هل ستتحول أمريكا ترامب لدولة فاشلة
محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن
-
العدد: 8316 - 2025 / 4 / 18 - 01:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الفشل يبدأ مع الاستبداد وضعف مؤسسات الدولة وسيطرة شخص واحد معدوم الثقافة والفهم على كل مقدراتها. ويبدوا أن أمريكا ترامب في طريقها لأن تصبح دولة عربية بامتياز حيث يسيطر ترامب على كل السلطات ويصدر ما يشاء من قرارات تنفيذية بعيدا عن الكونجرس ويتعالى على القضاء ويسب القضاة ويهاجم الجامعات والإعلام، ويدخل في حرب مع العالم كله ولم يعد يميز بين أصدقاء أمريكا وأعداءها.
يهدف المقال لبيان بعض أوجه الخطر على أمريكا والدولار والعالم منن جراء القرارات والسياسات التي يتبعها ترامب، فهل بدأت أمريكا مسيرة السقوط مثلما حدث مع كل الامبراطوريات السابقة عبر مسيرة البشرية؟ ومن الناحية المنطقية فإنه لا يوجد شيء يمكن أن يرتفع الى الأبد، فلابد أن تأتي لحظة يبدأ فيها في السقوط، والسؤال الذي يراودني هذه الايام هو، هل يمثل ترامب هذه اللحظة في تاريخ أمريكا؟ الموضوع كبير ويحتاج لمقالات عدة، ولكنني سوف أركز على البعد الاقتصادي باعتبار أن المصالح الاقتصادية أصبحت الموجه الأول للسياسة في كل الدول، كما أنني سوف أعرض بشكل مقتضب لعينات من السلوكيات الأخرى المعيبة لترامب. وبعد فإن العالم كله في حالة ارتباك منذ دخول ترامب إلى البيت ألأبيض، حيث يتحرك الرجل بسرعه ورعونة غير مسبوقة في تاريخ أمريكا ولا يوجد من يوقفه لأن كل من قام بتعينهم في إدارته أغلبهم هواة ولا حول ولا قوة لهم، لأنهم يعلمون أن ترامب قد اختارهم على الطريقة العربية أي أهل الثقة والطاعة العمياء وليس أهل الكفاءة والنصح. وواضح أن ترامب أخبرهم قبل أن يعينهم في إدارته بأن الطاعة والإخلاص أهم لديه من أي شيء آخر. وقد فعل ترامب هذا لتجنب ما حدث في فترة رئاسته الأولي حين أختار معاونيه على الطريقة الغربية أي بمعايير الخبرة، والكفاءة والمصارحة فكانت النتيجة أن استقال معظمهم لاختلافهم معه في الرأي. وهو يحكم الآن مثل إي ديكتاتور عربي ومحاط بمجموعة من المنافقين والمنتفعين، وهذا شيء لم نراه من قبل في أمريكا وقد يكون بداية أفول نجم الإمبراطورية الأمريكية وفقدان الدولار لمكانته كعملة الاحتياطي الأولي لكل دول العالم، وعملة التسعير لكل السلع الاستراتيجية بما فيها البترول والغاز الطبيعي والذهب والقمح …إلخ كما إن أمريكا تسيطر على أهم نظام للتحويلات المالية في العالم وقد استفادت أمريكا من هذه المزايا بشكل يفوق الخيال.
1- بالرغم من أن الولايات المتحدة خاضت حروبا عديدة ومرت بأزمات اقتصادية وسياسية عنيفة، إلا أن الدولار حافظ على المكانة التي أكتسبها بعد الحرب العالمية الثانية وبإجماع عالمي بأن يكون عملة الاحتياطي الأولى في العالم وبحيث ترتبط جميع العملات الدولية بسعر محدد مقابل الدولار الذي كان قابلا للتحويل للذهب وقتها. الآن وبعد أن فاجأ ترامب دول العالم بحرب تجارية لم تميز بين أصدقاء أمريكا وأعدائها وبين الدول الفقيرة والغنية، حيث فرض رسوما جمركية مبالغ فيها على صادرات كل الدول للولايات المتحدة وذلك للحد من العجز الضخم في الميزان التجاري لأمريكا، ولا أحد يستطيع أن يلومها على هذا، ولكن كان من الأفضل أن يتم هذا بشكل تدريجي وبنسب جمركية معقولة تتناسب مع حجم العجز إذا كل دولة على حدة. وما فله ترامب أيضا لا يتماشى مع مبادئ منظمة التجارة العالمية والتي تشجع الدول على فتح أسواقها وفرد رسوم جمركية معقولة. الخلاصة إنما فله ترامب أضاع مصداقية أمريكا وإصابة كل أسواق المال بصدمة كبيرة واعد إلى حالة من عدم اليقين وهو ما يؤدي إلى تخفيض حجم الاستثمارات والاستهلاك بسبب الأسعار المرتفعة وزيادة معدلات التضخم نتيجة للرسوم الجديدة وهو ما قد يؤدي إلى حالة من الكساد ومن ثم زيادة البطالة بسبب انخفاض النموالاقتصادي الناتج عن انكماش الاستثمارات بسبب حالة عدم اليقين. والعالم كله سوف يتضرر من هذا خاصة أمريكا والصين بسبب العداء الشديد الذي اشتعال بين البلدين وحتى الاتحاد الأوروبي بدأ في اتخاذ تدابير لزيادة الرسوم الجمركية على واردات أمريكا كل هذا حدث بسبب العشوائية وسارع في اتخاذ القرارات دون كافية وذلك لوول ترامب الشديد بالمظاهر وأن يكون حديث العالم حتى ولو قد هذا إلى انعدام ثقة العالم في أمريكا. والآن يحاول ترامب بعد أن أدرك خطأه أن يتفادى أن تدخل أمريكا في نوبة من الكساد، ولذلك قام بتجميد الزيادات الجمركية لمدة ثلاثة أشهر يقوم خلالها بالتفاوض مع كل دولة على حدة. والسؤال الحائر هنا لماذا لم يبدأ ترامب بهذه الاستراتيجية بدلا من مفاجأة العالم والإسأءة لسمعة أمريكا وإرباك العالم! الخلاص إن ما فعل ترامب سيبقى عالقا في ذاكرة كل الدول خاصة أصدقاء أمريكا الذين بدأوا بالفعل في البحث عن بديل للدولار بسبب استخدام أمريكا له كسلاح لابتزاز الدول الأخرى. والصين تحاول أن تقدم عملتها على أنها البديل الأفضل للدولار، ولكن هذا لن يتم بسهولة بسبب أن الأسواق المالية الصينية ليست مفتوحة وكبيرة مثل الأسواق الأمريكية والتي تتميز أيضا بتوفر وتنوع الاستثمارات بها ومن أهمها أسواق الأسهم التي تتجاوز قيمتها السبعين تريليون دولار، كما تصل قيمة سوق السندات إلى حوالي 30 تريليون دولار، وكل هذه الأسواق تتميز بسهولة دخول الأجانب والدول الأخرى إليها عكس الحال في أسواق الصين التي لا تتمتع بهذه المرونة. كما أن عملة الاحتياطي لابد أن تتسم بسيولة كبيرة واليوان الصيني لا يتمتع أيضا بهذه الخاصية كما أن أمريكا تتمتع بنظام قضائي مستقل عكس الحال في الصين، وهذا شيء يفضله المستثمرون لضمان حقوقهم في حال نشوب أي نزاع. وبالمناسبة فإن الصين أطلقت بالفعل منذ نحو عامين نظاما للتحويلات الدولية مشابه لنظام ال Swift الأمريكي أطلق عليه إختصارا CIPS ولكنه حتى الآن لم يحصل إلا على اقل ربع الواحد في المئة من مجموع تحويلات نظام Swift وبالنتيجة فإن الدولار لن ينهار، ولكن قيمته سوف تبدأ في الانخفاض بسبب توجه البنوك المركزية على مستوى العالم لتخفيض اعتمادها الكبير على الدولار كعملة احتياطي، والتركيز الآن يتم على الذهب واليورو. ونحن كأفراد ينبغي أيضا أن نقلل من الادخار بالدولار، لأن ما فعله ترامب نبه العالم إلى خطورة الاعتماد المطلق على أمريكا والدولار. ويكفي أيضا أن ننظر إلى ما فعله هذا الرجل مع جيرانه، كندا والمكسيك وبنما والدنمارك التي يريد ترامب أن يشتري منها جزيرة جرينلاند الضخمة رغم أنفها، وهو أيضا يريد استعادة قناة بنما حتى ولو بالقوة، وضم كندا لأمريكا ضد إرادتها، وهو الأن يسعى مع نيتنياهو لترحيل الفلسطينيين من غزة لتحويلها إلى ريفيرا الشرق الأوسط، وكأنه لم يكتف بدعمه المطلق لإسرائيل لتدمير القطاع، إذن نحن أمام وحش أو بلطجي، ووارد أن يصل بلطجي آخر مثله إلى البيت الأبيض في المستقبل ولذلك فإن التحوط واجب. ومن الأمثلة الأخرى التي تظهر الطبيعة الشريرة لهذا الرجل وقفه للعديد من برامج المساعدات الإنسانية التي كانت أمريكا تقدمها للعديد من الدول الفقيرة في أفريقيا وانسحابه من من منظمة الصحة العالمية واتفاق الحد من التلوث وحماية المناخ. وحتى داخل أمريكا نفسها قام بوقف الدعم الفيدرالي التي كانت بعض الجامعات الخاصة داخل أمريكا تحصل عليه ومن هذه الجامعات جامعة هارفرد التي كانت تحصل على أكثر من أثنين بليون دولار سنويا لتمويل أبحاثها المتقدمة في جميع المجالات والتي تستفيد منها أمريكا والعالم كله والسبب اتهامه لهذه الجامعات بمعدات السامية وعدم تنفيذها لمطلبه بفصل الطلاب الأجانب المؤيدين للقضية الفلسطينية بالإضافة إلى مطالب أخرى التي رفضتها جامعة هارفرد واعتبرتها تدخل من الحكومة في شؤون الجامعة العريقة وهو ما لم يحدث عبر تاريخها الطويل،وهي تتجه الآن إلى مقاضاة الادارة الأمريكية وكرد على هذا قام ترامب بتهديد الجامعة بكمانها من الإعفاء من الضرائب، وبمعنى آخر فإن ترامب لا يمانع من تدمير هذه الجامعة العريقة بسبب بعض المظاهرات الطلابية التي تمت داخلها ضد العدوان الإسرائيلي على غزة واعتبر أن هذا عداء للسامية وليس احتجاجاً ضد العدوان الوحشي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. كما أن ترامب لا يتورع عن سب القضاة الذين يحاكمونه وبشكل علني وكان آخرهم قاضي وصفه ترامب بالمعتوه وعلى الهواء مباشره. والخلاصة أن ما يفعله ترامب هذه الأيام كان السبب في اندلاع مظاهرات واحتجاجات داخل أمريكا نفسها. ولذلك فإنه سيحرم أمريكا من استثمارات كثيرة بسبب عدم وجود من يردعه وانعدام الثقة بأمريكا وهناك حملات كثيرة في أوروبا ودول أخرى لمقاطعة السلع الأمريكية وعدم السفر للسياحة في أمريكا. كل هذا بسبب رجل واحد يعاني من حالة توحش لم تشهدها إمريكا والعالم من قبل والحالة مرشحة للزيادة. وأخيرا في أمريكا وهي تتجه للعزل قد أضعف نفوذها في العالم وضعت مصداقيةتها والفضل في هذا يرجع ترامب واللوبي الصهيوني داخل أمريكا وفي إسرائيل وهم قاموا بتشويه سمعة أمريكا الأخلاقية أمام العالم وكان لما يحدث في غزة دور كبير في هذا وبالنهاية أقولها وأنا حزين لأنني مدين لأمريكا هذا البلد الجميل بالكثير وأقول إن ترامب كان لعنة عليها وحولها من ذول عظمى إلى دولة لا عهد أو أمان لها وفي طريقها مسرعة الخطأ إلى الفشل.
إلهي ليس لي إلاك عونا، فكن عوني على هذا الزمان
مستشار اقتصادي