التهريج والإسفاف بصورته المتلفزة


كاظم فنجان الحمامي
الحوار المتمدن - العدد: 8197 - 2024 / 12 / 20 - 20:47
المحور: الصحافة والاعلام     

تعمدت احدى الفضائيات العراقية تكريس الجهل والتخلف، ونشر ثقافة التفاهة، وحث الشباب على استحسان الرداءة، من دون ان تصحح هفواتها وتعتذر للناس. .
عندنا والحمد لله نخبة مثقفة وواعية من الإعلاميين الاكفاء، ومن مقدمي البرامج، الذين يمتلكون مهارة عالية في النقاش والتحاور المهني القائم على الأسس العلمية الرصينة. لكن المؤسف له وجود بعض المفلسين المنفلتين الذين أوصلهم غباؤهم إلى الاستعانة بالثرثرة وبذاءة اللسان، حتى جاء اليوم الذي فضحوا فيه انفسهم ووقعوا في شر أعمالهم. .
مثال على ذلك الحلقة التي قدمها (قحطان عدنان) بتاريخ 18 / 12 / 2024 من خلال برنامجه (بمختلف الآراء) على قناة (وان نيوز)، فظهر متهجما وساخرا من رجل معمم كان يعتلي المنبر في المسجد، ويقرأ قصيدة منسوبة لعلم من أعلام التصوف في العصر العباسي، هو أبو عبد الله حسين بن منصور الحلاج (858 - 922). اشتهر برائعته التي يقول في مطلعها: (والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسي). .
كان الحلاج فيلسوفاً اتخذ من التصوف طريقاً لإحقاق الحق، ونصرة المظلومين، ومحاربة الظالمين, فلم يرق كلامة للحاكم العباسي (المقتدر بالله) لتأثيره على الناس، فقرر التخلص منه من خلال اتهامه بالكفر والزندقة، وقرر تقطيع أطرافه، وحرق جسده وهو مصلوب على شجرة، فمات مصلوباً رحمه الله حتى تحول رماداً. .
هذا هو (الحلاج) الذي يزعم قحطان التعبان ان هذه القصيدة من إبداعات (كاظم الساهر)، ولا ندري كيف حوّل (الساهر) هذه القصيدة الدينية إلى قصيدة طربية، على الرغم من شيوعها بين رواد المدارس الصوفية. .
فخرج علينا قحطان مجلجلا مطبلا كعادته، وهو لا يفهم شيئا عن جوهر القصيدة، ولا يعرف قائلها، ولا بالظلم الذي وقع عليه. .
قال قحطان التعبان: (شايف الكثير من السرقات، لكنني لم اسمع برجل دين يسرق أغنية من كاظم الساهر). ثم يقهقه القحطان ويكمل: (هاي ما شايفها. . هاي جديدة، والله العظيم هاي جديدة)، ويواصل قهقهته بثقة عالية. .
هكذا يجري تسويق الغباء والتخلف في بعض الفضائيات العراقية التي أساءت إلى أصول المهنة، وأساءت إلى الأدب العربي، وشوهت صورة التاريخ الإسلامي. .
كان من المفترض ان تتحرى ادارة القناة وتبحث في الجوجل على اقل تقدير لترى الشروحات المفصلة عن هذه القصيدة وقائلها، ولترى كيف تحولت إلى ترنيمة صوفية شائعة ومتداولة في دور العبادة، فهي ليست أغنية وجدانية، ولا تتضمن كلمات غزلية، فقد حرص الشاعر على مخاطبة الرسول الأعظم ومناجاة رب العباد بكلمات بليغة. .
لكن المصيبة الأعظم هو هذا التجاوب بين قحطان وجمهوره التعبان. الذين تضامنوا معه في التهريج والتضليل والإسفاف. .
كلمة اخيرة: إذا اصبحت بعض الفضائيات منصات للتهريج فليس بالضرورة ان يتحول مقدم البرامج إلى طبال (طبلچي). .