القاص صلاح زنگنه في حوار صريح / الكاتب الحقيقي له موقف


صلاح زنكنه
الحوار المتمدن - العدد: 8171 - 2024 / 11 / 24 - 20:12
المحور: الادب والفن     

حاوره / ناظم السعود
جريدة الاتحاد الأسبوعية 20 / 11 / 1999

ينتسب القاص صلاح زنكنه نقديا الى الجيل الثمانيني من كتاب القصة في العراق, ولكنه يتميز عن الكثير منهم بفرادة الكتابة القصصية التي تشير الى وعي ناضج بأصول فن القصة, وما يقدمه زنكنه من قصص (ايهامية) بليغة وعلى فترات متقاربة, يجعله من أكثر القصاصين تمردا علي السائد من أساليب القصص التقليدية بحكم نزوعه الى اختيار أساليب بنائية مستحدثة إن كان على مستوى القيمة القصصية أم طريقة التعبير, وهذا ما كلفه غالي, مما أبعد عدد من قصصه عن النشر.
إن قارئ مجموعته (كائنات صغيرة) سيندهش من هذه القدرة التخيلية التي يمتاز بها زنكنه, وفي هذا الحوار آثرنا أن نفتح كوة حوارية معه لإضاءة عالمه القصصي.

س / أنت شغوف بالقصة وحدها، ترى ما الذي دفعك الى اقتراف كتابة القصة تحديدا؟
ج / حساسيتي المفرطة ازاء الأشياء, فقد عشت طفولة قاسية وأدركت منذ صغري اللاعدالة في العالم, علما أن الطفولة هي التي تصوغ شخصية الإنسان في ما بعد, وفي هذه المرحلة كنت مولعا بالمسرح وشغوفا بقراءة المسرحيات, وشيئا فشيئا رحت اقرأ القصص والروايات, والمجموعة القصصية الأولى التي قرأتها كانت لعبد الرحمن مجيد الربيعي, ثم عبد الستار ناصر، ثم جليل القيسي، ثم محمد خضير، فمحمود جنداري, هؤلاء أساتذتي الكبار, بعدها قرأت انطون تشيخوف الذي أدهشني بحسه الإنساني, وهكذا رحت اجرب حظي, في كتابة القصة القصيرة في سن مبكرة.

س / ولكن مجموعتك (كائنات صغيرة) هي الوحيدة لك حتى الآن, برغم انك تكتب القصة منذ سن مبكرة كما تقول؟
ج / كانت هذه المجموعة بالنسبة الي جواز مرور الى عالم القصة الفسيح, وجعلت اسمي مميزا في فضاء القصة العراقية كوني كاتبا متأنيا وحريصا على ما أكتب, ومقلا مقارنة بمن سبقوني ومن جايلوني, ثم ما نفع عشرات المجاميع إن لم تترسخ في الذاكرة, وأنت تعرف إن مجموعتي كان لها صدى في الوسط الثقافي والأدبي, وكتبت عنها عشرات المقالات.
أما مجموعتي الثانية فاها هي تنتظر الطبع منذ ثلاث سنوات, وأعتقد أنها تكرس مشروعي القصصي وترسخه كونها عصارة جهدي الفكري ونضجه.

س / عنوان المجموعة يشي بدلالة واضحة قد تسحب القارئ الى الانتباه والتحفز ومواجهة هذه الكائنات المتشظية من الرأس, أتراك تشير الى (القادم) أم هو موقف منك مما يحدث؟
ج / أجل أنا أشير الى (القادم) وأدين كل ما هو لا إنساني وظالم, وأتخذ موقفا عبر نصوصي مما حدث ويحدث، الكاتب الحقيقي له موقف ازاء الأشياء والذي بلا موقف كاتب سائب ولا يحترمه أحد, وبالتالي تذهب كتاباته في مهب الريح.

س / الكثير من (كائناتك) تبدو ملاحقة ومتهمة وتخوض في بحر من الدماء ما الذي يجعل هذه الكائنات مرصودة للإبادة وذات مصائر فاجعة, بالرغم من كونها بسيطة وهامشية ولا تملك (قرارا)؟
ج / أجل إنها لا تملك قرارا لأنني أكتب عن الكائنات البسيطة الهامشية الملاحقة وذات المصائر المفجعة.
س / لماذا ؟
ج / لأن الواقع فاجع ومأساوي, وأنا أنطلق عادة من الواقع, وأستقي ثيمات قصصي منه, لكنني في نفس الوقت أنسف هذا الواقع وأهمشه وأسخر منه, لأشكل واقعا آخر عبر الفن القصصي, ليكون محتملا بالرغم من قساوته, أن فعلي القصصي يكمن في إثارة السؤال والدهشة والاحتجاج.

س / تعتمد على المفارقة الجادة في بناء قصصك وتفاجئ القارئ بنهايات واخزة غير متوقعة, أهي مكيدة قصصية لجر القارئ وتهيئته لاستقبال خطابك القصصي؟
ج / القاص فنان بارع يلعب ويناور ليغري القارئ بالمواصلة والمشاركة والتأويل, وبقدر أهمية الجملة القصصية الاستهلاكية تكون أهمية الجملة الختامية (النهاية) وأنا مع النهايات المفتوحة التي لا تتوقف عند معنى, بل تقبل تعدد المعاني والمغزى.

س / الكثير من قصصك مكتوب وفق ضمير المتكلم، وفي النقد الأدبي يؤول استخدام هذا الضمير الى أحد أمرين أو كليهما, أما إن الكاتب ينوء تحت عزلة قاسية أو إنه فقد شيئا عزيزا فهل حدث هذا معك ؟
ج / الكاتب والشاعر والفنان بطبيعته كائن يشعر بالعزلة والاغتراب والاستلاب, لفرط حساسيته وتنافره مع محيطه وهو في ذات الوقت يشعر بهول الخسارة والفقدان والحرمان, ثم أن عملية الكتابة والفنون هي عملية تنفيسية، تعويضية، لكل هذا وذاك حسب آليات علم النفس والتحليل النفسي، وبما أن ضمير المتكلم هو ضمير غير حيادي, بل ضمير متعاطف ومشارك وفاعل في آن واحد, ويعطي حرية أكبر لبث لواعج الوجدان ويمنح القارئ جوا من الحميمية والألفة, لذا أستخدمه في كتابة بعض القصص التي تتطلب هذا الضمير.

س / حسنا، ولكن هل تشعر أيها القاص بأنك كتبت قصة تماثل حياتك؟
ج / كلا، لم أكتب ذلك النص الذي يماثل حياتي, لأن القصة لا تحتمل ذلك, وإنما كل نصوصي صدى لمقتطفات من حياتي, ذلك أن الحياة واسعة، صافية، مفعمة بالحب والضجيج والألم، وحياتي بالذات ليست اعتيادية, وكل ما هو غير اعتيادي صعب تكريسه واستيعابه واختزاله, قد يحدث ذلك عبر رواية قد أكتبها لاحقا.