عن : التقييم العلمي لكبار الصوفية المملوكيين وتأثر الفقهاء علميا بالتصوف


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 8005 - 2024 / 6 / 11 - 00:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

التقييم العلمي لكبار الصوفية المملوكيين وتأثر الفقهاء علميا بالتصوف
كتاب : أثر التصوف المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية
الفصل الثانى :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية ):
( فى العلم ـ العلوم ـ التعليم ، الأدب والفنون )
التقييم العلمي لكبار الصوفية المملوكيين وتأثر الفقهاء علميا بالتصوف
1ــ قيل عن احمد البدوي أنه : ( قرأ شيئا من الفقه الشافعي وحفظ شيئا من القرآن ) ، وروى عنه شعر بعضه موزون معرب والآخر غير موزون وغير معرب ) . والبدوي كداعية سياسي ـ تستّر بالتصوف ليعيد الحكم الشيعى الفاطمى لمصر ـ لم يجد الوقت الكافي دارسا أو مدرسا إلا في أوقات تستره من الظاهر بيبرس كما فصّلنا فى حركته السياسية فى الباب السياسى . وآثار البدوي عبارة عن صلوات ووصايا ذكرها عبدالصمد في مناقبه وهي تدل على ثقافة رشيقة. ولعل تلك الثقافة الهابطة للبدوي جعلت من اتباعه يسندون إليه كرامات أكثر حدة في معاقبة العلماء المنكرين عليه، حيث عوقب المنكر بشوكه في حلقه أو سلب العلم والحفظ من قلبه ، وفوق ذلك تميز البدوي ــ كما قيل ــ بأنه تبوّل من على سطح الدار في مجموعة من العلماء أتت لمناقشته ) ..
2ــ أما الدسوقي فقد ذكروا في مناقبه أنه ألف كتابه في الفقه والحقائق والرسالة والجوهرة وتلك أثار صوفية ) وقال عنه الشعراني أنه ( تفقه على مذهب الشافعي ثم اقتفى اثار السادة الصوفية ) مما جعلنا نشك في قيامه بالتأليف في كتاب للفقه حيث سارع بالتصوف وفي عمره القصير الذي لم يتعد الأربعين خاصة مع شهرته في مجال العلم اللدني..
3ــ وأخذ عبد العزيز الدريني بجانب من العلم حيث تتلمذ لعزالدين بن عبد السلام فجمع عظات في التفسير والفقه و اللغة ثم انشغل بالتصوف فألف في التصوف طهارة القلوب ) ..
4ــ وكان الفرغل ــ وهو احد الأولياء الموصوفين بالتمكن في الولاية ــ لا يحفظ القرآن وجاهلا . ويتكرر في الكرامات المسندة إليه أنه يعاقب من يعترض على جهله بمقولة ان الله لا يتخذ وليا جاهلا ) ..
5ــ وأسندوا للشاذلي كتب( الأخوة والمقدمة مع الأحزاب والأذكار ) ..، ونقل أتباعه الكثير من اشاراته او تفسيراته . إلا أن الشك قائم في صحة هذا النقل ، فالشاذلي يقول : ( كتبى اصحابي ) فهو معلم صوفى وليس بعالم .
نماذج لفقهاء تأثروا بالتصوف المملوكي بعد مرور مرحلة من حياتهم مع الفقه
1 ـ أبرزهم ابن دقيق العيد. كان فقيها مشهورا ، وقيل فيه إنه كاد يصل إلى مرحلة الاجتهاد ، ثم نُسبت له كرامات ومعارف صوفية مع علمه بالعلوم الشرعية والعقلية و الدبنية) .. . و ليست له مؤلفات تدل على إجتهاد ، ولم يكن ثمة إجتهاد فى عصره . ويمكن اعتبار التصوف المملوكي مسئولا عن قعوده عن الاجتهاد ..
2 ـ عزالدين بن عبد السلام : كان واعظا جريئا حاد الطبع ، فأخاف بعض الأيوبيين المتعاونين مع الصليبين ، وتأسست بذلك شهرته، ثم زادها انخراطه في التصوف المملوكي حين جاء مصر، فحدث تحول هائل في حياته حتى انه كان (يحضر السماع ويرقص ) . وكان ( يقول الشطحات الصوفية فتعقد له مجالس للتحقيق . ) وبعد موته أسندت له الكرامات ) .. وبعد أن كانت له مؤلفات في الفقه والتفسير والحديث والسيرة ــ وكلها مؤلفات صغيرة ــ زاد عليها مؤلفات في التصوف . والواقع ان ابن عبدالسلام لم يكن عالما بنفس مقياس شهرته في الوعظ او حتى على المستوى العلمي الذي كان لابن دقيق العيد ، ومؤلفاته خير دليل على ذلك ، وقد حاول بعض الباحثين التشكيك في علاقته بالصوفية والتصوف ) . ولا ريب أن الصوفية استفادوا جيدا من هذين الفقيهين العز ابن عبد السلام وابن دقيق العيد .
3 ــ وبعد ذلك نرتفع أكثر لنصل إلى القاضي المؤرخ ابن حجر ، ولم يكن صوفيا وان خدم في المؤسسات الصوفية معلما ) وهو يمثل طبقه من العلماء الفقهاء السنيين الذين دانوا للتصوف بلقمة العيش وفي سبيلها لم يشتركوا مع الفقهاء الاخرين في الإنكار على الصوفية . كان إبن حجر قاضيا للقضاة الشافعية ، ومشرفا على بعض المؤسسات الصوفية ، وأخبار فساده تغلف سيرة حياته ، حتى فى مؤلفاته التاريخية ( ومنها إنباء الغمر فى أبناء العمر ) وما كتبه عنه معاصره مثل أبى المحاسن إبن تغرى بردى والمقريزى ، ومؤلفاته الكثيرة شرح لبعض ما كتبه السابقون فى العصر العباسى ، واشهرها شرح البخارى .
4 ــ ومنهم ابن خلدون الذى قدم لمصر بعد أن أتم كتابه ( العبر ) ومقدمته فى التاريخ ، وعاش فى مصر حوالى ربع قرن ، وتولى مشيخة ( خانقاه بيبرس ) وبه نختتم تقييم ( علماء ) العصر المملوكى . والواقع أنه لم يكن متصوفا ولا يمكن ان يكون صوفيا لأن حياته لا تسمح له بسلوك هذا الطريق ، كما ان عقليته أكبر من ان تدين للتصوف في العصر المملوكي. ورغم انه اضطر للدفاع عن التصوف في مقدمته إلا أنه كان أقرب للباحث منه الى الفقيه الخاضع للتصوف .
5 ـ وبابن خلدون تأثر تلامذته من الفقهاء والمؤرخين ، وأبرزهم المقريزى ( ت 845 ) أعظم مؤرخى العصر المملوكى . تميز المقريزى بالنبرة العالية بانتقاد عصره من مماليك وفقهاء ، وصبّ جام غضبه على أولياء الصوفية . وله عبارات رائعة فى ذلك . وكان يحلو له الاستشهاد بنقد الآخرين للصوفية . ويبدو تأثر المقريزى ضئيلا ضعيفا بالتصوف ، وهذا مع مؤلفاته الكثيرة ، ومع ميله للفاطميين . ومعروف الصلة بين التصوف والتشيع .
6 ـ هذا يجعلنا نتحسّر على جلال الدين السيوطى ت 911 ، أشهر مؤلف وشيخ سنى ومؤرخ فى القرن العاشر ، والذى يقارن المقريزى أشهر مؤرخ فى القرن التاسع ، وبينما إستحق المقريزة شهرة بنبوغه مؤرخا ، فإن شهرة السيوطى منحها له تصوفه ، والسيوطى مع هذه الشهرة فهو كاذب وضيع . نتوقف معه لنثبت هذا .