|
جذور العنف والفوضى، وأثرها في إضطهاد مسيحيي العراق. (2).
الحكيم البابلي
الحوار المتمدن-العدد: 4719 - 2015 / 2 / 13 - 11:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
آهِ ياليل … لقد أطفأتَ عيني غير إني سأغني… واُسَمي كلَ شيءٍ بإسمهِ كي لا يُؤَولْ. للشاعر أحمد مطر.
في الجزء الأول من مقالي السابق (جذور العنف والفوضى (1)- البيت، المدرسة، الدين)، كان من ضمن المُعلقين على الموضوع كل من السادة (عبد المطلب العلمي) و (عمر الخيام)، ولكون تعليقاتهم تحتاج إلى إجابات طويلة ودقيقة ومُفصلة، لِذا إرتأيتُ أن يكون ردي على شكل مقال من ضمن سلسلة مقالاتي هذه، وهو اليوم بعنوان (جذور العنف والفوضى(2) وأثرها في إضطهاد مسيحيي العراق). أدناه تعليق السيد الكاتب عبد المطلب العلمي مع ردي عليه. يليه تعليق السيد عمر الخيام مع ردي عليه كذلك. عبد المطلب العلمي لقد قرات بتمعن و بأسى ماكتبته يا اخي طلعت عن التجاوزات و العلاقات السلبيه في بلدك اتجاه غير المسلمين.هممت بالتعليق و تراجعت في اخر لحظه لئلا تظن ان تعليقي يهدف الى التشكيك في صدقيه مقالك. وما شجعني على الكتابه هو مداخله السيده مريم نجمه. انا فلسطيني مقدسي لا ديني، لكني ولدت في اكناف عائله مسلمه. اصدقك القول، لكن ما جاء في مقالك لا ينطبق اطلاقا على العلاقات التي كانت سائده في مدينتنا، سواء في حَيِنا او في مدرستي، كان هناك الارمن و السريان و المسلمين و مسيحيين من طوائف اخرى. كنا اصدقائا و اندادا، لكن الدين و العقيده لم يكونا يوما اساسا للشلليه او منطلقا لاذلال الند. اساس علاقتنا دائما كانت فهمنا الطفولي للرجوليه و الشرف و التاخي، اذكر كيف كنا نذهب معا لمشاهده مسيره الشعانين الجميله (ربما لها اسم اخر لديكم و هي مسيره تسبق بعده اسابيع عيد القيامه و اهم مميزاتها استعمال السعف الخضراء)، كذلك كيف كنا نذهب في رمضان جميعنا لتناول الحلوى التي تقدم بعد الافطار.
-;-لكل ذلك يتبادر الى ذهني سؤال، لماذا الوضع في العراق يختلف عما كان عندنا في بلاد الشام ؟. إنتهى التعليق .
ردي على تعليق السيد عبد المطلب العلمي: * أخي وزميلي العزيز، أنا أيضاً إنسان (لا ديني)، رغم أني ولِدتُ في عائلة عراقية مسيحية كلدانية كاثوليكية. بودي القول أن تدويني وتوثيقي لبعض آلام وصبر وعذابات المسيحيين العراقيين قديماً وحديثاً لم يكن لإستجداء العطف أو توسل وإستدرار دموع الآخرين كما في الأفلام الهندية، بقدر ما هو شواهد حية ناطقة نازفة ودامغة أعرضها وغيري قدامَ الضمير العربي والعالمي عسى أن ينتبها يوماً وفي لفتة ضمير حائرة لما جرى ويجري في بلاد الف ليلة وليلة، ولكل الليالي التي أعقبت الليلة ما قبل الأخيرة. المهم .. من حقك وحق الأخت الزميلة الفاضلة مريم نجمة والبعض غيركم أن تتعجبوا من كل ما ورد وسَيَرِد في مذكراتي وملاحظاتي عن المجتمع العراقي وبؤس معاملته لكل من هو غير مسلم وحتى غير عربي. والظاهر -حسب أقوالكم- أن الوضع بين المسلم وغير المسلم عندكم في الشام يختلف -أو كان يختلف- إختلافا جذرياً عما هو عندنا في العراق!، رغم تحفظي في تصديق أقوالكم 100٪-;-، وبرأيي أنكم ربما لا ترون إلا ما يطفح فوق سطح االماء. والمعذرة لصراحتي، حيث لا أود أن أكون كاذباً منافقاً لو إدَعَيتُ تصديقي التام لكما، أو مجاملاً في أحسن الأحوال !!؟ مُلاحظة عابرة: من يشك ولو للحظة بأن المسيحيين في العراق كانوا يعانون من إضطهادات المُسلمين لهم، فعليه أن يتفضل بقراءة التعليق الزنخ الحاقد العنصري الذي كتبه لي المُتسمي بإسم ( Aashig Ali ) والذي أرسله حول مقالي السابق من خِلال فيسبوك موقع الحوار المتمدن. وردي عليه هو في قصة المثل العربي: "لو ذاتَ سِوارٍ لطمتني".
قد يكون من الصعوبة بمكان أن أوضح أو أرسم بالكلمات، الخارطة الإجتماعية المعقدة للمجتمع العراقي، إذ حتى العالِم الإجتماعي الشهير (د.علي الوردي) إقتضاه الأمر تأليف عدة كتب سميكة وحفنة سنين ليشرح ويُفكك متاهات ودهاليز الشخصية العراقية ومجتمعها العجيب فائق التعقيد في تركيبته وتداخله وتشابكه بسبب كل الأقوام والأعراق التي توالت عليه تأريخياً، والحروب والغزوات وتنوع اللغات وتداخل الحضارات التي تقاذفتهُ عبر آلاف السنين، ولا أعتقد أن أي بلد عربي آخر خضع لكل تلك المتغيرات كما حدث للعراق وشعبه، ومن يدرس تأريخ المنطقة يعرف كل ذلك. كذلك بودي التوضيح أن وضعنا الإجتماعي كمسيحيين عراقيين كان يختلف بإختلاف من نحنُ (كأفراد وعوائل) وأين نحنُ (منطقة السكن)، مثلاً والدي كان قد ولد في بغداد، وكان موضفاً حكومياً ومتعلماً مثقفاً بصورة جيدة جداً وعاش في مناطق متحضرة نسبياً مقارنةً مع مناطق أخرى قروية أو ريفية حيث كان المسيحي فيها دائماً مُستغَلاً من قبل الآخرين عرباً وأتركاً وفرس وأكراد، فالمسيحي في (سهل نينوى) مثلاً -حيث أغلب القرى المسيحية- هو الوحيد من بين كل المُكَوِنات الدينية والقومية الأخرى التي حوله لا يحمل أو يملك سلاحاً، ولا حتى يؤمن بالتسلح!!، وهو الوحيد الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه أو عائلته أو أرضه وحقوقه، بل كان يعتمد على قانون وحماية الدولة !، والدولة ومسؤوليها نادراً ما كانت تقف مع الضعيف ضد القوي!، علماً بأن العراق لم يحظى أبداً بحكومات ديمقراطية أو عادلة أو حتى متفهمة لأوضاع الشعب. لهذا كان أي مسلم عربي أو كردي واحد -حتى لو كان راعي غنم أو شرطي- بإمكانه ترهيب قرية مسيحية بكاملها، وهذه حقيقة يشهد بها ويعرفها كل من عاش في شمال العراق (كردستان) مسلماً كان أو غير مسلم، ويحكي تفاصيلها الدقيقة المؤلمة آلاف المسيحيين (كلدان وسريان وآشوريين) من المُهاجِرين والمُهَجَرين الساكنين في دول الشتات اليوم. حتى في بغداد، نادراً ما كُنا نرى أفراداً أو عوائل مسيحية تقف أو تهب للدفاع عن حقوقها الكبيرة أو الصغيرة التي كان بعض المسلمين يُحاولون إنتزاعها من المسيحي بقوة العضل أو الإستزلام أو الهيمنة الإجتماعية التي تُعطيهم إياها غالبيتهم العددية وكَون الدولة مسلمة والمجتمع ديني متأخر ويُساعد ويتستر على أي إنتهاك لحقوق غير المُسلم.
الخارطة الإجتماعية والأخلاقية والحضارية في العراق تتغير وبزاوية حادة وخطيرة جداً ليس فقط من مدينة لآخرى أو قرية لأخرى، بل حتى من حارة أو محلة لأخرى!!، وحتماً ذلك التغير يعتمد على نوعية السكان وغالبيتهم العددية والدينية والقومية والإثنية وحالتهم المعرفية والثقافية والعلمية في تلك المحلة أو القرية أو المدينة، مثلاً: كانت الحالة الإجتماعية والثقافية في منطقة (سبع قصور) حيث كنتُ أسكن مع عائلتي يوم كنتُ طالباً في الصف الأول الإبتدائي ولحد الصف الخامس الإبتدائي، تختلف إختلافاً جوهرياً في كل شيء تقريباً عن منطقة (مدينة المأمون) حيث إنتقلنا لاحقاً، والتي عشتُ فيها منذ الصف الخامس الإبتدائي ولحين مغادرتي العراق في سن ال 28 سنة، لإن مدينة المأمون بُنيت من قِبَل الحكومة الملكية يومذاك وخُصِصَت لصغار المُوضفين والمعلمين، ولهذا كانوا كلهم من المتعلمين والمتنورين إلى حدٍ ما، والفوارق الإجتماعية والفكرية والمعيشية بينهم نسبية ومتشابهة لحدٍ كبير، وهذا جعل حياتنا في مدينة المأمون أجود من السابق بعشرات المرات، رغم عدم خلوها من بعض الإضطهاد والتحرش والنظرة الدونية ومقاطعة البعض لنا بلا سبب إلا لكوننا من دين وقومية مُختلفان، وغالباً ما كان هؤلاء من نوعية المتدينين. وكملاحظة إجتماعية أقول: أن (غالبية) البغداديين المُتحضرين والمُثقفين كانوا غير متدينين، ولكن .. ليس بمفهوم (الإلحاد)، ولكن بمفهوم اللا أبالية الدينية، أو عدم الإكتراث للدين وتعاليمه السقيمة، أو بحسب التعبير الأميركي القائل:( I dont give a damn )، وكان يحدث أنه كلما بدأ أحدهم بالتدين والصلاة والذهاب إلى الجامع أو إلى حلقات وإجتماعات (الأخوان المسلمين) كلما بدأت قطيعته مع أصدقائه أو جيرانه المسيحيين!، كما حدث لأحد أعز أصدقائي (سعدون) يوم كُنا في الصف الثالث المتوسط، وسأقوم بالتطرق لهذه القصة في مقالي القادم. وكمثال آخر: كان يهود بغداد مُضطهدين بصورة أو بدرجة أكثر بكثير من المسيحيين، لكنهم كانوا في مناطق معينة من بغداد يملكون تفوقاً عددياً، ولهذا كان المسلم لا يتجرأ على محاولة إستصغارهم وإستغلالهم والتحرش بهم في تلك المحلات والمناطق شبه المُقفلة، وفي هذا يقول الكاتب العراقي الراحل (هادي العلوي) في مقال له في جريدة (المجرشة) الساخرة التي كانت تصدر في لندن أيام حكم الطاغية صدام، لصاحبها الرسام البصري التشكيلي المعروف (فيصل لعيبي): [ ينبغي الإعترف بعدوانية المجتمع العراقي التي تبلورت تحت خمسة قرون من البلطجة التركية التي غسلت أدمغة العراقيين بالفكر السلفي الشديد المتخلف الذي رعته الدولة العثمانية، وإني لأشهد أن اليهود في العراق كانوا الأسوأ حظاً من يهود البلدان العربية الأخرى، بسبب حالة الإستزلام التي تماهت بها شخصية الفرد العراقي تحت الحكم العثماني، وعندي من الوقائع اليومية التي كانت تجري على اليهود ما يقشعر لها الأبدان ويتعذب بها الوجدان الحر. على أن اليهود لم يكونوا مستسلمين لتلك الوحوش العراقية المُسلمة. فقد كانوا أعزاء في معقلهم، وإنما إضطر منهم من جاور المسلمين. وكانت محلة (أبو سيفين) وهي معقلهم الأرأس في بغداد، محلة منيعة لم يكن المسلم يجرأ على المرور منها، وهم مع ذلك كانوا مضطرين إلى العمل في الميادين المُشتركة، إذ لم يكن بإمكان معاقلهم أن توفر لهم كل ما يحتاجونه، وهناك خارج معقلهم كانوا يواجهون الويلات في الإستزلام العراقي ]. إنتهى الإقتباس. ونفس الحالة تنطبق على مسيحيي بغداد، حيث لم يكن أحد يجرأ على التعرض للمسيحي في منطقة (البتاويين) مثلاً، حيث كان هناك كثرة عددية منهم حتى في الشارع والمدرسة، كذلك بالنسبة للأرمن في منطقة (كمب الكيلاني)، كذلك كان الآشوريين في منطقة (الحبانية). أما في مناطق الكرادة الشرقية (داخل وخارج) فلم يكن يجرأ غالبية السكان أو المعلمين على تهميش الطالب المسيحي في الشارع أو المدرسة، بسبب الكثرة العددية من المسيحيين في تلك المنطقة، ولسبب آخر هو النوعية الجيدة جداً من المسلمين المسالمين فئة المتعلمين والمثقفين والخريجين من سكنة تلك المنطقة، وهكذا. وحتماً كُنا نعيش مع غالبية المسلمين بصورة جيدة طبيعية، ونلتحم معهم في كل شيء، وكمثال واحد بسيط.. كان أغلب أصدقائي مسلمين ولحد أن بلغتُ سن 22 سنة، وأحَب الناس إلينا كانوا من الجيران المسلمين العرب والأكراد، وكُنا أخي وأنا نذهب أحياناً مع هؤلاء الأصدقاء لزيارة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء والكاظمية، ونصوم معهم نصف النهار في رمضان، ونفطر حول موائدهم الرمضانية اللذيذة، ونشترك وإياهم بكل الأمور الحياتية اليومية والمدرسية، وهم كانوا يفعلون نفس الشيء معنا وتجاهنا لدرجة أن بعضهم كانوا يقتنون شجرة عيد الميلاد وينصبوها في بيوتهم ويقومون بتزيينها، ويُشاركونا في الذهاب إلى دور السينما أيام العيد ويأكلون من طعامنا ونأكل من طعامهم، وهكذا وبكل طبيعية وإنسيابية فطرية. ولكن .. كان هناك على الدوام بعض المسمومين الحاقدين من يُنغص على المسيحي حياته اليومية في تصرف دوني مُباشر، أو إنتقاص بصورة من الصور، أو في كلمة لئيمة جارحة، أو حتى في نظرة عين دونية وكما يقول المثل: البغض دائماً تُبديه لك العينان، وكُنا نُطلق على مثل هؤلاء الأشخاص مُصطلح (زْعيب .. خَراب اللعيب) . في العدد القادم من سلسلة مقالاتي هذه سأقوم بذكر أمثلة متعددة على أنواع من هذه الإنتهاكات والإضطهادات الصغيرة والكبيرة شبه اليومية التي كُنا نلاقيها من بعض المسلمين في الحارة أو الشارع أو المدرسة أو مقر العمل. بنفس الوقت كانت الغالبية الرافضة -من أصدقائنا المسلمين- لتلك الإنتهاكات الموجهة لنا وضدنا تقف صامتة ولا تتدخل إلا نادراً للدفاع عن الصديق المسيحي المغبون، وكما يقول الكاتب العراقي كنعان مكية: [ الصمت إختيار شبيه بتصرف النعامة ]. كذلك يقول في مقطع آخر: [ الصمت والتسترعلى القسوة مسألة إجتماعية وأخلاقية خطيرة ].
أعتقد أن واحدة من النقاط الرئيسية التي كانت تجلب لنا وعلينا حقد ونقمة بعض المُسلمين المُتزمتين، هي إن مسيحيي ويهود العراق أو بغداد بالذات كانوا يُحبون ويميلون ويتبنون كل ما هو جديد وعصري وحضاري حياتياً، بينما قلة من المسلمين ساروا على هذا النهج الذي يفرض نفسه على كل المجتمعات بسبب تقدم الحياة نفسها من جميع النواحي. أما غالبية المسلمين التي رفضت التبدل والتطور والحضارة والإنفتاح، فلم يكن سبب رفضهم الأول والأخير هو الدين المتقوقع الرافض لكل شيء حديث على مُجتمعهم، وتسميتهم لكل جديد ب (بُدعة) وإن "كل بُدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" كما تقول واحدة من الأحاديث النبوية الرافضة للتجديد، بل كان بعض رفضهم بسبب خوفهم من بقية المُسلمين حولهم من القطيع الرافض للحضارة والتبدل والإنفتاح على بقية حضارات العالم ومواكبتها. أن مجتمعات الخرافة والإنغلاق والتقوقع تعجز تماماً عن إنتاج المعرفة والتقدم والخير والفرح، لإنها لا زالت مُرتبطة بحبل سري مع خرافات وترهات ومُضحكات وسفاسف الدين، لِذا ستبقى دائماً وأبداً غاطسة في مخاضة الجهل والتأخر والتردي من كل نوع !. والمجتمع العراقي كان دائماً مُجتمع شرقي مُتدين هرمي وتراتبي!. وفي كل الفقرة أعلاه يقول العالم الإجتماعي د. علي الوردي: [ إن الفرد الذي يعيش طيلة حياته في بيئة مُغلقة، يظل خاضعاً للتنويم الإجتماعي في كبره، فيرى الأمور من خِلال ما أُوحيَ به إليهِ في مُجتمعه الضيق، وهو يبقى كذلك حتى ساعة موته. أما الذي يعيش في بيئة مفتوحة، فإنه عندما يكبر يقع تحت تأثير إيحاءات إجتماعية من أنماط شتى، وبهذا يخرج من قوقعته الفكرية التي نشأ عليها في بيئته الأولى، ويدخل في عالم جديد يحتوي على الكثير من وجهات النظر وصراع الأفكار والجماعات ]. إنتهى الإقتباس.
نقطة أخرى تستحق جرأة التسجيل، هي أن الكثير الكثير من المُسلمين كانوا يحسدوننا لمزايانا ولطريقة حياتنا في أوساطنا المسيحية التي تختلف عن طريقة حياتهم الفضة التي لا طعم لها حضارياً وإجتماعياً، وكانت الطبقة المتعلمة والمتحضرة منهم تقتدي بنا، وأحياناً تفوقنا، كونها مثلنا تحاول الحصول على حياة لها طعم ولون ومعنى، وليست مُكللة بالسواد ومحكومة بالخرافة والتصحر والجفاف واللون الواحد. وقد يثور ويتنكر لهذه الملاحظة الكثير من مسلمي العراق، فالحقيقة مُخَدِشة دائماً، لكنهم يعرفون في دواخلهم بأنها حقيقة دامغة، لكنهم لن يعترفوا بها لا الآن ولا في المستقبل، وكما يقول المثل الشعبي"محد يكول لبني حامض". ولا أحد يتوقع منهم الإعتراف بأن واقعهم ودينهم ومجتمعاتهم بائسة لحد التشويه، وكل ذلك يشبه إلى حد ما ما تقوله فقرة من مُذكرات مايكل أنجلو: [ كتلك الطفلة التي ترى دميتها المبتورة الأطراف، المطعوجة والمُشوهة، أجمل من جميع الدمى الأخرى، فهي ترى فيها من الجمال ما لا يراهُ الآخرون، وذلك لإنها تحبها قبل كل شيء آخر، ولإنها لا تملك غيرها ].
من ملاحظاتي الدقيقة كذلك أن أخطر ما جاء في أحاديث رسول الإسلام هو: ((من رأى منكم مُنكراً فليغيره بيده)) !!!. ومعنى ذلك أن الرسول أعطى لكل مسلم الحق في تقويم وتصحيح وإجتثاث كل ما يُعتَبرُ مُنكراً في رأي ذلك المسلم، بحيث يمكن لرجل الشارع وللرعاع وحتى لحثالة المجتمع مثلاً أن يصبحوا (مُشرِعين وقضاة وشرطة وحكام ومنفذين للعقوبات) حتى في شارع الدولة الإسلامية، وبالضبط كهيئة (الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر) في السعودية، لِذا من الممكن أن يكون هناك حالات قمع وإرهاب لا حصر لها، وحتى جرائم قتل بحق المُختلف في أي لحظة، كما حدث لأحد المسيحيين من أصحاب مخازن بيع المشروبات الروحية أيام زمان، حين دخل المحل أحد "المؤمنين" وكسر كل ما وصلت له (توثيتهُ) عصاه في المخزن، ثم طعن أحد العمال بمدية وأصاب صاحب المحل بشج في رأسه!!، ولم يُعطي أية أهمية لحقيقة أن الدولة يومذاك كانت تُجيزُ بيع الخمور في العراق لغير المُسلمين !!، وحين إستجوابه في مركز الشرطة، قال لهم ومن موقع القوة والإقتدار، بأنه إنما طبق أوامر رسول الإسلام !!، وخرج من الحبس في اليوم الثاني !!. وهذه هي الإزدواجية بين مثالية الدين وواقعية الحياة اليومية العملية. وفي أمور كهذه يقول الكاتب والمُفكر (نصر حامد أبو زيد): [ الدين يُمثل مصدراً لسلوك المُسلم في كل صغيرة وكبيرة ]. وهو بالضبط ما يحدث في الدول والمجتمعات الدينية والسلفية الإسلامية اليوم!!، فكل عنتر وشقي وفاشل حياتياً وحاقد ولئيم وسيكوباثي مريض نفسياً يحاول أن يُغير بيده ما يعتقده منكراً!!، وحين يتم البحث في سيرة حياته الشخصية فسنجد أنه من الخطأ تركه حُراً مع بقية البشر!. وهي الفوضى وشريعة الغاب ونتانة المُستنقع واللاحضارة بأقبح حالاتها اللا إنسانية!!.
-;-* أما جذور العنف والفوضى في دولة العراق الإسلامي تأريخياً، فربما يلزمنا عدة مؤرخين وعشرات المُجلدات لتدوينها، حيث كل كتب التأريخ (المُحايدة) تقول أن المسيحية في العراق -ومنذُ الغزو الإسلامي- كانت مُضطَهَدَة ومُحاصَرَة ومقموعة رغم كل الكلام الإنتقائي الفنطازي الإستهلاكي المُزَوَق عن "تسامح الإسلام مع بقية الأديان"!! والذي تم ترويجه لتبييض وتزويق سيرة وحقيقة وتركيبة الإسلام المبنية على العنف والقسر وإضطهاد المُختلف. يقول د. رشيد الخيون في كِتابهِ "الأديان والمذاهب بالعراق" ص 146: [ وتعرض المسيحيون في العراق لدورات دموية فقدوا فيها القساوسة والأتباع، بين القتل والردة عن الدين بالقوة، ويكاد لا يخلو عصرٌ من العصور من حوادث مُريعة ضدهم ]. لِذا عاشت المسيحية وبضعة أديان أخرى في العراق تحت ظل سيف الإسلام الذي اُشهِرَ في وجوههم في كل المناسبات. ونرى أنه حين وَطَأت سنابك خيول جيش المسلمين أرض العراق، كان تعداد سُكانهِ يومذاك سبعة ملايين نسمة، ويُقال تسعة، غالبيتهم (90٪-;-) كانوا من المسيحيين. فماذا حدث تأريخياً لتلك الملايين ياترى!؟، هل تبخرت، أم أُبيدت عن بكرة أبيها مثلاً، أم ماذا؟، والجواب أنها إرتضت "صاغرةً" الحلول أو الخيارات الشحيحة غير العادلة التي اتاحَها لها الإسلام يومذاك!، والمتجلية في الوصية التي كان وجهها رسوا الإسلام يومها إلى أُمراء وقادة جيشه حين بعثهم لملاقاة غير المسلمين، وهي مُختصر مُفيد لسياسة "الترغيب والترهيب"، يقول فيها محمد: (( إدعهم إلى الإسلام، فإن هم أبوا فإسئلهم الجزية، فإن هم أجابوك فإقبل منهم، وأن هم أبوا، فإستعِن بالله وقاتلهم ))!. رواه صحيح مسلم وسنن بن داود وصحيح الترمذي. أما (الطبري) فيقول في كِتابه "تأريخ الطبري" جزء3 ص368: [ عندما قدمَ خالد بن الوليد (سيف الله المسلول)!! إلى الحيرة في زمن الخليفة أبو بكر، كان هناك حواراً بينه وبين الراهب المسيحي (عبد المسيح بن بقيلة)، قال فيه خالد: (( إني أدعوكم إلى الله وإلى عبادته وإلى الإسلام، فإن قبلتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم، فقد جئنا لكم بقوم يحبون الموت كما تُحبون أنتم شرب الخمر)) !!.
والحق أنه -ومنذ الغزو الإسلامي للعراق- لم تمر بضعة عقود دون مجازر صغيرة أو كبيرة بحق الأقوام المسيحية، وجميعها مُدونة في كتب التأريخ وبأدق تفاصيلها الدموية الحزينة المؤلمة، وإشترك في تأجيجها وتفعيلها والولوغ في دمائها غالبية المسلمين، عرباً وأكراداً وأتراك وفرس ومغول. يكفي أن نعرف أن (نصف أعداد الشعب المسيحي) تمت تصفيتهم جسدياً في العراق وتركيا وإيران والشام في القرنين الماضيين، وهذه ليست مبالغة لَفضية عشوائية من جيبي، بقدر كونها حقائق مُثَبَتَة ومُوَثَقة في الكتب، ومُخدِشة للحس الإنساني، وسيُحاسَبُ مسببوها دولياً بشكلٍ أو بآخر حتى بعد آلاف السنين، فجرائم الإبادة العرقية لا تموت بالتقادم كما ينص القانون الدولي. تقول الكثير من الدراسات والبحوث الجادة أن الصراع الديني في كل هذه المناطق كان صراعاً إستئصالياً من طرف واحد بإمتياز وتعمد، وإستهدف غير المسلمين بصورة عامة والمسيحيين بصورة خاصة، وكانت الغاية منه أسلمة تلك الأقوام قسراً أو إستئصالهم جذرياً، وهي خطة محمدية ذكية أتت أكلها ولا تزال.
هو أمرٌ مرعبٌ ومُخيفٌ جداً حين يُمارِسُ البشر الإرهاب بإسم المقدس والدين والله!. وحين يصبح القاتل والظالم والإرهابي ومُنتهك الأعراض الَمثَل الأعلى والسَلَف الصالِح للمجتمع، حينئذٍ يصبح كل شيء مُباح!!، لِذا نرى أن غالبية الحكام -وعلى إختلاف قومياتهم- عبر التأريخ الإسلامي كانوا متعصبين وعنصريين ودمويين وعنيفين وقساةً طغاةً بُغاة على من هو غير مسلم!، وأدت أعمالهم السلبية المُستمَدَة والمؤيَدَة والمدعومة بالنصوص والشريعة والأحاديث إلى مجازر وإنتهاكات وإستئصالات جذرية للأقوام المسيحية أوالمُختَلِفة دينياً في العراق وغير العراق!، وكل ذلك "بإسم الله ولأجل الله ومرضاة لله وبأوامر مُباشِرة من الله ودفاعاً عن الله" كما يَدَعون ويَزعمون!!، وكان الغرض الرئيسي منها -بجانب الغرض المادي- هو أسلمة وتعريب الأقوام المَغزُوة، وقد نجحوا في مسعاهم تماماً، لأن ملايين من المسيحيين وغير المسلمين فضلوا إعتناق الإسلام على الذل والموت عبر 1400 سنة من عمر الإسلام، ومن رَفضَ فقد تم إستئِصاله وقطع نسله ونسغه!. وسؤالي الآن للزميل قاسم حسن المحاجنة هو: ما الذي يجعل السنين الخمسين أو السبعين أو المئة المُنصرمة في قضية إضطهاد مسيحيي العراق مُختلفة عن كل الماضي والتأريخ المُخجل لما قام به الإسلام والمسلمين بحق هؤلاء المسيحيين المُسالمين!؟. فحاضرنا ليس إلا إمتداداً مُشابهاً وكاربونياً لماضينا، والسبب هو لإن نصوص القرآن والأحاديث هي هي لم تتغير، ولن تتغير إلا بمعجزة لا أود التكهن بها علانيةً !.
* بحَثنا ما فيه الكفاية لفهم كينونة وتركيبة "الظالم"، ولنحاول الأن البحث في كينونة وتركيبة "المظلوم"، وأقصد مسيحيي العراق أنفسهم، والذين يتحملون قسطاً ليس بالصغير أو القليل لما جرى لهم تأريخياً بسبب نوع ونمطية ديانتهم وطبيعتها المُسالمة. ما يتعلق بردود فعل مسيحيي العراق على الظلم، فأقول أنه عندما يخجل الإنسان من واقع ما حوله، فعليه رفض ذلك الواقع كأضعف الإيمان، وهنا تتجلى المقولة الفلسفية العميقة لماركس: "الخجل عاطفة ثورية". ولكن .. الذي كان يستوقفني ويُثيرني ويُغضبني حقاً في (غالبية) مسيحيي العراق، هو صمتهم وقبولهم وتجرعهم للظلم والمَهانة والعيش على الهامش، وكأنه قدر وقضاء كُتب عليهم ولا بد منه!، والحق نادراً ما كنتُ أرى من كان منهم خَجِلاً من أوضاعه كمواطن مهضوم الحقوق والإحترام، كنتُ أرى تذمرهم وشكواهم وغضبهم .. ولكن ليس خجلهم، والفارق هنا كبيرٌ برأيي !!. هو أمرٌ مُحزنٌ ومُحبطٌ ومُخجِلٌ وخطيرٌ جداً أن يوصِل الإنكسار بعض المسيحيين الطيبين المُسالمين إلى حالة اليأس والإستسلام والقبول بالمظلمة و"المكفخة" التأريخية، وأعتقد أن لإغلب تلك النتائج مُسبِبات دينية تكمن في جوهر ونمط الدين المسيحي وتعاليمه التي يتوارثها المسيحي الشرقي أباً عن جد، وتوارث الخوف والخنوع والسكوت على الباطل مسألة خطيرة جداً عندما تتعلق بكينونة ومصير مجتمع أو قوم ما. كان الكثير من المسيحيين الذين أعرفهم يحلمون دائماً بدولة ديمقراطية عادلة على شاكلة "جمهورية أفلاطون" أو "مدينة الفارابي الفاضلة" لتُنصفهم وتُساويهم مع الغالبية المسلمة قدر الإمكان!، كانت أمنياتهم حالمة ومُقنِعة لهم، ودائماً يُغذيها الدين المسيحي الذي يُبشر الصابرين والمساكين والمُضطَهَدين "بملكوت السماوات" وإنهم "سيرثون الأرض"!. وربما كان إضطهاد المسيحيين واليهود والصابئة والشيعة والأكراد واحداً من أهم الأسباب التي جعلتهم ينخرطون في صفوف الحزب الشيوعي العراقي وكأنه تم تفصيله على مقاساتهم من كل نوع !!، وذلك لكونهم كانوا متعطشين ويحلمون بتلك الجمهورية الفاضلة التي ستُعيد لهم حقوقهم المغبونة، وتُساويهم مع الحاكم السني الظالم المُسلط على رؤوسهم جميعاً منذ الأزل، ولكن تبين لاحقاً بأن كل فئات الشعب العراقي سواسية، وإن المعارضة تنسى لماذا عارضت بعد أن تستلم الحكم، كما حدث للشيعة والأكراد بعد سقوط الطاغية!. وعرفنا متأخرين للأسف بأن محاولة فرض الديمقراطية والإشتراكية وحتى العدالة في المجتمع العراقي لن تنجح حتى لو طارت الزرافة، لإن أموراً كهذه يجب أن يُحقن بها المجتمع على شكل جرعات، وليس عن طريق حرق المراحل، بالضبط كقول السيد المسيح: [ لا تسكبوا خمراً جديدة في زقاقٍ عتيقة ].
كان أغلب المسيحيين -عند النقاش- يُبرر خنوعه وتداعيهِ ومسكنته إلى تعاليم السيد المسيح السَمحاء التي تقول إحداها: "من ضربك على خدك الأيمن أدر له خدك الأيسر"!، أو: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مُبغضيكم، وصَّلوا لإجل الذين يُسيئون إليكم" من موعظة الجبل الشهيرة. وبرأيي أنها مواعظ أخلاقية وإنسانية عظيمة وسامية جداً فيما لو طبقها (كل) البشر، أو على أضعف الإيمان (غالبية) الناس في المجتمع الواحد، في حين لو طبقها المسيحي لوحده وخاصةً داخل المجتمع المسلم العدائي الشرس، ومن دون سند وحماية من نفس ذلك المجتمع والدولة، فهي مواعظ وتعاليم مثالية وغير عملية وستؤدي إلى إنقراض المسيحية أو أي كيان آخر في ذلك المجتمع!، وهذا ما حدث للملايين التسعة التي كانت تسعى يوم دخول الإسلام إلى العراق، والتي ذابت كما يذوب فص الملح في بركة ماء. كمثال أوضح: لو تخَلَت الدول المسيحية الغربية اليوم عن جيوشها وسلاحها وتبعت تعاليم وتسامح وطوباويات السيد المسيح، فسيتم إحتلالها من قبل المسلمين واليهود وغيرهم في غضون أسبوع واحد!، وستحدث يومذاك أكبر مجزرة دموية كونية!. لِذا كان يُفترض بالمسيحيين الشرقيين ممارسة الدفاع عن أنفسهم وكيانهم كما فعلت بقية الأقوام والدول المسيحية الأخرى في العالم، علماً أنه حتى الفاتيكان له حرسه الخاص المدجج بالسلاح والمُدرب على أحدث أنواع القتال والأسلحة الحديثة، وهو ليس قوة رمزية كما يتصور البعض!، وبنفس الوقت ليس قوة هجومية إعتدائية بقدر كونه قوة دفاعية للحفاظ على سلامة دولة وكيان الفاتيكان!، ولو حَقَ للبابوات أن يتخذوا لهم حرساً وجيشاً صغيراً!!، فلماذا يمتنع مسيحيي الشرق من أن تكون لهم قوة ولو صغيرة للدفاع عن أرواحهم وممتلكاتهم وعوائلهم عند اللزوم والحاجة القصوى!!؟ لماذا يبقى "مسيحيي الشرق" لوحدهم من بين كل مسيحيي العالم يُمثِلون ويتقمصون دور "خراف" السيد المسيح، إلى الحد الذي يُعاملهم كل من حولهم كما تُعامَل الخِراف تماماً، ويصبحون الزوار الوحيدين لمسلخة الشرق الدموية!؟. الم يقل السيد المسيح نفسه: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"؟، فكيف إذن سيحيا المسيحي الشرقي فقط بالصلاة والصبر والتسامح وإدارة الخد الآخر وتقديم رقبته لسيف الإسلام المتعطش للدم دائماً وأبداً؟. وأعرف أنه سيطلع علينا من سيُردد قول السيد المسيح: "لو كان لكم إيمانٌ بقدر حبة الخردل… الخ" من كلام ومواعظ وطوباويات السيد المسيح، التي لم تستطع أن تُحفظ لنا وطن الآباء والأجداد، والتي لا يُمكن تطبيقها في كل الأحوال والظروف مهما حاولنا وإجتهدنا !!. كان هناك دائماً -ولحد الأن- ما يُساعد المسلمين المتطرفين في التخلص من مواجهة تهمة "الجريمة بحق المسيحيين" وهو تستر المسيحيين أنفسهم على تلك الجرائم من خلال إعلانهم جهاراً بأن الحاكم والشعب والدولة الإسلامية كانوا رحماء بالمسيحية!!، وإن المسلم ودولته كانوا يُعاملون المسيحي بكل سلام ووئام ومحبة وإحترام!!، وهذا كذبٌ وإفتراء وتزوير مُخجِل ومجاملات توفيقية عبثية تُدين أصحابها على طول الخط. هي ظواهر مؤلمة في المُداهنة وإختلاق التبريرات للعداء والسيف الإسلامي التأريخي المُسَلَط دائماً فوق رقبة مسيحيي العراق والشرق، وهو كذبٌ تعودناه من قبل فئة (الكُتاب) من رجال الكنيسة!، حين يتبالهون ويُحَرِفون الحقائق عن معاناة المسيحيين الشرقيين منذ الغزو الإسلامي ولحد الآن!، والأدهى أن لا أحد من الشعب المسيحي يُعاتبهم أو يُحاسبهم أو يفضحهم على كل هذا الشطط والشطحات والكذب المُخجِل وتزوير الواقع ومحاولة لَي عنق الحقيقة!. ونراهم يُصورون تأريخ المسيحيين (كمتمتعين) بجنة ونعمة وجيرة وطيبة المسلمين!، وبحياة هنيئة عادلة حُرة كريمة!، وكمواطنين من الدرجة الأولى في الدولة الإسلامية!!!، والحق أنها مداهنات رخيصة أسبابها الخوف والتزلف والملق الإجتماعي والمصلحة الشخصية البحتة للكاتب، وأحياناً محاولة تجنب ما قد يجلبه نشر الحقيقة من مظالم جديدة أكبر على الشعب المسيحي المُستَضعَف أساساً والذي يحاول جاهداً أن يعيش بسلام حتى لو إضطرته الظروف الصعبة أحياناً إلى الكذب وتمجيد الظالِم والمظالم. هي "التقية"، حين يتحول العقل والضمير المسيحي المسؤول عن الشعب من مُفكِر إلى مُبرِر، ومن ناقد وفاضح للحقيقة إلى مُداهن سيفشل حتماً في إرضاء أرواح آلاف وملايين من سقط من الشهداء المسيحيين عبر ليل الزمن. وكُلنا يعرف أن بعض هؤلاء الكُتاب قد أجبرتهم الظروف الصعبة والمناخ الإرهابي الذي يعيش فيه الكاتب الشرقي، وهذا واضح جداً ومفهوم وعلى العين والراس، ولكن ما ليس مفهوماً هو أن غالبية هؤلاء الكُتاب تطوعوا للكِتابة بملأ إرادتهم، ولم يُجبرهم عليها أحد!!. ثم أين هو الإقتداء بمبدأ "الشهادة" التي أعلنها السيد المسيح لكل الأمم من خلال موته على الصليب والتي يتكلم ويكرز فيها ومن خلالها رجال الدين المسيحي في كل زمانٍ ومكان؟، أم أنهم اليوم يلجأون للكذب وتمجيد الجلاد خوفاً من الشهادة والموت في سبيل قول وتثبيت الحق!؟ وهذا ليس من تعاليم المسيح الذي يقول بنصرة العدل دائماً والوقوف ضد الباطل والإستشهاد في سبيل الحق. برأيي أن واحدة من الأسباب التي دعتهم للكِتابة وتزوير الحقيقة هو ما يُطلقُ عليهِ في الشرق"عقدة الذمي"، وتُسمى عالمياً "عقدة ستوكهولم" (Stockholm Syndrom) الناتجة بسبب الإضطِهاد الذي يُوَلِدُ عند البعض أحياناً إضطراباً نفسياً عصابياً من نوع مُختلف لا يقل تدميراً عن الإضطهاد الحياتي اليومي، بحيث تشعر الضحية من خلاله بأنها مُلزمة بالدفاع عن مُضطَهديها، وينطبق على هؤلاء المثل القائل: "أحبك يا قاتلي". أحد هؤلاء الكُتاب على سبيل المثال وهو الأب والمؤرخ د.سهيل قاشا، كَتَبَ في ظهر واحدة من كتبه: [ كثيرة هي الإتهامات المُلفَقة التي تُوَجَه إلى المسلمين وخلفائهم من قبل مؤرخي الغرب وأتباعهم من أنهم كانوا يظلمون أهل الذمة من المسيحيين واليهود وغيرهم، وأغلبها إتهامات مُزَوَرَة ]. هذا الكذب الفاحش الإسقاطي اللامسؤول يُخجِلُني ويُذكرني بحكمة بليغة تقول: "إن لم تستطع أن تقول الحق فلا تُصفق للباطل". هذا الكاتب -مع إحترامي- يحاول من خلال بعض كتبه تبرير أخطاء وجرائم وتنكيل المسلمين بالمسيحيين، وخلق الأعذار لهم، رغم أنه قس مسيحي عراقي ومؤرخ يعرف دقائق التأريخ بصورة ممتازة جداً!!، وأستطيع أن أقول وبكل ثقة أنه منتفع مادياً من أغلب كتاباته التي تُدغدغ رضى الحكام المسلمين ورجال دينهم، والتي تم طبع ونشر أغلبها مجاناً بكل طيبة وحاتمية وممنونية في العراق وغيره.
كذلك نقرأ -للأسف- للكاتب والمترجم الفذ الرائع الأب (البير أبونا) وهو من خيرة كُتابِنا الأفاضل الذين لهم أفضال على القاريء الشرقي كلاماً عن: "أحوال جيدة" لمسيحيي العراق في ظل الخلفاء العباسيين ( 750-1258 م )، وعن إشغال المسيحيين لوظائف حساسة ومهمة في الدولة الإسلامية، مثل الهيمنة على الدواوين الإدارية والمالية وأعمال الطب والصيدلة والهندسة والبناء والكِتابة والترجمة والثقافة..الخ، وهذه معلومات صحيحة جداً ولا إعتراض للحق عليها، ولكن … فات الأب البير أبونا أو أهملَ تعمداً أن كل ذلك كان مقصوراً على طبقة أو نُخبة صغيرة من عباقرة مسيحيي العراق يومذاك، ولم يكن ذلك يمنع قمع وإذلال وتهميش بقية المسيحيين من عامة الشعب في تلك الأزمان !. حتى في الدولة العراقية الحديثة كان هناك دائماً رجال مسيحيين ويهود وصابئة أذكياء وعباقرة ومتميزين خدموا الحكومات وشغلوا مراتب حساسة من وزير فما دون، ولم يكن ذلك من أجل سواد عيونهم أو بسبب ِمنة تَصَدقَ بها حكام وملوك الدولة المُسلمة عليهم، بل لحاجة الدولة الماسة لهم، وهذا ما حدث في دول خلفاء بني العباس مثلاً، وبعدها جاء زمن لم يعد الخلفاء بحاجة لهم، لأن المسلمين تعلموا منهم وإحتلوا وظائفهم. ومن يبحث بدقة في كتب التأريخ سيجد أن أغلب الخلفاء العباسيين كانوا غير رحيمين بالشعب المسيحي، ومنهم المهدي والمنصور والمتوكل والمقتدر والمقتدي بأمر الله … الخ، وحتى هارون الرشيد نفسه بكل جلاله وشهرته!. وهذه تواريخ وأحداث مُسجلة ومُوثقة عند الطبري والأبشيهي وإبن تفري بردي والماوردي وغيرهم الكثير. يقول الكاتب المُعاصر د. رشيد الخيون -الذي يملك المصداقية ومحبة وإحترام كل الشعب العراقي- في كِتابهِ "الأديان والمذاهب بالعراق" ص 170: [ كان المسيحيون وحدهم يمتازون في ذلك الوقت بثقافة عالية، كالفلاسفة والأطباء والفلكيين والمترجمين وأهل العلوم والحِرَف، وكانت الدولة العباسية بحاجة إلى مهاراتهم ومزاياهم الفكرية ]. وهنا ينطبق على الدولة العباسية ومدى حاجتها لهؤلاء النوابغ المثل القائل: "أُحبك يا نافعي". أما البطريرك الكلداني الراحل ( عمانوئيل دلي) فيُسجل لنا في كُتيِب صغير له، لم يُجبره على كِتابتهِ ونشره أحد، وأثناء التنكيل بمسيحيي العراق بعد سقوط صدام، وبعد مجزرة كنيسة (سيدة النجاة) ما يلي: [ نشكرك يا رب لأنك أنقذتنا من الوثنيين الظالمين، وسَلَمتَنا بأيدي المسلمين الرحيمين، ولكن اليوم، ومع الأسف، قام بعض الذين يَدَعون الإسلام، ولكن الإسلام برئ منهم … الخ الخ ] !!!. ثم يعقب بعد عدة سطور: [ إن هؤلاء ليسوا في الحقيقة مسلمين، إلا بالإسم فقط، فهم ضربوا عرض الحائط كل القيم الإنسانية بإبعاد أخوتهم المسيحيين من أراضيهم ووطن أجدادهم، ويطلبون منهم الجزية ويستولون على مساكنهم، وينهبون أموالهم، ويخطفون أبناءهم، ويَصِفونَهُم بالصليبيين … الخ ] !!. هذه إجتهادات شخصية مريضة ومُحابية ومقلوبة المفاهيم لم يكن يُفترض بصاحبها -وهو أكبر رأس للكاثوليكية في العراق- التكلم والتصريح بها نيابةً عن لِسان الشعب المسيحي المخذول في العراق!. وهي جزء كبير من سياسة (توريث الخوف والتستر على الحقيقة المُفزعة) في المجتمع المسيحي العراقي، وعكس ذلك فكلنا يعرف أن الإسلام الحقيقي هو الإسلام الذي يُمارَسْ اليوم في العراق والسعودية وقطر وإيران وبلدان "الربيع العربي" ودول المعممين المنفذين للنصوص والشرائع الظالمة بسنتهم وشيعتهم، فهما وجهان لعملةٍ واحدة!. ثم ماذا نتوقع من عامة المسيحيين العراقيين أن تكون مواقفهم ضد كل الإنتهاكات بحقهم حين يكون رؤساء دينهم وقادتهم الروحيين في العراق بكل هذه (الميوعة) والضعف والإستسلام وتزييف الحقائق !!!؟ هو أمرٌ رهيبٌ جداً برأيي، وعبر مئات السنوات أدى وتسبب في هلاك وهجرة المسيحية من العراق موطن الأجداد. نعم .. هو الخوف من قول الحقيقة والهرب من المسؤولية التأريخية لبعض من كَرَس حياته لخدمة المسيحية، لكنه هرب من المواجهة الحقيقية على المَحَكْ، وكم ينطبق على رجال الدين هؤلاء قول السيد المسيح: "أنتم ملح هذه الأرض، فإن فسدَ الملح فبماذا يُمَلَح ؟".
-;-* بعض مسيحيي العراق هاجروا بصورة مباشرة من قراهم المسيحية إلى الغرب، حيث لم يتحمل غالبيتهم العيش هناك بعد أن فُرِضّ عليهم وجود المسلمين بينهم لأول مرة في التأريخ!، وأغلب ذلك الوجود كان مع سبق الإصرار والتخطيط المُسبَق له من قِبَل بعض المسؤولين الحكوميين والمتنفذين والعشائريين بصورة واضحة مفهومة لكنها لم تكن علنية. ولم يكن تذمر ورفض المسيحيين (الصامت) لهؤلاء الوافدين الجدد بسبب إختلاف الديانة أو القومية، بل لأنهم يعرفون مُسبقاً ما سيصيبهم على أيدي هؤلاء من ويلات ومظالم وإختراقات مختلفة سبق أن تعرض لها آبائهم وأجدادهم في قرى وبلدان وأزمان مختلفة لكنها لا زالت راقدة وحية في الذاكرة الجمعية للشعب المسيحي الذي يُسامح دائماً لكنه لا ينسى. وبسرعة خاطفة تم بناء الحسينيات والمساجد مع مكبرات الصوت القسرية، والإستيلاء بالقوة على كثير من البيوت والأراضي والوظائف الحكومية في تلك القرى، ثم راحوا يتحكمون بالمسيحيين ويُذلون من تبقى منهم، كونهم يعرفون أن مسيحيي العراق نادراً ما واجهوا العنف بالعنف، ولا يؤمنون بمبدأ (العين بالعين والسن بالسن)، ولم يكن لهم يوماً مليشيات مُسلحة لحمايتهم. وخلال سنوات قليلة أصبح عدد المسلمين في (بعض) تلك القرى أكثر من عدد المسيحيين، وهذا أمر لم يحدث عبر كل التأريخ العراقي للقرى المسيحية في شمال العراق!. وبعض هذه الأمور أدت إلى هجرة غالبية المسيحيين العراقيين من قراهم وبصورة مباشرة إلى الغرب المسيحي.
وخلال السنين الطويلة لم تَسْلَم أي من القرى المسيحية من تغلغل المسلمين المتعمد للسكنى فيها إلا ما ندر كقرية (القوش) مثلاً، الواقعة جغرافياً بين التلال والمرتفعات والتي رفض غالبية سكانها هجرتها عبر السنين، أو بيع أي عقار فيها لمن ليس من جذور تلك القرية حتى وإن كان من مسيحيي القرى المجاورة !.
-;-علماً بأن تأريخ المجازر الكردية المؤرخة بأدق تفاصيلها بحق مسيحيي العراق لا تقل دموية عن تأريخ مجازر العرب والأتراك والفرس والساعية جميعاً لإبادة المسيحيين المسالمين وأصحاب الأرض الحقيقيين!. كل المعلومات تقول لنا أن أغلب المجازر التي طالت مسيحيي زمن العصر العثماني كانت على يد الأكراد وأغواتهم وبيكاتهم وشيوخ عشائرهم من الإقطاعيين الأميين المتنفذين الذين كانوا أداة قمعٍ طيعة ومخلباً للأتراك العثمانيين الذين نفذوا أغلب مخططات الإبادة العرقية بأيدي الأكراد!. ونتيجة حتمية لكل ذلك نرى أن عدد نفوس الأكراد إزداد بأضعاف مضاعفة على حساب تناقص خطير ومأساوي في أعداد المسيحيين في الشمال العراقي الذي كان معقلاً للمسيحية منذ بدايتها. كذلك نرى أن إعتناق الأكراد للدين الإسلامي بعد تخليهم عن الدين الزرادشتي القديم كان السبب المباشر في حفظ نسلهم وعرقهم القومي، ولهذا فهم اليوم لا زالوا أحياءً يُرزقون وبالملايين!.
************************************************************* أدناه تعليق السيد (عمر الخيام) على مقالي الأخير، وتحته تجدون ردي على التعليق. عمر الخيام الأخ الحكيم البابلي المحترم على الرغم من كتاباتك الطويلة الا انها ممتعة ومفيدة ومؤطرة باسلوبك الجميل، ولنبدا من حيث ابتدأت عندما ذكرت المبدا الذي تؤمن به ونتمنى ان يؤمن به الجميع ويسيرون على هداه الا وهو ( لا مجاملة على حساب الحقيقة )، لذلك اود ان اذكرك وانت لست بحاجة الى التذكير، ان المسيحيين في العراق بجميع طوائفهم كانو يعيشون في وئام وسلام متمتعين بكافة حقوق المواطنة منذ العهد الملكي، وكانوا يحتلون وفق مقدرتهم وكفاءتهم الكثير من المناصب في الدولة وفي القطاع الخاص، وكانت هناك مناطق ادارية خاصة بهم اشبه بالحكم الذاتي باستثناء بعض المناطق النائية التي يصدف عدم تواجد المسيحيين فيها، وهي غالبا مناطق عشائرية بدوية. ثم وبعد التطورات السياسية وإنعكاساتها الامنية السلبيىة اثرت على الكثير من المواطنين وبضمنهم المسيحيين. ودون الاطالة في الموضوع والدخول في السياسة فان الضربة الموجعة والأليمة التي تلقاها المسيحيون وعلى غير ما يتوقعون، والتي اخلّت كثيراً بمواطنتهم وحقوقهم المشروعة وعلاقتهم مع ابناء الوطن الواحد، هو العملية الخيانية الدنيئة التي اقدم عليها الطيار المسيحي (منير روفا) في الهروب الى إسرائيل بطائرة (ميغ 21 ) الروسية الصنع والتي كان العراق فقط يملكها. إنتهى التعليق.
الرد على السيد (عمر الخيام) : أخي العزيز، سأقوم بتفكيك تعليقك إلى مقاطع صغيرة والإجابة على كل مقطع على حِدة. تقول بأن [ المسيحيين في العراق كانوا يعيشون في وئام وسلام متمتعين بكافة حقوق المواطنة منذُ العهد الملكي ]، وهذه معلومات غير صحيحة لو توخينا الدقة، لأنهم لم يكونوا يُعاملون من قبل جميع الشعب العراقي كما يُعامل المُسلم، والمقال هنا لا يتحمل ذكر الكثير من مئات وآلاف الوقائع والحوادث اليومية هنا وهناك، وحتماً غالبية المسلمين لم ينتبهوا لها أو لم يحسبوا لها حساباً لأنهم تعلموا بديهياً وكأمر واقع أن يشاهدوا التفرقة دائماً بحق المسيحي، حتى حسبوا أنها شيء طبيعي مفروض قد لا يُثير الإهتمام، ولا تنسى أنه في زمن الملك فيصل الأول حدثت مجازر متفرقة بحق المسيحيين في شمال الوطن، وبغض النظر عن أسبابها، فقد كانت مجازر بشعة قام بها الجيش العراقي وبمساعدة بعض القبائل العربية والكردية وبأمر من ولي العهد غازي يوم كان والده الملك فيصل الأول يتعالج صحياً في لندن. والحق فإن الزمن الوحيد الذي أحس فيه المسيحيين العراقيين بالحرية والمساواة والتآخي، كان في السنتين الأولى والثانية فقط من عهد الراحل الزعيم عبد الكريم قاسم. أما بعدهُ، فقد كان ينطبق على كل الشعب العراقي قول الشاعر الراحل كريم الأسدي: وعجافٌ تجيء بعد عِجافٍ ….. وإنتظرنا ولم تمر السِمانُ.
أما قولك: أن المسيحيين [ كانوا يحتلون -وفق مقدرتهم وكفاءتهم- الكثير من المناصب في الدولة وفي القطاع الخاص، وكانت هناك مناطق إدارية خاصة بهم أشبه بالحكم الذاتي ] . فكلامك هنا أيضاً غير صحيح إلا في الجزء الأول، حيث حتماً سيكون لهم وظائف حكومية كبيرة (أحياناً) بدرجة وزير مثلاً، ولكن ذلك كان لحاجة الدولة لتلك الكفاءات والنزاهة والإخلاص في العمل، وليس من أجل سواد عيون المسيحي. أما أنه "كان لهم مناطق إدارية خاصة أشبه بالحكم الذاتي" !!، فالمعذرة لو قلتُ لك بأن معلومتك هذه أضحكتني، ولا أعرف من أي مصدر حَصَلتَ عليها، ويا حبذا لو كتبتَ لنا عن هذه المناطق الإدارية الشبيهة بالحكم الذاتي!. ثم نأتي للنقطة الحساسة والأهم في تعليقك، وهي قولك "أن المسيحيين فقدوا أغلب مواطنتهم وحقوقهم المشروعة وعلاقتهم مع أبناء الوطن الواحد بسبب العملية الخيانية الدنيئة التي أقدم عليها الطيار المسيحي (منير روفة) في قضية هربه إلى إسرائيل بطائرته (ميغ 12) الروسية الصنع والتي كان العراق فقط من يملكها" !!. وردي عليك هو أن إجتهادك أعلاه لا يستقيم أمام أي بحث تأريخي أو علمي أو حتى منطقي، فالمسيحيين لم يفقدوا مواطنتهم وحقوقهم المشروعة وعلاقتهم مع أبناء الوطن الواحد بسبب خيانة الطيار (منير روفة)!. لإنه لو كان كلامك صحيحاً، وهو ليس كذلك، فيا للدولة والشعب الجاهلان اللذان سيُحَمِلان كل الشعب المسيحي العراقي وزر ما إقترفه شخص واحد منهم !، وهذا أخي الكريم لا يحدث إلا في الأفلام الهندية، فحتى الآية في قرآنكم تقول: "لا تزر وازرة وزر أخرى"!، وتصويباً لمعلوماتك أقول بأن المسيحيين فقدوا مواطنتهم وحقوقهم المشروعة منذُ بداية الغزو الإسلامي لبلادهم، وليس منذُ أيام منير روفة، ولو كنتَ تشك في كلامي فحاول الإطلاع على كتب التأريخ (المُحايدة) التي لم يكتبها المنتصرون .. بل أولاد الخايبة، أو حتى الكُتاب المسلمين المعروفين بمصداقيتهم. وقبل أن أقول كل ما في جعبتي عن قضية الطيار الخائن (منير روفة)، دعني أٌقدم هذا التمهيد عنه لمن لا يعرفه أو يسمع بقصته:
-;-العراقي المسيحي (منير روفة) تولد بغداد كا ،( 1934 - 2000 )ن طياراً في القوة الجوية العراقية برتبة نقيب. هرب سنة (1966) بطائرته (ميك 21 الروسية الصنع) إلى إسرائيل التي قامت مع أميركا بتفكيك الطائرة الروسية ودراستها فنياً وهندسياً وتقنياً، لأنها كانت طائرة متفوقة على ما للأميركان والفرنسيين والإنكليز من طائرات حربية قاذفة ومقاتلة يومذاك، وكانت للأسف عملية ناجحة جداً من تخطيط الموساد الإسرائيلي أُطلِق عليها أثناء وقبل تنفيذها الإسم السري (007)!، ومنها تم إشتقاق قصة وأفلام العميل السري (جيمس بوند) # 007.
وللتأريخ والحقيقة أقول: لقد أدان المسيحيين عمل ذلك الرجل الخائن بقدر ما أدانه أي عراقي آخر مخلص لوطنه، ولا أظن السيد المعلق (عمر الخيام) يجهل أن مسيحيي العراق كانوا غيارى ومُخلصين للوطن والتراب العراقي على مر الدهور والعصور. ربما لكونهم أبناء تلك التربة الأصليين. وقد كان أمراً مُحزناً ومُحبطاً حين تم تخوين بقية المسيحيين العراقيين من قبل مواطنيهم المسلمين وبكل يُسر وسهولة وسذاجة، وحتى من دون أسباب منطقية معقولة تدل على ثقافة ووعي حاملها!!، ومعيبٌ جداً لا بل مُخجِل أن يؤخذ أكثر من مليون ونصف مسيحي عراقي بجريرة خائن واحد!، بعد تلك الحادثة أصبح كل مسيحي عراقي (خائن وعميل وجاسوس ورتل خامس وقواد وإبن قحبة أيضاً!). والمؤلم أكثر في كل الموضوع أن مسيحياً واحداً خان الوطن العراقي، ولكن هل بالإمكان يا ترى حِساب عدد المسلمين الذين خانوا الوطن العراقي منذ أيام منير روفة ولحد الآن!؟. هل بإمكان أي إنسان واعِ ومُنصِف وصادق ولا زال يحتفظ ببعض الغيرة والضمير والخجل أن يُعطينا رقماً -ولو تقريبياً- عن الحقيقة المُذهلة لعدد الخيانات التي دمرت العراق وأحرقتهُ على أيدي مُسلِميه ولا زالت فاعلة ومستمرة لحد اللحظة!؟. ومن خِلال كل هذه القصة نرى كم ينطبق على المسيحيين المساكين المثل الشعبي القائل: "مكروهة وجابت بنية" !. وحول عذابات المسيحيين العراقيين يحضرني قول جميل للكاتب العراقي (سليم مطر) يقول فيه: [ أنه أمرٌ قاسٍ ومُتعِب، أن تشعر بالأجنبية والإغتراب عن أُناس تتعايش وإياهم كل يوم، وتتصل معهم في كل شؤون الحياة اليومية، وتُشاركهم الأرض والهواء والماء والسماء ! ]. آمين.
قبل أشهر كنتُ أقرأ فقرات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكم هالني أن أجد أنه لم يتمتع مسيحيي العراق بأية فقرة أو مادة واحدة من المواد الثلاثين لذلك القانون!!، وسؤالي لن يكون: هل يعلم العالم ذلك أم لا؟ بل سؤالي: هل يعلم أخوتنا المسلمين في العراق بهذه الحقيقة أم أنهم لا يعلمون!؟.
إلى اللقاء في الجزء الثالث من سلسلة هذا المقالات ( جذور العنف والفوضى ) بعد أيام قليلة .
المجدُ للإنسان. طلعت ميشو. February - 13 - 2015
#الحكيم_البابلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جذور العنف والفوضى - البيت، المدرسة، الدين . (1).
-
مُُفردات سومرية أكدية آرامية لا زالت مستعملة في اللسان العرا
...
-
مُفردات سومرية آكدية آرامية لا زالت مُستعملة في اللسان العرا
...
-
بابا نويل أسيراً عند داعش !.
-
كيف تعامل الرافدينيين مع الموت والمصير ؟.
-
(( قصيدة للموت والسيف المكسور ))
-
حينَ يصبح التهريج سيد الفنون !.
-
البحث عن اللآلئ .. تأريخي مع الكِتاب.
-
الجذور التأريخية لشخصية الشيطان الغيبية .
-
وضاح اليمن .. الشاعر الذي غُيِبَ لأنه أحب زوجة الخليفة !.
-
هَلَوينهم وهَلَويناتِنا !.
-
سفينة نوح ... زبدة سخافة الأديان الأرضية !.
-
مُذكرات حزينة على هامش دفتر الوطن.
-
الكائنات الدينية الخيالية الطائرة !!.
-
نقد .. من أجل موقع للحوار أكثر ديمقراطيةً وعدلاً !.
-
نقد وتثمين لقصة -الرقص على الأحزان- للسيدة الأديبة فاتن واصل
...
-
أسباب هجرة مسيحيي العراق ، ومن كان روادها الأوائل ؟.
-
الشعراء الصعاليك في الجاهلية ، ( تأبط شراً نموذجاً ) .
-
اللعنة التي تُلاحق العراقيين !.
-
الجذور التأريخية لتحريم العمل في السبت اليهودي
المزيد.....
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|