عن ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي / لا تعارض / وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً / حمق الخصوم )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 7999 - 2024 / 6 / 5 - 14:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

عن ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي / لا تعارض / وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً / حمق الخصوم )
السؤال الأول :
ما معنى قوله جل وعلا لموسى : ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه )؟
إجابة السؤال الأول :
هو تعبير مجازى يعنى حفظ الله جل وعلا . ولا يعنى إطلاقا أن يكون له جل وعلا عين .
بالاضافة الى : ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه ) وجاء أيضا بنفس المعنى فى قوله جل وعلا لخاتم النبيين عليهم السلام : ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا )( 48)( الطور). هنا حفظ الله جل وعلا ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه )
2 ـ ويأتى أيضا بمعنى الارشاد . وهذا عن سفينة نوح . قال جل وعلا :
2 / 1 : ( وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) هود )
2 / 2 :( فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنْ اصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ) ( 27 ) المؤمنون )
2 / 3 : ( وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) القمر )
السؤال الثانى :
أنا قرآنى مثلك ، وأومن أن لا تعارض بين آيات القرآن ، وأعجبنى ردك على شخص تحدّاك ، وأنت جاوبته . وأنا أسالك لأنك أكثر علم منى ، فالله تعالى يقول : ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) الأنبياء ). أى إن الله تعالى لا يمكن أن يسائله أحد ، بينما البشر فهم معرضون للمساءلة . هذه الحقيقة القرآنية يبدو انها تتعارض مع قوله تعالى ( كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولاً (16) الفرقان ) . أرجو الرد .
إجابة السؤال الثانى :
1 ـ هذا فى سياق الوعد الالهى ، والذى إلتزم الله جل وعلا بالوفاء به . يقول جل وعلا : ( قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولاً (16) الفرقان ).
2 ـ ومثله قوله جل وعلا :
2 / 1 : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً (122) النساء )
2 / 2 : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) المائدة )
2 / 3 : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد ). ( إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) آل عمران )
2 / 4 : (لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) الزمر )
2 / 5 : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التوبة ).
3 ـ هناك حتميات مقدرة سلفا لا هروب منها تشمل الميلاد والموت والرزق والمصائب . ليس الانسان محاسبا عليها يوم القيامة . لن يحاسبه الله جل وعلا إلّا عما فعله بإختياره. وهو يختار الطاعة أو المعصية ، الايمان أو الكفر . إذا إختار الطاعة وإخلاص الدين للخالق جل وعلا وعاش متقيا فالله جل وعلا سيحقق وعده لأنه جل وعلا لا يخلف الميعاد . بإمكانك أن تقرر الآن انك ستدخل الجنة ، وإذا إلتزمت بالتقوى طيلة حياتك ستكون من أهل الجنة . هذا فى يدك لو أردت وعزمت ونفّذت .!
4 ـ بهذا نفهم قوله جل وعلا : ( قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولاً (16) الفرقان ).
السؤال الثالث :
ما معنى أن يدعو عباد الرحمن ( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ) ؟ هل هذا يرفعهم الى درجة الأنبياء ، وهم أئمة المتقين ؟
إجابة السؤال الثالث :
1 ـ البشر يخلف بعضهم بعضا ، وفى كل جيل يوجد المتقون ومنهم السابقون المقربون ومنهم أصحاب اليمين ، ومنهم الخاسرون أصحاب الشمال . قال جل وعلا :
1 / 1 ـ عن لحظة الاحتضار ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) الواقعة ).
1 / 2 ـ وعن يوم القيامة : ( إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتْ الأَرْضُ رَجّاً (4) وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسّاً (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً (6) وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) الواقعة ).
2 ـ ( الرحمن ) هو إسم الله جل وعلا الذى يدل على الهيمنة والجبروت ، وعباد الرحمن هم الذين يخشونه ، وجاءت صفاتهم فى سورة الفرقان ، ومنها إنهم يدعون الرحمن جل وعلا أن يجعلهم أئمة للمتقين فى جيلهم وعهدهم ، أى أن يكونوا من السابقين المقربين .
السؤال الرابع :
بالتأكيد انك يا دكتور أحمد تأثرت باساتذة قرآت لهم . من هم أصحاب الفضل عليك ؟
إجابة السؤال الرابع :
فى نشأتى العلمية حتى قبل تعيينى معيدا فى قسم التاريخ بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر ـ تعلمت من كتابات الاستاذ أحمد أمين ، ومن كتابات الامام محمد عبده ، ولكن تجاوزتهما الى أُفُق أعلى . وهذا واضح فى بحث لى منشور هنا عن الامام محمد عبده . لم تعجبنى ـ من صغرى ـ كتابات طه حسين ولا العقاد . كان الأساتذة فى الجامعة يتمتعون بإحتقارى ، بسبب جهلهم وتدنّى مستواهم الأخلاقى والانسانى . ولكن أنا مدين لهم ولبقية خصومى بالفضل . إذ لولا حمقهم فى التعامل معى ما أصبحت على ما أنا عليه الآن . كانوا لا يجيدون سوى الاضطهاد ، ولا يرقبون فى مؤمن إلّا ولا ذمة . حاربونى بكلّ خسّة ودناءة . هذا أحدث عندى أثرا عكسيا ، جعلنى أتطوّر فكريا ، كنت أعتبر نفسى سنيا معتدلا أحاول إصلاح السنة وغربلة أحاديثها ، بفضلهم وإتهامهم لى ب( إنكار السنة ) أنكرت كل الأحاديث مستعينا بالقرآن الكريم . بتخويفى من أئمتهم المقدسين بحثت تاريخهم وفضحت نقائصهم . كتبوا يهاجموننى فى الصحف ، يقتطفون سطورا من كتاباتى ، فكان الحق يظهر رغم أنوفهم من بين تلك السطور . كنت مرة أتكلم فى ندوة فى كنيسة فى وسط القاهرة عن ( الإخاء الانسانى ) . صليت فيها العشاء ، بعد الندوة جاء القسيس وقال لى : " هناك شخص ملتحى أمام باب الكنيسة يسأل عنك . ماذا أقول له ؟ ". قلت : " قل له ينتظرنى ، أنا خارج اليه . " قابلته . قال لى إنه يتابع الهجوم علىّ وهو يعلم أنهم لا ينقلون فقرات كاملة وانهم يقتطعون عبارات من السياق ، ومع ذلك فان ما تقوله أقنعنى انك على الحق . وصار هذا الشاب من أقرب الناس ، وصار يأتى ليصلى الجمعة معى فى شقتى بالمطرية وقتها . ذكرت هذا فى ندوة مسجلة فى مركز هيدسون( Hudson Institute ) فى واشنطون . سألتنى صحفية كندية : ( إلى من تدين بالفضل ؟ قلت : أدين بالفضل لحُمق خصومى ) لعلعت ضحكتها . كنت فى أوائل التسعينيات فى القرن الماضى أكتب : " إن مفكرا مثلى قليل الحيلة يحتاج لأن تنبحه الكلاب ليلتفت الناس اليه .!". وما قصّرت الكلاب فى النباح . وقافلتى تسير ولا يزالون ينبحون .