عن ( إرهاب السحرة / قائلون / ملائكة يمشون مطمئنين / مستقر )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 7993 - 2024 / 5 / 30 - 19:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

السؤال الأول :
قال تعالى : ( سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ). كيف إسترهب سحرة فرعون الناس ؟
إجابة السؤال الأول :
1 ـ السحر خداع للعين ، يجعل العين ترى ما يريد الساحر لها أن تراه . أى يؤثر على النفس ، ولا بد أن يكون لدى النفس إستعداد مسبق للتصديق ، والساحر يستخدم هذا فى إرهاب الناس ، وهذا معنى ( استرهبوهم ) فى قوله جل وعلا :( قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) الاعراف ). إسترهبوهم فكان سحرهم عظيما .
2 ـ ووقع موسى نفسه ضحية لهم . نفهم هذا من قوله جل وعلا : ( قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) طه ).
3 ـ وحتى الآن فالساحر الماهر يقوم بترهيب الناس ، ومن يذهب اليه معتقدا فيه يرتجف خوفا منه ، ويستجيب لأوامره
السؤال الثانى :
ما معنى ( قائلون ) فى قوله تعالى : ( وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) الاعراف )؟
إجابة السؤال الثانى :
1 ـ ( قائلون ) فى قوله جل وعلا ( وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) الاعراف ) تعنى القيلولة . ونفس المعنى فى قوله جل وعلا : ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (24) الفرقان ).
2 ـ وتأتى من القول ( قائل ) وهو كثير ، ومنه قوله جل وعلا : ( قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10) يوسف ).
3 ـ وتأتى من (قال ) بمعنى خاصم وكره وأبغض . وجاء فى قصة لوط عليه السلام : ( قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنْ الْقَالِينَ (168) الشعراء ). ومنه قوله جل وعلا : ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) الضحى ).
السؤال الثالث :
قال تعالى : ( قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً (95) الاسراء ). كيف يسير الملائكة مطمئنين فى الأرض .؟
إجابة السؤال الثالث :
1 ـ ( قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً ) جاءت فى سياق طلب الكافرين آيات حسية من النبى محمد عليه السلام : ( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً (95) الاسراء ).
2 ـ الملائكة مخلوقة من طاقة نارية برزخية سرعتها فوق تخيلنا ، وبهذا تتخللنا بأجسادنا المادية . وجاء التعبير عنها فى قوله جل وعلا : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر ). هى المرة الوحيدة التى جاءت فيها كلمة ( أجنحة ) فى القرآن الكريم ، وهى أجنحة بلا حد أقصى : ( مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ )، بمعنى سُرعات لا نهائية لا يمكننا إدراكها . بالتالى لكى يعيشوا فى الأرض لا بد أن يتجسدوا بشرا ماديا ، أى يمشون مثلنا ( مطمئنين ). ونفهم فى هذا السياق قوله جل وعلا : ( وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) الأنعام ).
3 ـ فى قصة مريم أرسل الله جل وعلا لها الروح جبريل فى هيئة بشرية ـ تمثّل أو تجسّد ـ لها بشرا . قال جل وعلا : ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (17) مريم ). وقبله فى قصة ابراهيم ولوط عليهما السلام . قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴿٦٩﴾ فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴿٧١﴾ ) هود ) . وهم الذين قالوا للوط : ( قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴿٨١﴾ هود ).
ما معنى ( مستقر )
الإجابة :
مصطلح ( مستقر ) جاء قرآنيا بمعانى متنوعة :
1 ـ للنفس البشرية بمعنى ( مستقر ومستودع ) . قال جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) الانعام ) خلقنا الله جل وعلا من نفس واحدة إنبثقت منها الأنفس التالية لكل البشر فى كل زمان ومكان ، قال جل وعلا : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ) (1) النساء ) . كل نفس تحمل فى داخلها مستقرا لما سبقها ، وتحمل مستودعا للأنفس التالية لها الى نهاية الزمان . ربما ينطق النائم بكلمات غير معروفة ، وربما تكون ما ترسب فى نفسه مستقرا من آلاف الأنفس التى إنبثقت منها نفسه . ونفس الحال مع ما ينطقه الطفل من كلمات غير مفهومة .
2 ـ يتكون كل إنسان من ( نفس وجسد ) . ولكل إنسان ( مستقر مؤقت) فى هذه الدنيا طيلة حياته فيها الى حين موته . قال جل وعلا فى قصة أدم :
2 / 1 : ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) البقرة ) .
2 / 2 : ( قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24الأعراف )
3 ـ ثم هناك فى يوم القيامة مستقر خالد وإقامة خالدة ، إمّا فى الجنة أو فى النار . قال جل وعلا :
3 / 1 : عن النار : ( إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66) الفرقان )
3 / 2 : عن الجنة :( أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (76)الفرقان )
ونتذكر قوله جل وعلا عن الجنة ومستحقيها : ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ (61) الصافات ).
4 ـ لكل ( دابّة ) فى الأرض ( مستقر ومستودع ) . مصطلح ( دابّة ) يعنى قرآنيا أى مخلوق يدُبُّ ويتحرك بحركة مقصودة ، من البيكتيريا والجراثيم الى الطيور والحيوان والانسان . الله جل وعلا يضمن رزقها الذى يبقيها حيّة ، ويعلم منشأها ومنتهاها ، وكل ذلك مكتوب ومسجل . قال جل وعلا : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) هود ).
ومثله قوله جل وعلا عن :
4 / 1 : أجساد البشر وتحللها بعد الموت : ( قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) ق ).
4 / 2 : كل شىء يجرى فى الأرض : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) الانعام )
4 / 3 : حركة الأجرام السماوية الى قيام الساعة : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) يس ). المستقر هنا يعنى نهاية العالم وتدميره .
5 ـ الغيب الذى يعلمه الرحمن جل وعلا ، والذى سيأتى أوان حدوثه . مثل كفر معظم قريش ، وما سيقع بينهم من حروب أهلية ، أطلقوا عليها من باب التدليل والتخفيف ( الفتنة الكبرى ) . قال جل وعلا :( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) الانعام ).. ونتذكر قوله جل وعلا :
5 / 1 : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) ص ).
5 / 2 : ( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) القمر ). ولا يزال المحمديون يسيرون فى نفق الفتنة الكبرى حتى الآن. أليس كذلك ؟ هو كذلك .!!
6 ـ ( مستقر ) بمعنى مستمر . وهذا جاء فى عذاب قوم لوط ، حلّ بهم صباحا وظل مستقرا بهم حتى أهلكهم ، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) القمر )
7 ـ ( مستقر ) بمعنى المصير الذى سننتهى نحن اليه فى اليوم الآخر . قال جل وعلا : ( إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) القيامة )