ماركس ولينين: الثورة الروسية


أنور نجم الدين
الحوار المتمدن - العدد: 5053 - 2016 / 1 / 23 - 17:16
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

مقدمة:

الأسئلة التي نطرحها هنا للنقاش، هي:
هل كانت روسيا تعيش -اقتصاديًا- ظروفًا مماثلة لاوروبا الرأسمالي في القرن العشرين، أم انها كان بلد فلاحي، لم يكن الحديث فيه ممكنًا عن الثورة الاشتراكية، حسب لينين؟
وهل كان ينتظر ماركس "ثورة برجوازية روسية" و"دولة سوفيتيتة" في روسيا في القرن الثامن عشر أم انه كان ينتظر أحداث ثورة الكومونة الفرنسية في روسيا من جديد؟

كما قلنا في "التصنيع السوفييتي والتصنيع الياباني" المنشور في الحوار المتمدن: فبحلول عام 1914، كان الاقتصاد الروسي، خامس أكبر اقتصاد صناعي وتجاري في العالم. ويعود تاريخ الحركة الصناعية الروسية إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر. فواصلت روسيا تقدمها في ذلك العصر في إنتاج الفحم، والصلب، والأسلحة، ومصانع المنسوجات، والزراعة وعلى الإخص إنتاج القمح، إلخ. لذلك، فلم تكن صدفةً حين انطلقت ثورة بروليتارية في بداية القرن العشرين في عامي 1905 و1917 نظرًا لتمركز الصناعات الروسية وتمركز العمال فيها. فما إذًا السر التاريخي لانطلاق هذه المحاولة الثورية من روسيا بالذات؟ هل كان بالفعل وصلت درجة تطور القوى المنتجة والشكل التعاوني للعمل، إلى إعلان ثورة بروليتارية في روسيا آنذاك؛ أم على العكس من ذلك، كانت ثورة 1905 الروسية مجرد ثورة برجوازية، كما يقول لينين، وكانت روسيا بلد فلاحي ومن أكثر البلدان الأوروبية تأخراً، ولا يمكن للاشتراكية أن تنتصر فيها حتى في عام 1917، حسب لينين؟

سيبدي هنا كل من ماركس ولينين رأيه، بخصوص الثورة الروسية: هل كان ينتظر العالم من جديد ثورة ذات طابع فرنسي في روسيا أم ثورة برجوازية؟

لينين والثورة الروسية:

بعد الثورة البروليتارية الروسية في عام 1905، اعلن لينين: "كانت الثورة الروسية عام 1905 ثورة برجوازية ديمقراطية".
"وقد شجب ماركس مراراَ عديدة هذا النوع من التعابير التي يصار فيها إلى استخدام اصطلاحات (مغرية) من زمن ولى لأجل تمويه اهداف المستقبل .. ان كلمة (كومونة) لا تعطي اي جواب، بل تزعج الاذن بصوت رنان بعيد أو بصوت فارغ لا معنى له" (خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية، ص 73).

ولنرَ الآن، هل كان بالفعل ينتظر ماركس ثورة برجوازية في روسيا في عام 1905 ودولة سوفيتية في عام 1917، أم ينتظر تكرار أحداث ثورة الكومونة الفرنسية من جديد لا في روسيا فحسب، بل في المانيا والنمسا وايطاليا أيضًا اعتبارًا من عام 1878؟ فماركس يبدي رأيه في ثلاثة مناسبات مختلفة، بخصوص الثورة الكومونية اللاحقة في روسيا على الشكل التالي:

ماركس والثورة الروسية:

يقول ماركس: "ان روسيا لا تعيش في عزلة عن العالم المعاصر .. وإذا ما حاول انصار النظام الرأسمالي الروس ان ينكروا الامكانية النظرية لمثل هذا التطور، لسألتهم: هل كان على روسيا، يا ترى، لكي تستعمل الآلات والبواخر، والسكك الحديدية، وما إلى ذلك، ان تمر، من كل بد، مثل الغرب، عبر دور الحضانة المديد من تطور الإنتاج الآلي؟ وليوضحوا لي في الوقت نفسه كيف استطاعوا ان يدخلوا عندهم، دفعة واحدة كل آلية التبادل (المصارف، وشركات التسليف، وما إلى ذلك) التي تطلب انشاؤها في الغرب قرونًا وقرونًا؟ ...
ولأجل انقاذ المشاعة الروسية، لا بد من ثورة في روسيا. بيد ان الحكومة الروسية و"اقطاب المجتمع الجدد" يبذلون كل ما في وسعهم لأجل اعداد الجماهير لهذه الكارثة. وإذا نشبت الثورة في الوقت المناسب، وإذا ركزت جميع قواها، لكان تؤمن تطور المشاعة الريفية تطورًا حرًا، فان هذه الاخيرة سرعان ما تصبح عنصرًا لنهضة المجتمع الروسي وعنصرًا للتفوق على البلدان الخاضعة لنير النظام الرأسمالي" (كارل ماركس، المسودة الاولى للرد على رسالة ف . أ . زاسوليتش).

"عند وقوع ثورة 1848 - 1849، كان ملوك أوروبا وكذلك برجوازيتها، يرون في تدخل روسيا الوسيلة الوحيدة للنجاة من البروليتاريا التي بدأت تستيقظ، فكانوا يعلنون القيصر زعيم الرجعية في أوروبا. أما اليوم فالقيصر في غاتشينا أسير حرب الثورة، واصبحت روسيا في طليعة الحركة الثورية في أوروبا.
كان "البيان الشيوعي" يستهدف انقلاب الزوال المقبل والمحتوم للملكية البرجوازية الحالية. ولكن في روسيا، إلى جانب الرأسمالية التي تتطور بسرعة شديدة، وإلى جانب ملكية الارض البرجوازية التي أول ما بدأت تنشأ وتتطور، نرى أن أكثر من نصف الارض هو ملك مشاع بين الفلاحين. فالمسألة تنحصر، اذن، في ان نعرف: أبوسع الملكية المشاعية عند الفلاحين الروس -التي هي شكل متفكك جدًا من ملكية الارض المشاعية البدائية- ان تنتقل بصورة مباشرة إلى شكل أعلى، شيوعي لتملك الارض، أم ينبغي ان تتبع في باديء الامر طريق الانحلال الذي عاناه التطور التاريخي في الغرب؟
ان الجواب الوحيد الذي يمكن اعطاؤه على هذا السؤال في الوقت الحاضر هو: اذا أدت الثورة الروسية إلى نشوب ثورة بروليتارية في الغرب، وكانت الثورتان احدهما تتمم الاخرى، فان ملكية الارض المشاعية الحالية في روسيا يمكن ان تكون نقطة انطلاق لتطور شيوعي" (مقدمة الطبعة الروسية الثانية، بيان الحزب الشيوعي).

"لا لزوم للمرء ان يكون اشتراكيا لكي يتنبأ بالثورات الدموية المقبلة في روسيا والمانيا والنمسا ولربما ايضًا ايطاليا إذا ما تمسك الايطاليون، كما من قبل، بالسياسة التي ينتهجونها الآن. وقد تقع احداث الثورة الفرنسية من جديد في هذه البلدان. وهذا واضح لكل من يلم بالسياسة. ولكن هذه الثورات ستقوم بها الاغلبية، وما من ثورة يستطيع ان يقوم به حزب، فالثورة لا يقوم بها غير الشعب" (من مقابلة بين كارل ماركس ومندوب الجريدة الامريكية (CHICAGO TRIBUNE) في النصف الاول من كانون الاول (ديسمبر) 1878، بصدد الثورة الاشتراكية، دار التقدم، موسكو، ص 277).