عواقب فشل الحرب على إيران
توما حميد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8394 - 2025 / 7 / 5 - 20:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أعتقد أن الحرب ضد إيران لم تنتهِ، بل نشهد توقفًا مؤقتًا في الأعمال العدائية. ما حدث هو فصل واحد في مسار الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. واستمرار هذه الحرب لا يصب في مصلحة جماهير إيران والمنطقة.
خيار الجمهورية الإسلامية: القتال حتى النهاية
لا يبدو أن أمام النظام الإيراني خيارًا سوى القتال حتى النهاية. ثمة جدل داخل تيارات الجمهورية الإسلامية يتمحور حول ثلاثة خيارات:
العودة إلى المفاوضات مع الغرب، بما في ذلك عودة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران، وهذا الخيار ضعيف حاليًا.
السعي الحثيث للحصول على السلاح النووي.
التعاون الوثيق مع روسيا والصين لبناء القدرات العسكرية التقليدية، خصوصًا الدفاع الجوي والقوة الجوية.
برأيي، أي تراجع أو تنازل أمام إسرائيل والغرب يعني نهاية النظام، لأن الغرب لن يلتزم بأي اتفاق، وسيسعى إلى تغيير النظام. التجربتان السورية والليبية خير دليل، حيث قدّم نظام بشار الأسد تنازلات كبيرة، ومع ذلك استمر الضغط لإسقاطه. الأمر ذاته حدث مع نظام القذافي. وأي تنازل ستتبعه مطالب وشروط وتدخلات جديدة، وهو ما تدركه الجمهورية الإسلامية جيدًا.
لذا، أمام إيران خياران:
الحصول على السلاح النووي.
تطوير قدراتها الدفاعية بالتعاون مع الصين وروسيا، والمراهنة في أي مواجهة مستقبلية على تحويل الحرب إلى حرب استنزاف تؤدي إلى تصدعات داخل إسرائيل والولايات المتحدة.
دعم الصين وروسيا
لم يكن الدعم الروسي والصيني للجمهورية الإسلامية على المستوى المتوقع، لأسباب منها ضعف نفوذ هاتين الدولتين حتى الآن، وتحفظهما من الدخول في مواجهة مباشرة مع الغرب. كما أن شراء الطائرات الصينية أو أنظمة الدفاع الجوي الروسية واستخدامها بفعالية يتطلب سنوات من التدريب والتكامل، ولا يمكن إنجازه في غضون أسابيع أو حتى أشهر.
ولا تستطيع روسيا إرسال قواتها إلى إيران لتشغيل هذه الأنظمة، ولا حتى إرسال كميات كبيرة من الأسلحة التي قد تُحدث تحولًا جديًا، نظرًا لانشغالها في أوكرانيا. من جهة أخرى، لم تُبدِ إيران، على عكس كوريا الشمالية، رغبة جدية في الدخول بتحالفات عسكرية مع روسيا أو الصين حتى الآن.
في المقابل، الولايات المتحدة مهيأة أكثر للدخول في صراعات خارج حدودها، إذ تمتلك مئات القواعد العسكرية حول العالم، وتنفق تريليونات الدولارات منذ عقود لإخضاع مناطق مثل الشرق الأوسط.
لقد أثبتت القوة الصاروخية الإيرانية قدرتها الكبيرة في المواجهة مع إسرائيل، كما كان متوقعًا. على المدى القصير، ستسعى إيران إلى تعزيز هذا المجال، بالتوازي مع طلب دعم جدي من روسيا والصين على المدى المتوسط والبعيد.
وتشير دلائل إلى تغيير جدي في موقف الجمهورية الإسلامية؛ إذ زار وزير الخارجية الإيراني موسكو والتقى بالرئيس الروسي، بينما توجّه وزير الدفاع الإيراني إلى الصين مباشرة بعد الجولة الأخيرة من الحرب، وسط حديث جدي عن تسريع عملية نقل منظومات دفاع جوي وطائرات سو-35 الروسية وطائرات جي-10 سي الصينية إلى إيران.
فشل الغرب في الحرب الأخيرة على إيران
رغم ضراوة الحرب والأضرار التي لحقت بإيران، فإن الغرب فشل في تحقيق أهدافه الاستراتيجية. لم يسقط النظام الإيراني، بل استعاد توازنه سريعًا، وشن هجمات صاروخية على إسرائيل، مما أفشل عنصر "المفاجأة" وأجبر الغرب على الدخول في حرب استنزاف لا تخدم مصالحه.
ومن المستبعد أن يكون البرنامج النووي الإيراني قد دُمّر، ولهذا وافقت أمريكا وإسرائيل على وقف الحرب. فالقصف الجوي المكثف لمدة 12 يومًا لم يُسقط النظام، بل عزز من تماسكه، وأكد فشل الرهان الغربي على "الحسم السريع" عبر التفوق التكنولوجي.
إن فشل الغرب في هذه الحرب سيترتب عليه على المدى البعيد نتائج عكسية كبيرة.
الدروس المستخلصة
القصف وحده لا يُسقط الأنظمة، بل أحيانًا يعزز الجناح المقاتل داخلها، ويوحد الجماهير خلف النظام ضد "العدو الخارجي"، وهو ما حدث في إيران.
أدت الحرب إلى تعزيز النزعة الوطنية والمحافظة، وإضعاف الجناح المهادن مع الغرب.
النظام الإيراني في وضع أفضل الآن مقارنةً بما قبل الهجوم الإسرائيلي، وفشل الغرب في إسقاطه يُعد نصرًا بحد ذاته للجمهورية الإسلامية.
الحرب فرضت تراجعًا كبيرًا على نضالات الطبقة العاملة والنساء والقوى التقدمية في إيران.
كشفت الأحداث زيف الخطاب الإعلامي والسياسي الغربي، خاصة أن الجمهورية الإسلامية، رغم طبيعتها الرجعية، التزمت بالقانون الدولي، بينما خالفه الغرب.
تبين أن الحرب السيبرانية والمعلوماتية باتت ميدانًا مركزيًا للصراع، جنبًا إلى جنب مع الحرب العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية. حيث ان السيطرة على السردية الاعلامية اداة مهمة من ادوات الحرب. كما ان الهجمات الالكترونية وخرق البنية التحتية الرقمية اداة اخرى بالغة الاهمية. اذ تبين ان الصراع هو صراع اقتصادي وسياسي ودبلوماسي وعسكري ومعلوماتي ورقمي. أن "السيادة الوطنية" لم تعد تقتصر على الأرض والسياسة والاقتصاد والدبلوماسية، بل تشمل الاستقلال في الفضاء السيبراني والإعلامي والتقني، وهو ما تدركه الصين وروسيا جيدًا وقامت بخطوات كبيرة في هذا السياق. كما قامت ايران بتعليق خدمات نظام تحديد المواقع الامريكي، جي بي اس، واحلال نظام "بيدو" الصيني للملاحة الفضائية محله.
ما حدث يعزز تسارع الانتقال من نظام عالمي أحادي القطب إلى نظام متعدد الأقطاب. إن فشل الحرب على إيران لحد الان يُعد ضربة لسياسة الغرب في فرض الهيمنة العالمية، ويعطي دفعة لقوى مثل تحالف "بريكس" للحد من الغطرسة الأمريكية، ويعمّق الانقسامات بين الأقطاب.
استحالة السلام مع إسرائيل الحالية: لا يمكن الحديث عن سلام دائم في الشرق الأوسط في ظل وجود إسرائيل بصفتها دولة دينية-إثنية توسعية. قد يتحقق استقرار مؤقت، لكنه لن يفضي إلى سلام دائم.
ان امتلاك السلاح النووي سكون حاجزا امام هجمات الغرب على الدول المعادية.
الحرب لاتخدم مصالح الجماهير
الحرب تمثل ضربة قوية للطبقة العاملة والقوى التقدمية في إيران والمنطقة. لا يصب انتصار أي من طرفي الحرب في مصلحة الجماهير، واستمرار أجواء الحرب سيُضعف نضالات الطبقة العاملة والحركات النسوية والتحررية في إيران والمنطقة.
تستغل الجمهورية الإسلامية أجواء الحرب لتعزيز النزعة القومية، وحشد التأييد الشعبي ضد الحركة التحررية، مدعيةً الدفاع عن فلسطين ومواجهة أمريكا وإسرائيل. كما تشن هجمة شرسة على الحريات الفردية والاجتماعية، وتنفذ حملات اعتقال وإعدامات بذريعة "مكافحة الجواسيس والمتعاونين مع العدو". وتحمّل الطبقة العاملة تبعات الحرب عبر التضييق الاقتصادي وتسريح العمال ورفع الأسعار.
المخرج من الكابوس
الخروج من هذا الوضع لا يكون عبر انتصار أحد الطرفين، بل بتجاوز الصراع نفسه، من خلال حركة إنسانية أممية قادرة على فرض التراجع على القطبين الرجعيين وفرض وقف العدوان وتحقيق السلام.
استراتيجية الغرب: غموض ظاهري ووضوح فعلي
قد يبدو للوهلة الأولى أن استراتيجية الغرب وإسرائيل تجاه إيران تتسم بالغموض، لكنها في الواقع واضحة: استهداف أعداء القطب الغربي تدريجيًا، بدءًا من روسيا، ثم إيران، وأخيرًا الصين. ويتم تنفيذ ذلك وفق تقسيم عمل بين القوى الغربية: أوروبا مسؤولة عن أوكرانيا، إسرائيل عن الشرق الأوسط، بينما تتفرغ أمريكا لمواجهة الصين.
الهجوم على إيران لم يكن قرارًا إسرائيليًا فقط، بل حرب الغرب بقيادة أمريكا ضد النظام المتعدد الأقطاب. وما الحديث عن وجود خلاف بين أمريكا وإسرائيل أو بين ترامب ونتنياهو سوى محاولة تضليل إعلامي، فكل السياسات يتم تنسيقها بدقة.
مشروع 2025 وخطة تدمير الدولة الإيرانية
الهدف الغربي لم يكن إسقاط النظام الإيراني فقط، بل تدمير الدولة الإيرانية. إذ أن بقاء دولة قوية حتى بعد سقوط النظام قد يؤدي إلى ظهور نظام قومي أشد عداءً للغرب. لذلك تسعى الاستراتيجية الغربية إلى تمزيق إيران وتحويلها إلى كيانات ضعيفة يمكن التحكم بها.
وفقًا لما سُمي بـ"مشروع 2025"، المنشور عام 2023، كان المخطط إسقاط الجمهورية الإسلامية عبر عملية خاطفة وشاملة: عسكرية، استخباراتية، سياسية، دعائية، وسيبرانية، بحيث تقود إسرائيل التنفيذ. تضمنت الخطة استخدام أكثر من 12 ألف طائرة مسيّرة، واغتيالات للقيادة السياسية والعسكرية، تمهيدًا لإنزال جوي يسيطر على المنشآت الحيوية.
ان الحرب على إيران هي حرب الغرب الجماعي. ورغم أن لإسرائيل أهدافها الخاصة، فإنها لا تستطيع شن حرب بهذا الحجم دون دعم أمريكي وغربي مطلق. الغرب ملتزم بدعم إسرائيل إلى أبعد الحدود، لأنها إحدى أدواته الأساسية للحفاظ على نفوذه في الشرق الأوسط. ما نشهده اليوم هو تنفيذ ممنهج لاستراتيجية غربية طويلة الأمد، تهدف إلى الحيلولة دون نشوء عالم متعدد الأقطاب، رغم القناعة بضرورة الانسحاب من بعض المناطق وتقديم تنازلات معينة للخصوم واعتراف وزير الخارجية الامريكي بأن أحادية القطب لم تكن سوى مرحلة مؤقتة.