![]() |
غلق |
![]() |
خيارات وادوات |
مواضيع أخرى للكاتب-ة
بحث :مواضيع ذات صلة: محمود يوسف بكير |
ترامب يدمر أمريكا والنظام الدولي -١
في خلال ستة أشهر فقط منذ استلام ترامب للرئاسة الأمريكية يتغير النظام الدولي بسرعة غير عادية وهو النظام الذي أرست دعائمه الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، وصحيح أنه لم يكن مثاليا شأنه شأن كل الأنظمة السياسية والاقتصادية التي عرفتها البشرية، إلا أنه كان مستقرأ إلى حد ما خاصة في النواحي الاقتصادية ويمكن التنبؤ فيه بما هو أتى وبردود الأفعال عكس العك الحالي الذي يقوم به ترامب الذي يغير رأيه وسياساته كل يوم وهو ما يربك أصدقاء وحلفاء أمريكا أكثر مما يربك خصومها، حيث لم يعد من الممكن أن تخطط الحكومات أو المستثمرين وصناديق التحوط العالمية أو حتى المستهلكين لأكثر من عدة إيام قادمة وهي التي كانت تضع خططا للمستقبل تصل إلى سنوات، وهو ما يؤثر سلبا على كل الأسواق المالية والاستثماريّة والسلعية ومعدلات التشغيل على مستوى العالم وذلك لأن قاطرة الاقتصاد العالمي وهي الولايات المتحدة بقيادة ترامب تبحر بالعالم إلى جهة غير معلومة حتى للأخ ترامب نفسه الذي يعمل وكأنه تاجر في شادر للبطيخ، يعني أنت وحظك. وإليكم بعض الأمثلة الهامة: ١ بدأ ترامب رئاسته بحملة عدوانية مفاجئة على جيرانه منها محاولة ضم كندا لأمريكا والتلويح بغزو باناما للسيطرة على قناتها ما لم تنه هيمنة الصين على القناة كما يدعي ترامب، ثم قام بتغيير أسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا وهدد كل من سيستخدم كلمةً المكسيك مرة أخرى، ثم بدأ يهدد باحتلال جزيرة جرينلاند ما لم تقم السويد ببيع الجزيرة الضخمة له لتوفر الكثير من المعادن النادرة بها. كل هذه المحاولات فشلت حتى الآن، ولذلك بدأ في فرض عقوبات اقتصادية على كل جيرانه وحلفائه وأعداءه كل سواء. والواضح والمهم هنا أن ترامب يقدم أمريكا بشكل جديد للعالم يتفق مع شخصيته وسلوكه وهو أن العالم ينبغي أن يحترم أمريكا خوفا منها ومن قوتها وليس حبا وثقة فيها كما كان الحال وهذا تطور خطير وسوف تكون له تبعات وأضرار كبيرة على مكانة أمريكا في ألعالم كما سوف نبين. ٢ قام ترامب بفرض رسوم جمركية مبالغ فيها على كل الدول التي تقوم بالتصدير لأمريكا ولديها فائض معها، أو حتى دون وجود فائض في حالات كثيرة! وهدف ترامب من وراء فرض هذه الرسوم هو زيادة إيرادات الحكومة وإعادة التوازن للميزان التجاري الأمريكي وتخفيض العجز. وقد تراوحت هذه الرسوم ما بين ١٠ إلى ٥٠٪ مع بعض الدول والمخجل هنا أن بعض هذه الدول دول أفريقية فقيرة وذات فائض صغير مع أمريكا. وعلى ما يبدو فإن مستشاري ترامب الاقتصاديين لم يشرحوا له إما عمدا أو خوفا منه ومن بذأته وردود أفعاله العنيفة، إنهم فعلا لم يشرحوا له كيف يعمل الميزان التجاري في كل دول العالم "وهو من أهم مكونات ميزان المدفوعات"، حيث كان من المفترض أن يعلم ترامب بأن كل الدول في تجارتها الخارجية عادة ما يكون لديها فائض مع بعض الدول وعجز مع بعضها الأخر، وليس هذا وضعا ثابتا كما يعرف كل الاقتصاديين بحكم التغيرات المستمرة في الدورات الاقتصادية والمناخية والتكنولوجية والأوضاع السياسية وكثيرا ما يحدث التوازن بين الصادرات والواردات دون زيادة التعريفات التجارية. وبالنسبة لأمريكا بالذات فإن الدول التي لديها فائض كبير معها وعلى رأسها الصين ودول الاتحاد الأوروبي تقوم باستثمار هذا الفائض داخل أمريكا وذلك نظراً لما تتمتع به الأصول والأوراق المالية الأمريكية من جاذبية لكل دول العالم، وعلى سبيل المثال فإن أكبر مستثمر أجنبي في أذون الخزانة الأميركية هي الصين وتليها اليابان ودول الاتحاد الأوروبي وكندا، وهذه الدول حريصة على أن تكون هذه الاستثمارات جزأ أساسيا من الاحتياطات الأجنبية لديها لأنها تدر عائدات جيدة كما أنها مضمونة من الحكومة الأمريكية. خطأ ترامب الجسيم هنا من خلال رفع الرسوم الجمركية بشكل مفاجئ ومبالغ يعني بالضرورة فقدان أمريكا لهذه الاستثمارات الأجنبية. ٣ وعلى ما يبدو فإن مستشاري ترامب أو من يحركونه ويستفيدون من ورائه أوهمونه بأن تحصيل رسوم جمركية أكثر من المصدرين لأمريكا يعني مزيدا من الدخل للحكومة الفيدرالية وهو يتباهى بهذا الآن ونحن مندهشين من أنه لا يعلم أن أي زيادة في الرسوم الجمركية يقوم المصدر بنقل أغلبها إلى المستورد الأمريكي وهذا الأخير يقوم بنقلها إلى المستهلك، بمعنى أنها نوع من الضرائب غير المباشرة على المستهلك الأمريكي في النهاية، أي أنّ ما تحصل عليه الحكومة من دخل إضافي هنا يأتي من جيب المستهلك الأمريكي وليس المصدر ومن ثم فإن زيادة هذه الرسوم سوف تؤدي بالضرورة إلى ارتفاع معدلات التضخم في الأسواق الأمريكية عكس ما كان يروج له ترامب في حملته الانتخابية من أنه سيطبق سياسات اقتصادية تؤدي إلى تخفيض معدلات التضخم داخل أمريكا. وبالمصادفة وبعد إن انتهيت من كتابة هذا المقال وجدت في محطة ال CNN أن معدلات التضخم بدأت ترتفع بالفعل في المواد الغذائية والوقود والغاز والأجهزة الإلكترونية وحتى لعب الأطفال وذلك بسبب التأثير السلبي لزيادة الرسوم الجمركية كما أسلفنا. ولو أن التضخم واصل الارتفاع فإنه سوف يؤدي إلى نوع من الركود الاقتصادي في أمريكا وفي العالم بسبب انخفاض الطلب من جانب المستهلكين واضطرار المنتجين إلى تخفيض المعروض وربما تخفيض معدلات التشغيل انتظارا لعودة الرواج من جديد. ومعنى تحليلنا هذا أن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول على حق في رفضه لضغوط ترامب لتخفيض أسعار الفائدة، وغرض ترامب ومن ورائه من مستفيدين بالمطالبة بتخفيض الفائدة هو تحقيق نوع من الرواج لخشيتهم من أن تؤدي سياساتهم إلى زيادة التضخم والركود والتباطؤ الاقتصادي. ولعلنا نوضح هنا أن من مبادئ السياسة النقدية التي ندرسها لطلبة السنة الأولى في الاقتصاد هو ألا نخفض أسعار الفائدة في أوقات ارتفاع معدلات التضخم لأن تخفيضها هنا يؤدي إلى المزيد من التضخم، والدليل على وجود مؤامرة من جانب ترامب ومن خلفه من نصابين لا هم لهم إلا زيادة ثرواتهم، هو أن ترامب يهدد دائما بفصل رئيس البنك الفيدرالي السيد جيروم باول بحجة أنه يرفض خفض الفائدة لمنع الناس من الاقتراض لشراء منزل أو سيارة. ولأن غالبية من يؤيدون ترامب من أنصاف المتعلمين فإنهم يؤيدون ترامب في توجهه لفصل باول على أساس أن الأخير لا يريد مساعدة أصحاب الدخول الضعيفة على اقتناء منزل من خلال الاقتراض من البنوك بسعر فائدة مخفض بينما ترامب متعاطف مع هذه الفئة ويريد مساعدة متوسطي الحال على شراء منزل أو سيارة. ولذلك وجدوا أن جيروم يصلح كبش فداء لو أن الأمور تدهورت. وكما هو الحال في كل الدول المتقدمة فإن رئيس البنك المركزي يكون مستقل تماما عن السلطة التنفيذية ولا يجوز فصله بحكم خطورة منصبه كمسؤول عن السياسة النقديّة والرقابة على البنوك والسيطرة على التضخم لحماية الفقراء، وترامب يتجاهل كل هذا ويسعى لفصل رئيس الفيدرالي للإتيان بنصاب من أتباعه كي يقوم بتخفيض أسعار الفائدة وينفذ كل رغبات ترامب. ولو أن ترامب قام بهذه الخطوة فإنه سوف يقوم بسابقة لم تحدث في تاريخ أمريكا والعالم الغربي ومن ثم فإن كل المستثمرين المؤسساتيين وكل الدول سوف تفقد ثقتها في الحكومة الأميركية وفي سياساتها النقدية وفي الدولار لأن ترامب سوف يحول أمريكا بقرار الفصل هذا إلى دولة ديكتاتورية شأنها شأن كل الدول المستبدة التي تسيطر فيها السلطة التنفيذية على البنك المركزي ولذلك فإننا نستبعد أن يقوم ترامب بفصل جيروم باول حماية للاقتصاد الأمريكي من الانهيار وللإبقاء على هيمنة الدولار. ولكن ما قدمه ترامب في خلال الأشهر القليلة الماضية من سياسات عدوانية وتصريحات غير مسؤولة وأفعال غير مسبوقة عبر تاريخ أمريكا أضر بمصداقية أمريكا عبر العالم وأفقدها ثقة حلفائها ربما للأبد. وهم يقومون الآن ببناء تحالفات جديدة بين بعضهم البعض بعيدا عن أمريكا كما طالب بهذا إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا بأن تبدأ أوروبا في البدء في الاعتماد على نفسها وتقوية خطوط دفاعها وهو ما يحدث الآن في أوروبا، واليوم تم توقيع اتفاقات تعاون في كل المجالات بين ألمانيا وبريطانيا دون الإشارة بكلمة واحدة لأمريكا، كندا أيضا بدأت تبتعد عن أمريكا بعد أن قام ترامب بفرض رسوم جمركية تصل إلى ٣٠٪ عليها بشكل مفاجئ بعد أن قام بتخفيضها إلى ١٠٪. اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان بدأوا يعدون لسيناريو ما بعد أمريكا وبدأوا يزيدون ميزانيات الدفاع لديهم كما يفعل الأوروبيون الآن وربما يتجهون لتحسين علاقاتهم مع الصين. وبالتأكيد فإن الصين هي أكثر دولة في العالم استفادة مما يفعله ترامب ولن تتردد في إضاعة هذه الفرصة وهذا ما سوف نتناوله في الجزء القادم من المقال. ولعل أكثر ما يثير دهشتنا فيما يحدث هو أن الدول العربية هي الوحيدة التي لازالت تراهن على أمريكا ترامب، وقد كانت في غاية الكرم معه إلى حد البذخ المبالغ فيه عنما قام بزيارته الأخيرة لدول الخليج وهذا حديث آخر.
|
|
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
|||
|
نسخة قابلة للطباعة
![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() |
||
المواضيع المنشورة لا تمثل بالضرورة رأي الحوار المتمدن ، و إنما تمثل وجهة نظر كاتبيها. ولن يتحمل الحوار المتمدن اي تبعة قانونية من جراء نشرها |