مراجعات لمفاهيم اقتصادية خاطئة
محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن
-
العدد: 7818 - 2023 / 12 / 7 - 20:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1- نظرية القيمة في العمل والتي على أساسها رأى ماركس أن قيمة أي منتج أو خدمة تتحدد بشكل أساسي بما بذل فيها من ساعات عمل، والحقيقة أن هذا المفهوم خاطئ لأنه لا العمل ولا تكلفة المكون الرأسمالي في العملية الإنتاجية أو الخدمية هما من يحدد قيمة المنتج ولكنه تقييم المستهلكين انفسهم هو من يحدد قيمة أي شيء. ولذلك كثيرا ما نجد منتجات ذات جودة عالية لما بذل فيها من عدد كبير من ساعات العمل ولكنها لا تجد من يشتريها بالسعر المحدد لها وهو ما يجبر المنتجين على تخفيض السعر إلى المستوى الذي يتماشى مع قناعات وتقييم المستهلكين.
2- هناك سؤ فهم كبير لبعض أفكار آدم سميث والملقب بأبو الاقتصاد الحديث وهو صاحب نظرية اليد الخفية والتي أساء البعض فهمها كما سوف نوضح حالا. وهو أيضا مؤلف أول مرجع اقتصادي أكاديمي والذي يدرس في جميع جامعات العالم وهو كتاب ثروة الأمم. أمّا بالنسبة لسؤء فهم الرجل فقد جاء من تفسير دعوته لحرية الإسواق على أنه يدعم الأغنياء على حساب الفقراء. والحقيقة أن سميث دعى إلى حرية الأسواق في ظل منافسة كاملة وعادلة للجميع ورأى كفيلسوف أن الوحدات الإنتاجية في ظل أجواءً التنافس سوف تعمل ليس فقط لصالحها ولكن أيضا لصالح المجتمع ككل كما لو أنها توجه بفعل يد خفية للعمل من أجل صالح الجميع. كما اتهم سميث بأنه من مؤسسي الرأسمالية الحالية التي لا ترحم. ولكن من يقرأ مرجعه ثروة الأمم والذي نشر منذ نحو ٢٥٠ عاما سيجد أنه حمل الدولة مسؤوليات كبيرة منها حماية الأصول والأموال العامة والتعليم العام للجميع وضمان أن تعمل الأسواق في ظل منافسة عادلة بما ينفع جميع المشاركين في العمليات الإنتاجية والخدمية، وهذا يعني أن أدم سميث كان من أوائل من روجوا للاشتراكية الديموقراطية والتي نتمنى أن تسود في عالمنا العربي البأس الذي يتبنى أسوأ أنواع الرأسمالية.
3- ما نحتاجه اليوم هو التكنولوجيا وليس الأيديولوجيا. لأن هذا العصر بكل تعقيداته وتحدياته لم يعد يحتمل أن يحدد لنا فكر شخص واحد سواء كان يعيش بيننا اليوم أو مات منذ مئات السنين أن يحدد لنا كيف ننظم حياتنا وكيف نخطط للمستقبل والنهوض ببلادنا التي تتقاتل وتتنازع مع بعضها البعض على مراكز المؤخرة وسط سخرية العالم. والسؤال هل نوجّه أولادنا وأحفادنا لدراسة الأيديولوجيات القديمة وتبني شعاراتها التي فقدت صلاحيتها وعفى عليها الزمن أم نرسلهم لتعلم التكنولوجيا والعلوم الحديثة؟
4- لدينا في علم مالاقتصاد مفاهيم شبه ثابتة حول طبيعة السلوك الإنساني في اتخاذ القرارات الاقتصادية ،ومع الوقت أصبحت هذه المفاهيم مسلمات لا يدور حولها الكثير من الجدل.ولكن لو أننا تأملنا وحللنا بعض هذه المسلمات لوجدنا أنه من الممكن أن نستنتج منها مفاهيم جديدة ومفيدة للغاية كما سوف أوضح. ومن هذه المفاهيم أو المسلمات ما يعرف بالتفضيلات الزمنية للمستهلك، ونعني بهذا بأن الإنسان بطبيعته يميل إلى تفضيل الحاضر على المستقبل ومن هنا جاءت نظرية سعر الفائدة وحساب القيمة الحالية والمستقبلية للنقود. وعلى سبيل المثال فإن الحصول على ١٠٠٠جنيه أو جهاز تليفزيون اليوم أفضل لمعظمنا من الحصول عليهما بعد عام. ولذلك فإن مهمة سعر الفائدة هنا هي تعويض المستهلك عن قبوله لتأجيل شراء التليفزيون اليوم والانتظار لمدة عام. وحتى في ظل هذا الحافز على التوفير وتأجيل الاستهلاك غير الضروري من أجل مستقبل أفضل ومستدام للجميع، فإننا كبشر لا نحتمل الصبر كثيرا. ولكن آن الأوان أن نعي أنه كلما قلت نسبة الحاضر/المستقبل كلما ساعدنا هذا على ضمان مستقبل أفضل لأنفسنا ولبلادنا وللأجيال القادمة. وهذا هو سبب فشل كل مؤتمرات الحفاظ على البيئة ضد التغير المناخي التي تنظمها الأمم المتحدة كل عام لإنقاذ كوكب الأرض من الآثار المدمرة للبترول والغاز والفحم، إنه قصر النظر لدي غالبية البشر وطمع الأغنياء وتفضيل الاستمتاع بالحاضر على حساب المستقبل. فلنربي أولادنا وأحفادنا وتلاميذنا في المدارس والجامعات على المعقولية وحب الادخار في كل شيء، وأن نخطط للادخار قبل الإنفاق. هذا الفكر هو أملنا الوحيد في مستقبل أفضل بعد أن خذلنا السياسيون الفشلة والاقتصاديون الذين لا هم لهم إلا تحقيق النمو الاقتصادي القائم على الإنتاج الضخم والاستهلاك بلا حدود واستنزاف الموارد الطبيعية المحدودة لكوكبنا ولتذهب إجيال المستقبل إلى الجحيم.
٥ توقعاتنا الاقتصادية لعام ٢٠٢٤ ليست متفائلة بشكل كبير. وباختصار فإن معظم البنوك الرئيسية وصندوق النقد الدولي يتوقعون أن ينخفض نمو الاقتصاد العالمي في النصف الأول من العام القادم بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع تكلفة الوقود وانخفاض معدلات النمو في الصين، وعلى ما يبدو فإن هذه التوقعات تتماشي مع التطورات السياسية الحاصلة الآن ومنها الخلافات الحادة الحاصلة حاليا بين المجموعة الأوروبية والصين بسبب اتهام الأولى للصين بأنها تغرق دول العالم بمنتجاتها التي لا تحصى على حساب صادرات أوروبا، وأيضا بسبب العلاقة المتأزمة والمكتومة بين أمريكا والصين بسبب مشكلة أوكرانيا وتايوان ومحاولة الصين زيادة نفوذها في أفريقيا وباقي أنحاء العالم. ولكن معظم الاقتصاديين في العالم يتوقعون أن ينجح الاقتصاد العالمي في تفادي الكساد بسبب توجه أمريكا نحو البدء في خفض أسعار الفائدة في النصف الثاني من العام القادم بعد نجاحها في السيطرة على التضخم لديها. والعالم كله سيتبع أمريكا في هذا. ومن خبرتي مع أمريكا فإن معظم الإدارات الأمريكية تحرص على دفع الاقتصاد للنمو في عام الانتخابات أيا كان الثمن. أما في عالمنا العربي فإنه لن يشهد تغييرات كبيرة حيث ستواصل الدول البترولية نموها بمعدلات جيدة بينما ستستمر المعاناة في باقي اقتصاديات المنطقة للأسف حيث انه من المرجح أن يظل التضخم بها مرتفعا مع استمرار العجز المزمن في ميزانياتها وهو مايؤدي إلى نوع من الركود التضخمي.
مستشار اقتصادي