في نقد الاقتصاد الإسلامي


محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 8092 - 2024 / 9 / 6 - 00:25
المحور: الادارة و الاقتصاد     

يهدف الاقتصاد الإسلامي إلى معالجة المشاكل الاقتصادية للمجتمع وفق ما ورد في القرآن والسنة من مبادئ أخلاقية وذلك وفقا للاعتقاد الايماني بأنها مبادئ تصلح لكل البشر ولكل مكان وزمان، عكس ما قامت عليه النظم الاقتصادية الأخرى مثل الرأسمالية والاشتراكية، حيث يرى علماء المسلمين أن هذه الأنظمة قاصرة لأنها مبنية على آراء وتنظيرات بشرية، ولكننا سوف نبين كيف أن الاقتصاد الإسلامي أيضا تحكمه آراء واجتهادات بشرية. ولإن الاقتصاد الإسلامي لم يطبق في أي دولة وفقا لما أريد له، حيث لم نرى سوى محاولات بائسة لتطبيقه في بعض الدول متل السودان وأفغانستان وإلى حد ما إيران، وتم في هذه المحاولات خلط الاقتصاد الإسلامي بالإسلام السياسي وانتهت بإجبار المرأة على ارتداء الحجاب وعدم الخروج من المنزل ومنع البنات من الذهاب للمدارس بالإضافة إلى قطع أيادي بعض اللصوص الصغار، أما اللصوص الكبار فإنهم عادة ما يتمتعون بالحصانة كما هو الحال في كل دول العالم. ولترجمة الاقتصاد الإسلامي إلى نوع من الواقع تم إنشاء البنوك الإسلامية والتي قامت على ركن أساسي من أركان الشريعة الإسلامية وهو تحريم الربا والذي تم تفسيره بإنه سعر الفائدة السائد في البنوك الغربية سواء المركزية، أو التجارية، أو العقارية، أو الاستثمارية….إلخ. والحقيقة أو بحسب تفسيرنا فإن مفهوم الربا يختلف تماما عن نظرية سعر الفائدة التي ندرسها في كل جامعات العالم في مادة النقود والبنوك ولعلنا نوضح أوجه الخلاف بين الربا وسعر الفائدة في النقاط التالية:
١الربا وباختصار شديد هو استغلال حاجة الإنسان للاقتراض لتلبية حاجة ضرورية مثل المرض أو الإفلاس أو للتعامل مع كارثة تحتاج إلى معالجتها في أسرع وقت ممكن. ولذلك نهى القرآن عن الربا لما فيه من استغلال الإنسان القادر لأخيه غير القادر، والتحريم هنا شيء مطلوب بالطبع لإنه من الدناءة بمكان أن يستغل القوي الضعيف من خلال فرض إتاوة باهظة عليه.
٢أما سعر الفائدة وبشكل عام وبعيدا عن النظرية الاقتصادية فليس به أي نوع من الاستغلال، وكمثال على هذا فإن العميل الذي يقوم بإيداع جزء من دخله في البنك بغرض استثماره للحصول على عائد أو فائدة، فإنه لا يقرض البنك، كما أن البنك ليس بحاجة ملحة لمدخراته لإن لديه آلاف المودعين ولا يوجد هنا إي نوع من الاستغلال الذي نهى الإسلام عنه. لأننا أمام عملية استثمارية وليس عملية إقراض.
٣أما عن الجانب الآخر لسعر الفائدة وهو الاقتراض، فإن البنوك لا تقرض أموالها للفقراء وإنما للأغنياء فقط. وكمثال على هذا فإن من يذهب للبنك للاقتراض فإنه عادة ما يفعل هذا للتوسع في نشاطه ليزداد غنى. وعندما كنت أعمل في البنوك أيام الشباب كانوا يدربوننا في إدارة الائتمان على ما يسمى بقياس ملاءة العميل من خلال مراجعة كل ما يملك من أصول وما عليه من التزامات للتأكد من قدرته المالية على سداد أصل القرض الممنوح له مضافا إليه أرباح البنك والرسوم الأخرى. وهناك الكثير من العملاء الذين نطلب منهم ضمانات إضافية. وخلاصة هذا الجانب لسعر الفائدة، أن العميل هنا لا يتعرض لأي نوع من
الاستغلال كما أنه يقترض من البنك بمحض إرادته وليس مضطرا.
٤أما في النظرية الاقتصادية فإن لسعر الفائدة دور هام في حث الناس على الادخار، بمعنى أن سعر الفائدة هو ثمن وقت الانتظار لان الادخار يعني تأجيل الاستهلاك في الأجل الحالي مقابل الحصول على عائد في المستقبل "سعر الفائدة" علما بإن ما تقوم به الحكومات من استثمارات في مشروعات وخدمات وبنية تحتية يعتمد على حجم الادخار العام والخاص وسعر الفائدة هو الذي يقوم بتعبئة هذه المدخرات.
٥وفي السياسة النقدية تستخدم البنوك المركزية سعر الفائدة لضبط معدلات التضخم وزيادة معدلات التشغيل والحد من البطالة عن طريق خفض سعر الفائدة في أوقات الكساد لتشجيع شركات القطاع الخاص على الاقتراض من البنوك لزيادة طاقاتها الإنتاجية وخلق فرص عمل.
٦وقد تعلمنا أيضا في السياسة النقدية أنه كما لأسعار الفائدة المرتفعة مضار عديدة، فإن لأسعار الفائدة المنخفضة بشدة مضار أكبر تتعلق بالنمو الاقتصادي والادخار والاستثمار، كما أن أنها تؤدي إلى ظهور شركات ليست بالكفاءة المطلوبة وغارقة في الديون وذلك لانخفاض تكلفة الاقتراض، وعادة ما ينتهي بها المطاف إلى الإفلاس. كما يؤدي الانخفاض الكبير لأسعار الفائدة إلى تآكل مدخرات أصحاب المعاشات ومن يعتمدون في سد احتياجاتهم على دخلهم من مدخراتهم مع البنوك وهو ما يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وعدم الاستقرار. ومعذرة للإطالة في موضوع سعر الفائدة لأنني أردت أن أبين أن له وظائف عديدة وأنه يختلف عن الربا الذي ليست له وظيفة سوى الاستغلال كما بينا. وعودة للبنوك الإسلامية التي قامت أساسا لوقف التعامل بأسعار الفائدة، ولذلك قامت بتقديم عقوداً تمويلية خاصة بعملائها لتفادي شبهة الربا مثل عقود المرابحة، والمشاركة والمضاربة. وعلى سبيل المثال فإذا أراد عميل أن يشترى منزلا بطريقة عقد المرابحة فإنه يقوم بتوكيل البنك لشراء المنزل الذي يريده وبالسعر الذي تفاوض عليه العميل. وبعد أن يتملك البنك المنزل يقوم بإعادة بيعه للعميل بالتقسيط بعد أن يضيف هامش ربحه وفور انتهاء العميل من سداد قرض البنك شاملا أرباحه يتم نقل ملكية المنزل له. ولعل القارئ يلاحظ هنا أننا أمام عملية إقراض بربح محدد مشابهة تماما لما تفعله البنوك العادية والفارق الوحيد هو المسمى. وكمثال آخر فإن عقد المشاركة لا يعني أن يدخل البنك في شراكة دائمة مع أي عميل وإنما هي عقد مشاركة محدد المدة لا تزيد عن عشر سنوات بحيث يتفق فيها البنك مع العميل على أن يشتري العميل حصة البنك بالتقسيط وبربح محدد مسبقا. وباختصار شديد فإن البنوك الإسلامية لا يمكن أن تدخل في شراكة حقيقية ودائمة مع صاحب ورشة لتصليح كاوتش السيارات مثلا، أو مصنع لتفصيل الملابس بحيث يشارك البنك في الإدارة ويشارك في الأرباح والخسائر. وهناك أسباب كثيرة لهذه الطريقة التي تعمل بها البنوك الإسلامية منها أنها تخضع لرقابة البنك المركزي شأنها شأن البنوك الأخرى ولابد أن تحمي أموال المودعين وتحقق أرباحا للمساهمين ولا يمكنها أيضا تجاوز أسعار الفائدة لإعادة الشراء التي يحددها البنك المركزي ولا معدل كفاءة رأس المال التي يحددها البنك المركزي أيضا. وحتى في سياسات إدارة المخاطر ووسائل التمويل لا يوجد أي فارق بينها وبين البنوك التقليدية سوى في المسميات فسعر الفائدة الذي يحصل عليه المودع يسمى بالعائد. أضف إلى هذا ‏أن مجالس الشريعة في البنوك الإسلامية في البداية كانت محافظة جدا وتطبق المبادئ الشرعية و أحكامها في كل المعاملات بشكل حرفي ، أما الآن فقد أصبحت هذه المجالس مرنة جدا و أصبح معظمها خاضعا للإدارة العليا في البنوك الإسلامية و تفصل لها ما تريد من أحكام بهدف أن يحقق البنك اكبر ربح ممكن ،وهناك ما يسمى بالحيلة في الشريعة والتي تعني تخفيف بعض الأحكام الشرعية بالتحايل عليها من خلال إيجاد أي ثغرة بهدف ألا يفقد البنك صفقات معينة تحقق للبنك وللمساهمين أرباحا جيدة .وعلى سبيل المثال فإن الأصل في الشريعة الاسلامية ألا يستفيد البنك بأي حال من أموال الفوائد التي يحصل عليها بسبب إيداع نسبة الاحتياطي القانوني مع البنك المركزي الذي عادة ما يستثمر هذه الأموال في سندات الخزانة العامة ذات الفائدة المحرمة شرعا وكانت هذه الأموال تذهب للأعمال الخيرية . الآن ‏هناك فتوى تجيز استخدام الفوائد في ميزانية التسويق الخاصة بالبنك على أساس انها نوع من المصاريف وليس الإيرادات. ولكن الحقيقة هي أن البنك يستفيد كثيرا من التسويق في توسيع نشاطه. ومن الأمثلة الأخرى التي عرفتها من بعض الاصدقاء الذين يعملون في البنوك الإسلامية أن هناك فتاوى جديدة تبيح للبنك أن يقوم مثلا بإقراض أمواله لسوبرماركت يبيع الخمور طالما أن نسبة الدخل من الخمور لا تزيد عن ١٠٪؜ من أجمالي الدخل! مع أن الحرام يتحدد بمفهومه وليس بحجمه كما نعتقد ولماذا 10% وليس 7%؟ والخلاصة أن علماء الاقتصاد المسلمين مثل علماء الغرب حاولوا ولا زال الجميع يحاول إيجاد حلول لمشاكل الإنسان والمجتمعات الاقتصادية، وبالتأكيد هناك بعض النجاحات، ولكن هناك إخفاقات كبيرة أيضا. والسبب في هذا أن الإنسان خلق بغرائز قوية لا يمكن تغييرها وعلى رأسها الطمع بلا حدود والسعي لتأمين مصلحته الشخصية حتى ولو على حساب مصلحة الآخرين، ولذلك تتحطم أعظم المبادئ التي وردت في الأديان بسبب نداء المصلحة الشخصية الذي لا يتوقف أبداً، وعلماء الاقتصاد في الغرب تعاملوا مع هذه المعطيات بواقعية عكس علماء الاقتصاد الإسلامي الذين يرون أن الشعارات الدينية يمكن أن تغير طبيعة الناس ولو كان هذا صحيحا لكانت المجتمعات الإسلامية أفضل حالا مما هي عليه الان، فالشعارات وحدها وبدون سلطة وقوة خلفها لا قيمة لها.
وأخيرا فإن ما يهدف اليه المقال ليس تشويه البنوك الاسلامية لأن بعضها ملتزم جدا بأحكام الشريعة، ولكن الغرض هو بيان أن هناك اجتهادات بشرية عديدة في عمل هذه البنوك وهي في هذا لا تختلف كثيرا عن البنوك التقليدية.
مستشار اقتصادي