الصراع في أوروبا والدمار في ديارنا


كاظم فنجان الحمامي
الحوار المتمدن - العدد: 8176 - 2024 / 11 / 29 - 09:34
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني     

لحكماء القبائل العراقية قول يرددونه بلهجتهم الدارجة: (الخيل إذا تعاركت من فگر السايس). ولفلاسفة العالم حكمة لا يستهان بها. تقول: (التاريخ لا يُعيد نفسه، لكنه غالباً ما يسير على إيقاعات متشابهة)، وهو ما يبدو ظاهراً منذ الآن في الصراع العالمي الدائر في أوروبا وشرق آسيا. صراع يشبه إلى حد بعيد الصراع القديم بين القوى الكبرى المتنافسة في الحربين الكونيتين (الأولى والثانية)، أي قبل أكثر من 100 عام. .
لو عدنا إلى الشهر الاول من عام 1914 لوجدنا ان العالم العربي كله كان موحدا من المحيط إلى الخليج. حيث لا وجود للحدود، وكان السفر بلا جوازات وبلا تأشيرات، والناس احرار في تنقلاتهم من طنجة إلى الفاو، ومن طرابلس الشرق إلى طرابلس الغرب. لكن أرض العرب أصبحت بعد عام 1924 مقسمة ومجزئة بمعاهدة خبيثة أبرمت بين فرنسا والمملكة المتحدة، وصادقت عليها الإمبراطورية الروسية وإيطاليا، وكانت بنودها وراء تقاسم ارضنا بين المنتصرين في تلك الحروب، ومنحوا انفسهم مناطق للنفوذ في غرب آسيا، ثم قطعوا أوصال رقعة الخلافة العثمانية بما يسمى معاهدة سايكس - بيكو لعام 1916. .
اما الآن فلم يعد الأمر سرا بعد استعراض خرائط التقسم امام انظار اعضاء هيئة الامم المتحدة، فقد شملت الخرائط الجديدة كل الرقعة الجغرافية المحصورة بين نهر الفرات ونهر النيل. ولم يعد الامر غامضا بعد ظهورها مرسومة فوق اكتاف جنودهم ومرتزقتهم. .
اللافت للنظر اننا لم نسمع كلمة احتجاجية واحدة من الحكومات العربية ومن الاحزاب الوطنية، ولا من أمانة الجامعة. آخذين بعين الاعتبار ان المنطقة العربية والأفريقية تمر منذ سنوات بحالة اللا حرب واللا سلم. وظلت تغلي ببراكين القلاقل والفتن والقصف المتواصل في سوريا والعراق ولبنان والأردن واليمن والسودان وليبيا وفي كل مكان. .
فالخناجر التي مزقت خارطتنا القديمة سوف تعود للظهور من جديد ولكن على شكل بلدوزرات عملاقة لتعبث بارضنا، وتقلب عاليها سافلها كيفما تشاء. وسوف تتعالى اصوات المشايخ المؤيدين للتقسيم بصيغته الإمبريالية المستحدثة. .
الطامة الكبرى ان معظم البلدان العربية المشمولة بالتجريف والتقطيع منشغلة هذه الايام بمشاكل داخلية مثيرة للسخرية. رغم انها واقعة لا محالة في طريق التقسيم والتجزئة، ربما بسبب تنافر القوى السياسية الغبية التي تحكمها، والتي هي على أتم الاستعداد لتنفيذ مشاريع التمريق والتفكيك، والتحول إلى دويلات ضعيفة متناحرة. .
ختاماً: إذا أردت أن ترى الكوارث التي سوف تعصف بنا بعد عام 2024 فانظر إلى الحدود البرية التي ظهرت فوق سطح الارض بعد عام 1924. حينها ستكون على يقين بأن التقسيم الجديد قادم الينا. وسوف تدرك بأننا نحن الضحية عندما تتصادم ثيران القوى العظمى. .