الحياة بكل تفاصيلها هي الخلفية الحقيقية والذخيرة الحية لأي أدب عظيم,
صلاح زنكنه
الحوار المتمدن
-
العدد: 8192 - 2024 / 12 / 15 - 23:17
المحور:
الادب والفن
حاوره / عبد الوهاب محمد الحربي 10 / 3 / 2006 جريدة بغداد
صلاح زنكنه قاص وكاتب صحفي دائب النشاط والابداع، صدرت له عدة مجاميع كانت أولها كائنات صغيرة عام ١٩٩٤ ثم تلتها (صوب سماء الأحلام) و(الصمت والصدى) و(كائنات الأحلام) و(ثمة حلم .. ثمة حمى)
ترجمت قصصه الى لغات عديدة, الانكليزية، الفرنسية، الالمانية، الفارسية، الصربية, الكردية, ساهم في معظم الملتقيات والمؤتمرات والندوات القصصية في العراق، يملك حضوراً واضحاً في المشهد الثقافي العراقي, يقف بموازاة حضوره الإبداعي في مجال القصة ويحمل في داخله ثورة ما تدفعه للكتابة, وأحياناً للاصطدام بالسلطة كما حصل عام ۱۹۹۷ حين اعتقلته مديرية الامن العامة اثر قراءة شهادة وقصة قصيرة، لا أود الاسترسال كثيراً في الحديث عن هذا المبدع بل إني بصدد ترك الحديث له وسماع آراءه.
قلت : القصة هي عالمك الأثير فهل لك أن تقدم لنا فكرة عن خطواتك الأولى وكيف بدأت ؟
ج - بدأت من حساسيتي المفرطة ازاء الأشياء حيث عشت طفولة قاسية وادركت منذ صغري اللاعدالة في العالم، وكما تعلم فأن الطفولة هي التي تصوغ شخصية الإنسان في ما بعد، في هذه المرحلة كنت شغوفاً بالقراءة ومولعاً بالروايات والقصص والمسرحيات، ورحت اقرأ بنهم كل ما يقع تحت يدي, في سن مبكرة رحت أجرب حظي في الكتابة حتى اتخذت القصة القصيرة عالمي الأثير كونها الوسيلة التي أعبر بها عن مشاعري وافكاري ومواقفي، وأصوغ من خلالها جدلية هواجسي وقلقي وتمردي وغضبي، أنها عشيقتي الأبدية المتجددة.
س - الحياة والقصة توأمان لا ينفصلان، فكيف تعيد تشكيل الحياة في ابداعك القصصي ؟
ج - أعتقد إن الحياة هي ذخيرة الأدب والأديب، كون الأديب الذي لا يتوفر على تجربة حياتية غنية بمفرداتها، لا يمكن أن يكون أديباً مهماً فاعلاً، أو يكتب أدبا ذا اهمية، ذلك أن الحياة بكل تفاصيلها ودقائقها هي الخلفية الحقيقية والمدى اللا متناهي، بل المرجع الأصيل للأديب، مهما توفر على ثقافة واسعة, وأنا شخصيا أكتب قصصي وفق حصيلة تجاربي الحياتية وأستقي نصوصي من الواقع المحيط بي، وما من قصة لدي إلا ولها بعد واقعي مهما كان غرائبيا, أعمل كما المصور، ألتقط مشاهدي من الشارع ومن الحياة، ثم أعيد صياغة الأشياء والحياة وفق مختبر مخيلتي التي تتسع لكل هذه التناقضات التي تعج في هذه الدنيا.
س - إذا كان التكرار أساس البناء الفنطازي، فكيف تحدد ملامحه في إبداعك القصصي ؟
ج - الحياة بحد ذاتها فنطازيا وجودية، والتكرار أحد اسسه وخواصه, وقصصي تستمد مشروعيتها من الحياة التي هي عبارة عن دوامة عجيبة أقف أمامها حائراً متسائلاً عن جدوى وجودي وكياني، ثمة تكرار وتوالي ورتابة، أنا أحاول عبر ثيمة (التوالي) وليس التكرار زعزعة هذه الرتابة وهو جزء من تكنيكي القصصي، متخذا من الفنطازيا أسلوبا كتابياً يتوافق ورؤيتي للأشياء، الفنطازيا هي لعبة اللاوعي واقصى جموح الخيال لصياغة الأحلام.
س - هل تجد في نص الومضة أو القصة البرقية قدرة في أن تؤدي الفعل القصصي ؟
ج - لا أظن ذلك، هذا النوع من الكتابات هي مجرد خزعبلات واصحاب هذه الفذلكات يفتقرون الى الموهبة والحنكة، المسميات غير مهمة, المهم هو الإبداع، قبل سنوات كتب بعض الأصدقاء في الموصل(القصاصة) وزعموا أنها ليست قصة وليست شعرا وبالتالي ليست أي شيء كانت مجرد لعب وخربشات كتابية ماتت في المهد.
س- يأخذ عليك البعض عدم اهتمامك باللغة في قصصك ؟
ج - لن أجيبك بشكل مباشر وإنما أحيلك الى هذه الشهادات الخمس التي تطرقت الى أسلوبي الكتابي ولغتي القصصية ...
1- صلاح زنكنه لا يكتب قصة اعتيادية، وإنما يكتب نصوصاً تلتقي مع تقنية قصيدة النثر) الناقد فاضل ثامر، جريدة الثورة 30 / 5 / 1993
2- يتخذ القاص زنكنه أسلوب البرقي بما تعتمده من عبارة واضحة وصريحة وصفاء في المعنى القاص أحمد خلف، جريدة الثورة 13/ 7 / 1998
3- لهذا القاص أسلوب متين, ولغة شاعرية, وعبارة مؤثرة دقيقة, والكلمة عنده ذات دلالة, الناقد جاسم عاصي، جريدة الجمهورية 1 / 1/ 1997
4- هذا القاص يتمتع بحس شعري على درجة عالية من الحساسية يدعوني أن اطلق عليه القاص الشاعر، فالكلمات لدية محصية بدقة, لا يلف ولا يدور, الشاعر حسن النواب, جريدة الثورة 12 / 3/ 1997
5- أسلوب صلاح زنكنه متدفق, يحتوي على عناصر الشد الفنية، فتراه يرصف الصورة جنب الصورة, كأنه يعرض شريطا سينمائيا محكم البناء, الناقد لواء الفواز، جريدة العراق 23 / 5 / 1979
س - أثير مؤخرا في الصحف العراقية قضية أدب الداخل وأدب الخارج كيف ترى ذلك ؟
ج - ليس ثمة أدب داخل أو خارج إنما أدب عراقي واحد يكتبه الأديب العراقي سواء كان هنا أو هناك مجسداً هموم ومخاضات الإنسان العراقي في بحثه الدائم والدؤوب عن الحرية والحياة الكريمة، فالأدب الذي كتب في المنافي البعيدة وتشرب بنزيف الجرح العراقي هو دون شك أدب العمق العراقي، والادب الذي كتب تحت سماء القنابل والقمع والحصار والموت اليومي هو أدب منفي، ثق يا صديقي إن هذه التقسيمات والمسميات هي مجرد هراء في هراء فثمة أدب حقيقي وأدب زائف وشتان ما بينهما.