بماذا تخبرنا حرائق لوس انجلس؟!


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 8232 - 2025 / 1 / 24 - 16:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تعد حرائق لوس انجلس من الكوارث الكبيرة التي وقعت في امريكا خلال العقود الاخيرة، وهي أكبر الحرائق في تاريخ مقاطعة كالفورنيا.



لقد اشتركت عشرات العوامل في تفاقم هذه الحرائق واثارها، ولكن العامل الحاسم هو التغير المناخي. لقد وجدنا من خلال هذه الحرائق، تأثير التغير المناخي بشكل واقعي وملموس. تعتبر السنوات العشر الماضية من بين أكثر عشر سنوات سخونة في كل الازمنة. كما ارتفعت درجة حرارة الارض في 2024 بمقدار 1.5 درجة مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وهذا يعني اننا بلغنا هذا المنعطف بعقدين من الزمن قبل اسوء السيناريوهات التي وضعها العلماء من قبل. وكاليفورنيا بالذات شهدت تغير مناخي واضح من جفاف وحرائق ومظاهر مناخية متطرفة اخرى. وقد شهدت منطقة هذه الحرائق تطرف مناخي، اذ كان هناك موسمان ممطرين بشكل غير طبيعي اديا الى نمو هائل للأحراش والنباتات تلاهما موسم جاف جدا بما فيه الان، في فصل الشتاء حيث يفترض ان يكون الذروة في سقوط الامطار في هذه المنطقة، اذ لم تمطر منذ شهر ايار الماضي مما ادى الى جفاف هذه الاحراش والنباتات وتحولها الى وقود هائل للنيران. كما شهدت نفس المنطقة عند اندلاع الحرائق مستوى عالي من الرياح وصلت الى أكثر من 100 ميل في الساعة والتي استمرت لأيام عديدة والتي جعلت من الصعب استخدام الاطفاء الجوي . كما تعاني هذه المنطقة من شحة المياه الى حد ما. كل هذه العوامل وغيرها اجتمعت لتجعل حجم النيران غير مسبوق ومحاولة اخمادها في معظم الاحيان عمل عقيم.



ان قلة المياه التي يمكن استخدامها في مكافحة الحرائق اما بسبب عدم التخطيط او بسبب ازالة الحواجز المائية لتسهيل تكاثر الاسماك، عرقلت جهود مكافحة الحرائق و فاقمت الحرائق وتأثيراتها الانية وطويلة الامد. يجدر الاشارة الى حقيقة انه تم خصخصة موارد المياه في لوس انجلس حيث يمتلك الزوجان المليارديران، ستوارت وليندا ريسنك، حوالي 57% من موارد المياه في مقاطعة كاليفورنيا.



وقد قامت شركات البناء، بالضغط على المسؤولين والتأثير على قوانين البناء لصالحها الامر الذي مكنها من البناء في اماكن غير ملائمة، خطرة، قريبة من البرية والغابات، يصعب حمايتها من الحرائق، وعدم الالتزام بمعايير البناء واستخدام مواد انشائية غير ملائمة.



كما كان تصميم الاحياء السكنية في بعض الحالات غير صحيح بحيث كانت الازقة موازية لمسار الرياح مما ساهم في استشراء الحرائق وتقدمها بشكل سريع.



كما تم حفض التمويل لقسم مكافحة الحرائق في السنوات الاخيرة، من جهة اخرى اكثر من 30% من رجال مكافحة الحرائق هم من السجناء الذين هم في الواقع عبيد.



كما تأكد بان الكثير من شركات التامين قد انسحبت من هذه المنطقة اي قامت بإلغاء عقود التامين للكثير من البيوت لان الخطر كان عالي جدا مما يزيد مشاكل ضحايا هذه الحرائق وخاصة من الفقراء ومتوسطي الدخل.



رغم ان عملية الاخلاء نجحت في الحد من الوفيات، الا ان عملية الاخلاء تخللتها احيانا الفوضى والتخبط. لقد وجد الكثير من الناس العاديين انفسهم لوحدهم في مواجهة هذه الحرائق، واحيانا كان حماية الملكية اهم للسلطات من حماية بعض الارواح.







سيكون لهذه الحرائق عواقب وخيمة لأجيال قادمة، فعدا الخسائر المادية التي تفوق 100 مليار و فقدان العشرات لحياتهم وتدمير أكثر من 12 ألف بيت وبناية وفقدان اكثر من 100 الف شخص للمأوى ومواجه حتى الجوع فان العواقب تمتد لتشمل امراض مزمنة ناتجة عن الدخان واحتراق البلاستيك والمواد المصنعة والوقود وعشرات المواد التي تنتج ابخرة ضارة جدا، اضافة الى تلوث المياه والطعام والبحار والتأثير على الاراضي الزراعة نتيجة استخدام مياه البحر المالحة لإطفاء الحرائق.







ان ما يجمع كل هذه العوامل ويسهم في تلاقيها وكل الاخفاقات هو النظام الرأسمالي في مرحلة الازمة ومنطق الانتاجة الرأسمالي، اي منطق تحقيق الربح الذي يفرضه على الفرد والمجتمع. ان خصخصة الماء، قلة طاقم مكافحة الحرائق، البناء في امكان غير صالحة للبناء، استخدام مواد انشائية غير جيدة، استخدام السجناء، عدم التحضير للكوارث مثل هذه الكارثة، ضعف الدعم للمتضررين الفساد وعشرات الظواهر الاخرى هي بسبب منطق النظام، اي تعقب الربح. ان التغير المناخي والفشل في مواجهة هذه الظاهرة هو الاخر بسبب منطق النظام، اي منطق الربح.



في مواجهة هذا الواقع، يقوم الاعلام وخاصة اليميني اما بتوجيه اصابع الاتهام الى هذا الشخص او ذاك، هذه المؤسسة او تلك، او الترويج لتحليلات سطحية للفشل في مواجهة الحرائق مثل توظيف النساء في طواقم مكافحة النيران رغم ان النساء يشكلن 3.5% او الترويج لنظريات المؤامرة، او التركيز على قضايا جانبية مثل نجاح شخص في انقاذ بيته واخر يجمع التبرعات الخ.



لا يمكن تفسير ماحدث بفشل هذا الشخص او ذاك او هذه المؤسسة او تلك رغم اهمية دور الافراد والمؤوسسات في مواجهة الكوارث الطبيعية. ولكن حرائق لوس انجلس كانت كارثة غيرمسبوقة وان العامل الذي يقف خلف حجم هذه الكارثة و كل هذه الاخفاقات هو النظام الرأسمالي.







بينما الحرائق لاتزال مشتعلة يقوم دونالد ترامب بالتوقيع على اوامر رئاسية تنص على انسحاب امريكا من اتفاق باريس للمناح ومن منظمة الصحة العالمية وعلى اطلاق العنان للشركات للتنقيب عن الوقود الاحفوري بحجج سخيفة وسطحية مثل ان المنظمات والمؤسسات والاتفاقات الدولية تقوض السيادة الوطنية وان التغير المناخي هي مؤامرة من دعاة العالمية.



ان منطق النظام يمنع البشرية من مواجهة التغير المناخي. كما يمنعها من التخفيف من تاثير التغير المناخي مثل زيادة الدعم لفرق مكافحة الحرائق، تنظيم قطاع البناء، تعويض المتضررين الخ. للاسف، في ظل هذا النظام كوارث مثل حرائق لوس انجلس ستتكرر بشكل متسارع.