احتفالات رأس السنة و اشكالية التقويم الغربي و الشرقي
أمجد سيجري
الحوار المتمدن
-
العدد: 6450 - 2019 / 12 / 29 - 13:07
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تتحتفل العديد من الدول حول العالم في ليلة أخر يوم في السنة التي تعتبر نهاية عام ماضٍ وبداية عامٍ وتقويمٍ جديد.
قد يعتقد البعض أن الإحتفالات بنهاية العام ليس لها عمق تاريخي إنما هي إحتفالات مبتدعة حديثاً لكن الحقيقة على عكس ما تبدو حيث ترجع أقدم الإحتفالات بمناسبة بداية العام الجديد إلى نهاية الألف الثالث قبل الميلاد إلى منطقة بلاد الرافدين بشقيها السوري والعراقي حيث إرتبطت هذه الإحتفالات بحادثة فلكية مميزة وهي يوم الإعتدال الربيعي حيث يتساوي الليل والنهار ويليه انتصار النهار بزيادته بالنسبة لليل و قيامة المخلص الزراعي من بين الأموات وزواجه من ربة الخصب ليحمل الوفرة والخير لهذا المجتمع الزراعي في بلاد الرافدين وكانت تسمى هذه الإحتفالات بالأكيتو وكلمة أكيتو بالاساس كلمة سومرية تعني الشعير وخلال هذا الإحتفال الذي يمتد ل 12 يوماً كان يتم عرض تماثيل الألهة في شوارع المدينة ويقدمون خلال الإحتفال مشاهد تمثيلية ورمزية تمثل نصر الإله مردوخ على قوى الفوضى المتمثلة بالألهة تيامات ألهة البحر كما كانت تحمل دلالة سياسية تحمل في طياتها التجدد إما عن طريق تعين حاكم جديد أو بداية مرحلة متجددة مع ذات الحاكم الذي يختم الإحتفالات بالزواج المقدس من كبرى كاهنات معبد عشتار ليحمل هذا الزواج الخصب للنسوة والارض في هذا المجتمع الزراعي الذي عماده الارض واليد العاملة.
عموماً كانت التقويم البابلي تقويماً قمرياً في حساب الأشهر وشمسياً في عملية تحديد السنة ويستند إلى التقويم السومري إلى القرن 21ق.م حيث يتكون من 12 شهراً مدتهم 29 و 30 يوم حسب ظهور الهلال يضاف إليهم الشهر الثالث عشر حسب الحاجة بمرسوم ملكي ليوافق الفصول بمكانها بالتالي يوافق السنة الشمسية .
و في مصر القديمة أيضاً تم الإحتفال ببداية السنة الجديدة مع الفيضان السنوي للنيل والذي يتزامن مع ظهور النجم سيريوس و يعتقد أن المصريون القدماء أول من إستعمل التقويم الشمسي في تقويمهم على دورة الشمس وذلك في الألف الثالث قبل الميﻼد وجعلوا من الشهر 30 يوماً ويعتقد أن قياس الشهر تم بدون المطابقة مع دورة القمر التي تعطي شهر كاملاً بالتالي كانت السنة 360 يوماً لكن يبدوا أن المصرين قد عرفوا أن السنة 365 يوماً كاملاً لذلك أضافوا في نهاية السنة الشهر ال13 و هو شهر النسيء ومدته 5 أيام فكانت هي أيام العيد التي يتم بها الحصاد فكانت بداية السنة الجديدة تبدا في أول شهر توت الموافق 11 سبتمبر من كل سنة عادية ويوافق 12 سبتمبر من كل سنة كبيسة .
لكن كما نعلن أن السنة الشمسية هي عبارة عن 365.24222 بالتالي يوجد فارق عن السنة المصرية 0.2422 مما أدى تغير في المواقيت بالتابي تغير في مواعيد الحوادث الفلكية الشهيرة وما يرافقها أي تسبب ب تراجع شهر كل 120 سنة لذلك في عام 238 قبل الميﻼد حاول الملك بطليموس الثالث تصحيح هذا الخطأ في الحساب عن طريق إضافة يوم آخر للتقويم كل أربع سنوات لكن لم يكن الكهنة الذين يحرسون هذا التقويم على إستعداد لقبول يوم اضافي ونتيجة لذلك استمر التقويم المصري القديم معيباً كوسيلة لقياس المواسم الزراعية أو الفصول .
تم تحديد التقويم الروماني المبكر في 1 آذار " مارس " حيث كان بداية العام الجديد وهي من الأثار المكتسبة من الإغريق والتي أخذوها عن الفينيقين الذين إحتفلوا بالربيع بدايةً للسنة الجديدة حيث كان التقويم في البداية يعتمد على عشرة أشهر فقط تتناوب أيامها بين 31 و 30 يوماً بالتالي تكون السنة عبارة عن 305 يوماً وهذا التقويم لايوجد شيء يثبته أبداً إلا الأساطير وروايات بالرغم من أن أسماء الأشهر من أيلول إلى كانون الاول تدعمه مثلا :
- أيلول ، September ، سيبتمبر من اللاتينية septem وتعني سبعة.
- تشرين الأول October, أكتوبر من اللاتينية octo وتعني ثمانية.
- تشرين الثاني November نوڤمبر من اللاتينية novem ويعني تسعة.
- كانون الأول December ديسمبير من اللاتينية decemm ويعني عشرة.
عموماً ترجع التدوينات الرومانية أقدم تقويم يشابه التقويم الحالي إلى مؤسس روما الملك الاسطوري رومولوس سنة 753 ق. م حيث كان التقويم يستند الى حسابات قمرية شمسية حيث كانت السنة عبارة عن 354 يوماً أي توافق السنة القمرية لكن في السنة التالية كان يضاف الفرق 22 يوماً فتصبح السنة التالية 376 يوماً وفي السنة الرابعة يضاف 23 يوما فتكون الرابعة 377 يوماً إذا كل اربع سنوات نحصل على متوسط حسابي قدره 365.25 وهو مقارب للسنة الشمسية الحقيقية فتبقى الفصول في مكانها.
وفي 49 ق . م تم انتخاب يوليوس قيصر إمبراطوراً للإمبراطورية الرومانية وفي سنة 45 ق. م قرر يوليوس قيصر حل مشاكل التقويم فتشاور مع علماء الفلك والرياضيات و بدأ في إستخدام التقويم الشمسي الحالي وإتبع في استخدامه إقتراحات الفلكي سوسيجين الإسكندري بجعل السنة 365.25 حيث يتم التخلص من الربع كل أربع سنوات .
جعل يوليوس قصير بداية السنة في تقويمه الشمسي في 11 من شهر كانون الثاني " يناير ، جانواريوس " وأصبح بداية للسنة الرومانية الجديدة وكان ذلك لتكريم لتكريم الاسم الذي يحمله هذا الشهر : يانوس وهو إله التغيير والبدايات الروماني الذي يرمز له بوجهاه احدهما ينظر إلى الماضي والأخر إلى الأمام أي المستقبل.
حيث إحتفل الرومان في 11 كانون الثاني"يناير" بتقديم التضحيات إلى يانوس على أمل الحصول على حظ جيد في السنة الجديدة كما زينوا منازلهم بفروع الغار الخضراء و كان يُنظر إلى هذا اليوم على أنه يمهد الطريق للأشهر الاثني عشر المقبلة.
كما قام مجلس الشيوخ الروماني بتغيير اسم كوينتيليس الشهر الخامس في التقويم القديم والسابع في التقويم الحالي ليوليوس Juilius " شهر تموز ،يوليو حالياً "تكريماً للقيصر وأصبح التقويم الجديد يعرف باسم التقويم اليولياني .
في وقت ﻻحق غير مجلس الشيوخ الروماني إسم سِكْستيليس الشهر السادس في التقويم القديم والثامن في الحالي "ﻷغسطس " شهر آب حالياً " لتكريم اﻹمبراطور أوغسطس .
لكن في منتصف القرن السادس ميﻼدي وكان ذلك سنة 1285 من تأسيس روما دعا الراهب اﻷرمني ديونيسيوس اكسيجونوس إلى وجوب أن يكون ميﻼد المسيح هو بداية التقويم ونجح هذا الراهب في دعوته فأصبح عد السنين منذ سنة 532 م يعتمد على سنة ميﻼد المسيح وهي سنة 753 منذ تأسيس روما على حساب ديونيسيوس
علماً أن سنة ميلاد المسيح الفعلية مجهولة ولا مصدر إنجيلي يذكرها صراحة إنما تمت بعض الإستنتاجات كانت خلاصتها أن المسيح ولد في الفترة بين 4-6 ق. م .
لكن في سنة 567 م في أوروبا ألغيت إحتفالات 11 يناير التي كانت ترافق السنة الجديدة حيث إعتبروها وثنية واكدوا على إحتفالات 25 كانون الأول فقط وإحتفالات 25 آذار وهي احتفلات الولادة والقيامة لكن عادت فيما بعد اهميتها حيث تم إعطائها مناسبة دينية لإبعاد الوثنية عنها وأصبح يسمى ب "عيد الختان" الذي يعتبر اليوم الثامن من ولادة المسيح الذي يحتسب من 25 ديسمبر حسب التقليد اليهودي للختان بعد ثمانية أيام من الولادة.
- في سنة 1582 م ﻻحظ البابا غريغوريوس الثالث عشر فرقا في موعد اﻷعياد الثابتة وفي موقع اﻻعتدال الربيعي وإختلافه عنما كان في أيام مجمع نيقية سنة 325 م بما يقدر بعشرة أيام .
فاﻻعتدال الربيعي بعد أن كان يقع في 21 آذار " مارس " في أيام مجمع نيقية 3255 م الذي حدد يوم الإعتدال بدقة من أجل تحديد عيد الفصح الموافق لأول أحد بعد بدر الإعتدال الربيعي بالتالي تقدم في سنة 1582م فأصبح يقع في يوم 11 آذار " مارس " فلجأ البابا غريغوريوس إلى علماء الﻼهوت ليعرف منهم السبب المباشر لذلك فأجابوه بأنه ليس لديهم سبب من الناحية الكنسية أو الﻼهوتية فأمر مراجعه علماء الفلك فأجابه العلماء وﻻ سيما الفلكيان ليليوس وكلفيوس بأن السبب مرجعه إلى حساب السنة إذ وجد هذان العالمان أن الزمن الذي تستغرقه اﻷرض في دورانها حول الشمس دورة كاملة :
هو 365.2425 وهو قريب من السنة الحقيقية بينما كان يحسب في التقويم اليولياني 365.25 فكان الفرق 0.0075 تتجمع تقريبا 1 يوم كل 128 عام وقد تجمع بسببها منذ مجمع نيقية حتى البابا غريغوريوس 10 أيام فرقًا في جميع اﻷعياد الثابتة .
وأصبح هذا الفرق حاليا 13 يوما ففي عام 1582م م نام الناس يوم 44 أكتوبر أي ليلة 5 أكتوبر واستيقظوا في صباح اليوم التالي على أنه 15 أكتوبر وبذلك تﻼفوا العشرة أيام التي تجمعت من أيام مجمع نيقية .
وبحذف العشرة أيام وبهذا الضمان رجع اﻻعتدال الربيعي وكذلك اﻷعياد الثابتة إلى ما كانت عليه أيام مجمع نيقية وظلت في مواعيدها بموجب هذا التعديل .
وأما الشرقيون حافظوا على التقويم اليولياني المأخوذ عن التقويم المصري والسنة التي مدتها 365.25 القديم وذلك بإحتساب يوم الكبيس في كل أربع سنوات مرة على طول الخط .
بعد إصلاح التقويم الغريغوري أعاد البابا غريغوري الثالث عشر تأسيس أول يناير كعيد رأس السنة على الرغم من أن معظم الدول الكاثوليكية إعتمدت التقويم الميلادي على الفور إلا أنه اعتُمدت تدريجيا بين الدول البروتستانتية فالبريطانيون على سبيل المثال لم يتبنوا التقويم المعدل حتى عام 1752 وحتى ذلك الحين احتفلت الإمبراطورية البريطانية ومستعمراتها الأمريكية بالعام الجديد في شهر آذار " مارس " .
اذاً يعتبر الغريغوري الغربي أدق كتقويم من اليولياني الشرقي الذي يعتبر 365,25 يوماً أما التقويم الغريغوري فهو ويعتبر السنة 365,2425 يوماً وهو قريب على السنة الحقيقية 365.2422 لكن التقويم الشمسي اﻻدق من الغريغوري هو التقويم الشمسي الهجري الذي وضعه عمر الخيام وهو تقويم مدار اﻷبراج الفلكية التي تمر فيها الشمس حيث أن لكل برج فلكي 30 درجة قوسﯿة على مسار الشمس .
والشمس تمر ببرج واحد في كل شهر شمسي وهو بذلك يختلف بشكل طفيف عن التقويم الغريغوري الذي يعتمد على اﻻعتدال الربيعي باﻷساس اذاً فنسبة الخطأ في اليولياني كانت 1 يوم زيادة كل 128 سنة اما في الغريغوري يوم واحد لكل 3300 سنة أما التقويم الهجري الشمسي الخيامي تبلغ نسبة الخطأ فيه يوم واحد فقط لكل 3.8 مليون سنة .
وأخيراً .........
أرجو أن تحمل السنة الجديدة معها عليكم الخير و العطاء والأمان و أن تُغسلَ قلوب وعقول الناس من الحقد و الكره و البغض والتعصب و أن تملأها الإنسانية و المحبة وتقبل الآخر ... وكل عام وأنتم بخير ..