القصة الكبيرة لا يكتبها إلا قاص الكبير
صلاح زنكنه
الحوار المتمدن
-
العدد: 8169 - 2024 / 11 / 22 - 22:39
المحور:
الادب والفن
زنكنه / القصة الكبيرة لا يكتبها إلا قاص كبير
حاوره / سعد محمد رحيم
صلاح زنكنه واحد من القصاصين الجادين، استطاع أن يحقق حضورا متميزا في خريطة القصة العراقية، تتسم نصوصه بالإيجاز والكثافة وتغلب عليها الفنطازيا والغرائبية والحس التهكمي وقد ترجمت قصصه الى الانكليزية والفرنسية والصربية والكردية.
قال عنه الناقد فاضل ثامر (أقاصيص صلاح زنكنه تجعل القارئ يدرك أنه أمام قاص يدرك حدود اللعبة القصصية ويعرف كيف يزاوج بين مستوى الرمز والواقع مانجا تجاربه القصصية قدرة على التاثير وصدم القارئ وإيقاضه بوعي مشارك مضاف) جريدة الثورة 20 / 5 / 1993
وقال القاص عبد الستار ناصر (إن صلاح زنكنه كاتب عراقي أصيل أنظر الى مستقبله بحرص وهو يصنع الكثير من العجب المذهل الذي نحتاج اليه)
جريدة العراق 8 / 6 / 1996
التقينا به وأجرينا معه هذا الحوار السريع ...
س - أي أفق ترى المستقبل القصة القصيرة ؟
ج - أرى أفق الحياة وأفق الإنسان، مادام الإنسان يعيش اشكالية الحياة والوجود واشكالية الواقع لابد إذا إن تأخذ القصة حصتها من هذه الاشكالية, كونها جنسا خطابيا يعتمد في بنيته على السرد، والسرد قوام الحكاية، والإنسان دائما ومنذ البدء بحاجة ماسة الى الحكي والرواية فـ (يروى يساوي عاش، القصة تساوي الحياة، وغياب القصة يساوى الموت ولو لم تجد شهرزاد قصصا ترويها فأنها كانت ستعدم) هذا ما يقوله تودوروف, أعتقد إن القصة القصيرة هي فن المستقبل لما لها من حيوية وادهاش ومتعة.
س - ترى ماذا تعني لك القصة القصيرة، هذا الفن الذي تسميه فن المستقبل ؟
ج - تعني الكثير الكثير، تعني نصف حياتي ونصف وجودي ونصف كياني، أنها متعتي وشقائي، فردوسي وجحيمي, يكفي أنها الوسيلة التي أعبر بها عن مشاعري وأفكاري ومواقفي، من خلالها أصوغ جدلية هواجسي وقلقي وتمردي وغضبي, بالقصة أكاشف نفسي والآخرين، أنها خطابي الأثير وعشيقتي الأبدية المتجددة.
س - لماذا استوقفتك محطة القصة من دون غيرها من محطات الأدب ؟
ج - القصة القصيرة بالرغم من أنها الشكل الأمثل لفن البساطة, على حد تعبير محمد خضير، الا إنها الفن الأصعب بين فنون القول, لما لها من خصوصية صارمة في التقنية والتكنيك من النوع السهل الممتنع، لقد جربت كتابة المسرحية والشعر في بداياتي وكنت ممثلا مسرحيا، الا أن القصة وحدها استهوتني وأخذتني الى جزرها النائية وعواملها الخصية الخلابة, القصة فن الإدهاش والقاص الذي لا يملك مهارة صياد ورهافة فراشة وصلابة جندي لا يستطيع أن يكتب قصة ذات أهمي ، فالقصة الكبيرة لا يكتبها الا الكاتب الكبير, ذلك الذي له من سعة المعرفة وحدة الوعي, وما له من خبرة وتجربة حياتيتين حتى يتحول النص بين يديه إلى كائن حي يمشي ويتنفس.
س - تميل الى الغرابة في قصصك ؟ وهل الغرابة في الكتابة هي انعكاس لاغتراب الكاتب في عالم الواقع.
ج - أجل هذا صحيح، أشعر أن كل شيء في حياتنا هو غرائبي بشكل أو بأخر، اللاانسجام واللا منطق واللا توازن وعبثية الأشياء تجعلنا ننساق إلى الغرائبية، الكاتب بطبيعته كائن مغترب يعيش عزلة خاصة، لكن برغم هذا وذاك، ولأنه مسؤول ويمتاز بحساسية فائقة وخيال جامع، ينطلق دائما وأبدا من الواقع الذي لايتواءم معه ليخلق واقعا آخر أكثر جمالا وشفافية وإنسانية، لأننا جميعا (نهرب من واقعية الواقع) كما يقول جون فلولز, لكاتب الواقعي الحرفي كاتب بليد وممل.
س - لماذا ثيمة الموت دائما في قصصك ؟
ج - وهل من مشكة أكبر من مشكلة الموت, وهي تقف على عتبة الفلسفة برمتها حسب شوبنهاور، أو ليس الإنسان هو (الكائن الوحيد الذي يتمخض عن موته ويحمل موته في داخله كما تحوي الثمرة نواتها) حسب ريلكة، الموت هذا الكابوس الأزلي المخيف, الذي هو أحد قوانين الطبيعة التي لا يمكن نقضها, هو اللامنطق بعينه بالنسبة للإنسان، ولولاه لما قامت الحضارات والأديان والفلسفات, الموت يلاحقني دوما, وهو الهاجس الذي يؤرقني ويرهقني لذا تجده ماثلا في نصوصي كحقيقة لا مفر منها.
س - سؤال مشاكس، قصصك كلها تنويعات على نغمة واحدة هلا حاولت الخروج منها ؟
ج - حقيقة لا أعرف ماذا تقصد بالنغمة ؟ هل هي نغمة (الموت) أو (الرفض) مثلا كثيمة، أم نغمة (التوالي والتهويل) كجزء من تكنيكي القصصي، أم نغمة (الفنطازيا) كأسلوب كتابي ؟ ولتعلم يا صديقي أن معظم الكتاب لا يكتبون إلا كتابا واحدا، قصة واحدة, هاجساً واحدا، نغمة اثيرة يرددونها طوال نصوصهم المتعددة بطرق شتى، أما نغمتي فهي (الاحتجاج) على كل ما يسيء الكرامة الإنسان وحريته وإنسانيته، ولن أخرج عنها مادامت الحماقات قائمة وما دمت غاضبا على كل البشاعات.
س - أين انت من جيلك ؟ أين جيلك من الأجيال ؟
ج - برغم أني لا أؤمن بحرفية الأجيال إلا إنني واحد من هذا الجيل الذي أكتوى بنار حربين ولاقى من المصاعب والأهوال ما لم يلقه غيره، كل منا يكتب بطريقته الخاصة، يكتب نصا بحجم المحنة التي عاشها، نصا مغايرا لم يرسخ ويفرز بعد. أما علاقة جيلي بالأجيال الأخرى, فأظنك تعلم جيدا أننا جميعا تعلمنا وتتلمذنا على أيديهم وخاصة الجيل الستيني ذلك الجيل المتمرد الصاخب، إلا إننا شخنا قبل الأوان, وبتنا نفترق عنهم ونستقل بشخصيتنا القصصية المختلفة لاختلاف الظروف والمناخات والرؤى، أنا شخصيا أنظر الى تجاربهم باحترام وأتفحصها باهتمام, لأنهم أساتذة كبار يستحقون التقدير.
س - أخيرا ماذا تكره وماذا تحب ؟
ج - أكره الكاتب السطحي والشاعر المتعلق والمرأة الخائنة والرجل الوضيع، أكره النفاق والظلم والحرب والموت, وأحب كل الأشياء الجميلة في الحياة، المرأة والأطفال والكتاب والحيوانات، الخمرة والتدخين والسفر والسلام وأحب العراق.
جريدة الثورة 27 / 1 / 1999