عندما نسعى إلى تحقيق التحرير نسعى إلى التخلص من العبودية والاستبداد والاستغلال.....


محمد الحنفي
الحوار المتمدن - العدد: 8168 - 2024 / 11 / 21 - 00:52
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

قال الشاعر الآسفي:

إن النضال على قساوة ناره

روح الحياة ومشعل التحرير

وهذا البيت الشعري، ورد في قصيدة رثى فيها الشاعر المرحوم: محمد الوديع الآسفي، عريس الشهداء، الشهيد المهدي بنبركة، مؤسس الحركة الاتحادية الأصيلة. ويهدف إلى القول: بأنه استشهد بعد الاختطاف، وتحت التعذيب الجهنمي، الخالي من الاعتراف بإهانة الإنسان، التي ناضل الشهيد المهدي بنبركة من أجلها، وناضل من أجلها جيل الشهيد المهدي بنبركة، وضحوا جميعا من أجل شيء لم نعرفه بعد، من أجل التحرير، الذي لم نعرفه، ومن أجل الديمقراطية، التي لم نعرفها بعد، ومن أجل العدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في أفق الاشتراكية، التي لم نعرفها بعد.

ونحن في موضوعنا:

عندما نسعى إلى تحقيق التحرير، نسعى إلى التخلص من الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.

نسأل أنفسنا:

هل نحن أحرار؟

فتكون الإجابة، بطبيعة الحال، بالنفي؛ لأن الحكم يستعبد الشعب ،ورب الأسرة يستعبد الزوجة، والأبناء، والبنات، ورب العمل يستعبد العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والمقدم، والشيخ، يستعبدان سكان الحي، وسكان المدينة، أو مجموعة من القرى، والقائد، يستعبد سكان القيادة، ورئيس الدائرة، يستعبد سكان الدائرة، والعامل، يستعبد سكان العمالة، أو الإقليم، والوالي يستعبد سكان الجهة، وقائد الحزب، يستعبد الحزبيين، والقائد النقابي يستعبد أعضاء النقابة، وهكذا، ليصير الاستعباد ممارسة، يمارسها أي مسؤول سلطوي، أو جماعي، أو برلماني، أو حزبي، أو اقتصادي، أو اجتماعي، أو ثقافي، أو سياسي. الأمر الذي يترتب عنه: أن التحرير مفقود، وأن علينا أن نحرص على تحرير أنفسنا، سواء كنا مجرد أفراد من الشعب، أو أعضاء في الأسرة، أو عمالا، أو أجراء، أو كادحين، أو كانوا محكومين، في أي مستوى من مستويات الحكم، أو كانوا سكانا في قرية معينة، أو في مجموعة من القرى، أو في عمالة معينة، أو في إقليم معين، أو في جهة معينة، أو ينتمون إلى الشعب المغربي، ككل، الذي يعاني من استعباد الحكم، على المستوى المحلي، أو على المستوى الإقليمي، أو على المستوى الجهوي، بالإضافة إلى المستوى الوطني، تبعا لمستويات الحكم، ومستويات الجماعات، وتبعا لمستويات البورجوازيين: مالكي وسائل الإنتاج، ومستويات الإقطاعيين: مالكي الأراضي الواسعة، وتبعا لاتساع رقعة أرباب العمل، على المستوى الوطني، مهما صغر حجمهم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

والتحرير، يتحقق، كذلك، عن طريق مناهضة الاستبداد، سواء كان ذا طابع اقتصادي، أو ذا طابع اجتماعي، أو ذا طابع ثقافي، أو ذا طابع سياسي، خاصة، وأن المستبد، مهما كان مستواه، يتعامل مع المستبد به، وكأنه عبد عنده، خاصة، عندما تنتفي الديمقراطية، سواء كانت بمضامين اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو سياسية، أو كانت للواجهة، مهما كانت منتجة للفساد الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي، أو السياسي، أو الانتخابي، أو الجماعي، أو في إطار الإدارة الجماعية، أو في إطار الإدارة المخزنية، خاصة، وأن الإدارة، التي لها علاقة بسكان الجماعة، أو سكان المدينة، أو القرية، الذين تضطرهم ظروف معينة، في المدينة، أو في القرية، إلى الارتباط بالإدارة الجماعية، أو بالإدارة المخزنية، الفاسدتين.

والمشكل القائم عندنا، هو اللجوء إلى القبول بالفساد الإداري، في أي مستوى من مستويات الإدارة الفاسدة، فيصبحون، هم كذلك، فاسدون، يمارسون كل أشكال الفساد، ليصير سكان الجماعة فاسدين، وسكان المدينة فاسدين، وليصير الفساد داء عضالا، يصيب الإدارة الجماعية، والإدارة المخزنية، ويصيب السكان، في مستوياتهم المختلفة، مهما كانوا، وكيفما كانوا، بمجرد اعتبارهم من سكان الجماعة، أو المدينة، أو القرية.

وكما يمكن أن يستعبد الإنسان، بحكم الانتماء إلى الشعب المستعبد، يمكن، كذلك، أن يستعبد عن طريق ممارسة الاستبداد، في أي مستوى من مستوياته، كما رأينا، فإن الاستعباد يمارس، كذلك، عن طريق ممارسة الاستغلال. فالحكم يمارس الاستغلال في حق الشعب، بدل تحريره، حتى يستطيع مواجهة استغلال الحكم للشعب، عن طريق ممارسة النهب، وفي نفس الوقت، ممارسة الاستدانة من صندوق النقد الدولي، ومن البنك الدولي، ومن المؤسسات المالية الدولية الأخرى، لإيقاع الشعب في خدمة الدين الخارجي، من أجل أن يجد المسؤولون، في مستوياتهم المختلفة، ما ينهبونه: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، لإيقاع الشعب المغربي، في خدمة الدين الخارجي، الذي أصبح يستنزف أكثر من عشرة ملايير دولار سنويا، لأن ما استدانه المسؤولون، من أجل أن ينهبوه، يغطي أكثر من 92 في المائة من الدخل الوطني. والاستدانة، والنهب، لا يجتمعان.

وكيفما كان الأمر، فإن الاستعباد له أوجه متعددة، وكثيرة، لا حدود لها، من غير الاستعباد المباشر، ومن غير الاستبداد، ومن غير الاستغلال. وهذه الأوجه، تتجسد في كثير من الممارسات، التي تتخلل كل مجالات الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. الأمر الذي يترتب عنه: أن الحياة قائمة على الاستعباد، وأن التخلص من الاستعباد، لا يتم إلا بالقيام بعملية التغيير الشاملة: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، وصولا إلى تحقيق المساواة الشاملة بين البشر، على مستوى الحياة العامة، وعلى مستوى المعاملة مع أي إدارة عامة، أو خاصة، وعلى مستوى الدخول المناسبة للمؤهلات، والمتناسبة مع متطلبات الحياة، وعلى مستوى التمتع بالحقوق الإنسانية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وعلى مستوى الحياة الاجتماعية: سكنا، وتعليما، وصحة، وغير ذلك، مما له علاقة بممارسة الحياة الاجتماعية، التي لا فرق فيها بين البشر، مهما كان انتماؤهم الطبقي: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وكيفما كان دخلهم الاقتصادي، أو وضعهم الاجتماعي، سواء كانوا ذكورا، أو إناثا، أطفالا، أو شيوخا، لأن المسواة بين البشر، التي تقتضي رفع مستوى الاهتمام بإعداد الأطفال، وبإعداد الشباب تزيل كل الفوارق: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى وإن كانت هناك فوارق، فإن العبرة بها تزول، لتحقيق المساواة بين البشر، التي تقتضي رفع مستوى الاهتمام بإعداد الأطفال، وبإعداد الشباب، وبإعادة التأهيل، أو التكوين المستمر، على مستوى العاملين الرسميين، في مختلف المؤسسات المعتمدة: العامة، والخاصة، سعيا إلى رفع وتيرة العمل الاقتصادي / الإنتاجي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والخدماتي، حتى يعرف المجتمع دينامية متقدمة، ومتطورة، تنقله إلى مستوى التميز، على المستوى العالمي، وخاصة، إذا كان هناك تحرير للإنسان، وتحرير للأرض، أو ما تبقى منها، وتحرير للاقتصاد، من العبودية، ومن الاحتلال الأجنبي، ومن التبعية للرأسمال العالمي، ومن خدمة الدين الخارجي.

وإذا كانت هناك ديمقراطية، بمضامينها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، فإن هذه الديمقراطية ستساهم في التحرير. وإذا كانت هناك عدالة اجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في أفق الاشتراكية، فإن التحرير حاصل لا محالة.

وعندما يتحقق التحرير، بطبيعة الحال، من العبودية، ومن الاحتلال الأجنبي، ومن التبعية، ومن خدمة الدين الخارجي، الذي يستنزف خيرات الوطن، التي تذهب إلى المؤسسات المالية الدولية، وإلى الرأسمال العالمي، وإلى الشركات العابرة للقارات، التي يمكن اعتبارها احتلالا آخر، لا يختلف عن الاحتلال المباشر، الذي عانى منه المغرب كثيرا، كما عانت منه كل الدول التي كانت محتلة سابقا، أو لا زالت تعاني من الاحتلال، والاستيطان، كما هو الشأن بالنسبة لفلسطين المحتلة، من قبل الصهاينة، والمستوطنة، التي يعاني شعبها منذ 1948، وإلى اليوم، من ويلات الاحتلال، والاستيطان.

ولذلك، فالسماح بالاعتماد على الاستدانة، من مختلف المؤسسات، الدولية، وخاصة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والمؤسسات المالية الدولية الأخرى، إنما هو إغراق للبلاد، والوطن، في متاهات التخلف، التي يصعب تجاوزها، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، إلى درجة أن هذا التخلف، يصير بنيويا، وبنيويته، آتية من كون الشروط القائمة، لا يمكن أن تنتج إلا تخلف الواقع، في مظاهره المختلفة، بالإضافة إلى أن تخلفنا، تساهم فيه بشكل كبير، الشركات العابرة للقارات، والتي تستولي على توفير الماء، والكهرباء، والصرف الصحي، وغير ذلك، مما له علاقة مباشرة بالمواطنين، الذين يؤدون الضرائب، وأداء قيمة الخدمات المرتقبة، التي تتجاوز كل الحدود، مما يجعل المواطنين، والمواطنات، يؤدون، ويؤدين، النصيب الأكبر من الخدمات.

ومعلوم، أن التحرير لا يتم إلا بزوال الاستبداد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من كل مفاصل الدولة، ومن كل مفاصل المجتمع، وتسود الديمقراطية، بمضامينها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، سعيا إلى فسح المجال أمام التقدم، والتطور، الحاصلين في المجتمع: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، من منطلق: أن الديمقراطية هي التقدم، والتطور، وأن التقدم، والتطور، هما الديمقراطية، وأن الديمقراطية بمضامينها المذكورة ،هي التقدم، والتطور، وبدون الديمقراطية، لا يكون هناك أي شكل من أشكال التقدم، والتطور، وفي كل مكان من المغرب.

ومعلوم، كذلك، أن التحرير، لا يتم إلا بزوال الاستغلال: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؛ لأن ذلك الاستغلال، الذي هو صنو العبودية، يقف وراء استعباد رب العمل للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بسبب اشتغالهم عنده، كعمال، أو كأجراء، أو كسائر الكادحين. فالاستعباد، من أخبث الممارسات، التي تقتل في العامل، والأجير، والكادح، إنسانيته، وكأنه دون مستوى أن يحمل شعور الإنسان، مما يجعله خانعا، خاضعا، للإدارة المشغلة، والمستفيدة، والمستغلة لقوة العمل للعامل، وللأجير، وللكادح، وكأنها صاحبة الفضل على وجودهم، في السر، وفي العلن، ومالكة رقبتهم، وكأن الإنسان، لا يساوي قيد أنملة، في هذه الحياة، مما يجعل استعباده، مسألة مقررة سلفا، من قبل الإدارة المشغلة، التي تفعل ما تشاء، فيما تملك، وكأن العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يشتغلون عندها، عبيدا لها، تفعل بهم ما تشاء، دون اعتبار لإنسانيتهم، ودون أمل في رفع مستوى إنتاجيتهم، عندما تحضر في الممارسة إنسانيتهم.

وهكذا، يتبين لنا: أن الإنسان يصير مستعبدا، عن طريق مالك، أو مالكة الرقبة، وكل كائن إنساني، ينتمي إلى الشعب المغربي، يكون مملوك الرقبة، مهما ادعى أنه يتمتع بحريته كاملة، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، كما تدل على ذلك البرامج التعليمية، وكما يتبين من خلال سلوك الأطباء، والممرضين، مع المرضى الذين يلجأون إلى المستوصفات، وإلى المراكز الصحية، وإلى المستشفيات، من أجل العلاج، كما أنه مستعبد عن طريق الاستبداد، الذي يجعل جميع أفراد المجتمع، يقبلون بالاستعباد، الذي يتخلل كل مفاصل الحياة، التي يمتد إليها الاستبداد، ليصير الاستعباد شاملا، لا يسلم منه أي فرد، من أفراد المجتمع، كما أن الاستغلال، في طابعه الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، يقف وراء امتداد الاستعباد، إلى أماكن العمل الإنتاجي، والخدماتي.

فأرباب العمل، المالكين لوسائل الإنتاج، ولمؤسسات الخدمات، يعملون على استعباد العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يشتغلون عندهم، وبحكم الوضعية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، إلا أنه لا يستفيد منها إلا السلطة المخزنية، والبورجوازية، والإقطاع، والتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، وكل الذين يسعون إلى تحقيق تطلعاتهم الطبقية. أما العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فلا يملكون مصيرهم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، عن طريق العمل، سواء في المجالات الإنتاجية، أو في المجالات الخدماتية، مما يمكن معه القول: بأن الوضعية الاقتصادية المتردية للشعب المغربي، ناتجة عن عمق الاستغلال، الممارس على العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

فهل يمكن أن يستعيد الشعب المغربي عافيته، بالتحرر من الاستعباد، عن طريق ملك الرقبة، أو عن طريق الاستعباد، عن طريق ممارسة الحكم بالاستبداد: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، أو عن طريق الاستغلال المادي، والمعنوي، الذي تمارسه البورجوازية، والإقطاع، والتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف؟

وهل يستطيع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، انتزاع تحررهم من أرباب العمل، المالكين لوسائل الإنتاج؟

وهل يمكن للجماهير الشعبية الكادحة، أن تصير أكبر داعم للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في نضالهم من أجل التحرر من استعباد أرباب العمل؟

فهل يمكن التحرر من الاستعباد، عن طريق ملك الرقبة؟

وهل يمكن التحرر من الاستعباد، عن طريق ممارسة الاستبداد، في مستوياته المختلفة؟

وهل يمكن التحرر من الاستعباد، عن طريق التشغيل؟