نقش أبرهة وسورة الفيل
أمجد سيجري
الحوار المتمدن
-
العدد: 6123 - 2019 / 1 / 23 - 23:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نقش بئر مريغان الموسوم بالرمز YR506 والشهير بإسم نقش أبرهة والذي يؤرخ غزوة معد وبني عامر في شهر ذي الثبات " ذو ثبتن " وهو أحد فصول الربيع في التقويم الحميري السبأي وذلك سنة 662 من التقويم السبأي الموافق لسنة 547م / 535 م .
تم العثور على هذا النقش من قبل العالم البلجيكي ريكمانس Gonzague Ryckmans والذي وسم النقش بإسمه YR وقام بفكه وترجمته أول مرة إلى اللغة الفرنسية.
لكن ظهرت صعوبات في فك هذا النص نتيجة تشوهات في النقش أصابت حروفاً ومقاطع منه أحدثت بعض الإشكاليات في تحديد أسماء العلم.
تكمن أهمية هذا النقش في تقديمه أحداث مهمة مرت بها تلك المنطقة ومايلي القراءة لهذا النقش المكتوب بالخط المسند التي قدمها ريكمانس مدونةً بحروف عربية كما أوردها الدكتور جواد علي في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام :
" بخيل رحمنن ومسحهو ملكن أبره زبيمن ملك سبأ وذ ريدن وحضرموت ويمنت وأعربهمو طودم وتهمت سطرو ذن سطرن كغزيو معدم غزوتن ربعتن بورخن ذ ثبتن كقسدو كل بنيعمرم وذكي ملكن أبجبر بعم كدت وعل وبشرم بنحصنم بعم سعدم وم . خ ض . ووضرو قدمي جيشن على بنيعمرم كدت وعلى ود . ع . ز . رن . مردم وسعدم بود بمنهج تربن وهرجو وأزروا ومنمو ذ عسم ومخض ملكن بحلبن ودنو كظل معدم ورهنو وبعدنهو وزعهمو عموم بن مذرن ورهنهمو بنهو وستخلفهو على معدم معدم وقفلو بن حلبن بخيل رحمنن ورخهو ذ لئي وسثي وست ماتم "
والترجمة العربية كانت كالتالي وما هو بين قوسين هو شرح لبعض المفردات :
" بحول الرحمن ومسيحه الملك أبرهة زبيمان ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت [اليمن ] وأعرابها في الطود [ الهضبة ] وفي تهامة [ المنخفضات ] سطروا هذه اﻷسطر لما غزت معد : الغزوة الربيعية بشهر ذ ثبتن [ذو الثبات] ولما غلظ [ ثار ] كل بنو عامر .
أرسل الملك أبا جبر بقبيلة كدت [كندة] وقبيلة عل و بشرم بن حصنم [بشر بن حصن ] بقبيلة سعد " لحرب " بني عامر " فتحركا بسرعة وقدما جيشهما نحو العدو : فحاربت كدت [كندة] وقبيلة " عل " بني عامر ومرادًا، وحاربت " سعد " بواد " بمنهج [ينهج] يؤدي " إلى تربن [الترب] فقتلوا من بني عامر وأسروا وكسبوا غنائم وأما الملك، فحارب بـ " حلبن [حلبان ] وهزمت معد فرهنت رهائن عنده .
وبعدئذ، فاوض عمرو بن مذرن [عمرو بن المنذر] وقدم رهائن من أبنائه .
فاستخلفه " أقره " على معد . وقفل " أبرهة " راجعًا من حلبن [حلبان] بحول الرحمن بتاريخ اثنين وستين وست مائة ."
ملاحظات :
1- يشير النص إلى أن ملوك الحبشة عندما وقعت اليمن تحت حكمهم قد تسموا بذات الأسماء التي إعتاد ملوك اليمن أن يصفوا أنفسهم بها ك" ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت" .
2- يبدأ نقش أبرهة بعبارة "بحول الرحمن ومسيحه" بالتالي هو على مايبدو مؤمن بالمسيحية ويظهر هذا الإيمان المسيحي أيضاً في نقش أخر وهو النقش الذي دونه على سد مأرب حيث يبدأ بجملة :
( بخيل ودا ورحمت رحمن ومسحهو ورح قدس ) ومعناها : بحول وقوة ورحمة الرحمن ومسيحة روح القدس.
3- اللفظة التي وردت بالنقش " أعربهمو " وتعني " الأعراب" هي لفظة كان يطلقها ملوك اليمن على الأقوام البدوية التي تسكن في كنف ممالكهم في مناطق البادية وكانت تقوم بأعمال الغزو على أطراف المدن اليمنية بالتالي هو ذات الإستخدام الشامي تقريباً الذي إستخدمه سكان سوريا والعراق في وصف القبائل البدوية من سكان البادية إبتداءً من القرن التاسع قبل الميلاد بالتالي وهو مازال مستخدماً حتى اليوم فنصل لذات المعنى الذي يقول أن كلمة أعربي " تعني ساكن البادية من راكبي الجمال".
4- يشير النص أن ابرهة قد غزا بنفسه في معركة حلبان ضد "معد " وأخضعهم ووضعوا رهائن منهم عنده كي لا يعاودوا التمرد على أبرهة كما نلاحظ إتصال ملوك الحبشة بملوك المناذرة حيث يظهر في النص أن المنذر قد أرسل إبنه عمرو ليفاوض أبرهة في إسترجاع معد فوافق أبرهة على ذلك مقابل رهائن من أبناء عمرو بن المنذر فإستخلف أبرهة عمرو بن المنذر حاكماً على قبائل معد وعاد إلى حلبان سنة 662 من التقويم السبأي .
5- يعتبر البعض أن هذا النقش دليل مادي على صحة الرواية التراثية المستخدمة في تفسير سورة الفيل وحملة أبرهة على مكة لكن الحقيقة و الغريب في هذا النقش أنه يذكر عدداً من المناطق الجغرافية التي تنتشر فيها الأعراب وقيام معركتين ضدهم الأولى ضد "معد" في حلبان " نجد " و المعركة الثانية ضد " بنو عامر" في تربن " التربة بعيداً عن مكة مسافة 190 كم " حيث هزمهم بالتعاون مع القبائل اليمنية ولم يذكر مكة ابداً بالرغم من الدور الحضاري الذي كانت من المفترض أن تلعبه ضمن الرواية الإسلامية على إعتبارها حاضرة للمنطقة وملتقى طرق التجارة فيها كذلك وجود بني معد فيها حسب رواية النسابين العرب فمعد هو الجد التاسع عشر للرسول محمد بالتالي من المفروض أن يكون أهل مكة قد دخلوا هذه المعركة ضد أبرهة لكن لم تذكر أبداً حاضرتهم المفترضة ولم يقترب أبرهة منها أصلاً .
كما أن النقش يذكر انتصار أبرهة وليس هزيمة كما يرد في القرآن كما أن النقش لا يذكر أي فيل والطفل يعلم أن الفيلة لا يمكنا تحمل السير طويلاً بدون ماء وخصوصاً في منطقة كشبه الجزيرة العربية القاحلة والظروف الصعبة التي طالت الحرب في تلك المنطقة .
6- يحاول البعض تبرير التفاسير بأن هذه الحملة كانت سنة 547 م أما الحملة المذكورة في القرآن كانت سنة 563 تقريباً بعد ولادة الرسول محمد بقليل لكن لايوجد ما يثبت وقوع حملة آخرى حتى القرآن يذكر نصاً صريحاً غامضاً ولا يذكر به أبرهة ولا غيره فنجد أن ربط حكاية أبرهة بالرواية القرآنية هي تزوير تاريخي وإجتهاد متأخر من قبل المفسرين.
7- بالنسبة للسورة القرآنية سورة الفيل هي تروي ثقافة شعبية منشرة في البيئة السورية العراقية :
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ٍ فهي تصف معارك تلك المنطقة حيث اشتهرت بإستخدام الفيلة الأسيوية في المعارك وخاصة من قبل الفرس .
أما التوصيف الآخر لمشاركة الطيور في المعارك يظهر في جدارية تغلات بلاسر الثالث والتي تعود تقريباً لسنة 728 ق.م عثر عليها في مدينة النمرود شمال العراق النقش موسوم بالرمز wa 118907 وموجودة في المتحف البريطاني وتظهر في الجدارية نسور تحمل في أرجلها قطعاً تبدو للوهلة الأولى كالحجارة وتشارك إلى جانب الجيش الأشوري في معركته لكن بالتدقيق نجد أنها تحمل أحشاء أحد جنود الأعداء مقطوع الرأس والذي قتل على يد الجنديان الأشوريان الذان يمتطيان الأحصنة.