ثلاث إضاءات لكتابي وجع مر


صلاح زنكنه
الحوار المتمدن - العدد: 8105 - 2024 / 9 / 19 - 18:15
المحور: الادب والفن     

1- مجموعة (وجع مر) لصلاح زنكنه, اعتمدت بساطة اللغة بقصدية، لا لغة البساطة, فقد كان فيها التنوّع السردي واضحا ًومُهيمناً، مما منح المجموعة فضاء ً أوسع َ لأن تتقدم إلى مجسّات التلقّي بارتياح .
حمل بعض القصص, بُعدا ًدراميا ً بحوارات تشي إلى الوجع المر, ورغم هذا الوجع، إلّا أن َّ الدهشة التي تبدأ بها القصص وتنتهي تُثير البهجة.
زنكَنه صانع حكايات قادمة من يومياته (المعروفة) على الأعم، لا يتردد من فضح الحشمة, لقد كانت الأطياف الحسيّة جسدا ً لسرديّاته.
الشاعر والناقد ريسان الخزعلي

2- وجع مر) المجموعة القصصية الأخيرة لصلاح زنكنه والصادرة من دار السرد / بغداد, هي اشتغال نوعي على مجمل مجاميعه القصصية السابقة بدءا من مسيرته السردية التي اشتملت على (كائنات صغيرة, وصوب سماء الأحلام, وثمة حلم ثمة حمى، والصمت والصدى, وعائلة الحرب, وحكايات حميمة) وانتهاءً بهذا الوجع المر.
)وجع مر) قصص كتبت بتقنية عالية, وعرض متميز لرؤى محاذية لأوجاع العراق من جنوبه لشماله, هو الكردي ذو الحرف العربي الناصع.
صلاح زنكنه يستحق درع الابداع العالمي بجدارة وامتياز, كونه حافظ على نكهة القصة العراقية بعد الجيل الستيني والسبعيني, وهو من الجيل الثمانيني الذي انبثق من مخاض الحرب والحصار, حيث كان يحمل القلم والبندقية (زمن الحرب الضروس) ليرسم معالم لطريق آخر للعراق, طريق يخلو من الدم والمآسي والويلات.
وهذا ما فعله في هذه المجموعة عبر الغور في الواقع العراقي المتلاطم, ليشخص معانته وتموجاته وصخبه, ويسجل ادانته لكل ما يمس كرامة الإنسان العراقي.
علما بأن مجموعته الأولى (كائنات صغيرة) كانت متميزة ومثيرة للجدل والأفكار والاهتمام, وقد حظت بعشرات المقالات النقدية التي أشادت بهذا المنجز القصصي آنذاك.
القاص سالم قنديلة

3- بملقط فضي يختار الكاتب المغاير صلاح زنكنه شخوص وموضاعات قصصه التي طالما حققت طفرة نوعية في تحديث التصورات وتطورها في هذا الجنس الأدبي المهم.
ليس غريباً ان تتسنم قصصه مرقى سامقاً، فبريق الحب وشبق الوصال يسكن شخوص قصصه، كما يصور ببراعة الحياة ببشاعتها وكلاحة شخوصها وزيفهم، فهو مسكون بتعرية الواقع بلا هوادة، وفي ذات الوقت يؤثث متكئات لرونقه، الدهشة لا تفارق قارئ قصص زنكنه، وكأنه دالة رؤيا ومغوار في سبر أغوار الحياة بطريقة فنية متقنة، بارع حد اللعنة في فضح المسكوت والمتساكت عليه، متمعناً ومتعمقاً في أسرار الجمال في الفن، حيث ينزع إلى الروح الإنسانية المستوحاة من الجو المحلي والشعبي، بلا رتوش.
قصصه تطرح أسئلة كبيرة، وأجوبة تروي عطش هذه الأسئلة، لم تعج قصص هذه المجموعة كثيراً كما عودنا القاص في قصصه السابقة بالقضايا الذهنية العويصة، والإشكاليات الإنسانية الميتافيزيقية، لكنه لم يغب عن باله الوجود والمرأة أولاً وأولاً، واصرارها على التحرر الوجودي، والظفر بمتاع الدنيا وترميم اللوعة والأشجان القصية، كما يلتقط الجروح البليغة، ليعالجها بضماد كبير، يدهشك في تصوير القلق الغامر، والسأم الوجودي، والعدالة الخائنة؟! فالقاص بارع في وصف الواقع كما هو، بسقوطه في أوحال الامتساخ والحيوانية والتشيء المادي والخضوع والاستلاب على حساب قيم العذوبة والذاتية الجوانية، في هذا الوجود المأساوي المرعب.
ويصور أيضا فضاءات أخرى فيها قيم التوادد والتراحم، والسعادة الروحية، والفضيلة المثلى، والشوق وهو يفترس القلوب، والجمال وهو يتوهج، والفكر وهو ينفلق بالتحرر ويتنقل من حلم إلى حلم، والورود وهي تتوهج بالإشراق والتفتح البراق، وكأنه يمسح مشهدا منعشا يرشنا بغمام الورود الحالمة، الناعمة.
لا أغالي إذا قلت ان شخوص قصص صلاح كأنهم رجالات إطفاء يعملون على اخماد القيم البالية، ويعتصرون هذا الكون من القبح والمفاسد، حتى يبدوا أبيض ناصعا بكامل بريقه.
الشاعر محمد رسن