عن ( ليس البدو السبب بل العسكر المصرى )
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن
-
العدد: 8156 - 2024 / 11 / 9 - 16:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
السؤال :
من العادة أن تنتشر على السوشيال ميديا صور للمرأة المصرية متبرجة ومتحررة فى اللبس ثم صور لها وهى بالنقاب ، وتقول كنا كذا فجاء البدو وجعلونا كذا .. ما رأيك ؟ هل توافق على هذا الطرح ؟
الاجابة
هذا تسطيح يليق بأصحابه . ونعطى حقائق تاريخية سبق ان كتبنا فيها أبحاثا منشورة هنا ، ولكن من يقرأ ؟!!.
نقول بإيجاز :
1 ـ قامت الدولة السعودية ثلاث مرات وسقطت مرتين . أسقطت مصر الدولة السعودية الأولى عام 1818 ودمرت عاصمتها الدرعية . عادت الدولة السعودية الثانية ثم سقطت ، ثم اعاد عبد العزيز تأسيسها خلال كفاح من عام 1901 الى أن استقرّ حكمه وأعطاها اسم اسرته السعودية عام 1932. الفضل فى تأسيس الدولة السعودية ( الراهنة الثالثة ) يرجع الى ( الإخوان ) وهم أعراب قام شيوخ الوهابية بتعليمهم الوهابية بتزمتها ووحشيتها وربط ذلك بالدين ( الاسلام بزعمهم ). بعد أن استولى بهم على الحجاز بدأت متاعبه معهم ، إذا يريدون مشاركته فى السلطة .
خلال هذه المتاعب عزم على التخلص منهم وإيجاد بديل تابع له فى الخارج ، وفى مصر بالذات . من خلال أعوانه فى مصر ( خصوصا الشيخ رشيد رضا ) تحولت أكبر جمعية دينية فى مصر ( الجمعية الشرعية ) من التصوف الى الوهابية ، ثم تأسست جمعية ( أنصار السنة ) لنشر الوهابية باسم السُنّة ، ثم تأسّست جمعية من الميليشيات هى ( الشبان المسلمين ) ، ثم أُختير أفضل شاب فيها وهو ( حسن البنا ) ليكون قائدا لجمعية سياسية عسكرية للوصول الى الحكم .
مابين 1928 الى 1948 نجح حسن البنا فى تأسيس 50 الف فرع للإخوان فى مصر ، وفى إنشاء التنظيم العالمى للإخوان المسلمين وفى تأسيس الجهاز الخاص ( العسكرى ) للإغتيالات . هذا النجاح الهائل ساعد فيه : الانجليز الذين كانوا يعطون مرتبا شهريا لحسن البنا ، ولأن جيل الشباب وقتها كان رافضا للظلم الاجتماعى وتحجّر الطبقة السياسية وغلق الأبواب امام الشباب . أقلية الرافضين كانوا من الشيوعيين الذين كونوا ( حدتو ) والقومييين المصريين ( حزب مصر الفتاة ) ، ولكن الأغلبية إنضموا للإخوان المسلمين . الشاب جمال عبد الناصر انضم لحزب مصر الفتاة و ( حدتو ) باسم مستعار ( موريس ) وللأخوان المسلمين .
2 ـ خرجت بريطانيا من الحرب العالمية الثانية قوة من الدرجة الثانية وسلّمت الراية لأمريكا ، ومنه العمل مبكرا للتجهيز لتأسيس إسرائيل . بدأت بريطانيا هذا بوعد بلفور وقبله وبعده . وتأسست إمارة شرق الأردن دولة وظيفية لتخدم الدولة الاسرائيلية القادمة . على أن الأهم هو :
2 / 1 : المساعدة فى تأسيس الدولة السعودية الثالثة الراهنة ، وكانت بريطانيا تدفع لعبد العزيز مرتبا شهريا . كما إن الجاسوس البريطانى ( جاك فيلبى ) الذى إعتنق الاسلام كان المسيطر على عبد العزيز ومستشاره الأول . بظهور أمريكا عقد الرئيس روزفلت إجتماعا مع عبد العزيز واتفق معه مقدما على أن تكون دولته خادمة للدولة الاسرائيلية القادمة .
2 / 2 : فى نفس الوقت تم وضع خطة لانقلاب عسكرى فى مصر ، على مثال الانقلابات العسكرية فى أمريكا اللاتينية . وهدف هذا الانقلاب العسكرى هو تدمير مصر على مراحل لصالح دولة إسرائيل القادمة . جاء لمصر الجاسوس الأمريكى مايلز كوبلاند ، وكان عونا له مصطفى أمين وتلميذه محمد حسنين هيكل . وبهما تعرف على بعض الضباط فى الجيش ، ابرزهم جمال عبد الناصر . وتم الاتفاق على مساعدته فى الانقلاب العسكرى على أن تبقى أمريكا عنه بعيدة فى العلن ، وأن تترك المجال لعبد الناصر قائدا ( فى الظاهر ) بينما يتلقى التعليمات الأتية من مايلز كوبلاد الى مصطفى أمين وتلميذه محمد حسنين هيكل . من هذه التعليمات إغتيال الضابط الوطنى أحمد عبد العزيز المؤسس الحقيقى للضباط الأحرار والذى ترك الجيش المصرى ليحارب العصابات الاسرائيلية . كان مصطفى أمين عبئا على عبد الناصر بعد الانقلاب بسبب قوة شخصيته ، لذا تم إعتقاله وإنفرد هيكل مكانه . من التوجيهات هى تعذيب النشطاء من المثقفين والسياسيين من حزب مصر الفتاة بمن فيهم ( أحمد حسن ) والشيوعيين، بينما أتيحت الفرصة للإخوان المسلمين ليكونوا الظهير الشعبى للإنقلاب . وسرعان ما حدث الخلاف بين الاخوان والعسكر ، فأطاح بهم عبد الناصر، وقام عبد الناصر بوضع ايدلوجية القومية العربية بديلا عن الأيدلوجية الدينية الوهابية ، وسيطر على الأزهر والأوقاف والدعوة الدينية فى مصر .
الأفظع أن عبد الناصر ـ طبقا للأوامر ـ إنهزم طواعية أمام إسرائيل مرتين 1965 ، 1967 ، وبنفس الطريقة ؛ الانسحاب الفوضوى وترك الطيران المصرى تدمره إسرائيل ، ثم تقوم بقتل عشرات الألوف من الجنود المصريين المنسحبين فى سيناء .
قبل ذلك كان العداء مستحكما بين عبد الناصر والسعودية . بهزيمة 1967 خضع عبد الناصر للسعودية ، وهذا بأوامر أمريكية . أصبح عبد الناصر عبئا على أمريكا والسعودية ، وتم التخطيط للتخلّص منه وأن يكون السادات هو الحاكم بعده . والسادات عميل أمريكى عريق وخادم أمين للسعودية . لذا جاءت الأوامر لعبد الناصر أن يجعله نائب الرئيس ، ومات عبد النصر فجأة فاصبح السادات رئيسا ، وكان عليه أن يتخلّص من إرث عبد الناصر فى الداخل ( اليساريين فى الجيش وأجهزة الحكم ) وفى الخارج ( التبعية للإتحاد السوفيتى ) . نجح فى ذلك بما سمأه ( ثورة التصحيح ) . وقطع إرتباطه بالاتحاد السوفيتى . الذى يهمنا هو أنه أشعل وأشغل مصر بالوهابية ، وساعد فى ذلك كمال أدهم المخابراتى السعودى، وإستقدموا محمد متولى الشعراوى وفتحوا له أجهزة الاعلام ، وصار يُصيغ عقلية المصريين بالوهابية السلفية .
أصبح الإخوان قوة كبرى ، وخرجت من عباءتهم تنظيمات وجمعيات سرية وعلنية ، وأحدثوا قلاقل ، وفى نفس الوقت صار السادات عبئا على أمريكا والسعودية فأعدوا نائبة مبارك ليحل محله ، ثم كان إغتيال السادات علنا .
وتولى مبارك فوعى الدرس : أن لا يكون له نائب رئيس ، وأن يضع خده مداسا لأمريكا وإسرائيل والسعودية . وتفرّغ مبارك للسرقة وبرع فيها ، وفى أواخر حكمه كان محتارا بين تمديد حكمه أو توريث إبنه. وقامت الانتفاضة المصرية .
انتهى الأمر بوصول أحقر فرعون ( عبد الفتاح السيسى ) . إذا كان مبارك قد ترك مصر أنقاضا فالسيسى هو الذى يبيع لحسابه هذه الأنقاض ، وإذا كان مبارك رئيسا لدولة فالسيسى أصبح مالكا ل ( ضيعة ) أو ( عزبة ) . إذا كان مبارك مستقلا بعض الشىء فى تعامله مع اسرائيل ودول الخليج ويتيح حرية النباح فإن السيسى يعطى مؤخرته لأمريكا وإسرائيل وابن زايد وابن سلمان يفعلون بها وبه ما يشاءون ، هذا بينما يوجه مدفعه الرشاش نحو المصريين .
3 ـ ولى العهد ابن سلمان بدأ يتحلّص من تزمت الوهابية ويحول مملكته الى النقيض ، إنحلال ومجون ولهو ولعب ، ويستبقى من الوهابية ما يعزّز إستبداده . تراجعت الوهالية فى بلد المنشأ بينما لا تزال قابعة فى مصر ، ليس فى مجرد النقاب والحجاب بل فى قلوب ميتة عمياء .
أحسن الحديث :
قال جل وعلا : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) الأنعام ).
ودائما : صدق الله العظيم .