أهم المؤسسات الصوفية في مصر المملوكية :(القبور المقدسة المزورة ) الأضرحة والأنصاب المزورة


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 8000 - 2024 / 6 / 6 - 22:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كتاب : أثر التصوف المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية
الفصل الأول : أثر التصوف في ازدهار العمارة الدينية والتعمير
نبــذة عن المؤسسات الصوفية في العصر المملوكي : ( القبور المقدسة ) الأضرحة المزورة
مقدمة :
من الأكاذيب الكبرى إعتقاد الألوهية فى بشر ـ حتى لو كان نبيا . يستوى إن كان هذا البشر حيا ، أو تحول الى تراب . ومن الخبل العقلى تأسيس قبور مقدسة مزورة ، ثم تجد الإعتقاد فيها سائدا . وهذا ما إستشرى فى العصر المملوكى . ونعطى تفصيلا :

1 ـ لم يكتف متصوفة العصر برفع أضرحة لأوليائهم وإنما أقاموا مشاهد لمشاهير الصحابة والأشراف والعلماء بل وبعض الأنبياء بدعوى وفاتهم في مصر، وهو افتراء باعتراف محققي الصوفية أنفسهم .
ولم يعدم الصوفية الوسائل لتحقيق غرضهم ، فتارة يدعي أحدهم أن صاحب الضريح دعاه في رؤيا منامية لأن يقيم الضريح ، وتارة تُزوّر الرخامات وتحمل أسماء شهيرة تقام لها الأضرحة .
وفي تحفة الأحباب أن عبداً أسود جمع ألواح الرخام من القرافة وصار يضعها على القبور التي أقامها ونقش على الألواح أسماء اخترعها . يقول السخاوى الصوفى عنه : ( وكان أول اسم اخترعه شكر وعمل عليه ستراً ، ولما عملوا الستر حملوه من باب البيمارستان المنصوري بالقاهرة إلى القرافة الكبرى، وكان يوماً مشهوداً في دولة الأشرف برسباي ... ثم انتدب إلى عمارة هذا المكان والبناء عليه وفعل الخيرات به الحاج عيسى سلاخوري الأمير جقمق العلائي أمير أخور) ،ويقول السخاوى أيضا : (واخترعت أسماء كأصحاب أضرحة "منهم عمرو بن العاص وجماعة من الصحابة . والحال أنه لم يذكر أحد من أهل التاريخ ولا من أهل الزيارات ذلك ولم يشتهر ، ولو كان لهذا صحة لعُرف واشتهر) .
أضرحـة مزورة للأشــــراف : ــ
1 ــ يقول ابن تيمية عن مشهد أو ضريح الحسين : ـ ( ولم يُحمل رأس الحسين للقاهرة ، فقد دفنت جثته حيث قتل ، وروى البخاري في تاريخه أن رأس الحسين حمل إلى المدينة ودفن بها في البقيع عند قبر أمه فاطمة . وبعض العلماء يقول أنه حمل إلى دمشق ودفن بها. فبين مقتل الحسين وبناء القاهرة نحو مائتين وخمسين سنة . وقد بنى الفاطميون مشهد الحسين في أواخر 550 وانقرضت دولتهم بعد هذا البناء بنحو أربعة عشرة سنة (أي جعلوا منه سنداً وقت ضعف دولتهم) (وهذا مشهد الكذب) . ومشهد الحسين أكبر شاهد على الكذب والتدليس ، ويكفى تعدد المشاهد على ( رأس الحسين ) . ومبلغ علمنا أنه كان له ( رأس ) واحدة .!!
ومن الطبيعي أن ينشر المتصوفة التأكيد بصحة تواجد رأس الحسين بمشهده . وفي كتاب (الكواكب السيارة ) لابن الزيات قصة عن صوفي تعود أن يسلم على الحسين في مشهده ويسمع إجابته وذات مرة لم يسمع الإجابة فتضايق فرأى الحسين في المنام يعتذر له بأن جده كان يزوره فشغله عن رد السلام .
وتأليه الحسين أثار خيال الصوفية خارج القاهرة ، فهناك مشهد الحجر بمدينة بالس قرب حلب ( يقال أن رأس الحسين وضعوه عليه ) . أى أن يقال أن رأس الحسين وضعوها على هذا الحجر جعلوه معبدا للحسين .! وهناك صخرة المحراب في مسجد النارنج ( وقد استفاض بين الناس أنه حط عليها برأس الحسين فانشقت له ، ولها في كل سنة يوم عاشورة عيد ، يجتمع فيه الناس عندها ، ويتبركون بها ويقبلون وينذرون لها النذور .. وتعددت الأضرحة حول ( رأس ) أو ( رءوس ) الحسين ، وإعتقدوا بقدسيتها وجاهها ، ولم يسأل أحدهم نفسه : إذا كانت بهذه القداسة فكيف إستطاع سيف قطعها ؟
2ــ ونعود إلى صوفية مصر لنعطى فكرة سريعة عن ( أضرحة المنامات ) . فقد رأى أحدهم في المنام فاطمة الزهراء تصلي في جامع ، فعُملت في الجامع مقصورة عرفت حتى وقت ابن دقماق بمقصورة فاطمة الزهراء . ورأى ابن اللبان مناماً يخبره ( أن بهذا المكان على بن الحسين بن على بن أبي طالب فجدّد هذا المشهد) يقول ابن الزيات ( وليس بصحيح) وهناك مشهد لمحمد بن الحنفية بن على ، يقول كاتبا المزارات : السخاوى وابن الزيات : (وليس بصحيح فإنه لم يمت أحد من أولاد الإمام على لصلبه بمصر) ويقول السخاوى صاحب تحفة الأحباب ( وهناك ـ مشاهد للرؤوس .... منها مسجد الحسين ومشهد القبة ومشهد زين العابدين بن الحسين ومشهد محمد بن أبي بكر ........ )
3 ـ وهناك مشهدان للسيدة سكينة بنت على زين العابدين . وهناك مشاهد مزورة لأشراف مشهورين ، مثل محمد الأصغر بن على بن زين العابدين ومشهد للسيدة رقية بنت الإمام على وآخر للقاسم بن الحسين بن على ، مع أن الحسين لم يبق من أولاده إلا على زين العابدين في كربلاء ، ومشهد للإمام جعفر الصادق مع أنه دفن بالبقيع ومات بالمدينة المنورة ، ومشهد للسيدة نفيسة عمة السيدة نفيسة بنت الحسن ، ومشهد للشريف العريضي بن جعفر الصادق .
هذا عدا مشاهد مزورة أخرى لأشراف أقل شهرة وربما ليس لهم وجود في التاريخ والأنساب ، .
أضرحة مزورة للصحابة والتابعين والمشهورين : ـ
1ـ وفي البلاد التي حرمت من تلك الشخصيات التاريخية قام الصوفية ببناء أضرحة وهمية لهم. وفي قرافة مصر أمثلة حية في العصر المملوكي ، وقد نبهت كتب المزارات على كذب ـ المشاهد المنسوبة ـ للصحابة وتابعين مشهورين مثل السيدة عائشة وقبر يزيد بن معاوية وقبر عبد الله ابنه وقبر جمل عائشة في موقعة الجمل وقبر ابن حليمة السعدية أخي النبي من الرضاعة وقبر صاحب البردة . وهناك قبور ومشاهد أخرى لعبد الله بن الزبير وأولاده ، وطلحة والزبير وأبي هريرة والمقداد بن الأسود وأبي ذر الغفاري وأبي ربيعة الأنصاري حامل راية الرسول عليه السلام ، وقبور أخرى لعقبة عامر وقبر سارية الجبل والرويني وساعي البحر الذي جاء بثياب عمر بن الخطاب للنيل ومعن بن زائدة وسياك بن خرشة ويحيى الدرعي وإدريس بن يحيى الخولاني .
2ـ بل اخترعوا أسماء وهمية وزعموا أنها لصحابة وأقاموا لها الأضرحة، مثل مشهد زرع النوى أو خضر الصحابي وصاحب الكلوبة واليهودى الذى سحر البني "وعبد الله بن تميم الداري وتميم الداري لم يعقب" . وحتى اختلفوا فيمن مات فعلا بمصر ، فاختلفوا في قبر عمرو بن العاص . وزوروا قبوراً أخرى لعلماء وخلفاء عباسيين كالخليفة المأمون والسبتي بن هارون الرشيد ، وقبوراً أخرى لمتصوفة مشهورين كأبي تراب التخشبي وغيره .
3 ـ والطريف أنهم زوروا أضرحة لأنبياء وإخوتهم وحواريين ، مثل روبل واليسع إخوة يوسف ، والنبي هارون ، وسام بن نوح ، وشمعون الصفا أحد الحواريين ...
أخيرا
هناك أُغنية مشهورة للمطرب المصرى محمد عبد المطلب يقول فيها :
ساكن فى حىّ السيّدة وحبيبى ساكن فى الحسين .
و ( حىّ السيدة ) و ( حىّ الحسين ) أشهر أحياء القاهرة لأن فيهما أكبر معبدين : معبد الحسين ومعبد السيدة زينب . وهما يشتركان فى أنهما مزوران ، ويختلفان فى أن ضريح الحسين هو الأسبق ، وكان قبل العصر المملوكى ، أما ضريح السيدة زينب فلم يكن موجودا فى العصر المملوكى ، إذ تم تأسيسه فى العصر العثمانى على أنقاض كنيسة قبطية .
ومن الطريف أن كتب المزارات فى العصر المملوكى : (الكواكب السيارة ) و( تحفة الأحباب ) ما تركا ضريحاً مشهوراً أو مغمورا إلا ذكراه وترجما لصاحبه أو صاحبته خصوصاً إذا كان من الأشراف أو ( آل البيت )، ومع ذلك فإننا لا نجد أثراً في الكتابين لما يعرف الآن بضريح ( السيدة زينب) كما لم تذكره كتب الخطط السابقة مثل (الانتصار) لابن دقماق و ( خطط المقريزي) التي وصفت كل شبر في القاهرة ومصر .
وذلك لأن ضريح ( السيدة زينب ) أخترع في العصر العثماني على أساس رؤيا منامية رآها صوفي معتقد وذلك سنة 955 هجرية سنة 1548 ميلادية ، ثم جددوا الضريح سنة 1173 هجرية سنة 1759 ميلادية وأقامت وزارة الأوقاف المسجد الحالي سنة 1940 ميلادية على أنقاض المبنى القديم.
وأشاعوا أن (زينب بنت على ) قدمت لمصر في أواخر حياتها مع أن كتب التاريخ المؤلفة حتى العصر المملوكي لم يرد فيها ذكر مطلقاً لتوافد السيدة ( زينب بنت على ) لمصر . ثم إن حقائق التاريخ تنكر قدوم ( زينب ) بنت على أُخت الحسين لمصر . لقد انتقلت إلى دمشق مع رأس الحسين بعد مصرعه ثم عادت إلى المدينة ، وحين عودتها ثارت المدينة على الأمويين وحدثت موقعة الحرة , وظلت ( زينب بنت على ) معتكفة عن الناس تعتني بالبقية الباقية من أولاد أخويها الحسن والحسين الذين نجوا من مذبحة كربلاء . إلى أن ماتت ودفنت في البقيع سنة 62 هـ .
تأسيس قبر مقدس باسم ( السيدة زينب ) جاء إستجابة للجذور الفرعونية فى مصر ، فهى إنعكاس ل : ( إيزيس ) أشهر آلهات مصر الفرعونية ، وهى تشكل مع الزوج ( اوزيريس) والابن ( حورس ) الثالوث الفرعونى المقدس . ( أوزيريس ) إسمه الأصلى ( عزير ) وهو الذى أصبح إلاها لدى اليهود ، وزعموه إبنا لله تعالى عن ذلك علوا كبيرا . قال جل وعلا : ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) التوبة ) ، الذين كفروا من قبل المُشار اليهم فى الآية الكريمة هم المصريين فى عصر الفراعنة . ولأنه فرعونيا هو إله الموتى فقد تحوّل عند المحمديين الى ( عزرائيل ) ملك الموت بزعمهم . أما ( إيزيس ) فاسمها المصر ( عزى ) وهى التى تحولت فى الديانة القبطية الى صورة ( مريم ) التى تحمل طفلها ، الذى لا يختلف عن الطفل حورس . ثم عبد العرب ( إيزيس ) بإسم ( العّزّى ) . قال جل وعلا : ( أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى (20) أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى (23) النجم ) وإنتشرت عبادة إيزيس فى أوربا نفسها حتى القرون الوسطى . وبالتالى فموطنها مصر هو الأولى بإعادة تقديسها وإسترجاع ملامحها الفرعونية تحت مسمى ( السيدة زينب ). لقد أطلقوا عليها لقب ( السيدة ) وهو اللقب الفرعوني لإيزيس ، وجعلوها ( رئيسة الديوان ) كما كانت إيزيس ( العزى ) فى مصر الفرعونية حيث ( ديوان المحكمة ) محكمة ( إيزيس واوزيريس ) التي تفصل بين الناس ويحتكم إليها الآلهة والأولياء . لقد إرتبط لقب ( السيدة ) ب ( زينب بنت على بن الحسين ) وإذا ذكر لقب ( السيدة ) ينصرف المعني إليها وفقط . وأصبح الحى فى القاهرة يحمل إسمها : ( حي السيدة ) ، أُسوة ب ( حى الحسين ). بإختصار فالمصريون منحوا ( السيدة زينب بنت على ) الجنسية المصرية الفرعونية ، ووضعوا عليها اختصاصات إيزيس ( العزى ) الفرعونية ، وهي التى ماتت فى المدينة ، ولا شأن لها بإيزيس ولم تر مصر طيلة حياتها . ومع أن ضريح ( السيدة ) لا يتجاوز في عمره أربعة قرون ونصف القرن إلا أنه حظي بالتقديس وكثرت إليه الوفود والحجيج ، وعمّ التوسل به وأصبح معلما دينيا هاما في التدين المصري.
لذا يغنى ( فهد بلّان ) : ما اقدرش على كده ..ومقام السيدة .
وطبعا يصدقه الناس لأنه اقسم بالسيدة .!! وشرُّ البلايا ما يُضحك .!