يونُس السوري ... رمز ضد العبودية
أمجد سيجري
الحوار المتمدن
-
العدد: 6441 - 2019 / 12 / 18 - 10:20
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في منتصف القرن الثالث قبل الميلاد تمكن الرومان من دخول جزيرة صقلية وأصبحت مقاطعة يحكمها والي أو حاكم روماني " praetor " نتيجة لهذا الحكم الروماني تركزت الثروة بيد المواطنين الرومانين التي كان عمادها مزارع الغلال و الحبوب
كان يتم تشغيل هذه المزارع من قبل أعداد كبيرة من العبيد الذين تم شرائهم من أسواق الرقيق في شرق البحر الأبيض المتوسط بالإضافة لعدد من أسرى الحرب كان هؤلاء العبيد ينتمون لمجموعات العرقية متعددة لكن معظمهم كان من الكلتين والسوريين أو التراقيين .
أحد هؤلاء العبيد السوريين وهو يونُس Eunus ومن اسمه יונו يونو تعني بالأرامي حمامة و السين للاسماء [القرآن يحتوي الأسم بالشكل " يونس " أي بالصيغة اليونانية] عموماً حتى لا نشعب الموضوع كان يونُس عبداً لرجل يوناني يدعى أنتيجينيس ويونس حسب ما وصلنا كان من مدينة أفاميا السورية إدعى النبوة وبأنه مرسل من قبل ألهة السوريين المقدسة حينها أترعتا وهي ألهة الحب والخصب وهي أحد أشكال عشتار أو افروديت كانت رموزها الحمامة للحب و السمكة للخصب وهذا يعيدنا لأسم بطلنا يونُس الذي كان على ما يبدو مكرساً لها قال يونُس حسب مانقله المؤرخون أنه قد تلقى من الألهة أترعتا رؤى وأتصالات ونبؤات ومن هذه النبؤات التي أخبر العبيد بها أنه سيستولي على مدينة إينا ويصبح ملكاً لصقلية.
ونقل لنا المؤرخون أن يونُس كان يقوم ببعض الألعاب النارية المتمثلة بنفخ النار من فمه حيث قدمها بين أتباعه كقوة خارقة للطبيعة ودليلاً على صدقه والتي ساعدته حسب ماتم نقله في جمع الأنصار له..
عموماً معظم الحكاية التاريخية التي تأتيني عن ثورته جائت عن طريق ديودور الصقلي(90-30 ق. م ) عن طريق المؤرخ والفيلسوف السوري الأفامي بوسيدونيوس (135-51 ق. م ) كذلك ترد حكايته في مقتطف من تاريخ روما منذ تأسيسها للمؤرخ الروماني تيتوس ليفيوس (59 ق.م. - 17 م) وتتمة ماقدمه تتيوس عن هذه الثورة جاءنا عن طريق مولف روماني يدعى بوبليوس أنيوس فلورس Publius Annius Florus يعود لأوائل القرن الثاني الميلادي .
و في 136 أو 135 قبل الميلاد قام يونُس و الى جانبه 400 عبد آخر بالثورة ضد الحكم الروماني في صقلية وإحتلوا منطقة " إينا " في وسط صقلية مستغلين على مايبدو رجعوهم لخلفية عرقية واحدة سهلت التواصل فيما بينهم في قيادة وتنظيم هذه الثورة.
عين يونس نفسه قائداً لثورة العبيد هذه والتي قدمها كثورة مدعومة من الألهة اترعتا وبين ارسلته ضد الرومان الذين لم يحترموها وشارك في إقتحام وسط إينا فيذكر ديدور الصقلي "أن يونُس كان يقف في الصفوف الأمامية وينفخ النار من فمه "
عندما استولى على مدينة إينا عين نفسه ملكاً عليها وأسمى نفسه بأنطيوخوس وهو لقب الملوك السلوقيين في سوريا بعد نجاح ثورته زاد عدد جنوده من العبيد إلى 20 ألف مقاتل و تابع يونس توسعه وأسقط جيشه عدة من المدن وسط وشرقي صقلية .
و نجح في هزيمة القوات الرومانية التي أرسلت ضده عدة حملات لعدة سنوات لكن إينا كانت حصينةً جداً وحصارها صعبًا ﻷن تقع على جبل مرتفع للغاية الى جانب ذلك كانت روما تعاني من توترات سياسية تتعلق بمشروعات اﻹصﻼح .
في النهاية بعد سنوات تمت هزيمة جيش العبيد من قبل الجيش الروماني تحت قيادة بيربيرنا حسب فلوروس حيث ضرب حصاراً على المدينة وجوع الثوار لجأ يونُس مع أعضاء من محكمته بعد أن سقطت المدينة إلى كهف حيث تم أسره ﻻحقًا و تم إرساله إلى السجن حيث توفي بسبب المرض قبل أن تتم معاقبته لم يكن هذه طريقة الموت المناسبة لهذا الثائر الذي رفض العبودية وثار على أسياده بعد أن قاد أقرانه وضمهم معه بطريقة ذكية وأصبح ملكاً بعد أن كان عبداً .
لكنه بالرغم من طريقة الموت هذه قد ترك يونُس ثقافة إمتدت أجيلاً بعده حيث شهدت صقلية وإيطاليا المزيد من ثورات العبيد فقد ثار سالفيوس تريفو وأثينيو سنة 101-104 قبل الميلاد على حاكم صقلية كذلك في العام 71-73 قبل الميلاد كانت إيطاليا في حالة اضطراب كبير بسبب التمرد بقيادة زعيم الرقيق الشهير سبارتاكوس ..
ملاحظات :
- من نظرة نقدية للحكاية التاريخية فقد كان كل من ديودور الصقلي وبوسيدونيوس بالرغم من كونه ابن مدينة يونُس متعاطفين مع الرومان على مايبدو كونهما كانا في كنف الإمبراطورية الرومانية وكون يونُس عدو تمت هزيمته من قبل روما .
- بالنسبة للأدلة الاثرية الداعمه للحكاية التاريخية تم العثور في صقلية في منطقة إينا على عملة برونزية تحمل نقش " الملك أنطيوخوس " تم سكها في إينا يبدو من هذه العملة أن يونس حاول بناء دولة مستقلة حاضرتها هضبة إينا وسط صقلية
- في الصورة تمثال السوري يونُس الثائر في جزيرة صقلية في مدينة إينا.