صلاح زنكنه يرسم بالكلمات


صلاح زنكنه
الحوار المتمدن - العدد: 8176 - 2024 / 11 / 29 - 22:12
المحور: الادب والفن     

عبد الحكيم عبد داود
صلاح زنكنه كاتب وشاعر يكتب بشجاعة وصرامة نادرة, لا يعبث حين يقول ويطلق صرخاته واستهجانه من قناعات ظلت تسورنا .. لا يريد تغيير تلك القناعات والمفاهيم, بل يجعلنا أكثر تأملا وأكثر إحساسا بالواقع المرير وكيف يترجم ذلك الواقع ويرشدنا أن نقف على مساحات واسعة من التأويل, لذا يجترح معانيه التي تظهر مثل بلسم مداوٍ بالرغم من أنها تبرز كالسكين لتقطع دابر الظلم الذي يتلبسنا .. يكتب مفرداته بعذوبة ويسمو بالشعر في جل نصوصه, لا يتكلف فتظهر عنده العبارات مستساغة خالية من التهويل.

لا أغالي القول إن أديبنا زنكنه كقاص وشاعر لا يمارس الأدب كترف أو نزعة نفسية أو قتلا للفراغ, صلاح يترجم حالات النفس البشرية ويتقن عن عمق خلجات النفس ويرسم بدقة كأنها ريشة رسام بتلاوين عجيبة، وهو أجرأ من قرأت لهم سواء في الشعر أو القصة، قد يذهب القارئ ويجنح أن غاية الكاتب الاثارة والايروتيكية حين يصف ذلك الكائن المبجل ايروسيا، بينما هو يخاطب الوعي الحقيقي تجاه ما يحيط بالمرأة في ممارسة فكرية تهدف الى التغيير وكشف الظلم والاقصاء والالغاء والتسلط الذي مورس عليها, ويسعى الى تفكيك كثير من المفاهيم واعادة بناء رؤى، أحيانا تتملكني هواجس الخوف والرعب نظرا لزيادة الجرعة التي يتحدث بها ناسفا كل السائد، لا أظن إن أحدا قرأ له دون أن يتوقف متأملا بعد ما أصابته القشعريرة والرعشة, الكاتب الحقيقي الذي يؤثر في نفوس المتلقين والقراء, هو من يهز الأعماق وصلاح من ذلك النوع.

ينحى الشاعر صلاح زنكنه في أغلب نصوصه منحى وجدانيا رومانسيا متمردا, متقصيا كل الزوايا المعتمة ليلج إلى أعماق النفوس القابعة في ظلام دواخلنا المجهولة التي يثيرها النغم الايروتيكي .. هو لا يحتكم للمألوف في سبر أغوار العشق ويضع دستوره الخاص به ويشرع نه فيما بعد.
قد يبدو صلاح للمتحفظين غريب الأطوار في تفسيره وامتشاقه الحر للكلمة حين يطلق العنان لبوحه الشعري, وفي ذلك يجد ضالته وأناه ومبتغاه.

هو المتوله المتمرد يمارس طقوسه الايروتيكية بكل ما فيها من إبحار وسفر وجنون, يروم الدخول من تلك النافذة المحرمة التي لا يقترب منها غيره إلا بحذر, فيذهب الى متاهات اللاوعي فيخلق كونه الشعري من رحم لغة متفردة مستحدثة, لا أرى في نثره انسياقا غير مسؤول, بل يتدفق شاعرية وحين يتوغل في نصه عميقا يجعل من العشق هياما فيحرر الكلمة من قاموسها الكلاسيكي ليزجنا معه في الإيغال ليخلق فضاءً مدهشا لذلك الجسد مثله مثل ذاك الرسام في لوحاته عميقة دلالاته, تمنح المتلقي الرؤيا والتأمل ينسج ويصوغ مشهدا بلغة شفيفة باذخة تتميز بسمات القوة والتحدي المحبب حيث المغامرة الايروتيكية في الشعر, يدعونا صلاح أن نتوكأ على ماهية مشاعرنا ويزودنا بخزين حسي يدرأ عنا ما تنشده غوائل النفس حين تندلق.

أجل إنه الجريء الشجاع وقلمه لا يجامل بل يكشف المخفي والمستور في قاع العلاقات الإجتماعية, ويحللها مثل عالم النفس, مثقف عضوي فاعل لا يهاب أحدا مهما بلغ شأنه ومكانته. عاشق متطلع للحياة يؤمن بالمستقبل, ويحارب بلا هوادة كل الخرافات والأعراف البالية الشائكة, متوسما التغير ولا يقلل أي احباط من عزيمته.

شخصية تمتلك الكبرياء والسمو النفسي والروحي, يكره أي تعامل مادي ولا يقترب من الموائد المسمومة التي فيها المناورة والكذب والتعالي, هذا هو صلاحنا وبه نرتقي ولا مجال للمجاملة والتدليس أطلاقا.
وأخيرا, يمتلك هذا الإنسان قلبا مثل اللبن الأبيض نقي السريرة, لا يخشى في رأيه لومة لائم, يجاهر بالحقيقة ولو فيها حز الرقاب, احساسه لا يخيب, له رؤية ثاقبة وتحليل منطقي سواء كان أدبا أو سياسة, أصقلته التجربة والمران, ورغم أننا أقران في العمر لكني أعتبره معلمي وملهمي.
...
من صفحة الصديق الراحل حكيم الدهلكي