انور نجم الدين - باحث ونصير حركة الكومونة - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أكتوبر 1917، ثورة اشتراكية أم انقلاب سياسي؟


أنور نجم الدين
الحوار المتمدن - العدد: 5688 - 2017 / 11 / 4 - 19:11
المحور: مقابلات و حوارات     


من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة، وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى، ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء، تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -210  سيكون مع الأستاذ انور نجم الدين - باحث ونصير حركة الكومونة - حول: أكتوبر 1917، ثورة اشتراكية أم انقلاب سياسي؟.



مدخل:


بعد هزيمة كومونة باريس، انتقل مركز ثقل الحركة البروليتارية من أوروبا الى روسيا. وان ظهور السوفييتات الروسية في عامي 1905 و1917 كانت بالفعل، انتعاش احداث ثورة الكومونة على المستوى الأممي لا الروسي فحسب، الثورة التي كانت تستهدف تحويل الإدارة السياسية البيروقراطية والطفيلية للدولة، والتي تدير بطبيعتها أمور الطبقات الحاكمة، الى إدارة كومونية تدير أمورالمجتمع.
لذلك، فعلينا التحقق عن نتائج الثورة السوفيتية، عبر الأحداث التي مرت عليها فيما بين شباط واكتوبر 1917 بالذات، تعكس صراع سوفييتات الشوارع مع كل من الجمهورية البرلمانية وما تسمى سوفييتات الدولة. والآن، وبعد مرور 100 عام على اكتوبر 1917، فلنراجع بعض أحداث الثورة السوفيتية بإيجاز من خلال وقائعها لا التاريخ الرسمي، ففترة شباط 1917، يمكن أن توصف بأنها مقدمة الثورة المجالسية التي كانت تسير بالفعل في خط متصاعد في الأشهر الأولى من ظهورها. ومع ذلك، تراجعت الثورة بسرعة. فإذًا ما أسباب هذا التراجع؟


تسلسل الأحداث:


23 / 1 / 1917: انطلقت الاضرابات العمالية في العاصمة الروسية، بتروغراد.
27 / 1 / 1917: تم القبض على القيادة العمالية بأكملها.
27 / 2 / 1917: تم اطلاق سراحهم من قبل حشد من الجنود، وهو يوم انطلاق ثورة شباط، فبعد اغلاق كل المصانع في العاصمة، انضم أيضًا الأطباء والمهندسون والطلاب والمعلمون إلى العمال في الشوارع. وفي نفس اليوم عقد العمال اجتماعًا لانتخاب السوفييت من نواب العمال في بتروغراد. وقد اختيرت لجنة تنفيذية مؤقتة برئاسة المنشفي نيكولاي شخيدزه Nikolay Chkheidze، وكان معظم النواب ايضًا من الحزب الاشتراكي-الديمقراطي (المنشفي) والحزب الاشتراكي الثوري. لذلك، بقيت سوفييتات بتروغراد على الأخص، أسيرةً لأوهام هذه الاحزاب التي كانت لها مواقف ازدواجية، فرغم مشاركتهم في السوفييتات، كان للحزب المنشفي 4 وزراء، وللحزب الاشتراكي الثوري ايضًا 4 وزراء في حكومة كيرنسكي، وكان شخص كيرنسكي عضو الحزب الاشتراكي الثوري.
هكذا تأسست السوفييتات باعتبارها مجالس الشغيلة (Workers council) في المدن والارياف. أما كلمة السوفييت، فقد استعارتها الطبقة البروليتارية من أول انتفاضة بروليتارية في روسيا عام 1905.
13 / 3 / 1917: لغرض تهدئة الاوضاع، تنازل القيصر، نيكولاي الثاني، عن العرش الى شقيقه ميخائيل رومانوف.
1-4 / 5 / 1917: موجة جديدة من المظاهرات والاضرابات في روسيا ورفع شعار: "كل السلطة للسوفييتات!" من قبل العمال، وأدت المظاهرات الحاشدة الى أزمة للحكومة الانتقالية المؤقتة.
1 / 6 / 1917: ظهر 500،000 عامل والجنود في شوارع العاصمة في يدهم شعار: "كل السلطة للسوفييتات!".
1 / 7 / 1917: قامت الحكومة المؤقتة بهجوم ضد الألمان. أما الأنباء عن الانهيار السريع للهجوم في 15 تموز، عززت نضال العمال والجنود من جديد، وبدأت أزمة جديدة في الحكومة المؤقتة.
8 / 7 / 1917: حل كيرنسكي محل الأمير كيوركي لفول في منصب رئيس الوزراء.
17 / 7 / 1917: شارك أكثر من 500،000 شخص في تظاهرة في بتروغراد، جابهتها الدولة بالحديد والنار، ولقي 56 شخصًا مصرعهم مع إصابة 650 شخصًا.
25 / 8 / 1917: بدأت التمردات في الجيش بقيادة كورنيلوف؛ القائد العام للقوات المسلحة الذي اعترض علي سياسة كيرنسكي ووصفه بالخيانة والهزيمة والاستسلام في الحرب العالمية الأولى. واتفق كيرنسكي مع الحزب الاشتراكي-الديمقراطي (البلشفي) والحزب الاشتراكي الثوري ليساعداه في الدفاع عن بتروغراد ضد الألمان وإيقاف قوات كورنيلوف المتقدمة نحو بتروغراد، فأمر كيرنسكي بتوزيع 40،000 قطعة سلاح على الحزب الاشتراكي الثوري والحزب الاشتراكي-الديمقراطي (البلشفي) وسوفييتات بتروغراد التي كانت يقودها آنذاك تروتسكي وهو كان ممثل الحزب الاشتراكي-الديمقراطي (المنشفي) في السوفييتات.
سبتمبر وأكتوبر 1917: شارك أكثر من مليون عامل في إضراب عام، وقام العمال بالسيطرة على الإنتاج والتوزيع في العديد من المصانع. وانتقلت كليًا إدارة الانتاج في المدن الكبيرة الى البروليتاريين. هكذا كان تسيرالسوفييتات في خط صاعد في روسيا وتدفع الثورة نحو القارة الأوربية بأكملها، فانتشرت الثورة بسرعة الى اكرانيا والمانيا والنمسا وجيكسلوفاكيا وهنغاريا .. الخ.
25 / 10 / 1917: اثناء هذا التقدم للثورة، والتعمق المستمر للأزمة السياسية للجمهورية البرلمانية التي كان يرأسها كيرنسكي، اعلن الحزب الاشتراكي الثوري بقيادة فيكتور شيرنوف Viktor Chernov مع الحزب الاشتراكي-الديمقراطي بقيادة لينين والحرس الأحمر بقيادة تروتسكي، انقلابًا سياسيًا مشتركًا على الحكومة المؤقتة، فمكن التسليح لينين وتروتسكي وشيرنوف، من الصعود الى دست الحكم في روسيا عن طريق انقلاب سياسي في 25 اكتوبر 1917. ومنذ البداية، اتخذت السلطة السياسية الجديدة، نفس طريق الجمهورية البرلمانية. ولم يتحدث احد، عن ثورة بلشفية إلا بعد الانقلاب الثاني، وان الجمهورية البرلمانية الجديدة التي تنتظر الانتخابات القادمة، قد وجدت نفسها في نفس الصراع الدائر بين الجمهورية البرلمانية والاهداف الاجتماعية للثورة السوفيتية، وكان حق الاقتراع العام، هو ما اعلنته هذه الجمهورية البرلمانية الجديدة التي تتألف من الحزب الاشتراكي-الديمقراطي (البلشفي) والحزب الاشتراكي الثوري، وانتقل تروتسكي علنًا من ممثل المنشفيين في السوفييتات الى ممثل البلشفيين في الحكومة البرلمانية الجديدة.
12 / 11 / 1917: انتخاب الجمعية التأسيسية (البرلمان). لكن الحزب البلشفي لم يحصل فيها على أغلبية الأصوات، واعترض الحزب البلشفي على ذلك. وبدأ الصراع بين البرلمان والسلطة التنفيذية، وبعد رفض نواب البرلمان إقرار المراسيم الصادرة عن الحكومة البلشفية، تم حل الجمعية التأسيسية بقوة في انقلاب ثان، أي انقلاب البلشفيين في كانون الثاني عام 1918 على الحكومة البرلمانية، الأمر الذي أثار احتجاج الجماهير في البلاد، أما لينين فأمر بإطلاق النيران على المتظاهرين مما أدى إلى مقتل 21 شخصًا. كما حلت سلطة مطلقة، سلطة حزب واحد، محل الحكومة البرلمانية. وفي صراعها ضد أهداف الثورة السوفيتية، كانت السلطة الجديدة، مرغمة على تعزيز وسائل سلطة الحكومة وتمركزها جنبًا إلى جنب مع انشاء الاجهزة البوليسية القمعية. هكذا أكمل الانقلاب الثاني أيضًا، آلة سلطة الدولة التي حطمتها الحرب لصالح الطبقة التي اعلنت اهدافها الاجتماعية في حركة سوفيتية.
وهكذا، انقسمت السوفييتات الى معسكرين متضادين: سوفييتات الشوارع، والسوفييتات المزيفة للدولة. ومنذ ذلك الوقت، بدأت الثورة تسير في خط نازل، وما تسمى الجمهورية الاشتراكية، كانت من شأنها أن تهبط بنتائج الثورة إلى مستوى مقاييس برجوازية بحتة، فاعلن لينين رأسمالية الدولة كشكل من أشكال الاشتراكية، أي ما يسمى الشكل الروسي للاشتراكية.


النتائج بعد الانقلاب الثاني:


- تم إقرار مجلس مفوضي الشعب كأساس لما سميت بالجمهورية الاشتراكية.
- في ديسمبر 1917، قام لينين بتأسيس منظمة التشيكا (الاستخبارات)، وهي كانت نقطة البداية لقضاء البلاشفة على السوفييتات كافة.
- حل السوفييتات من قبل البلاشفة بسرعة وتحويل بعض هيئاتها إلى أجهزة سلطة الدولة.
- إغلاق كل التعاونيات الاستهلاكية التي اكتشفتها السوفييتات العمالية بنفسها لمنع المجاعة اثناء الحرب العالمية الأولى، فحسب مرسوم جمهوري من قبل لينين، أُخْضِعت هذه التعاونيات كلها لمفوضية المواد الغذائية وانتشرت بعد هذه الاجراءآت مجاعة في روسيا لا مثيل لها في تاريخ العالم. وثم تم إطلاق مجموعة من المراسيم تشمل:
- اعادة الملكية الى البروليتاريا الزراعية عن طريق اعطاء الفلاحين الاراضي التي استولوا عليها، فبفضل الاصلاح الزراعي، نشأت طبقة جديدة وقوية من أعداء الاشتراكية في الريف، حسب تعبير روزا لوكسمبورك.
- تأميم جميع البنوك الروسية.
- توقيع معاهدة بريست-ليتوفسك مع ألمانيا، تقول روزا لوكسمبورك بصددها على انها "ثورة اشتراكية تدعمها الحراب الالمانية، دكتاتورية البروليتاريا تحت رعاية الامبريالية الالمانية".
وهكذا، انضم الى جانب الانقلابيين عدد كبير من هؤلاء الذين كانوا يهتفون مع العمال: عاشت السوفييتات! وبدأوا بالعكس يهتفون مع احزابهم المسيطرة على دست الحكم: عاشت الدولة! وبدأت الدولة آنذاك بكل هدوء، بهدم كل ما قامت الطبقة البروليتارية العالمية ببنائه أثناء حركتها الأممية فيما بين 1917 - 1923. فاذا كانت ثورة شباط 1917، عصر فتح الطريق من جديد الى إدارة المنتجين الكومونية، فان انقلاب اكتوبر 1917، كان إعادة الحياة الى إدارة الدولة السياسية الطفيلية. ففي الكثير من المدن، قد بلغت الأمور حد الاصطدام العنيف والدامي بين السوفييتات البروليتارية في المعامل وما تسمى سوفييتات الدولة، خاصة في بتروغراد وموسكو وكرونشتاد.
هكذا انتصرت الاشتراكية البرجوازية على الحركة الكومونية؛ الاشتراكية البرجوازية التي تريد الطبقة البروليتارية دون البرجوازية، وتريد سلطة سياسية فوقانية دون اضطهاد طبقة من قبل طبقة، وتريد العمل المأجور، بل الأجر بالقطعة، دون الرأسمال، وهذه المدرسة الاشتراكية، قد اعلنت صراحة، ان الهدف هو التغيير السياسي لا القضاء على العمل المأجور وقانون القيمة، أي إلغاء علاقات الإنتاج البرجوازية، ففي الاشتراكية الاصلاحية هذه، لا يتغير شيء في العلاقة بين رأس المال والعمل المأجور. وان تعريف لينين لهذه الاشتراكية، تتلخص في الآتي:
"ليست الاشتراكية سوى خطوة متقدمة من احتكار رأسمالية الدولة. أو بعبارة أخرى؛ الاشتراكية هي مجرد رأسمالية الدولة الاحتكارية" ..
"فالبديل -وهو آخر السياسة المعقولة الوحيدة الممكنة- ليس محاولة لمنع أو وضع قفل على تطور الرأسمالية، بل توجيهها نحو رأسمالية الدولة. وهذا ممكن اقتصاديًّا، لأن رأسمالية الدولة موجودة -بأشكال ودرجات متفاوتة- حيثما هناك عناصر غير مقيدة من التجارة والرأسمالية بصورة عامة" ..
"وبعد، فإن الدرس الأول، والمرحلة الأولى التي قد وصلنا إليها بحلول ربيع 1921 هو تطوير رأسمالية الدولة على أسس جديدة (لينين، المصدر: https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1921/apr/21.htm)
أما ما تسمى الاشتراكية الروسية، فهي، حسب لينين، شكل من أشكال الاشتراكية. ولكن ترى، هل للاشتراكية اشكال مختلفة؟
كلا، بالطبع، فكما للرأسمالية شكل واحد فقط: العمل المأجور الخاضع لإدارة الدولة، فللاشتراكية أيضًا شكل واحد فقط: الكومونات، أي العمل التعاوني الخاضع لإدارة المنتجين أنفسهم.
وشكرا للحوار المتمدن الذي اتاح لنا فرصة حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول موضوع تاريخي، يصادف عصر العودة إلى الثورات الكومونية؛ وراءها أزمة اقتصادية لا مثيل لعمقها وشدتها في تاريخ المجتمع الرأسمالي.