
أليس المواطن، والمواطنة، معنيان بمحاربة فساد الرشوة؟
أليس عدم محاربة الرشوة، باعتبارها فسادا: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، يقود إلى التعود، على أدائها؟
فلماذا لا نقبل بالدعارة، في المجتمع، باعتبارها فسادا اجتماعيا؟
أليست الرشوة، والدعارة اختلالا، لا تختلفان لا في الفكر، ولا في الممارسة؟
ما العمل من أجل جماعات، وإدارات بلا رشوة؟
ما العمل من أجل إيجاد مواطن لا يفكر في أداء الرشوة؟
ما العمل من أجل إيجاد مواطن يحارب كل أشكال الرشوة؟
ما العمل من أجل إيجاد مجتمع لا يفكر أفراده في أداء الرشوة؟
إننا عندما نناقش موضوع الرشوة، إنما نناقش ظاهرة خبيثة، استطاعت أن تقف وراء وجود بورجوازية كبرى، ومتوسطة، وصغرى، ووراء وجود إقطاع كبير، ومتوسط، وصغير، ووراء وجود تحالف بورجوازي إقطاعي متخلف، مما يعتبر داعيا إلى محاربة الرشوة، باعتبارها فسادا تجب محاربته، في الجماعات الترابية، وفي الإدارة الجماعية، وفي الإدارة المخزنية، سعيا إلى التخلص من فساد الرشوة، ومن كل أشكال الفساد: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.
والرشوة، هي قيام المواطن، طالب الخدمة من الإدارة المخزنية، أو من الجماعة الترابية، أو من الإدارة الجماعية، مع دفع مقابل غير محدد، إلى المسؤول، أو إلى الموظف، الذي قام بإنجاز الخدمة، ليصير، بذلك، كل شيء قابلا للبيع، بما في ذلك الخدمات، التي يجب أن يتلقاها المواطن، أو تتلقاها المواطنة بالمجان؛ لأنها من حقه، إلا أن الدولة، كانت وراء تكون التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، ونظرا لأن الوجود صار قائما على فساد الإرشاء، والارتشاء، وصار قائما، أيضا، على النهب، وتخضع كل المشاريع المقررة إلى الفساد الكلي، أو الجزئي، أو إلى النهب الكلي، أو الجزئي، لإرضاء الناهبين، الذين يسعون، بنهبهم لثروات الشعب المغربي المرصودة لمختلف المشاريع: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، إلى نهب مختلف المشاريع: كليا، أو جزئيا، الأمر الذي يترتب عنه: أن فساد الإرشاء، والارتشاء، أصبح قاعدة قائمة، على أساس: أن من يقدمون الخدمات المختلفة، يصيرون من الأثرياء الكبار، الذين يسرعون تقديم الخدمات، مقابل ما يتقاضونه من متلقي الخدمة: الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو الثقافية، أو السياسية.
فهل يمكن القول: إن الرشوة هي المدخل لشراء الفاسدين؟
وهل يمكن القول: بأن الخدمة التي يتلقاها المواطن، أو المواطنة، بمقابل يدفعه إلى المسؤول، أو إلى الموظف، هي السبب في تكديس الثروات، التي تخزن في العقار؟
وهل العقار صار وسيلة لتبييض أموال النهب، والارتشاء، وأموال الريع المخزني، وأمول الاتجار في الممنوعات، وأموال التهريب، من، وإلى المغرب؟
ومعلوم: أن تبييض الأموال غير المشروعة، ترفع قيمة العقار: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ويصير شراء العقار، مرتفعا، باعتباره وسيلة، لتبييض الأموال، غير المشروعة، سواء كانت نهبا، أو إرشاء، أو ارتشاء، أو ريعا مخزنيا، أو تجارة في الممنوعات، أو تهريبا من، وإلى المغرب، فإن من يخزن الأموال المشروعة، دون توظيفها، في شراء العقار، وتوثيقه، فإن تلك الأموال، تضيع منه، إلى مالا نهاية.
وبالنسبة للارتشاء: فإن المسؤول: أو الموظف الجماعي، أو الإداري، أو مسؤول عن الإدارة الجماعية، أو موظف أي إدارة جماعية، أو دولتية، يمارس التماطل على طالب الخدمة، حتى يرشيه طالب الخدمة، ومن أجل أن يصير الإرشاء، والارتشاء، في مسلكيات المواطن المغربي، والمواطنة المغربية، من منطلق: أن الإرشاء، والارتشاء، مساهمة من متلقي الخدمة، في تحقيق التطلعات الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى إذا أزف الفراق، يكون المسؤول الجماعي، والموظف الجماعي، والمسؤول في الإدارة الجماعية، أو مسؤول، أو موظف الإدارة المخزنية، خاصة، وأن الإرشاء، والارتشاء، صار من السمات التي تميز الإدارة، جماعية كانت، أو مخزنية؛ لأن الإرشاء، والارتشاء، يرفع شأن الراشي، والمرتشي، ويسرع بتحقيق التطلعات الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
فهل أصاب المرشي في إرشائه للمسؤول الجماعي، أو للمسؤول الإداري، أو مسؤول الإدارة الجماعية، أو مسؤول الإدارة المخزنية؟
وهل أصاب إرشاؤه في مقتل المرتشي، الذي يحقق تطلعاته الطبقية، على حساب المرشي؟
وهل يتمكن المرشي، من إرضاء الراشي؟
والفرق بين الرشوة، والنهب، أن الرشوة لا تكون إلا من جيوب المواطنين، وأن النهب لا يكون إلا من أموال خزينة الشعب، المرصودة للمشاريع: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، هذه المشاريع: إما أن تبنى بدون جودة، وتشكل خطرا على المواطنين مستقبلا، أو على أبناء الشعب المغربي، إن كان المشروع مدرسة، أو أن المشروع لا ينجز أبدا. وإن كان المشروع منهوبا جزئيا، أو كليا؛ لأن عملية النهب الجزئي، أو الكلي، صارت تشكل خطرا على المسؤولين أنفسهم، إن تم الانتباه إلى عدم وجود المشروع، أو أن المشروع غير موجود أصلا.
ومشكلتنا، أن تخلفنا، في جزء كبير منه، ناتج إما عن النهب الجزئي، أو الكلي، بالإضافة إلى أن عملية النهب، لا تخلو من رشوة، ليصير المسؤول مستفيدا مرتين: يستفيد عندما صار ناهبا جزئيا، أو كليا. ويستفيد عندما تسلم الرشوة، من المقاول المكلف بإنجاز المشروع.
أما الفرق بين الرشوة، والريع المخزني، فإن الرشوة، لا بد فيها من وجود مكونات ثلاث: الراشي، الذي يسلم الرشوة، والمرتشي الذي يتسلم الرشوة، والرشوة المسلمة. وهذه العناصر ضرورية، لقيام المرتشي بتقديم الخدمة إلى الراشي، الذي يقضي حاجته على حساب المتضرر، الذي تضيع حقوقه، بسبب الرشوة، أو أن الخدمة التي تكون من حق الراشي، إلا أنه تعود على إرشاء المسؤول، أو الموظف، من أجل تلقي خدمة معينة: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا. أما الريع المخزني: فهو مجرد ترخيص مخزني، لهذا العميل، أو ذاك، من أجل استغلال وضع معين، يعاني فيه الناس من خصاص معين.
والتعود على إعطاء الرشوة، هو الكارثة الكبرى، التي بلغت ما بلغت، من فكر الناس، ومن ممارستهم، إلى درجة أن الذي يتلقى الخدمة، إن أول ما يفكر فيه، إذا قصد الإدارة الجماعية، أو إدارة الدولة، هو توفره على قيمة الرشوة، التي يدفعها، والتي يجب أن تتناسب مع طبيعة الخدمة، التي يتلقاها، فإذا أراد، مثلا، أن يتقى خدمة استخراج عقد الازدياد، فإن عليه أن يتوفر في جيبه على عشرة دراهم، على الأقل، التي يدفعها لموظف الجماعة، وهكذا...
أما الفرق بين الرشوة، والاتجار في الممنوعات، فإن الرشوة لا تكون دائما إلا من جيوب المواطنين، الذين يتلقون خدمات من المسؤولين الجماعيين، أو من الإدارة الجماعية، أو من المسؤولين الإداريين، أو من الإدارة المخزنية، ليدفع بذلك الرشوة، التي يجب أن تتناسب مع طبيعة الخدمة، التي يتلقاها .أما تجار الممنوعات، الذين يعملون على ابتلاء المجتمع، بتلك الممنوعات ليصير المجتمع كله، في خدمة مروجي الممنوعات، مما يترتب عنه: بيع الأثاث المنزلي، من أجل الحصول على ممنوع معين، قابل للاستهلاك، الأمر الذي يترتب عنه: أن ممتلكات المجتمع الخاصة، تصير قيمتها لمروجي الممنوعات، الذين ينهبون كل أموال المجتمع الخاصة، التي تباع بأقل من قيمتها، ليذهب ما يحصل عليه مروجو تلك الممنوعات، الذين تغض السلطات المسؤولة، الطرف عنهم، فلا تراهم، ولا تمنعهم من ترويج الممنوعات، مقابل إرشائهم، ليجنوا من ذلك، عشرات الملايين، وليجني كبارهم، عشرات الملايير، وبالتالي: فإذا كانت الرشوة غير مشروعة، وإذا كان ترويج الممنوعات غير مشروع، فإن الرشوة تجعل المسؤولين يسمحون بترويج الممنوعات، عن طريق غض الطرف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى تصير الممنوعات مروجة، ويصير الترويج مشروعا، ويصير المشروع واقفا وراء جعل الأموال تتراكم بين يدي مروج الممنوعات، ويصير تراكم الأموال، وتبييضها في العقار، مشروعا.
وبالنسبة للفرق بين الرشوة، والتهريب، أن الرشوة لا تكون إلا من جيوب المواطنات، والمواطنين، لصالح المسؤول الجماعي، أو لصالح المسؤول الإداري، أو لصالح العاملين في الإدارة الجماعية، أو لصالح العاملين في الإدارة المخزنية، والتي لا بد فيها من عناصر ثلاثة: الراشي، والمرتشي، والرشوة، التي تدفع مقابل تلقي خدمة معينة، من قبل المسؤول، أو من قبل الموظف، سواء كانت مشروعة، أو غير مشروعة. أما التهريب، الذي لا بد فيه من دفع الرشوة السمينة، من أجل التهريب، من، وإلى المغرب، من أجل جعل أي بضاعة تمر، سواء كانت سواء كانت مشروعة الترويج، أو غير مشروعة، كما هو الشأن بالنسبة للممنوعات، التي لا مشروعية لترويجها، ليجني المهرب للبضائع المشروعة، وغير المشروعة، أرباحا طائلة، ليصير المهرب، بذلك، بورجوازيا، أو إقطاعيا، أو ينتمي إلى التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف.