محنة العراق .. محنة العراقيين
صلاح زنكنه
الحوار المتمدن
-
العدد: 7941 - 2024 / 4 / 8 - 18:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شئنا أم أبينا فإن يوم 9 / 4 / 2003 هو فاصل تاريخي في العراق المعاصر, بين مرحلتين قاسيتين, مرحلة الدكتاتورية العنجهية المقيتة, ومرحلة الساسة البلطجية الحرامية, وحين غزتنا أمريكا هشمت بنية المؤسسات العراقية وجعلت من العراق دويلة عصابات مارقة, فبات الثوار قتلة, والمناضلون سراقا, وبتنا كبش فداء لوطن منتهك, بعد الخلاص من الحزب البعث الواحد الأحد, لكي نقع تحت سطوة الأحزاب الإسلامية الأكثر إجراما وفسادا وعنجهية.
وصف طارق عزيز وزير خارجية العراق في عهد صدام, المعارضة العراقية حينها بمجاميع من اللصوص والمرتزقة والقتلة المأجورين, لو تسنى لهم حكم العراق سينهبوه على بكرة أبيه, فيما وصف صلاح المختار رئيس تحرير جريدة الجمهورية آنذاك هؤلاء المعارضة بكلاب الزينة التي تنبح فقط (لا تعض ولا تخرمش)
وحين غزت أمريكا العراق تحت شعار التحرير, استدركت أن هذه المفردة غير متوفرة في قاموسها السياسي, فأبدلتها بشعار الاحتلال, ورحنا نمني أنفسنا بالحرية والسلام, احتلال أمريكا ولا ضيم صدام, وحين رحلت أمريكا, تركت لنا كتلا كونكريتية قطعت أوصال العراق, وكتلا سياسية لعبت (شاطي باطي) بالعراق.
لم يكن نظام صدام خطرا على دول الاقليم والعالم, بقدر ما كان خطرا علينا نحن الشعب العراقي, قُمِعنا وأستلبت إرادتنا وخنقت أنفاسنا.
سقط النظام بإرادة العراقيين الحانقين, وليس بصواريخ أمريكا وطائراتها ودباباتها وجبروتها, لكن أمريكا استثمرت غضبنا على النظام وبطشت بصدام وآل صدام بمهلة زمنية, اختزلت صبر العراقيين المتعبين اليائسين البائسين الجياع.
الدولة العراقية منذ تأسيسها والى اليوم لم تكن دولة مؤسسات, وإنما دولة سلطات غاشمة قامعة متكبرة, سلطات عسكرية أو عشائرية أو ذات صبغة دينية على هيئة حكومات انقلابية أو شمولية أو محاصصاتية كما هو اليوم في ظل الديمقراطية المستوردة, كون الديمقراطية ليست وصفة جاهزة, إنها ثقافة وسلوك, وحين نستوعب هذه الثقافة حينذاك تتحول الى ممارسة حياتية تنظم سلوكنا اليومي.
لم تكن دولة صدام دولة دستور وقانون بل كانت دولة قرارات, والعراق اليوم دولة شعارات ودولة نزاعات ودولة صراعات, والشعب كله يجني الخسارات تلووو الخسارات.
ابتلى العراق بعد 2003 برؤساء وزراء (أفاقين) ووزراء (سراق) ونواب (بائسين) وساسة (فاشلين) ومحافظين(مرتشين) وجهاز شرطة (مخترق) وجيش (دمج) وإرهاب (أهوج) وميليشيات (سائبة) ومؤسسات حكومية (هشة ومنخورة) وفيلق من المجرمين المحترفين وفائض من الأرامل والأيتام والمعوقين والجياع والمشردين وكم هائل من الخراب ... كل هذا من فضل الاحتلال الأمريكي.
العراق في عرف هؤلاء مجرد فريسة, وهم فرسان الغفلة والغباء والرعونة, جلهم عملاءاء وأتباع الغزاة .. لا غيرة لهم, ولا غرغرة.
الميلشيات السائبة والعصابات المنظمة تبطش بمقدرات العراقيين وتضرب بعرض الحائط الأعراف والقيم والقوانين وتبصق على شرف الدولة والحكومة والشعب, وأصحاب القرار ساكتون خائفون.
الأحزاب العراقية حتى 2003 لم يتجاوز عددها سبعة أحزاب, وجميعها أحزاب معارضة ترعرعت في المنافي, وفي ظل غياب قانون الأحزاب في العراق الجديد بعد 2003 والى اليوم, تشكلت عشرات الأحزاب الكارتونية, وغالبيتها أحزاب طائفية مرحلية انتخابية وأحزاب حرامية, تناسلت وانشطرت واندمجت, وثمة أحزاب تبخرت, بعض هذه الأحزاب رصيدها بالمليارات وتمتلك قنوات فضائية ومكاتب فخمة وتجزل العطاء, والحزب الشيوعي العراقي ذو التاريخ الوطني العريق بالكاد يصدر جريدة ورقية فقيرة.
ومن المفارقات المضحكة المبكية في العراق أن (الفرارية) الهاربين من الخدمة العسكرية الذين لم ينخرطوا في الجندية ليوم واحد, تولوا زمام المؤسسة العسكرية كقواد عامين للقوات المسلحة وهم أميون في العلوم العسكرية, صدام حسين, اياد علاوي, ابراهيم الجعفري, نوري المالكي, حيدر العبادي, عادل عبد المهدي والكاظمي, يا للمهزلة !!!
الشعوب الغبية تؤمن بالحكومات الغبية التي على شاكلتها, الحكومات الغبية ظالمة والشعوب الغبية مظلومة, والاثنان راضيان متراضيان متناغمان في الأدوار كون هذه الحكومات نتاج هذه الشعوب المسلوبة الإرادة والقانعة بمصيرها دون تردد والتي تبحث عن الزعماء الخارقين الذين يشبهون الآلهة في طغيانهم, ليكونوا هم مجرد عبيد خانعين خاشعين لهذا الزعيم الأوحد الضرورة والذي لا مثيل له في كل بقاع الدنيا, هذه الشعوب المأزومة تصنع طغاتها لتفتك بهم في النهاية ولتستبدلهم بطاغ آخر, وتكرر مآسيها بصياغة أخرى, أكثر عنفية وعشوائية وغباءً, حكام العراق الآن هم نتاج غباء صدام وعنجهيته.
بعد سقوط تمثال صدام في 9/ 4 / 2003 على يد قوات الاحتلال الأمريكي بفترة وجيزة ذهبت إلى شارع المتنبي لرؤية الأصدقاء, في هذه الأثناء شاهدت رجلا سبعينيا نحيلا كعود احاب البيلسان بشعر أبيض وبدلة ناصعة البياض وقميص أحمر من بقايا البروليتارية حاملا جريدة طريق الشعب يلوح بها فرحا وهو يضحك ملء شدقيه الذي لم يتبق فيه سوى بضعة أسنان, كان سعيدا بنهاية الدكتاتورية وحالما بعهد جديد ( وطن حر وشعب سعيد ) لا أدري هل مازال ذلك الرجل سعيدا مثلما كان ذات جمعة ربيعية, أم مات كمدا بعد حفنة خيبات وانتكاسات وميتات مجانية طالت العراقيين بكرة وعشية, الشيوعيون حالمون كبار كون لينين كان حالما عظيما وصانعا جبارا للثورة.
ساسة العراق من الأحزاب الدينية, أنموّذج صارخ على قصر النظر وسطحية الفكر وسذاجة الطرح وبلادة المعالجة وتشنج الخطاب وهزالة الوعي وسفالة السلوك, يا للعراق وأهل العراق, كم ابتلى وابتلوا بالمعتوهين وشذاذ الأفاق.
لقد اكتشف العراقيون بمعايشتهم المريرة ومجساتهم الحياتية البسيطة إن الاسلامويين أكثر فسادا وشوفينية وطائفية وطغيانا من البعثيين والصداميين والقوميين واليمينيين قاطبة, وإن الأحزاب العراقية بعد 2003 عصابات ومافيات وميليشيات, وبعضها كارتلات للنهب والسلب, وبعضها الآخر شركات استثمار وغسيل أموال, وبمجموعها خربت البلاد وسرقت العباد وباتت وصمة عار في جبين العراق.
الساسة العراقيون بعد 2003 دخلوا موسوعة غينيس للأرقام القياسية بجدارة كونهم أكثر ساسة العالم رياءً وخسة وفسادا, وأكثرهم نذالة وعمالة وانحطاطا, فالعاهرات أكثر شرفا من الساسة العراقيين, العاهرة لا تسلم جسدها لمن لا ترغبه
بينما الكثير من ساستنا سلموا العراق للمحتلين بطيب خاطر.
ومن أكثر لعوامل المشتركة بين الساسة العراقيين الجدد ما بعد 2003, هي الأمية السياسية واللاوطنية واللامبالاة, ومعظمهم مرتشون منافقون متذبذبون, ينتمون لأحزابهم (دكاكينهم) أكثر من انتمائهم للعراق, كونهم حثالة أهل العراق.