من أرشيفي الورقي .. حوار أجرته معي الشاعرة كولالة نوري


صلاح زنكنه
الحوار المتمدن - العدد: 8136 - 2024 / 10 / 20 - 02:25
المحور: الادب والفن     

أدناه حوار ساخن أجرته معي الشاعرة كولالة نوري في جريدة العرب اللندنية 4/2/2003

* القاص العراقي صلاح زنكنه وراء كل قصة أكتبها امرأة من لحم ودم.
* المثقف الحقيقي مازال فاعلا ومؤثرا.
* لا يمكن أن أكون ديمقراطيا في غياب الديمقراطية.
* المسابقات ليست مقياسا للإبداع.
* رقابة الفكر ابشع أنواع الرقابة. ‏

صلاح زنكنه قاص عراقي معروف على صعيد الساحة الثقافية والأدبية العراقية على حد سواء, هو قاص مبدع ومتميز بإجماع النقاد والأدباء والقراء، متمكن من أدواته الفنية ببراعة يحسد عليها، جريء حد الغرابة في طرح مضامينه وأراءه.
كردي القومية، عربي الثقافة والخطاب، يؤكد دوما بأنه غير قوماني وقدره أن يكتب بالعربية كما هو يشار كمال التركي وسليم بركات السوري ومحي الدين زنكنه العراقي.
متزوج من نساء ثلاث، يودهن جدا وهن فخورات به و بإبداعه، لكنه يطمح بالرابعة إذا شاءت الصدف كما يعلق. عندما يصمت تعرف جيدا أنه غارق في كلام لن يقوله الآن، وعندما يتكلم، يتكلم بثقة وقوة ووضوح, فنعرف أنه قاص مثقف وقارئ جيد وناقد حصيف ولا شيء يردعه عن قول الحقيقة، بل ويجهر بأراءه حد الاستفزاز.

فاز في العام المنصرم في مسابقة (المبدعون) التي اقامتها مجلة ((الصدى)) الإماراتية بمجموعته القصصية (ثمة حلم .. ثمة حمى) من هنا كان سؤالنا الأول . ‏
‎‏‎س۱ - ماذا يعني فوزك بجائزة (الصدى) وما هو انطباعك إزاء الفوز ؟

ج - بصراحة جداً وبدون رتوش أقول لك، إن اشتراكي في هذه المسابقة أو غيرها جاء بدافع الحاجة والعوز, لأني أؤمن أن المسابقات هي للرياضيين والخيول الريسز لأن لكل مبدع سمته وميزته وامتيازه، ولا يجوز أن نصنف الادباء ضمن خانات ومراتب. ولأن المسابقات في كل الحالات ليست هي المقياس الحقيقي للفرز والتقييم, لكنها بشكل أو بأخر وسيلة فاعلة للتشجيع والدعم والمؤازرة. شخصيا كنت واثقا من فوزي كوني واثقا مما أكتب فضلا عن مصداقية القائمين على المسابقة وجديتهم ، وتأكدي بان الإبداع الحقيقي دائما يتجاوز الحدود ويخترق السدود.

‏‎س٢ - قصة (التماثيل) في مجموعتك( ثمة حلم .. ثمة حمى) جعلتني أرتعد، ترى كيف نتقي شر هذه التماثيل، وكيف لنا أن لا نتحول الى تماثيل بلهاء كما صورت؟

ج - هذه القصة التي هي عبارة عن خمسة أقاصيص أو مقاطع قصصية، هي في حقيقة الأمر صرخة احتجاج وتحذير ضد التماثيل البشرية الصم التي تتحكم بحياتنا وتسلبنا إرادتنا وجعلتنا مجرد تماثيل بليدة، وهي ( القصة )ادانة لواقع مقنع ومزيف قائم على تحجر الفكر والرأي، أما كيف نتقي هذه التماثيل وشرها، علينا أن نتصدى لها بقوة وشجاعة لا أن نصمت ونهادن ونتحول الى حجارة.

س3 - أنت تكتب بحرية بالرغم مما يقال كونك موارب في إيصال الفكرة، وأنا أرى إنك صريح جدا وواضح جدا ولا تخاتل ولا تتحايل كثيرا، كيف استطعت اقناع الرقيب.

ج - ليست مهمتي اقناع الرقيب، كونه لا يقتنع أبدا إنما أتحاشاه قدر الإمكان، وأتجاوزه بقدر أخر، وأحيانا أتحداه وأصفعه على قفاه من حيث لا يدري, أنا كاتب غيور وشرس أكتب وفق ما يملي على ضميري ووفق قناعتي الخاصة, وتأكدي بأن أبشع أنواع الرقابة وأقذرها هي رقابة الفكر والرأي والتعبير، وهذا الرقيب لا يختلف كثيرا عن أي شرطي بليد أو جلاد أهوج فعليه اللعنة وعلى من أوجده

س4 - تقول دائما وتكرر بأنك تؤمن بقوة الكلمة وتأثيرها الفاعل، الى أي مدى ينطبق هذا الكلام على واقعنا المتردي حيث ما عاد أحدا يسمع كلام المتكلمين.

ج - حين أقول (قوة الكلمة) أقصد قوة الخطاب، الخطاب الفكري والإعلامي والسياسي والديني والثقافي والاقتصادي, جميع الساسة والمفكرين ورجال الدين والمثقفين والأدباء يتعاملون بالكلمة، وتكمن قوتهم وهيمنتهم في رصانة كلمتهم ومصداقيتها، أي مشروعية خطابهم ، لكل حزب خطاب مثلما لكل دولة خطاب وهكذا للمثقف خطاب خاص, وهذا ما أعول عليه، لأن المثقف هو الضمير الحي الحقيقي لأمته وعصره, المثقف الحقيقي مازال فاعلا ومؤثرا وكلمته مسموعة بالرغم جعجعة المنافقين والطبالين.

س5 - لقد تبوأت بعض المواقع الإدارية في الحركة الثقافية, كرئيس منتدى الأدباء الشباب في ديالى، وعضو مجلس مركزي لاتحاد وكتاب العراق, لكنك صببت مرارا جام غضبك على هذه المؤسسات في الصحافة وأعلنت ندمك على خوض معتزلها، بماذا تفسر ذلك، ولماذا قررت عدم خوضها مستقبلاً ؟

ج - إيمانا مني بفاعلية المثقف ودوره في إرساء دعائم المجتمع, خضت معمعة هذه المؤسسات وعملت فيها بجد ومثابرة، واكتشفت بعد سنوات أن أي منا ليس سوى موظف مسكين عليه أن ينفذ ما يؤتمر به وليس له الحق على الاعتراض، وأن شان الابداع والمبدعين هو شان الجن والشياطين, وليذهبوا كلهم الى الجحيم، وما عليك سوى أن تحمل بوقا وتنفخ فيه حتى يرضى عليك السيد المسؤول, واكتشفت أن كل ذلك هراء في هراء وعلى الأديب الحقيقي أن يتفرغ ويهتم بشغله الأدبي, أما لماذا قررت عدم خوضي الانتخابات وما شاكل ذلك, لأني لا يمكن أن أكون ديمقراطياً في غياب الديمقراطية.
س٦ - قصصك القصيرة جدا، تفيض علينا بأشياء كثيرة لذا لا نستطيع أن نغفل مقدرتك على كتابة قصص طويلة أو رواية، ماذا تقول في ذلك ؟

ج - لا أدري ماذا يعنون بالقصيرة جدا، أن ما يكتب وينشر تحت هذه اليافطة (جدا) سطرين أو ثلاثة أسطر, هو ضمن قناعتي محض لعب مجاني, بل محض هراء كتابي ودليل على الخواء وضعف الموهبة وجفاف المخيلة، ترى ماذا بوسع الكتاب أن يقول بجملتين قصيرتين، مختصرا ومختزلا الحكاية والحدث والشخصية بحجة القصيرة (جدا) السقيمة, أن ما أكتبه شخصيا فهو في تقديري نص قصصي تتوافر فيه شروط القص والسرد, وتتساوق مع قصيدة النثر, ونصي سواء كان قصيرا أو قصيرا جدا, فهو يكتفي بذاته ويتجاوز حدود المصطلح العقيم، ولا يقع تحت سطوة التنميط والتجنيس، ونصي عادة يمتاز في الحد الأدنى بالكثافة والاقتصاد والايجاز, ويتحاشى الحشو والانشاء والاستطراد, وهذا كله مرتبط ببنية الكتابة عندي، دون أي اعتبار لمساحة الورقة أو عدد الأسطر أو مفهوم الجنس الكتابي الضيق. القصة القصيرة فن رفيع، وصعب، وجميل, وهي وسيلة تعبير، أي خطاب ورؤية وفكر وفن، أنني أؤمن بان الكتابة بكل أشكالها وأنواعها هي فن وفعل، أي لابد من تحقيق شرط الجمال وشرط الموقف، ويوم أكتب رواية سوف أكتبها ضمن هذه المواصفات.

س7 - ترى ماذا عن تجربة الكاتب الحياتية وثقافته وأيهما لها الأولوية ضمن اعتبارك ؟

ج - أعتقد إن تجربة الكاتب وثقافته أمران مترابطان ومتداخلان في آن، فمهما كـــان الكاتب مثقفا ومعرفيا وحاذقا في وعيه، لا يستطيع أن يكتب نصا ذا أهمية, نصا ناضجا وطازجا وحقيقيا دون أن يستوعب اشكاليات مجتمعه, ويتشرب بهموم ومعطيات واقعــــه ومحيطه كي يتمثل نبض عصره، فالكاتب دون تجربة واسعة وعميقة، دون مخاض وعسر وصراع, دون علاقة حميمة مع مفردات الحياة اليومية، هو كاتب خــــــاوي دون رصيد، والعكس صحيح أيضا، أذ لا يكفي أن يكون الكاتب ذا تجربة أصيلة ويفتقد الى وعي معرفي وثقافة رصينة, والثقافة في المحصلة النهائية جد ضرورية للكاتب لتحصين وعيه ورؤيته وخطابه وحتى آلية الكتابة وإلا بدا خاويا وبليدا, أذن التجربة والثقافة وجهان لعملة واحدة، وتشكلان اللحمة والســـــــــدى للكــــــاتب.

س8 - لنأتي الى المرأة أذن، كونك متزوجا من نساء ثلاث, وكون المرأة تشكل جزءا حيويا من تجربتك. ترى ما مدى أهميتها وخصوصيتها في كتابتك وحياتك، ولنسأل بصراحة أيهما أولا المرأة أم الكتابة ؟

ج - بصراحة جدا أقول، المرأة أولا وثانيا وثالثا، فهي الحافز والمؤجج لعملية الكتابة عندي، فهي بلا شك مصدر الخصب والنماء والديمومة, وهي التي تمنحني الدفء والطمأنينة والنشوة أيضا, كونها عسل الحياة وملحها, المرأة فاكهة بستاني وسراج ليلي، ولن أبالغ إذ قلت أنها بمثابة الشهيق والزفير بالنسبة لي، لهذا فهي تشكل القاسم المشترك لكل كتاباتي، فخلف كل قصة أكتبها امرأة من لحم ودم ، وأتوق لامرأة أخرى تبعث في الحيوية والحياة، صدقيني إن المرأة بالنسبة لي هي المضاد الحيوي الحاد للموت . أذن لا تستغربي من زواجي بثلاث نساء هن حبيباتي وصديقاتي وأخواتي ، فأنا - بينــــي وبينك - أطمح بالرابعة إذا شاءت الصدف، المرأة هي البدء وهي الختام وعلى الدنيـــا السلام.