علم الأثار في بابل - أقدم أشكال علم الأثار في التاريخ
أمجد سيجري
الحوار المتمدن
-
العدد: 6292 - 2019 / 7 / 16 - 23:22
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
- الملك نبونئيد أول عالم أثار في التاريخ.
- نبونئيد و مكوربا بطليموس التي تقارن بمكة.
- الكاهنة إينغالدي - نانار.
- أول أمينة متحف مسجلة في العالم لأقدم متحف مكتشف في العالم.
كان نبونئيد كما نعلم آخر ملوك الإمبراطورية البابلية الثانية الذين حكموا من 556-539 قبل الميلاد نشأ نبونئيد في مدينة حران المعقل الأخير للأشورين بعد سقوط عاصمتهم نينوى حيث استولى على السلطة في انقلاب أطاح بالملك لبشي مردوخ 556 ق. م رفع نبونئيد من شأن إله القمر سين وأعاد له مكانته عن طريق إحياء عبادته متأثراً بوالدته كاهنة القمر في حران أداغوبي الحرانية على حساب الإله البابلي مردوخ كما اهتم نابونئيد بماضي بابل ونقب و حفر في المباني القديمة وعرض اكتشافاته الأثرية التي كان يوجدها ولم تقتصر انجازاته على البحث والتنقيب فقط بل قام بترميم عدد من المعابد المكتشفه فقد عثر على اساسات معابد الإله شمش و الألهة المحاربة Anunitu عنونيتو " عناة " ورممها وكلاهما في سيبار كما رمم معبد إله القمر القمر الذي بناه نارام سين في حران والذي أعاده ل 1500 عام قبله صحيح أن التقدير غير دقيق لكن هذا يعتبر انجازاً بالنسبة لعصره كما رمم زقورة اورنمو كما رمم تمثال الملك سرجون الأكادي بذلك يمكن أن نقول أنه كان أول عالم اثار في التاريخ.
غادر نبونئيد عاصمته سافر إلى تيماء في صحراء شبه الجزيرة العربية في وقت مبكر من عهده وبقي فيها ما يقارب عشر سنوات بنى فيها عددا من الصروح والمباني وقد يكون موقع مكوربا ذاك المكان الغامض الذي يظهر في خريطة بطليموس في تلك المناطق الذي الذي حاولوا ربطه بمكة والذي يمكن أن نحلله إلى " مقة - ربا " " أي، الرب مقة " أحد تلك الصروح المهمة بناها نبوئيد كصرح من صروح إله القمر التي بناها في ترحاله وخصوصاً "مقة" كان إسم إله القمر " سين " في العربية الجنوبية والتي كانت منتشرة كلغة في تلك المناطق الشمالية من شبه الجزيرة العربية بالتالي يمكن أن نحدد مصدر لحكاية إبراهيم الإسلامية التي تقول ببناء إبراهيم للبيت العتيق في الجزيرة العربية وخصوصاً مع المطابقات الكبيرة التي نراها والتي درسها الكثيرون بين نبونئيد والنبي ابراهيم وإعتبار حكاية نبونئيد كأصل لحكاية النبي إبراهيم كون جميع المصادر التي ذكرت حكاية النبي إبراهيم أحدث من تاريخ نبونئيد .
لم يعد نبونئيد من تيماء إلا بعد مايقارب عشر سنوات في غضون ذلك استخلف ابنه بيلشاصر يمكن أن نقول أن اهتمام نبونئيد بإله القمر سين وإحياء عبادته أغضب كهنة مردوخ في بابل وذلك لإهمال إله المدينة الرئيسي وخصوصاً من خلال مغادرة نابونئيد العاصمة لمدة عشر سنوات حيث إختفت إحتفالات الأكيتو من البلاد بسبب غيابه تلك الفترة والتي تحتاج الملك كما نعلم في طقوس الإحتفال من أجل بناء واستعادة المعابد القديمة وخصوصاً معابد الإله سين مما أثار حفيظه كهنة مردوخ الذين اعتبروها عودة للعبادات الرعوية وخصوصاً أن مردوخ في الفترات الأخيرة تم تصنيف عبادته كعبادة شمسية زراعية لذلك تحالفوا مع الفرس بقيادة الملك الفارسي قورش الذين بدأ بغزو بابل وساهم في إضعاف شعبيته وتثبيت تهمة الكهنة له قيامه بجمع تماثيل الألهة من جنوب بلاد الرافدين عند بداية الغزو الفارسي ونقلها إلى بابل حيث كانت إحدى الإتهامات أنه يريد تدميرها فتم استغلال هذه الاحداث ضده لتسهيل الغزو الفارسي واسقاط حكمه .
نأتي الأن لإبنة الملك نبونئيد بيل شلطي نانا :
- بيل شلطي-نانا Bel-Shalti-Nanna ويعني إسمها "رب السلاطين نانا" و تعرف أيضاً بالإسم إينغالدي-نانا Ennigaldi-Nanna اي En-nig aldi-Nanna و تترجم " الكاهنة العليا رغبة القمر " أو " الكاهنة الغالية لدى نانا " .
عاشت إينغالدي في القرن السادس قبل الميلاد تمتعت خلال حياتها بثلاثة وظائف كان بدايتها ادارة مدرسةً للكاهنات ثم الكاهنة العليا لمعبد الإله " نانار " سين إله القمر في العام 547 ق. م بعد وفاة جدتها أداغوبي التي شغلت هذا المنصب من قبلها ومن بعدها أخدت إسمها الثاني إينغالدي-نانا ترافق مع هذا المنصب منصب آخر هو أمينة متحف القصر والذي سنتكلم عنه بعد قليل .
كرست إينغالدي معظم وقتها في عبادة نانا وتحديداً في وقت المساء حيث كانت تتعبد نانا في غرفةٍ زرقاء صغيرة بناها لها والدها على قمة إحدى الزقورات في معبدها في اور العظيمة وكان هذا المعبد يسمى "giparu" " جيفرو " كان معبد خاصاً بالكاهنة حيث مُنع الرجال قطعياً من دخوله وفي معبدها E-Gig-Par كان قصرها الصغير الذي تم بناءه على شكل شبه منحرف شمال مدينة أور وفيه كان الإكتشاف المهم المتعلق بوظيفتها الثالثة فقد تم العثور على أجزاء معينة من القصر إكتشفها عالم الآثار البريطاني السير تشارلز ليونارد وولي في عام 1925الذي كان ينقب مع فريقه في مدينة أور الواقعة الآن في محافظة ذي قار في جنوب العراق حيث إكتشفوا مجموعة غريبة من القطع الأثرية التي رتبت بعناية بجانب بعضها بين أنقاض القصر حيث كانت مناطق جغرافية وحقب تاريخية مختلفة حيث تم تجميعها بدقة وتبين أنها عبارة عن قطع أثرية يعود تاريخها الى قرون خلت تتراوح بين 1500 ق. م و 1700 ق. م و 2050 ق. م اي أقدم من تاريخ وجودها بكثير تم تجميع هذه الأثار من قبلها وقبل و الدها تضمنت محتويات هذا المتحف :
- جزء من تمثال للملك المبكر الشهير شولغي ملك أور الذي حكم حوالي عام 2058 قبل الميلاد من السلالة الثالثة .
- گدورو أو جدورو kudurru وتعني الحدود أو الجدار وهو نوع من الوثائق الحجرية المستخدمة كسجلات في بابل القديمة في القرن السادس عشر قبل الميلاد أي وثيقة لتبيان الحقوق والحدود والواجبات لكل طرف من الأطراف المتعاقدة بشهادة الملك لذلك كانت النسخة الحجرية تبقى برعاية المعبد أو القصر ويمنح الاطراف المتعاقدة نسخاً طينية من الگودورو كان يتضمن هذا العقد نقشاً للملك والألهة الذين شهدوا العقد بالإضافة الى لعنة من الألهة لكل من يخل بالتعاقد والگدورو الذي تم العثور عليه في متحف إينغالدي ذات النمط المتبع في الگدورو حيث احتوى على شعارات الألهة المختلفة و لعنة لمن يخل بالتعاقد..
ترافق مع هذه القطع إسطوانات طينية توضح تفاصيل القطع الأثرية وقد كتبت هذه التفاصيل بثلاث لغات بما فيها السومرية فكانت هذه الألواح أقدم أشكال السجلات و التصنيفات التاريخية المسجلة حتى الآن نتيجةً لهذه الدقة في العرض والتصنيف تم الإقتراح بأن بناء هذا المتحف للأغراض التعليمية وخصوصاً كون امينة المتحف إينغالدي كانت مسؤولة فيما مضى عن مدرسة الكاهنات.