مراجعات وأفكار 14


محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 7994 - 2024 / 5 / 31 - 00:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مراجعات
١ لجورج أورويل قول مشهور ذكره في جملة واحدة بما معناه وبتصرف محدود من جانبي "أن الولاء المطلق يعني انعدام الوعي والتوقف عن الإدراك بشكل أرادي" يحدث هذا بالطبع تحت ضغط العواطف، لان الولاء المطلق يأتي من القلب وليس العقل الذي لا يتوقف أبدا عن التفكير والنقد والتحليل، ولكنه في النهاية يرق ويضعف أمام العاطفة والقلب لدى معظم البشر. ذكرني هذا القول بما حدث منذ نحو شهر حين كتب أحد الزملاء الشيوعيين سلسلة من المقالات لم أقرأ منها إلا الجزء الأول الذي طالب فيه إدارة الحوار المتمدن بوقف نشر أي آراء تنتقد قناعاته الشخصية في فهم الشيوعية، وهو بهذا يصادر كل الآراء الأخرى وهذا من أقصى أنواع الولاء المطلق. كما قام بشخصنة مشكلته من خلال مهاجمة كتاب ومعلقين محددين وذكر أسماءهم بغرض إخافتهم. وبالرغم من أنني أنأى بنفسي عن المشاركة في المقالات التي تهين وترهب الآخرين لمجرد أنهم يختلفون في الرأي مع الكاتب، إلا أنني علقت على هذا المقال بالذات. ولأن الكاتب لم يرد فإنني لم أقرأ باقي مقالاته لان مبدأ الحوار معه أنتفى وتحول من دايالوج إلى منولوج كما نقول بالفرنسية. أما ما دعاني للرد على الكاتب فهو محاولاته المستميتة في استعداء إدارة الحوار والقراء على كل من لا يؤمن بمذهبه الفكري وطالب بمنعهم من النشر في الحوار. وهذا هو نهج الأيديولوجية المنغلقة على ذاتها سواء كانت سياسية أو دينية حيث يضيق صدرها بأى نوع من النقد أو التفكير المنطقي لأنها تؤمن بشكل لا يحتمل أي نقاش أن منهجها الفكري صحيح ولا يعتريه أي عوار وأن ما عداه لا يزيد عن كونه هراءا لا يستحق الرد عليه ويستوجب إعلان الحرب وإسكاته تماما. والحقيقة أننا جميعا محظوظين أن إدارة الحوار المتمدن تسلك نهجا تقدميا وديموقراطيا في إدارة هذا الموقع الفريد في عالمنا العربي من حيث أنها تسمح لجميع التيارات الفكرية بما فيها الدينية بنشر آرائها دون أي حذف، ولعليّ أنتهز هذه الفرصة كي أشكر فريق الإدارة والصديق العزيز الأستاذ رزكار عقراوي على جهدهم الكبير في إدارة الموقع والإهم من هذا انفتاحهم على الجميع.وعودة لموضعنا حيث سنجد أن سبب اندلاع معظم "إن لم يكن" كل الحروب في مجتمعاتنا العربية والإسلامية كان بسبب الأيديولوجيات الدينية والسياسية المتناحرة وليس بسبب المصالح الاقتصادية المتعارضة مثلا. كما سنجد أنه كان من الممكن تفادي هذه الحروب بقليل من العقلانية، بمعنى أنه لو كان لدينا فهم حقيقي بأهمية الحوار مع الأخر من أجل فهمه والاقتراب منه، لكان من السهل وقف الكثير من الحروب والعداوات. وكما أقول دائما فأنه لو كان رؤساء الحكومات يصدرون قراراتهم وهم على الخط الأول لجبهات القتال لما قامت أي حروب. وعلى سبيل المثال فإنه كان بمقدور زميلنا الكاتب الموقر أن يقنع من يختلفون معه حول قيم الحوكمة الشيوعية في السياسة والاقتصاد والمجتمع بإنها هي الأفضل مقارنة بالرأسمالية من خلال ضرب أمثلة عملية وواقعية بإنظمة حكم وبلاد تبنت الشيوعية ونجحت في نشر الرخاء والعدل وإسعاد مواطنيها واحترم حقوقهم الإنسانية. والسؤال المعروف إجابته هنا هو لماذا لم يفعل الكاتب الموقر هذا بدلا من محاولة منع من اختلفوا معه من النشر وتكميم أفواههم ومحاولة تخويفهم؟ ولا أتصور أن الكاتب الموقر يمكن أن يختلف معنا في أن قمع شعوبنا وإجبارها على تأييد الاستبداد لم يخلق مجتمعات سعيدة وناجحة ومستقرة، بل على العكس من هذا فإن الاستبداد وإلغاء الآخر خلق مجتمعات فاسدة وبائسة وشعوب تعاني من الغربة في أوطانها حتى أصبح الحلم الأكبر لشبابها هو الهروب للغرب الرأسمالي حتى ولو كان الثمن الموت غرقا. أضف إلى ما سبق أن نقد الشيوعية كما يرى بعض الزملاء لا يعني بأي حال الخيانة والعمالة للغرب والتأييد الأعمى للرأسمالية والصهيونية، لإن البشرية لازالت تتحسس خطاها بحثا عن النظام العادل الذي يمكن أن يسعد الجميع ولذلك فإنه من الطبيعي أن تختلف الآراء.، وما يعوق إيجاد هذا النظام الأمثل هو فطرة الانسان المتوحشة، ونحن هنا نتحدث عن الأغلبية وليس الإقلية ولذلك لم تنجح أيا من الأنظمة السياسية أو الدينية التي جربها الانسان في تحقيق مجتمع العدل والأمان والرفاهية للجميع بالرغم من أن موارد كوكبنا تكفي الجميع. وكما ثبت أن للشيوعية عيوبا كثيرة حيث أخطأت في تصورها أنه بالأمكان تحويل الإنسان إلى ملاك والأرض إلى جنة، حيث شهد الواقع على الأرض عكس هذا تماما. وكانت النتيجة هرولة الجميع إلى الرأسمالية. ولكن المهرولين وجدوا مع الوقت أن للرأسمالية أيضا عيوبا كثيرة. وأنا واحد ممن كتبوا في عيوب النظامين وبينت أن نجاح الرأسمالية وهرولة الجميع إليها بما فيهم مؤسسي الشيوعية كان لأنها أقرب نظام للطبيعة المتوحشة للإنسان والغرائز التي خلق بها ومن أخطرها الطمع والشهوات التي لا حد لها والعنصرية والرغبة في التميز، فجاءت الرأسمالية لاشباع كل هذه الغرائز من خلال الحرية المطلقة والنمو الاقتصادي بلا حدود والإنتاج الضخم والاستهلاك المبالغ فيه وهو ما أدى إلى اتساع فجوة الثروة والدخل الرهيبة والمتفاقمة بين الأغنياء والفقراء والتلوث وتدمير التوازن البيئي للأرض، وبالمناسبة فإن أكبر دولة ملوثة لكوكبنا هي الصين الشيوعية يليها أمريكا.الدين أيضا تفوق على الشيوعية لأنه نجح في تخدير الفقراء وباع لهم الوهم بحياة أخرى مليئة بالشهوات وما لذ وطاب ، وما عليهم أن يفعلوا شيئا سوى الصبر والانتظار. والانسان في كل هذا مظلوم لأنه خلق بكل هذه الغرائز المتوحشة ومطلوب منه أن يتخلص منها بطريقة ما ويحول نفسه إلى طاقة روحانية بلا شهوات. عزيزي الكاتب الموقر، دع الناس تعتقد وتكتب ما تشاء أسوة بما تفعله أنت، لأن الآراء لا تغير شيئا، أما إذا ما كنت تخشى أن الرأي المخالف لك يمكن أن يهدم ما تؤمن به، فاعلم أنك تؤمن بشيء هش للغاية، لأن أي شيء يقبله الجميع في أي مكان ودون إثبات أونقد أونقاش، سوف يكون بالتأكيد شيء غير حي أومتيبس أو نوع من الوهم، ذلك لأنه مخالف لسنة الكون المتحرك والمتطور والمتغير على الدوام. ولذلك فإننا نشجع دائما أولادنا في المجتمع الأكاديمي باتباع المنهج النقدي والعلمي في دراساتهم وأن يجتهدوا في أبحاثهم بالكشف عن الأخطاء غير الظاهرة في أي نظرية قائمة وذلك بغرض هدمها والإتيان بنظرية أفضل، وهكذا تتطور كافة العلوم سواء الطبيعية أو الإنسانية بينما لم تبرح الأيديولوجيات المغلقة مكانها، بل إنها أصبحت تعوق تقدم المجتمعات وسببا للاقتتال.
٢ ورطت أمريكا زيلينسكي رئيس أوكرانيا في حربه مع روسيا والتي دخلت عامها الثالث وسط قتل ودماروخوف ومعاناة فوق الوصف لشعبه الذي يدفع ثمنا باهظا لرغبة رئيسه عديم الخبرة في الانضمام لعضوية حلف الأطلسي نكاية في سفاح روسيا بوتين. زيلينسكي تصور أن أمريكا والغرب سوف يهبون للدفاع عن أوكرانيا أمام الغزو الروسي ونسى أن أمريكا لم تفعل شيئا عندما أحتل الروس جزيرة كرايميا. كان من الممكن أن تنصح أمريكا زيلينسكي بأن انضمام أوكرانيا للأطلسي يمثل استفذاذا لروسيا لا مبرر له. زيلينسكي الان في طريقه لخسارة الحرب ليس لنقص الأسلحة كا يدعي، ولكن للانهيار المعنوي لجنوده وشعبه وما يشعر هو به من خزي وعار لما تسبب فيه من معاناة ودمار لبلده وتحوله من رئيس دولة إلي متسول للسلاح والدعم من أمريكا والغرب. وبعدما كانوا يصفقون له في بداية الحرب بدأ الجمهوريون في تأخير صفقات الأسلحة والدعم المالي له في إشارة واضحة له بأن ما هو أت سوف يكون أصعبا خاصةً لو فاز ترامب وعاد في البيت الأبيض. ولأن ترامب صرح بأنه سوف يوقف هذه الحرب الدموية في يوم واحد. فإن ترامب المعروف برعونته يمكن أن يفعل هذا كما نتوقع من خلال وقف شحنات الأسلحة وإجبار زيلينسكي على التنازل عن مساحات من الأراضي المحتلة لصالح روسيا وأن ينسى حلمه بالالتحاق بالإطلسي مقابل أن توقف روسيا هجماتها على أوكرانيا. أعتقد ان زيلينسكي سوف يدفع حياته ثمنا لأخطائه الفادحة. والآن فإن الجمهوريين في أمريكا يورطون إسرائيل بغباء ودون أن يقصدوا في حربها ضد المدنيين في غزة. لأنهم يؤيدون نيتنياهو ويدعونه لإلقاء خطاب في الكونغرس بالرغم من أن معظم الإسرائيليين يطالبونه بالاستقالة بسبب فشله في الحرب واسترداد الرهائن الإسرائليين وازدياد عزلة إسرائيل على مستوى العالم "ما عدا العالم العربي". تأييد الجمهوريين الأعمى لنتينياهو وتأييدهم لاستمرار الحرب على المدنيين في غزة يسيئ لسمعة أمريكا عالميا وسوف يبدأ في الإضرار بمصالحها. ولو أن السياسة الخارجية الأمريكية الداعمة لإسرائيل بشكل أعمى استمرّت على هذا النحو، فإن أمريكا سوف تعاني من العزلة والمزيد من الكراهيه على مستوى العالم شأنها شأن إسرائيل. والصين وروسيا يعملان بذكاء على عزل أمريكا أكثر وأكثر وتوريطها عسكريا في الصراع العربي الإسرائيلي ومؤخرا فضحت المظاهرات الطلابية في العديد من الجامعات الأمريكية السياسيين الأمريكان خاصة الجمهوريين وكشفت للرأي العام الأمريكي والعالمي تاريخ معاناة الفلسطينيين وهو شيء لم يكن معروفا للأغلبية في الغرب، وبين أيضا مدى قوة اللوبي الصهيوني داخل أمريكا وكيف أن إسرائيل أصبحت عبئا ثقيلا على دافع الضرائب الأمريكي. والخلاصة إن الحرب في غزة والتي تستخدم إسرائيل فيها أسلحة أمريكية عنيفة تستخدم عادة في جبهات القتال، تستخدم الان لقصف المدنيين وتدمير كل مقومات حياتهم، وقد تجاوز التدليل الأمريكي لإسرائيل كل حدود الحياء والحذر، وكمثال صغير على هذا فشل أمريكا في إقناع إسرائيل بفتح معبر رفح الذي تتوقف أمامه مئات الشاحنات المحملة بالطعام والمياه والأدوية والناس في أشد الحاجة إليها وهو ما دعى أمريكا إلى بناء رصيف بحري لتمرير بعض الأغذية والدواء للفلسطينيين من البحر، هل رأيتم كيف تمتهن إسرائيل أقوى دولة في العالم؟ كل هذا سوف يظل حاضرا في ضمير العالم والشعوب وشباب أمريكا لفترة طويلة ولن ينسى أحد تناقضات إدارة بايدن الذي يقول دائما إنه يؤيد حل الدولتين، ولكن إدارته في نفس الوقت رفضت مرارا أن تصبح فلسطين عضوا دائما في الأمم المتحدة، والمدهش أن أمريكا أدانت مؤخرا قيام النرويج وإسبانيا وأيرلندا بالإعلان عن عزمهم الاعتراف بدولة فلسطين في الوقت الذي تدعي فيه أمريكا تبنيها لقيام دولة فلسطينية! تناقض فاضح يصل لحد الغباء. أما الموقف العربي والذي ثبت في اجتماع جامعة الدول العربية الأخير أنه لا حيلة له، فإنه يثير الشفقة ويدعوا للرثاء، وكل هذا يرجع أيضًا لضغوط الجمهوريين على الدول العربية كي تكتفي بإخذ موقف حيادي في حرب إسرائيل على غزة. وهكذا أصبحنا مسلوبي الإرادة ولا نقوى حتى على سحب سفرائنا من إسرائيل وطرد سفرائها، تخيل لو حدث هذا وأن وفودا من رؤساء الدول العربية الكبيرة والمؤثرة قامت بزيارات متتابعة لواشنطن وباقي العواصم الغربية للتعبير عن غضبها مما يحدث في غزة وقامت هذه الدول بوقف كل أشكال التطبيع مع إسرائيل، هل كانت الأوضاع الإنسانية في غزة تدهورت إلى هذا الحد؟

الأفكار
1- في رحلة العمر نلتقي بأشخاص لا ننساهم أبدا ونشتاق للقائهم دوما، وعندما يرحلون عن دنيانا نكتشف أنهم أخذوا معهم جزأ منا، وهكذا نتأكل تدريجيا حتى نلحق بهم.
2- في بلدنا أصبحت أعلى الأصوات للأغبى والأقل تعليما وثقافة، وأصبح المنطق والتفكير العقلاني خطرا وغير مستحب ويعرض صاحبه للاضطهاد والاعتقال، هو ما يذكرني بما قاله جمال الدين الأفغاني منذ قرن بإن العقل لا يوافق الجماهير الإسلامية وتعاليمه لا يفهمها إلا نخبة صغيرة من المتنورين. وفي هذا فقد صدق برنارد شو عندما قال بإن الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل، لأن أغلبية من الحمير ستقرر مصيرنا.