ديمقراطيون السجون والمعتقلات
كاظم فنجان الحمامي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8190 - 2024 / 12 / 13 - 12:24
المحور:
حقوق الانسان
اي عالم هذا الذي يستطيع ارسال مركباته الفضائية إلى الكواكب البعيدة بينما لا يفعل شيئا لمقارعة الظلم ؟. ولماذا انفردت بعض حكوماتنا (الديمقراطية) بسجونها وأقبيتها ودهاليزها وطواميرها وأساليبها القمعية في تعذيب المواطنين والتنكيل بهم ؟. هل لأن تلك الأنظمة الظالمة ولدت في أوساط سيئة، فاكتسبت نزعاتها الأجرامية من حاضنات، كنا نرى فيها العداوة ولا نرى اسبابها ؟. فكلما زاد وعيك وزادت ثقافتك الوطنية اقتربت من السجن. .
كانت صدمة كبيرة للعراقيين والمصريين والأردنيين والمغاربة عندما شاهدوا مآسي السجون السورية، من دون ان يدركوا ان سجون بلدانهم هي نسخة مطابقة تماما لتلك السجون. وربما اكثر قتامة منها. حيث لا فرق بين صيدنايا السوري وبين سجن (طرة) المصري، وسجن (قارا) المغربي، وسجن (سواقة) أو (قفقفا) الأردني. وسجن (المرناقية) التونسي. .
انت عندما تقرأ اسماء تلك السجون: (طرة - سواقة - قارا - عدرا - قفقفا - مرناقية) تشعر انك تقرأ اسماء لعفاريت وشياطين والعياذ بالله. ولا يخدعنك أسم سجن (قصر النهاية) العراقي فهو لا يقل بشاعة عنها. .
في تلك السجون يستيقظ المواطن من نومه ليجد نفسه في مكان معتم. لا نافذة فيه ولا باب. جدران وأصفاد وصرخات مكتومة تأتيه من بعيد. تحاصره قضبان باردة. يخنقه هواء فاسد. انفاق وسراديب ومتاهات لا يعود منها الإنسان كما كان. حيث تبدأ رحلة الرعب التي لابد ان تنتهي بالهلاك او بفقدان الذاكرة، فالزمن فيها لا قيمة له، أول ما يُسلب منه عقله وتفكيره وإحساسه بالآدمية. لا الليل ليل، ولا النهار نهار. فقط ظلام دامس يغرق في بحار العزلة. .
يُقال ان احد المغيبين بدأ يسمع صوتا يهمس باسمه بلا انقطاع. في البداية ظن انه يتخيل، ولكن مع مرور الوقت اصبح الصوت اقرب ثم أقرب. الصمت أقسى من التعذيب، في الصمت تشعر ان افكارك تخونك. الطعام هناك ليس طعاماً، ولا فرق بين الماء والبول، بعض السجناء رفضوا تناوله. ليس احتجاجا بل لأنهم فقدوا الشعور بانهم أحياء. .
في تلك السجون لا يحتاج المواطن إلى التعذيب الجسدي، فالظلام والجوع والضرب المبرح يكفي لتحويله إلى شخص مجنون. ليست الأسوار هي التي تمنعه من الهروب. انه الخوف من الفرار نحو عالم محذوف من ذاكرته. .
سألوا احدهم: ما اسمك ؟. قال: اسمي بشار. من اين انت ؟. قال: من بشار. من هو ربك ؟. قال: بشار. .
طفل سوري يخرج من عتمة السجن بعد أن ولدته أمه داخل السجن. يلفت الانظار بجماله عند خروجه. أصيب بصدمة خارج الأسوار، فقال لأمه: يلا نرجع الى بيتنا (السجن). يا أمي هنا الهواء كثير. .
في تلك السجون هنالك أماكن تجعلك تتمنى لو ان الموت اتى لإنقاذك. في الليل يسحلونك معصوب العينين لا تسمع سوى صوت السلاسل وسعال المرضى، ثم يأخذونك إلى محجر بحجم القبر لتكتشف انك محتجر مع جثة باردة لسجين سبقك إلى الموت، فتحسده على الخلاص من الدنيا وعذاباتها. .
بعد سجن صيدنايا أضحت السجون العربية كلها محط اهتمام المنظمات الدولية ومتابعاتها. صور صادمة، وشهادات مؤلمة اصابت الكون كله بالخوف والذعر. .
من هنا نأمل ان تتبنى البرلمانات العربية خطة لاستقصاء الممارسات الإنسانية في مجال معاملة السجناء بموجب نظام العدالة الجنائية. .
وتذكروا ان البلاد التي تكثر فيها سيارات امن الدولة وتقل فيها سيارات الإسعاف هي بلاد لا تحترمك حيا أو ميتاً. . .